اللاجئون السوريون –مقالات مختارة-
لماذا لا يمكن أن تحل مشاكل اللاجئين عبر إغلاق الحدود؟
بعد سبعة وعشرين عاما على سقوط جدار برلين، وبعد 25 عاما على اعتماد اتفاقية شنغن، وبعد 26 عاما من نشر «كينيتشي أومي» لكتابه عالم بلا حدود، فإن أزمات الحدود تعود من جديد.
هذا صحيح ليس في أوروبا فقط، حيث يعتقد أن الأزمة الحادة في سوريا مسؤولة عن هذا التطور، ولكن أيضا في الولايات المتحدة حيث بدأ الصعود السياسي لـ«دونالد ترامب» مع وعوده ببناء جدار لوقف الهجرة إلى الولايات المتحدة.
لماذا يظن كثيرون أن الحدود سوف تنتهي؟ ولماذا ينبغي علينا أن نندهش أنا لم تعد موجودة؟ الجواب له علاقة بطريقة تفكيرنا التي تجعلنا غالبا ما نسيء فهم عواقب العولمة. هذه الكلمة المخيفة غالبا ما تكون مصدرا لظهور فكرتين متعارضتين.
عالم أكثر اتصالا أم مزيد من التقسيم
الفكرة الأولى تقول بأن التكنولوجيا سوف تساعدنا في التغلب على المسافات. كثير من الناس، سواء المدافعين المتحمسين عن العولمة أو حتى خصومها القليلين يعتقدون أن الثورات في مجال الاتصالات وسهولة نشر المعلومات والحصول عليها قد ساهمت بشكل كبير في تقليل تكلفة التفاعل وبالتالي فإنها قد ساعدت على تقليص المسافات بشكل كبير.
هناك بعض الخلاف حول ما إذا كان هذا التطور عاملا إيجابيا أو سلبيا في الشؤون الدولية. يعتقد بعض المعلقين أنه من خلال طمس الحدود القديمة من خلال التدفقات العابرة للحدود لرأس المال والسلع والأشخاص والمعلومات فإن العولمة سوف تدمج أيضا بين ما هو وطني وما هو دولي مما سيؤدي إلى إضعاف سيطرة الدول. وكما كتب يوما قيادي بريطاني سابق في مجال الدفاع فإن: «العالم اليوم ليس مكانا أكثر أمنا لأن التمايز التقليدي بين الداخل والخارج قد صار من إرث الماضي».
لكن معلقين آخرين رأوا، على سبيل المثال، أن ثورات الربيع العربي التي اندلعت في عام 2010 قد وفرت إمكانات جديدة من أجل التحرر. وكما كتب أحد كتاب صحيفة «نيويورك تايمز» : «في أحد الناحيتين تقف الحكومات التي تطلق الرصاص، وعلى الجانب الآخر هناك الشباب الذين يمارسون الاحتجاج من خلال التغريدات». وقد خلص البعض إلى أن النفور الذي تحمله المجموعات الوطنية تجاه بعضها البعض سوف يتبخر في الوقت الذي تنتهي فيه عزلة الأمم عن بعضها البعض وتتقلص الجدران الجمركية المرتفعة وتتطور شبكات الاتصالات.
المعسكر الآخر، على النقيض، يرى العولمة بشكل مختلف. وهم يشيرون غالبا إلى سخرية «جورج أوريل» من «الطريقة التقليدية التي يكرر بها الناس بعض العبارات». وهم يرون أن هناك عبارتين كبيرتين مفضلتين هما «إلغاء المسافات» و«اختفاء الحدود» في الوقت الذي تعيد فيه الدول تحصين حدودها وتقوم بالسيطرة على الإعلام وبث الدعايا وتضع قيود كبيرة على السفر والهجرة بطريقة لم تكن معهودة من قبل. بالنسبة لهؤلاء، فإن العالم ليس متصلا بالطريقة التي نود أن نراه بها. في الواقع فإن معظم الأنشطة الاقتصادية تجري داخل الحدود. وفي حين أنه يمكن أن نقول بأن «الاستثمار لا يعرف حدودا» إلا أن أكثر من 90% من الاستثمارات في العالم هي استثمارات محلية. في الواقع، فإن العائدات الناتجة عن الهجرة عبر الحدود، والمكالمات الهاتفية، والتعليم، والبحوث، وخلق براءات الاختراع والتجارة العابرة للحدود لا تتعدى 10% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وعلاوة على ذلك، ومن الناحية السياسية، فإننا لا نعيش بعد في هذا العالم حيث الحدود الوطنية ليست ذات صلة وحيث يرى المواطنون حول العالم أنفسهم أعضاء في مجتمع سياسي أوسع. كما جادل أحد النقاد في مجلة «فورين بوليسي»:
«الحدود الجغرافية لا تزال متغلغلة جدا لدرجة أنها تمتد إلى الفضاء الإلكتروني، وإذا كان هناك واحد عالم فيه ينبغي أن تكون فيه الحدود حقا بلا معنى إن هذا العالم سوف يكون بالتأكيد هو شبكة الإنترنت. ولكن حركة المرور على الشبكة داخل البلدان هي أسرع بكثير من حركة المرور بينها. كما هو الحال في العالم الحقيقي، فإن وصلات الإنترنت قد قلصت المسافات وجعلت فرص الارتباط بين الناس مرتفعة، ولكنهم لا يزالون يحجمون عن الاتصال ببعضهم البعض».
حسنا: إلى أين نتجه في واقع الأمر؟ هل نتجه إلى تكامل لا رجعة فيه أم أن أسس التقسيم الصلبة سوف تظل عصية على تجاوزها؟ الإجابة التي صرت أكثر ميلا لها الآن هي أن العولمة تزيد بالفعل من تمكين المكان عبر زيادة الحاجة إلى حماية المكان. وبعبارة أخرى، سيكون لدينا المزيد من الحدود، وليس أقل، والمزيد من الجدران، لأننا نقوم ببناء المزيد من الجسور.
يجادل البعض أن دول السوق التي توقعنا أن تنشأ نتيجة للعولمة من بين أمور أخرى، قد تمت محاصرتها نتيجة ارتفاع النزعة القومية التي نشهدها في كل مكان. وفي واقع الأمر فإن دول السوق تعد أكثر ترحابا بتعدد النزعات القومية من الدول الإمبريالية في القرن التاسع عشر أو ورثتها من الدول الصناعية في القرن العشرين.
حاجة متزايدة للتعاون
هذا يقودني إلى النقطة التي بدأت بها مقالي والتي تتعلق بالتغيير التغيير في طبيعة الدولة التي نشهده وبالأخص زيادة تمجيد الحدود الذي يجعلها أكثر عرضة للخطر. يجب أن يدرك صناع القرار أنهم بحاجة إلى ترك الفرصة إلى المزيد من التعاون العابر للحدود وليس إلى تقليله.
يمكنك أن تنظر على سبيل المثال إلى مشكلة الهجرة، وهي الأزمة الحادة الناجمة عن الصراع السوري، ودعونا ننظر إلى الأمر من زاوية الموقف الذي تجد الولايات المتحدة نفسها في مواجهته.
مع وجود أكثر من 500 عملية عبور للحدود الأمريكية سنويا، ومع امتلاك أكثر من ربع الأمريكيين لجوازات سفر، تواجه حكومة الولايات المتحدة تحديا كبيرا في حماية الولايات المتحدة من طغيان المهاجرين ومنع استغلال نظام السفر والهجرة من قبل الإرهابيين. للأسف، اتجهت المناقشات العامة لدمج هذين الهدفين، وهذا في الواقع نهج خاطئ لجملة من الأسباب أهمها ما سبق أن أشرت إليه وهو أن علاج نقاط الضعف التي أفرزتها العولمة ينبغي أن يكون عبر المزيد من التعاون وليس عبر تقليصه واسمحوا لي أن أشرح ذلك بتفاصيل أكثر.
تم ارتكاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول من قبل رعايا أجانب نجحوا في الحصول على تأشيرات دخول. من خلال تقديم معلومات كاذبة في طلبات الحصول على التأشيرة أو تقديم جوازات سفر غير قانونية فقد نجحوا في الحصول على 22 تأشيرة من إجمالي 23 تأشيرة تقدموا للحصول عليها كما تمكنوا من دخول الولايات المتحدة 33 مرة على مدار 21 شهرا.
يعطي استراتيجية تطبيق قوانين الهجرة لإدارة «أوباما» الحق في القبض على الأشخاص الخطرين الذين يمثلون تهديدا للأمن القومي. يتم تحقيق ذلك بشكل أفضل من خلال اعتماد آليات الفرز قبل الوصول والتي تتطلب بشكل كبير تعميق وتوسيع التعاون الدولي عن طريق جمع وتقاسم ومعالجة بيانات المسافرين بما يتضمن سجلات سفرهم السابقة. وجود مثل هذه المعلومات قبل وقوع أحداث سبتمبر/أيلول ربما كان ليمنع وقوع مثل هذه المأساة.
الآن لننظر إلى الأهداف الأخرى التي تدفع الولايات المتحدة للسيطرة بإحكام على حدودها. خلال الثمانينيات، كان يجري ردع الرجال المكسيكيين عن الدخول إلى البلاد للبحث عن عمل ثم العودة لأجل إنفاق مدخراتهم. خلال الفترة من 1965 إلى عام 1986، على سبيل المثال، تشير التقديرات إلى أن 86% من المهاجرين غير الشرعيين كانوا يعودون إلى بلادهم، وبالتالي فإن أعداد المهاجرين كانت تشهد ارتفاعا بطيئا، حيث ارتفع عدد السكن غير الشرعيين بنسبة 1% فقط خلال عقدين. في عام 1986، ومع اعتماد قانون مراقبة الهجرة بدعم من الرئيس الأمريكي «رونالد ريجان» فقد كانت النتيجة أن المهاجرين غير الشرعيين الذين باتوا يواجهون حدودا أكثر صرامة صاروا يحجمون عن العودة إلى بلدانهم الأصلية. وكانت النتيجة واحدة هي الانضمام المتزايد لزوجاتهم وأسرهم ومن ثم تزايد عدد الأجانب غير الشرعيين، فضلا عن الزيادة الهائلة في عدد أبناء المهاجرين غير الشرعيين و80% منهم من مواطني الولايات المتحدة. وهكذا ارتفع عدد الأجانب الذين لا يحملون وثائق من أقل من 3 ملايين في عام 1986 إلى ما بين 11 مليون شخص و 12 مليون شخص اليوم مع كل ما ترتب على ذلك من مشاكل الانقسام الداخلي التي نعاني منها اليوم.
من الواضح أن تجاوز الحدود بفعل حركة السوق وغيرها يرتد ليجعل هذه الحدود، بما في ذلك الحدود الثقافية أكثر بروزا من ذي قبل. وسوف يكون علاج نقاط الضعف التي أفرزتها هذه التطورات من خلال إدخال المزيد من التعاون وليس تقليل ذلك.
ترجمة وتحرير فتحي التريكي – الخليج الجديد
ستراتفور
الاتحاد الأوروبي يعلن الحرب عمليا ضد اللاجئين
رأي القدس
إنها مأساة مثيرة للأسف ضد المهاجرين قد تكون مجرد بداية دموية. فقد قرر الاتحاد الأوروبي إغلاق حدود البلقان بالأسلاك الشائكة أمام عشرات آلاف اللاجئين الذين وصلوا إلى اليونان، ومن بينهم 13 ألفا عالقون عند الجانب اليوناني من الحدود مع مقدونيا.
وحتى في ألمانيا التي طالما كانت تفتخر بأنها أدخلت مليونا من اللاجئين لحدودها فإنها جعلت الشرطة تشن حملات أمنية لإبعاد الذين أصبحوا مرفوضين للجوء إلى الخارج.
وأمس الأول لقي شاب مصري حتفه عقب قفزه من قطار كان يسير بكامل سرعته بالقرب من مدينة ميونيخ الألمانية خوفا من الترحيل على ما يبدو. وأثناء تحقق رجال الشرطة من هويات ركاب القطار في ساعة مبكرة من صباح أمس الجمعة، اكتشفوا أن هذا الشاب، 17 عاما، كان يختبئ أسفل مقعد في مقصورة خاوية. وبينما كان رجال الشرطة يتحققون من أوراقه، تمكن الشاب من الانتقال لمقصورة أخرى في القطار، القادم من مدينة فيرونا الإيطالية. وفي تلك المقصورة فتح الشاب إحدى نوافذ القطار وقفز منها.
ومن المؤسف أن المانيا لا تتردد في فرض كافة سياستها القوية ضد المطلوبين بالخروج من حدودها، وهي في الحقيقة أصبحت تمارس كلمات مخادعة، حيث أن التصريحات مختلفة تماما، إذ أن الحرب تسعى إلى إبعاد اللاجئين عبر قوات الشرطة، وهو ما أكد به كذلك رئيس الوزراء السلوفيني ميرو سيرار، اذ صرح لصحيفة «فيلت» الألمانية أن «برلين تقول من ناحية إن الحدود الألمانية ستظل مفتوحة أمام اللاجئين، لكن من ناحية أخرى هناك منذ فترة طويلة قيود يومية أو زمنية مفروضة على الدخول عبر الحدود الألمانية».
يذكر أن سلوفينيا قررت عقب قمة الاتحاد الأوروبي وتركيا، مطلع الأسبوع الجاري، السماح فقط بمرور اللاجئين الذين بحوزتهم جوازات سفر وتأشيرات سارية، وتبعتها في ذلك كل من صربيا وكرواتيا ومقدونيا. ويعتبر طريق البلقان مغلقا فعليا منذ ذلك الحين أمام اللاجئين.
وبينما تعلن وكالة الحدود الخارجية الأوروبية (فرونتكس) أن عدد اللاجئين وصل إلى 130 ألفا في اليونان، فإن أوروبا أصبحت تتجه عمليا إلى خطوات أقرب إلى الحرب منها إلى التعاون.
وقد أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الاثنين الماضي إرسال ثلاث بوارج عسكرية للمشاركة في عمليات حلف شمال الأطلسي للتصدي لتهريب المهاجرين في بحر إيجه. وجاء في بيان له «علينا أن نكسر تجار المهربين المجرمين وردع الأشخاص المتكدسين في مراكب متداعية من خوض غمار هذه الرحلة الخطرة وغير المجدية».
ويمثل الوضع من اللاجئين موقفا أساسيا داخل بريطانيا تجاه الاستفتاء المقرر في شهر حزيران/ يونيو المقبل من البقاء في الاتحاد الأوروبي. ويزعم الرافضون لأوروبا أن بريطانيا ستتمكن من منع قدوم اللاجئين. وقال نايجل فاراج زعيم حزب «استقلال بريطانيا» في تغريدة مؤخرا «مع استغلال آلاف الإرهابيين الإسلاميين أزمة اللاجئين، سنكون أكثر أمانا بكثير في حال خروجنا من الاتحاد الأوروبي».
ولاحظ أحد رجال الدين المسيحي في بريطانيا أمس «أن الحديث الرافض لاستقبال اللاجئين لا يعني بأي حال عملا جرائميا بالضرورة إذ أنه من الطبيعي أن يفضل الناس مصالحهم في تحسين العمل والأموال»(..).
الواقع أن أوروبا أصبحت تدرك أن خلافاتها بشأن المهاجرين أصبحت تمثل خطرا وجوديا حقيقيا. بل أن بعض المسؤولين في أوروبا يقولون سريا «إنه لم يعد ممكنا أن يجتمع وجود الاتحاد الأوروبي بعد عشرة أعوام من الآن»، ويعتبرون أن «الاتحاد الأوروبي يواجه خطر تصاعد الشعبوية والقومية بسبب تدفق المهاجرين بأعداد قياسية على أوروبا».
الواضح إذن أن أوروبا اختارت أن تفضل وجودها ومصالحها على قوانينها وأخلاقياتها بمساعدة اللاجئين الهاربين من الموت، وبالتالي فإن أوروبا لم تعد تستطيع أن تزعم أنها ما زالت أفضل حقا في تقديم النموذج للآخرين في بلادنا عندما يتعلق الأمر بدروس الحقوق والقوانين والمشاعر الإنسانية.
القدس العربي
درب آلام مهاجرين قاصرين تقطعت بهم السبل في اليونان/ ماريا مالاغارديس
يونس ليس اسمه الحقيقي. وفي كل الاحوال، لا أهمية لاسمه. فهو بمثابة شبح أو طيف يافع في اليونان، ولا أثر له في السجلات الرسمية: فالوثيقة التي كانت تجيز إقامته في اليونان طوال 30 يوماً انتهت صلاحيتها وصارت متقادمة. وعلى رغم ملامحه الفتيه وقامته الصغيرة، لم يعد يونس طفلاً. فهو بلغ الثامنة عشرة في كانون الثاني (يناير) المنصرم، بعد ثلاثة اشهر على بلوغه اليونان في الشهر العاشر على نحو ما يقول ويقول مغاربة كثر في الاشارة الى الاشهر وفق ترتيبها في الرزنامة.
يونس اليوم راشد، ولم يعد في امكانه انتظار عملية لم شمل بأقارب مقيمين في أوروبا، شأن غيره من القاصرين. وهو يشعر بالقلق. فهو مغربي عالق في اثينا، اثر اغلاق دول الجوار اليوناني حدودها، وهو ليس من المهاجرين «المناسبين»، اي الذين تستقبلهم اوروبا وتدرس طلباتهم وتقيس «مستوى» يأسهم فتقبل منحهم اللجوء او ترفضه. ولم يستطع 10 آلاف شخص عبور الحدود مع مقدونيا هذا الاسبوع.
«أوروبا هي حلم الجميع»، يقول يونس متنهداً. فهو يرغب في التوجه الى شمال أوروبا والالتحاق بخالته المقيمة منذ زمن طويل في بلجيكا. و»إثر وفاة والدي، تعيش امي وشقيقتي المصابة بإعاقة في فقر مدقع. ولا أستطيع مساعدتهما في المغرب حيث كل الابواب توصد في وجه الفقير. فرحلتُ لأجرب حظي في مكان آخر»، يروي يونس.
ذات صباح في تشرين الاول (أكتوبر)، اتجه يونس الى اسطنبول من الدار البيضاء في رحلة يسيرة مقابل 500 يورو ثمن تذكرة السفر ومن دون الحاجة الى تأشيرة. وكان في انتظاره في مطار اسطنبول ثلاثة رجال أرسلهم وسيط سفره في الدار البيضاء. وقاده هؤلاء الى منزل خافت الاضواء في المدينة. فوجد نفسه في صالون مع اشخاص يتعاطون المخدرات. «شعرت بالخوف. فهم يشبهون الاموات الاحياء. وركضت الى غرفة وأوصدت الباب ورائي. دقوا الباب طوال الليل، ولكنني لم أخرج وكنت متأهباً ولم أغمض عينيّ». وصبيحة اليوم التالي، أقله احد الرجال بعيداً من اسطنبول. وبعد رحلة دامت يوماً، وصلت الى شاطئ عند المساء. فطالبه الرجل بـ 800 يورو، وبعد أن استلم المبلغ أمره بركوب طوف مطاطي مليء بالناس. «اعترضتُ، فعلى متن المركب نحو 60 شخصاً! وكنت الوحيد الذي لا يرتدي سترة نجاة. فاستل الرجل مسدساً ووجهه الى جبيني. صعدت الى المركب»، يقول الشاب الفتي إذ يروي الذكريات المرعبة لعبور البحر الى اليونان. «تشعر بالخوف، الظلام يحيط بك. والناس يبكون ويصرخون كلما تلاطمت الامواج المرتفعة. وتوقف المحرق 4 مرات، لم نعرف ماذا يحصل وكان الظلام دامساً». وبعد ساعات، بلغ يونس والركاب جزيرة ليسبوس اليونانية. فجمع القاصرون الذين يسافرون بمفردهم، ومنهم أفغان وسوريون وعراقيون، في مجمع يشبه السجن. ثم نقل الى أثينا، شأن غيره من القاصرين، ومنها الى مأوى، وارتاد المدرسة. ولكن «بعد المدرسة، لا أحد يسعه ابقاء اليافعين في غرفهم وراء ابواب موصدة»، تقول ديميترا، مديرة شؤون مأوى القاصرين. وتوجه يونس مثل غيره من المهاجرين الشباب الى ساحة أومونيا وساحة فيكتوريا. و»قفتُ وانتظرتُ ان يعرض عليّ احدهم صفقة». ويرى المهربون ان الاطفال المنفصلين عن اقاربهم هم صيد ثمين. فهم يستعجلون الالتحاق بأسرهم في الجانب الآخر من الستار الحديدي الجديد. وعملية لم شملهم تطول وتستغرق 6 أشهر الى 8 أشهر، وفي الاثناء، ينفد صبر الاطفال وأقاربهم ويحاولون العبور غير الشرعي. وتشعر لورا باباس، مسؤولة في منظمة «ميتادراسي»، بالقلق من فقدان أثر 10 آلاف طفل مهاجر. «والطريق الاكثر خطورة هي طريق ألبانيا. والقصص كثيرة بين المهاجرين عن العثور على اجساد مشنوقة على الشجر بعد استئصال تجار الاعضاء البشرية ما يشاؤون منها. وفي ارض مقطوعة، كنا نمشي بين الاعشاب العالية حيث تتناثر جثث نهشتها الكلاب. لم أجرؤ على سؤال المهرب عن هوية هؤلاء أو عما جرى. وهو ما لبث ان تركني. فقبضت عليّ الشرطة المقدونية وأوسعتني ضرباً قبل ان ترحلني الى اليونان. ثم حاولت مرة ثانية مغادرة اليونان والتوجه الى بلجيكا، وفي صربيا سلمت نفسي الى رجال الشرطة الذين لم يعنفوني»، يقول يونس. وعاد الى اليونان حيث يمكث في المأوى نفسه ويحادث والدته على «سكايب». وهذه نصحته بالبقاء في مكانه، وهو بدأ يتعلم اليونانية. ويقول أنه سينتحر لا محالة إذا رحلته السلطات الى بلده الأم.
* مراسلة، عن «ليبيراسيون» الفرنسية، 4/3/2016، إعداد منال نحاس
الحياة
خيمة للسوريين مقابل شنغن للأتراك/ موناليزا فريحة
تستغل أنقرة على نحو فاضح معاناة اللاجئين السوريين الهاربين من الحرب لتحقّق مكاسب اقتصادية وسياسية على حساب الدول الاوروبية المرتبكة حيال التعامل مع أزمة انسانية تتحول أزمات سياسية واقتصادية في عدد من تلك الدول.
تفاوض حكومة أردوغان من موقع قوي. تلوح للأوروبيين بـ”اغراقهم” باللاجئين، فلا تكتفي بلائحة مطالب سخية عرضت عليها، وإنما ترفع سقف المزاد مطالبة بثلاثة مليارات أورو، اضافة الى ثلاثة مليارات أُقرّت لها سابقاً، مقابل التزامها الافساح في المجال لعودة كثيفة للاجئين انتقلوا بطريقة غير شرعية، من اراضيها الى دول اوروبية. بل إن تقارير أوروبية تفيد أنها تبدي استعدادا لقبول بعض من سبق لهم أن جازفوا بحياتهم وانتقلوا الى اليونان بحراً وقدّموا أوراقاً شرعية للحصول على لجوء.
الثابت أن هذه “العودة” لن تكون طوعية للسوريين، ولا شيء يمنع أن تستخدم فيها كل اساليب الاكراه والعنف. وهي تقوم على مبدأ “سوري مقابل سوري” أي أن يستقبل الاتحاد الأوروبي، مباشرة، لاجئاً سورياً من تركيا مقابل كل سوري توافق تركيا على عودته إليها من الجزر اليونانية. وبالطبع لن يقبل السوري الذي خاطر بحياته وربما دفع كل ما لديه للوصول الى اوروبا، بالعودة الى الوراء.
من حق الدول الاوروبية أن تنظم الهجرة الى أراضيها. ومن حقها أن تحمي أمنها ونسيجها الاجتماعي واقتصادها. لكنّ دولاً تتشدق بحقوق الانسان والحرية تتخلى في صفقات كهذه عن كثير من مبادئها.
والمطالب التركية لا تقتصر على المليارات فحسب، وإنما تتعداها الى طلب الغاء تأشيرات الدخول للمواطنين الأتراك الراغبين في دخول دول الاتحاد الأوروبي في رحلات قصيرة، واعادة تحريك المحادثات المتعثرة في شأن انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي.
هذه الاقتراحات ترمي بحسب داود أوغلو الى انقاذ اللاجئين والتصدي لمهربي البشر و”تؤذن بعهد جديد من العلاقات بين بروكسيل وأنقرة”. ولكن ما لم يقله المسؤول التركي همست به المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فهي تخوّفت على مصير اللاجئين الذين يعادون الى تركيا، آملة في ضمانات اضافية كي يتسنى النظر في طلبات اللجوء الخاصة بـ”العائدين”.
في اجتماع له في بروكسيل مع مسؤولين أوروبيين بينهم رئيس المفوضية الاوروبية جان – كلود يونكر ورئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك، هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الشهر الماضي بشحن آلاف اللاجئين من مناطق النزاع الى الاتحاد الاوروبي اذا لم تقبل اوروبا طلباته الخاصة بالاسراع في محادثات العضوية وتأشيرات الدخول. فاذا كانت السياسة هي المحرك الوحيد لتركيا في ادارتها لملف اللاجئين، من المعيب أن تتواطأ أوروبا في تحويل هؤلاء النساء والاطفال والشيوخ مجرد بيادق في لعبة الشطرنج الدولية.
النهار
السوريون في ألمانيا.. هكذا تعيق اللغة الاندماج/ برلين ــ شادي عاكوم
يشعر اللاجئ السوري في ألمانيا، محمد عبدالقادر، بخيبة الأمل جراء عدم قدرته على فهم مضمون المراسلات الورقية والرسائل التي يتلقاها بشكل دائم، من دون ترجمة إلى اللغة العربية أو الإنجليزية التي يفهمها، ما يعوق إتمام معاملاته الرسمية.
