اتفاق استسلام أوروبي أمام تركيا/ ماثيو فون روهر
لأوروبا صديق جديد اسمه رجب طيب أردوغان، الرئيس التركي الذي يسعى الى تحويل بلاده الى نظام اوتوقراطي والاحتذاء بنموذج نظام فلاديمير بوتين. ورجحت كفة أردوغان في القمة الأخيرة بين الاتحاد الاوروبي وتركيا في بروكسيل. ويبدو أن الأوروبيين ينظرون الى أردوغان على انه حل سحري لأزمة اللاجئين. لذا، ينزلون على كل ما يريده: بلايين اليورو لدعم اللاجئين، وتسريع المفاوضات على عضوية بلاده وإعفاء الأتراك من تأشيرة زيارة اوروبا. والى هذه التنازلات، أخفق الاتحاد الأوروبي في انتقاد السياسات غير الديموقراطية للرئيس التركي. وقبل أيام من القمة، وجه أردوغان ضربة الى حرية التعبير وحرية الصحافة. وهذه الضربة هي استعراض قوة موجه الى أوروبا. فأردوغان يعلمها بأنه يفعل ما يشاء وأنه في معزل عن المساءلة. وأخضع «زمان» لإدارة عامة، واحتلت شرطة مكافحة الإرهاب مكاتب التحرير في الصحيفة المعارضة. ولقيت، قبل ايام، وكالة «جيهان» للأنباء، المصير نفسه. وفي الأشهر الثمانية عشر الأخيرة، خضع 2000 شخص للتحقيق بتهمة «إهانة الرئيس» في تركيا. واليوم، تسعى الحكومة الى تعليق الحصانة البرلمانية لنواب حزب «الشعوب الديموقراطي» الموالي للاكراد.
ولم تجرؤ أنغيلا مركل، المستشارة الالمانية، ولا فريديريكا موغيريني، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، ولا دونالد تاسك، رئيس المجلس الأوروبي، على انتقاد الرئيس التركي. وتغامر أوروبا بخسارة صدقيتها. فهل في وسعها بعد اليوم انتقاد تقييد حرية الصحافة في دول مثل هنغاريا أو في الديموقراطية البوتينية المُوجَهة أو المُقيدة؟
وغالباً ما يُتذرع بالسياسة الواقعية لتسويغ مثل هذا الاتفاق البغيض. ويترتب عليه تقويض المعارضة التركية التي تقاوم طموحات أردوغان الى الهيمنة والقوة المطلقة. فالاتحاد الأوروبي عبّد الطريق أمامه لتغيير دستور بلاده وتقويض مؤسساتها الديموقراطية. وأشعل الرئيس أردوغان فتيل النزاع مع «حزب العمال الكردستاني» المحظور. واليوم يفرض الجيش التركي حظر التجول في عدد من مدن جنوب شرقي تركيا.
وأوروبا تستسلم أمام مستبد متقلب الأهواء والنزعات. ولا أحد يعرف إذا كانت عجلة اتفاق اللاجئين المقترح ستدور على أمثل وجه: فهل ترحيل اللاجئين الى تركيا سيحول دون عبورهم بحر إيجه؟ وهل في وسع أوروبا القيام بعمليات ترحيل جماعي تنتهك معاهدة جنيف للاجئين؟ وإثر إغلاق طريق الهجرة من تركيا، ألن يسلك اللاجئون طريق ليبيا ويعبرون المتوسط ليبلغوا أوروبا؟ والاتفاق مع تركيا يخفف وطأة ازمة اللاجئين موقتاً عن كاهل قادة الاتحاد الاوروبي ومنهم أنغيلا مركل. ولا يليق بأوروبا ان تتحول الى متسول يستجدي المساعدة. وما آلت اليه القوة الأوروبية مرده الى الانقسام في صفوف الاتحاد الأوروبي. فالأوروبيون اضطروا الى الاعتماد على تركيا إثر عجزهم عن الاتفاق على حلول لأزمة اللاجئين، ومنها توزيعهم في أوروبا.
ولم يعد في وسع الاتحاد الاوروبي الضغط على تركيا، وهو لم يكن يوماً جاداً في قبول عضوية تركيا فيه. واليوم، أردوغان لا يسعى الى هذه العضوية. ولكنه يحتاج فحسب الى استئناف المفاوضات على انضمام بلاده الى أوروبا من أجل تعزيز حظوته في الداخل التركي. وسبيل الاتحاد الاوروبي اليتيم الى الضغط على اردوغان هو «ورقة» إعفاء الأتراك من تأشيرة دخول أوروبا. وفي وسعه أن يرهنها بقيود حازمة منها احترام حقوق الإنسان وحرية التعبير. فإذا كان الاتحاد يشرع أبوابه أمام الأتراك، عليه انتقاد أردوغان وحمله على تنازلات في القمة المقبلة هذا الأسبوع.
* عن موقع «شبيغل أونلاين» الألماني، 11/3/2016، إعداد م. ن.
الحياة