صفحات الثقافة

زهور تعرفُ الصدأ ومنجل البستانيّ/ علي كالديرون

 

 

القسطنطينية

قذَىً

يصّاعدُ الضبابُ من النهر

نهبط من “بيير لوتي” عبر مُنحدرِ

مقبرةٍ إسلاميةٍ ميّتة.

فوق القبور

نَمتْ زهورُ الأزاليا والياسمين

تسقط بتلاتٌ من “شجرة الحب”

نبضاتٌ

بالكاد تُسمع تحت الأشياء

قِطٌّ يتقدّم نحوي، أسوَد

يُخرخِر عند قدميّ

الموت

الوجهُ الساهِم لجثّةٍ

كان لها اسم في الحياة

جدّي رفائيل مستلقٍ هناك

البخار -أستطيع رؤيته- يمرّ عبر فتحتي أنفه

هل حرّك شفتيه؟

تأتي قططٌ أخرى

ربما كانت في يوم من الأيام

ثَروَتْ حَسن ما أو قراصنةً عثمانيين

أو طفلاً سقطَ

في احتفالات غالاتاساراي

يحتسي صديقي هذه القهوة

ولا يهجسُ في صدره أنهم بعد ذلك

سيستأصلون أحشاءه بسبب السرطان

زهور برتقال متشابكة على الشواهِد

ستعرفُ يوماً الصدأ ومنجل البستانيّ

الرصيفُ الحجري زَلِقٌ

مُواءاتٌ تختبئ بين العشب

“لا قوّة إلا بالله”

تُشير أحرفٌ عربيّة

باتّجاه النهر النازل تتنامى الجَلبةُ،

بُرقعٌ وعينان مكحّلتان:

“شارع الاستقلال”

 

***

 

بدون عنوان

 

موتولينيا هو الذي أسّس هذا الدّير في القرن السادس عشر. فيه ثعابين حجرية منحوتة في الجدران تعود لديانة سكّان القارّة الأصليّين. في إحدى الصور نظهر نحن: ماريو، خورخي، وأنا، تحت القناطر. ألبارو هو الذي التقط الصورة. غلافيرا يراقبنا من بعيد. ميخائيل هو الذي سيتولّى مهمّة إشعال النار لاحقاً. روبين أيضاً كان هناك. أفكّر في خَايِر، في كارلوس راميريس بويلباس. العائلة أيضاً يمكن اختيارها. في تلك الليلة أكلنا البيتزا والقدر قرّر تغيير خططه. أشهر بعد ذلك، عن معرفة أو بدونها، الشاعر ماركو أنطونيو كامبوس غيّر الحكاية. أمرّ على صور البروفيل. أتذكّر بعد ظهر يوم بارد من شهر أيّار على “جسر الفنون” في باريس. عبر فجواته كانت المياه تنساب رقيقةً لا يشعر بها كائن. كانت بداية لشيء ما زلنا لا ندركه. في البوسنة، فرناندو بالبيردي يقول لي أنْ نواصل سيرنا، أنْ نبلغ صخرة التنّين في لوكومير. كان قطيع من الغنم يسدّ الطريق أمامنا بينما الليل يدنو. في فجر يوم من الشوكولاته والويسكي أتحدّث إلى فديريكو ديّاس غرانادوس في موقفٍ للسيارات وسط مدريد. مع خورخي غالان نشاهد جُروف “الأخوات السبع” في ساسِكس. القطّ يفرك جسده بقوائم طاولة المطبخ بينما أربعتنا نجلس في البيت. أمشي مع راكيل لانسيروس باتّجاه أبواب كنيسة القدّيسة مريم تونانسينتلا. أتناول بعضاً من “التاكوس” رفقة دانييل رودريغيث مويا في ساحة كيروغا. يظهر فجأة شاطىء دالماسيا. بين منعطف وآخر، باولا وخابيير بوثالونغو يتبادلان الرسائل. لاحقاً، أنا وكارلوس ألداسابال، ونحن نمشي عبر الشوارع المسوّرة في دوبروفنيك، سنلقي بنظراتٍ على سيقان النادلات الكرواتيات. في حانة “أنتينوري دي فيرينزي”، يشرب إدين نوسي قدحاً من “موفاتّو ديلّا سالا”. مع إدغار أمادور، في كويواكان، أطلقنا على النصر اسم علامة النبيذ الفاخر: “بيغا سيثيليا”. ينطلق بينجامين برادو فجأة بأغنية رانشيرا لخوسيه ألفريدو خيمينيس ونحن في ريميديوس، بينما غوردون ماكنيير ينتظرنا في جبال الأبالاش. هنا بوغوتا: في الصباح أنصتُ إلى لويس غارثيا مونتيرو؛ في الليل تقدّم لي هانا إسكوبار كأساً من الجِن. إني الآن رفقة والدو لييفا في زاكاتيكاس أو أسفل البراكين الباردة. ها هو عُمر لارا يأتي. أحضرَ قنّينة بيسكو. فلننتهِ من هذه المهزلة. في سانتا كروز دي لا سييرّا، في غابات بوليفيا، غابرييل تشافيز يحدّثنا عن الأمازون. أشاهد صحبةَ خابيير أوكينادو، من منتصف الكرة الأرضية حيث نحن، الثلجَ على قمّة بركان كوتوباكسي. في “البحيرة العظيمة” في نيكاراغوا نرى، ديميتري إنغيليس ونجوان درويش وأنا، ضباب بركان المومباتشو يتلاشى. ذات فجر، في مقهى “لا تيرتوليا”، سوف يتكلم نيكولا مادزيروف باليونانية عن الإسكندر المقدوني. That bloody bastard، يقول لي إليا كامنسكي في منزل تروتسكي والسيّارات تعبر مسرعةً، ربّما أكثر من اللزوم، على طريق ريّو تشوروبوسكو. تطلب بيغونيا منّي نصف توست مع بندورة للفطور. في محطة أتوتشا الآن، نتوجّه إلى طليطلة. ألتقط لها صورة في الكاتدرائية. خارج الفوكوس، داخل الفوكوس. قلّما الشاشة تكون واضحة. عند تقاطع شارعي تيندييّاس رقم 20 والخيبيس رقم2 ، أطلال البيت العتيق للشاعر غارثيلاسو. جلبة بين الناس المودّعين في نقاط التفتيش في مطار مكسيكو أو في ترمينال رقم 4 في مطار باراخاس. شغّل إلياس خيمينيس ولويس ويدوبرو مكبّرَ الصوت؛ والآن يصدح المسجّل. ما أطيب العودة إلى البيت. سواء بار الديليريوم في بروكسل مع لويس مارتينيث أو الغابة ونحن نراها من أعلى معبد في تيكال، في غواتيمالا. اسمها كارلا. إنها الصبيّة التي تظهر في الصورة. ضفاف نهر سان أنطونيو أو “الهيكل العظيم” في تينوشتيتلان أو لا شيء في نهاية المطاف. الخارج هو مجاز للداخل، الآخرون هم امتداد لنا. إنها الساعة الثالثة فجراً. انعطفت لتوّي وحطمّت السيارة. إنها لحظة الهدوء التي تسبق العاصفة. لا أعرف إذا كنت على ما يرام، لكن بوسعي أن افكّر في مشهد الصليب الحجري في ساحة الدّير وكيف تجلد البروق هذا الحجر بالسوط، وتضرب إكليله الشوكيّ وجراح المسيح. يُطبقُ الصمت. المحرّك لا يزال يشتغل.