بعد أن قُبل طلب لجوئه، واجه محمد، الذي بدأ قبل ثلاثة أسابيع تعلم اللغة الألمانية، مشكلة إصرار معلمي اللغة، على الشرح والمحاورة باللغة الألمانية، على الرغم من كونه لا يزال يتعلم المبادئ الأساسية وطريقة نطق الأحرف والكلمات، وهو ما تسبب له بشيء من الإحباط ودفعه إلى التفكير في ترك دروس تعلم اللغة المقسمة إلى مراحل يتراوح عدد ساعاتها بين 660 و960 ساعة، حسب مستوى كل لاجئ.
في البداية كنت متحمسا للانطلاق، نحو حياة جديدة، يقول محمد قبل أن يتابع، “لا بد من السماح بالشرح بالألمانية والعربية والإنجليزية لنتمكن من إتقان اللغة الألمانية، التي يشكو العديد من اللاجئين صعوبتها”.
فروق هائلة بين الأطفال والشباب
انتقاد أسلوب تدريس الألمانية للاجئين، كان محل رفض أستاذة اللغة، ميريام كليمنت، التي تعمل في أحد المعاهد، التي تشهد طفرة استثنائية في عدد الطلاب اللاجئين، إذ ترى كليمنت، ضرورة الاعتماد منذ البداية على الشرح والتدريس بالألمانية لتسريع عملية الاندماج. وتوضح لـ “العربي الجديد”، أن المدرسين يعملون على إيصال المعلومة بطريقة سلسة، مؤكدة :”نعلم أن هناك صعوبة لدى الكثيرين في تعلم لغتنا، لكن على اللاجئين الإقبال بحماسة، لتعلم اللغة والحصول على فرصة عمل”.
تؤكد كليمنت، وجود فروق هائلة في التعلم بين الأطفال والشباب، إذ يقبل الأطفال السوريون على تعلم اللغة أكثر من الكبار، ويسهل تحفيزهم على التعلم كما يكوّنون صداقات مع زملاء الدراسة، وهو ما يسهل ويسرع في الاندماج.
ولا تغفل معلمة اللغة، الإشارة إلى أن هناك عددا من أصحاب المؤهلات العلمية، الذين يعانون بشكل أقل في تعلم الألمانية، وهو ما يطابق إحصاءات الوكالة الاتحادية للعمل التي تحدثت عن أن أصحاب المؤهلات العليا يشكلون 30% من اللاجئين السوريين، وهؤلاء يعانون أقل من غيرهم من تداعيات تعلم اللغة على مشكلة الاندماج والتأقلم مع القيم والانخراط في المجتمع وسوق العمل الألمانيين.
تعليم الأمهات
عايش أوفي كرونه، خبير الاندماج والتواصل الألماني، تدفق لاجئي البلقان، في تسعينيات القرن الماضي، ومن واقع تجربته يؤكد كرونه، أن اندماج اللاجئين من دون مهارات لغوية كافية مستحيل، قائلا لـ”العربي الجديد”، “استخدام اللغة وسيلة اتصال فقط، غير كاف، عائق اللغة يسبب التقوقع، وسيؤدي حتما إلى صراعات اجتماعية، ويجب أن يكون اكتساب اللغة مصدر ربح للطرفين، الدولة والفرد على السواء”.
ويقترح خبير الاندماج، تدريب اللاجئين على اللغة في أماكن العمل بمساعدة المديرين والزملاء. ويلفت إلى ضرورة الاهتمام بالأمهات وتقديم الدعم لهن، حتى يتعلمن اللغة ويسهل تعليمها لأبنائهن”.
رفض عزل اللاجئين
ترفض الناشطة الاجتماعية لمياء بويري، التصريحات المنادية بإسكان اللاجئين في مناطق بعينها، بسبب عدم قدرتهم على الاندماج، قائلة “هذه عزلة إجبارية، المطلوب إسكانهم في أماكن تسمح لهم بالاختلاط وتساعدهم على الاندماج”.
وتؤكد بويري التي تعمل بين اللاجئين أهمية إنشاء شبكة تواصل لخدمة المتطوعين العاملين وسط اللاجئين، وزيادة النشاطات الترفيهية التي ينظمها هؤلاء للاجئين، بالإضافة إلى توفير دورات حرفية للاجئات، مع ملاحظة التحسس من الهوية، وعدم محاولة إجراء تغيير كلي لعاداتهن وقيمهن ومبادئهن حتى لا يعوقن عملية الاندماج.
عمدت وزارة التعليم الألمانية إلى إطلاق برامج لتعليم اللغة للأطفال، بتكلفة تصل إلى 2.2 مليون يورو على مدى ثلاثة أعوام، ويستفيد من المشروع الأطفال دون سن الثانية عشرة. وتؤكد الوزارة في تصريحات صحافية، إلحاق 196 ألف طفل بالمنهج التعليمي الألماني.
وتسعى الحكومة الألمانية إلى إطلاق برنامج لحماية النساء والأطفال بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونسيف) بحسب ما أعلنته، وزيرة الأسرة الألمانية مانويلا شفيزيغ.
