“داعش” وخطاب ما بعد هزيمته/ مجيد زيروكي
ردّد «الجهاديون» والمتعاطفون معهم لازمة «باقية وتتمدد» بين عامي 2014 و2015 مع كل هجوم داعشي في العراق وسورية. لكن التنظيم أصابه الوهن على وقع ضربات الائتلاف الدولي الجوية، وبدأت رقعة نفوذه تنحسر منذ مطلع 2016. وإثر استعادة عاصمة الأنبار العراقية، الرمادي، في شباط (فبراير) المنصرم من قبضة «داعش»، بدأت القوات الحكومية والميليشيات الشيعية تتقدم على الضفة الجنوبية من الفرات في اتجاه الحدود السورية. ومنذ 23 أيار (مايو) شنت هذه القوات هجمات على معقل «داعش» في الفلوجة. وفي الوقت نفسه، يسعى تحالف عربي – كردي، تدعمه واشنطن، الى طرد التنظيم من الرقة، معقله في سورية. وفي ليبيا، يشتد الطوق على سرت وجوارها، وهما واقعان في قبضة «داعش». واليوم، تهاجم قوات ليبية سرت من الغرب والشرق.
وأمام تغيُّر الأحوال والواقع المستجد، يسعى التنظيم الى التخفيف من وطأة النكسات الأخيرة. ويقول أبو محمد العدناني الشامي، الناطق باسم «داعش»، في تسجيل صوتي أذيع في 22 أيار: «لا نقاتل دفاعاً عن الأرض، بل نقاتل من أجل تحريرها أو السيطرة عليها». وثمة بُعد خلاصي لطالما صبغ رسائل «داعش»، وبلغ ذروته في التصريحات التي تلت إعلان «الخلافة» في حزيران (يونيو) 2014. والإقرار بالضعف في الخطاب الأخير لم يدرج عليه التنظيم. وهو يقر اليوم بأن هالته تبددت، وأنه قد يخسر «عواصمه» الثلاث في سورية والعراق وليبيا. وعلى رغم أن نبرة خطاب الناطق باسمه عالية، يبدو أنه يعدّ أنصاره للهزيمة الوشيكة قائلاً: «… وهل انهزمنا عندما خسرنا المدن في العراق وبتنا في الصحراء بلا مدينة أو أرض وهل سنهزم وتنتصرين (أميركا) إذا أخذت الموصل أو سرت أو الرقة أو كل المدن وعدنا كما كنا أول حال؟ كلا، الهزيمة هي فقدان الإرادة والرغبة في القتال…».
ويحسِب «داعش» أن هزيمته ليست استراتيجية، وفي وسعه تسويغ مشروعيته عبر تسليط الضوء على الهويات الإتنية والطائفية لمنافسيه: الميليشيات الشيعية التي تدعمها ايران في الفلوجة، و «قوات سورية الديموقراطية»، وهي كردية في معظمها، في الرقة. ويرى حسن حسن، المحلل السوري أحد صاحبيْ كتاب «الدولة الإسلامية، في قلب جيش الرعب»، أن بنية القوى التي تقود القتال في المدينتين السنّيتين العربيتين، الفلوجة والرقة، تنفخ في التوترات الطائفية والإتنية، وقد تساهم في حيازة «داعش» مشروعية وتنصيب نفسه مدافعاً عن السنّة، ولو خسر الأرض. وعلى رغم موت عشرات من كوادره العسكريين والقادة، لم يفقد التنظيم هذه القدرة على المبادرة. وأعقب خسارة تدمر التي استعادتها القوى الحكومية السورية بدعم من سلاح الجو الروسي في آذار (مارس)، هجوم «داعش» في دمشق، وشد الطوق على معقل النظام في دير الزور.
وإثر التقدُّم الكردي في الرقة، أحرز التنظيم اختراقاً في شمال حلب. واستعاد مقاتلوه السيطرة على عدد من أحياء هيت، في محافظة الأنبار، التي طردوا منها في نيسان (أبريل). ولا يخفي التنظيم رغبته في مواصلة الهجمات في أوروبا، لكن مساعي الأوروبيين المتعاطفين معه للالتحاق به في العراق وسورية تتعثر. فـ «الكفار» سدّوا «أبواب الهجرة». لذا، دعا العدناني الى مهاجمتهم حيث هم. وينبّه باتريك كالفار، المدير العام للأمن الداخلي الفرنسي، الى أن «داعش» سيحاول شن هجمات سرية عنيفة لتشتيت الانتباه عن خسارته. فهو يواجه صعوبات عسكرية في ميدان المعارك، وسيسعى الى الانتقام من ضربات الائتلاف. وليست فرنسا في منأى من الخطر. وبدأ «داعش» «المزايدة الإرهابية» على الهزيمة في سورية والعراق: فوتيرة الهجمات الانتحارية مرتفعة (بين 50 و100 هجوم شهرياً منذ نهاية 2015). وتشير الهجمات المنسّقة (في 23 أيار) على مدينتين سوريتين يغلب عليهما العلويون، والهجمات الانتحارية في بغداد الشهر المنصرم، الى قدرة التنظيم على إصابة قلب معاقل أعدائه.
* صحافي، عن «لوموند» الفرنسية، 2/6/2016، إعداد منال نحاس
الحياة