رسالة شكر الى أردوغان/ جان دوندار
السيد رئيس الجمهورية (التركية)، العالم أجمع بات يعلم أن دخولي السجن في الأشهر الثلاثة الماضية كان سببه الشكوى الشخصية التي تقدمت بها ضدي، وموقف محاكم الجزاء التي لا تكسر لكم خاطراً ولا ترد لكم طلباً. لكنني أعتقد أنني أدين لكم بالشكر على هذه الخطوة. فتجربة دخول السجن كانت الشيء الوحيد الذي تفتقده تجربتي الصحافية العملية، وبفضلكم أتممت تجربتي الصحافية. وفي السجن، عشت ساعات طويلة بعيداً من هاتفي المحمول الذي أدمنت أجهزتكم التنصت على مكالماته، وتوفر لي الوقت لقراءة الكتب التي لم أقرأها، والوقت للكتابة فكتبت أكثر من السابق، بل وفي جو لم أكن أخشى فيه سخطك على كتاباتي أو تهديدي بالسجن، لأنني في السجن فعلاً! وخارج السجن، لم تكن تتسنى لي ممارسة الرياضة، لكن وراء القضبان، عوّضت ما فاتني وشاركت في مباريات كرة قدم. وتعرفت الى أشخاص كثر، ونسجت صداقات جديدة، وخزنتُ في ذهني قصصاً للكتابة الصحافية تكفيني الى نهاية عمري، وتعرفت الى عدد كبير من النواب والمحامين الذين جاؤوا لدعمي ولم أكن أعرفهم. هذا كله حدث بفضلكم.
وفي السجن قضيت للمرة الأولى ليلة رأس السنة، مناسبة لم أكن في الماضي أوليها أي اهتمام، لكنني هناك تعلمت أهميتها وأهمية أن يمضيها الشخص الى جوار عائلته، فشكراً على هذا الدرس. وإيداعنا السجن في هذه الفترة حمانا من التفجيرات التي وقعت في تركيا، ومن الحرب التي تأكل أخضرها ويابسها، ومن عودة مرض أنفلونزا الخنازير وغيرها. فحق الشكر مجدداً لك. وتجربة السجن وفرت لي فرصة غير مسبوقة لا تحصل إلا عند وفاة الشخص، وهي معرفة مكانتي لدى الناس ومن يحفظ ودّي في غيابي أو بعد وفاتي، ومن كان ينافقني ومن كان يحبني فعـــلاً في هذا الامتحان. ويعود الفضل إليكم في انتخاب القراء لي أفضــلَ كاتب في العام الماضي، متفوقاً على حائز جائزة نوبل، أورهان باموك، على رغم أنني لم أكتب كتاباً جديداً في العام الماضـي! وبفضلكم علمنا أن «ليس كل طائر يؤكل لحمه، وليس كل صحافي يمكن أن يشترى أو يباع». فالشكر هنا واجب علي. ولا يمكن قياس الأشهر الثلاثة التي أمضيتها في السجن على سنوات قاتمة من الحبس الانفرادي التي يمضيها عدد كبير من الصحافيين الذين ادعيت عليهم بتهمة «السب والقذف»، لكن تجربتي هذه قدمت لي منصة لكي أدافع عن حقوقهم وأذكّر بالظلم النازل بهم، وجعلتني لسان حالهم وواحداً منهم، فشكراً.
كما أن ذلك الخبر الذي وصفته بسر دولة وقاضيتنا بتهمة نشره، والمتعلق بنقل الأسلحة بحماية الاستخبارات الى سورية، هذا الخبر الذي صدر على صفحات صحيفتنا في تركيا، بلغ اليابان وأوروبا وأميركا بعد الضجة التي نشأت بسبب دخولي السجن. فشكراً على مساعدتك على انتشار هذا الخبر في أنحاء العالم.
ليس هذا فحسب، بل إنك قد وفرت لي الفرصة لأكشف للعالم كيف أن جمهوريتنا تتجه نحو حكم متسلّط ومكمِّم للأفواه وعدو للحريات، فلولا دخولي السجن لما كنت أحلم بأن أكتب مقالات أو أدلي بحوارات تنشر في صحف مثل «غارديان» و «دير شبيغل» و «نيويورك تايمز»، ولا بطلب نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، لقاء زوجتي وابني خلال زيارته أنقرة. وأنت زرعت في كثر منا روح التكافل والتعاضد والتعاون، فنظم مئات من الصحافيين ودعاة الحرية جولات مؤازرة أمام السجن. كما وجب الشكر للمحكمة الدستورية العليا، فهي لسان حالها «كفى ظلماً وتجاوزاً للقوانين، ثمة عدالة وقضاة محترمون في هذا البلد». كما أن أحوالي المالية كانت سيئة قبل دخولي السجن وراكمتُ بعض الديون، وأتوقع اليوم أن التعويض المالي الذي سأحصل عليه بسبب حبسي احتياطياً من دون سبب قانوني، كما قالت المحكمة الدستورية العليا، سيساعدني على سد تلك الديون وتحسين وضعي المالي، فشكراً مجدداً. مع فائق الاحترام
* رئيس التحرير، عن «جمهورييت» التركية، 28/2/2016، إعداد يوسف الشريف
الحياة