وكشفت السلطات مؤخرا عن تعيين 8500 مدرس لتعليم اللغة للاجئين الشباب، واستنادا إلى تقرير نشرته صحيفة “دي فيلت” الألمانية أخيرا، فإن الولايات الألمانية تنوي صرف 17 مليار يورو في عام 2016 للتعامل مع أزمة اللاجئين، الذين تخطى عددهم العام الماضي المليون لاجئ.
ويقترح الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تتزعمه المستشارة أنجيلا ميركل، رفع سن التعليم الإلزامي للاجئين من 18 إلى 25 عاما، وهو ما يرحب به الشاب السوري محمد الخالدي، قائلا “نحلم بغد أفضل ونصر على مواجهة تحديات الاندماج؛ وأولها اللغة”.
العربي الجديد
محنة عائلة ألمانية سورية في البحث عن الأب المفقود
لو تكلم الموتى…رحلة عذاب في غياهب سجون النظام السوري
الحرب المستمرة في سوريا أدت إلى تشريد الملايين ومقتل نحو 300 ألف شخص، ناهيك عن عشرات آلاف المعتقلين والمفقودين الذين لا يعلم ذووهم شيئا عنهم. عائلة ألمانية- سورية تروي مأساتها في رحلة البحث عن الوالد المفقود.
لم يكن محمد غوزي يعلم أنه بمغادرته مدينة حلب، مسقط رأسه، بعد إنهاء دراسة في الطب والهجرة إلى ألمانيا قد وضع حجر الأساس لحياة جديدة. في البداية عمل في المستشفيات الألمانية كطبيب جراح ناجح ثم أسس عيادة طبية في مدينة فوبرتال في غرب ألمانيا ليمهد الطريق لأولاده الستة إلى التحصيل العلمي والتأهيل الأكاديمي، حيث درس ثلاثة منهم الطب كوالدهم وواحد سلك طريق القانون وأصبح محاميا وآخر مدير فرع بنك ألماني، فيما يعمل السادس أيضا في مجال البحث العلمي.
في التسعينات إبان الحرب الأهلية في يوغسلافيا السابقة، سافر الدكتور محمد غوزي إلى البوسنة لتقديم المساعدات الطبية لضحايا الحرب، يقول نجله الأصغر شهيد غوزي في حديثه معنا. ويضيف أن نشاط والده وحبه لمهنته قاده إلى العمل في دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية وكان النجاح مرافقا له دوما، حسب ما يروي نجله.
العودة إلى حلب
وكأي مهاجر يحب بلده ويكتوي بنار الحنين إليه، قرر غوزي العودة إلى سوريا حيث أصدقاء الطفولة والأهل والأقارب والأحبة. في مسقط رأسه حلب فتح عيادة طبية متطورة في حي سيف الدولة باسم “المركز الألماني للخدمات الطبية”. زواجه الثاني مهد الطريق أمام للعودة إلى سوريا، يقول نجله شهيد .
عام 2012 زار الدكتور غوزي عائلته في ألمانيا لحضور حفل زفاف ابنته وتفقد عائلته الكبيرة. لدى عودته إلى حلب في حزيران/يونيو من نفس العام اعتقل من قبل أجهزة أمن النظام واختفى عن الأنظار لأسباب غير معروفة.
بداية القصة
يقول الدكتور عمار غوزي نجله البكر، إن عمه في حلب علم بالموضوع على الفور ولم يرغب في إعلامنا على أمل الإفراج عنه سريعاً ورجوعه لعائلته. لكن العم أبلغ عمار بالنبأ السيئ بعد أسبوعين من اعتقاله. يصف عمار تلك اللحظات بالمصاب العظيم بالنسبة للعائلة في ألمانيا، حيث خيم الحزن والكآبة على أفراد العائلة. وبدأ عمار بفتح قنوات الاتصال بكل الجهات الألمانية والدولية لمعرفة مصير والده، الذي يكن له حبا واحتراما كبيرين.
الدكتور محمد غوزي انضم إلى جيش من المعتقلين في سجون النظام يبلغ تعداده أكثر من 100 ألف إنسان، حسب تقدير منظمات سورية ودولية معنية بحقوق الإنسان. بيد أن الرقم الحقيقي للمعتقلين أكبر من ذلك بكثير، حسب المحامي السوري المعروف ميشيل شماس الذي التجأ إلى ألمانيا مؤخرا.
ويقسم شماس في حديثه معنا ملف المعتقلين والمفقودين إلى ثلاثة أقسام بقوله: “إذا أردنا أن نتحدث بدقة عن ملف المفقودين والمعتقلين في سوريا لا نستطيع الإحاطة بحجم هذا الملف لضخامته، فملف المفقودين والمعتقلين ينقسم إلى ثلاثة أقسام. الأكثر مأساوية هو ملف المعتقلين لدى النظام، وعددهم يتخطى الـ 100 ألف معتقل وهم في عداد المفقودين”.
جرائم حرب ضد الإنسانية
والكارثة هي أن النظام لا يعترف بوجود سوى 50 ألف معتقل فقط لديه، حسب شماس الذي يضيف أن “هناك قسم آخر من المفقودين والمعتقلين لدى التنظيمات المسلحة المعارضة، مثل رزان زيتونة التي كانت تنشط في منظمة توثق الانتهاكات في سوريا، وناظم حمادي وآخرون معروفون لدى أوساط الرأي العام السوري. ويبلغ عدد المخطوفين لدى التنظيمات المسلحة حوالي 2000 مفقود لا نعرف مصيرهم. وهناك فئة ثالثة من المفقودين هم من قتلوا في العمليات الحربية لم يعلن عنهم، ومن خطفوا من قبل مجموعات مسلحة كقطاع الطرق، أيضا لا نعرف شيئا عن مصيرهم”.