 

***

 

ديمقراطية مكسيكية

 

جثّة جديدة عثروا عليها داخل كيس أسود

بالقربُ من ذلك المكان هناك جثّةٌ، والريحُ، وجسرٌ

مسافةُ شارعين: رأسٌ كثيفُ الشعر وعينان مفتوحتان

أخبار عديدة من بينها: ثلاثون أُعدِموا في نهاية الأسبوع برصاصة في الرأس وعلى أجساد بعضهم توجد آثار تعذيب، محاولةُ إنقاذٍ فاشلة لمُختَطَفين، أصبع وخاتم ورزمة جرائد.

أخبار عديدة من بينها: انتهت وبدأت الحملات الانتخابية، نوايا حسنة في واشنطن، إصلاحات في قوانين الهجرة، خلال الشهرين القادمين سيتراجع مستوى الفقر درجة واحدة، رفاهية العيش، السعادة..

 

في البعيد عادمُ شاحنةٍ ينفثُ الدخان

 

وبعدها يحلّ الصمت

 

يفتحون كيس الزبالة الأسود

رائحةٌ نتنة، والعَفنُ يغطّي اللحم:

 

طفلةٌ حديثةُ الولادة

 

______________________________________________

 

* شاعر وناقد مكسيكي يدرّس الأدب في الجامعة الوطنية في مدينة بويبلا. القصائد هنا من مجموعته الأخيرة “المراسلات” (دار بيسور، مدريد 2015). في تعليق للشاعر المكسيكي ماركو أنطونيو كامبوس عن المجموعة، يقول إن كالديرون “يكتب فيها عمّا حدث للتو لكي يجعله أبدياً في القصيدة: ما حدث، وما لم يحدث، وما كان من الممكن له أن يحدث، وما كان يجب أن يحدث، الظلال التي تبتعد، الظلال المتشابكة مع ظلال الحلم”.

 

** ترجمة عن الإسبانية: شادي روحانا

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى