للمرّة الألف أريد أن أنام/عقل العويط
للمرّة المئة أنا نائم. للمرّة المئة، أو الألف، أريد أن أنام أكثر. الأشغال التي أتولاّها في اليقظة يئستْ تقريباً من القدرة على تصحيح ما يلمّ بي يوميّاً من خللٍ وجوديّ. يتعبني هذا الشرط البشريّ الفظّ، حتى لأجدني أقول مستنتجاً على طريقة أهل الديالكتيك: عبثاً أستيقظ. عبثاً أشرب ركوةً تلو ركوة، من القهوة القويّة المرّة التي لا يخالط نقاءها شيءٌ البتّة. وعبثاً أُوهِم نفسي بأنّي أعمل. أو بأنّي صالحٌ لأمورٍ تُسعد البشر التعساء.
صباح أمس، اشتغلتُ في الحقل. سقيتُ الأرض، ثمّ نكشتُها، لأزرع أربع شجيرات، أغلب الظنّ أنّها لن تعيش، لأسبابٍ شرحها لي الجنيناتي القدير، المعلّم بطرس بن جرجس بن يوسف سابا. ليس الوقت وقت شروح، لكنّي كنتُ أريد أن أُشعِر الأرض برغبتي في القيام بعملٍ جيّد. فتحتُ القنّ، وسرّحتُ ما فيه من دجاجٍ وديكة، متأمّلاً سعيها الدؤوب في الأرض، بحثاً عن رزق، ومتوقّفاً عند اعتزاز صاحب العرف بذاته. أريد أن أُحدِث ارتباكاً لذيذاً في هذا الحرّ المميت. لن أكتب بالطبع في بهتان هذا التأمّل ولن أنشر مقالاً في هذا الشأن، لأنّه سيكون مضحكاً ولن يعني أحداً. أكتفي برصد النسيم الناعس الخجول، وأحياناً بالتمدّد على البلاط، لأستشعر برودةً تخفّف غلواء اليأس البشريّ.
لا يعنيني ما جرى في الأسبوع الفائت من حوارٍ سياسيّ، نتائجه ستكون في رأيي السقيم، أشبه بنتائج حوارٍ، أطرافه صمٌّ بكمٌ. أعتذر الاعتذار الشديد من هؤلاء الأصدقاء، لاستخدامي هذا الوصف. ذلك لأنّي أحمّلهم وزر علّةٍ كامنةٍ في تكوينهم الجسمانيّ ليسوا هم سببها، ولا هي تُنقِص من مكانتهم الإنسانيّة. أبحث عن أرنبٍ، أو عن ضوءٍ في الحوار، فلا أعثر على شيء. في أحيانٍ نادرة، يخرج من بين السياسيين أشخاصٌ يعتزّ المرء بعبورهم الشبيه بالبروق. لكنْ، يا للهول. ليس ثمّة الآن بروقٌ في ليلنا السياسيّ والوطنيّ البهيم.
عند حلول العتمة القرويّة، هناك مَن يدعوني إلى جلسة عرَق، لإحداث اختراقٍ متواضعٍ ما، في مفهوم الحتميّات المتربّصة بأحوالنا اللبنانيّة، وبالأحوال الشخصيّة. هؤلاء أصدقاء قرّاء، مثقفون، عارفون بالشجون، وملمّون بالمعنى، تعنيهم المعايير، والكبرياء والكرامة، وأفكار الجلوس الأنيق. هؤلاء يشرّفني أن أسمّيهم نبلاء.
صدِّقوني، ليس عندي أشغالٌ أذهب إليها سوى النوم. فيه، أعثر على بقايا هاربة منّي. وقد أعثر على ما ليس في مستطاع أيّ قهرٍ أن ينال من شعريّته الحالمة.
للمرّة الألف، لا أشغال تعنيني، وليس بي رغبةٌ سوى أن أنام.
النهار