منظمة هيومن رايتس ووتش تعتبر صورا تم تسريبها عن معتقلين قضوا تحت التعذيب داخل السجون الحكومية السورية بأنها “أدلة دامغة” على ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، وفق بيان نشرته في شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي. وأكدت المنظمة الدولية في تقريرها الصادر بعنوان ” لو تكلم الموتى” القتل الجماعي والتعذيب في المعتقلات السورية.
في هذا السياق يروي الدكتور عمار غوزي أنه حصل على عرض من أحد الأشخاص المقربين من النظام تضمن “توفير معلومات عن مكان سجن والده مقابل دفع مبلغ 50 ألف يورو، على أن يتم دفع مبلغ 20 ألف يورو مقدما والباقي بعد توفير المعلومات”. لكنه رفض العرض بعد نصيحة بعض الخبراء والأقارب الذين أفادوا بعدم جدوى تلك الجهود وأن المعلومات التي يتم توفيرها عبر هذه الوسيلة إما أنها غير صحيحة أو مصطنعة بهدف جني المال فقط. وعن ذلك يقول المحامي ميشيل شماس والذي دافع عن الكثير من المعتقلين السياسيين في سوريا سابقا، إن هؤلاء الوسطاء الذين يكون معظمهم من عناصر الأمن وأجهزة المخابرات، لا يوفرون أي معلومات صحيحة وإنما بخدعون الناس.
المحامي السوري ميشيل شماس
المحامي شماس طرح ملف المفقودين والمعتقلين أمام المبعوث الدولي إلى سوريا ستافان دي ميستورا شخصيا. كما تناول هذا الملف مع المبعوث الأممي الأسبق كوفي عنان وخلفه الأخضر الإبراهيمي. وفي كل مرة، كما يقول شماس، كان المستمعون له يتفاجؤون بحجم وضخامة الملف ويعدون بمتابعة الأمر مع السلطات السورية، إلا أن شيئا لم يحدث.
التجارة بمشاعر الناس
وهناك فصل آخر في مأساة المعتقلين والمفقودين في سوريا يتعلق بالتجارة بالمعلومات عن المفقودين، حيث يحاول عناصر النظام ومحتالون آخرون جني أموال طائلة من ذوي المعتقلين مقابل تقديم معلومات لهم عن مكان وجود ذويهم. ويظهر لاحقا وفي كل مرة أن هؤلاء لا يقدمون أي معلومات ويحصلون على أموال دون مقابل. وهو أمر أكده المحامي ميشيل شماس واصفا ذلك “بالتجارة بمشاعر الناس” من قبل عناصر النظام وغيرهم.
من جانبها، أفادت منظمة العفو الدولية في تقرير أصدرته حول الإخفاء القسري في سوريا بأن الدولة السورية “تجني أرباحا طائلة جراء انتشار ظاهرة عمليات الاختفاء القسري بشكل منهجي وعلى نطاق واسع بما يرقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية”، وفق ما جاء في تقرير المنظمة.
ويشير شماس إلى أنه طرح ملف المفقودين والمعتقلين أمام المبعوث الدولي إلى سوريا ستافان دي ميستورا شخصيا. كما تناول هذا الملف مع المبعوث الأممي الأسبق كوفي عنان وخلفه الأخضر الإبراهيمي. وفي كل مرة، كما يقول شماس، كان المستمعون له يتفاجؤون بحجم وضخامة الملف ويعدون بمتابعة الأمر مع السلطات السورية، إلا أن شيئا لم يحدث، حسب قول المحامي شماس.
منذ أن سمع الدكتور عمار غوزي بنبأ اعتقال والده لم يترك بابا إلا وطرقه ويقول: “اتصلت بوزارة الخارجية الألمانية في برلين وطرحت أمر اعتقاله، حيث أن والدي يحمل الجنسية الألمانية، فيكون من واجب الوزارة الاهتمام بالأمر، وتم فتح ملف حول الموضوع ووعد المسؤلون الألمان بمتابعة الأمر عبر القنوات الدبلوماسية. إلا أن ذلك لم يثمر عن شيء لحد الآن”.
الخارجية الألمانية أبدت اهتماما
ويضيف عمار أنه اتصل بسفارة سوريا في الكويت والبحرين ودول خليجية أخرى، عندما كان متواجداً في المنطقة بدافع العمل، وقدم طلبا رسميا بالكشف عن مصير والده، إلا أنه لم يحصل على أي جواب.
ومهما كانت الظروف المحيطة بملف المعتقلين والمفقودين في سوريا معقدة ومحبطة، إلا أن عمار غوزي وإخوته لا يتوقفون عن البحث عن والدهم ويحلمون في احتضانه يوما ما. لكن عمار لا يخفي يأسه من العثور عليه حيا مشيرا في نفس الوقت إلى أن إخوته الأصغر سنا متفائلون أكثر منه في العثور على الأب المفقود عاجلا أم آجلاً.
حسن حسين
حقوق النشر: دويتشه فيله 2016