يحدث في “الائتلاف”/ معن البياري
احتفت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) ببيان (المدعو) فايز سارة عن مغادرته (المجموعة التي تسمّي نفسها) “الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة”، وأشهرت خبراً عنه، واعتبرت أن صديقنا الكاتب المعروف (أقرّ) بأن “الائتلاف” ليس إلا “مجرّد أداة بيد دول إقليمية ودولية ووسيلة لتحقيق المصالح الخاصة والضيقة والمحدودة لأعضائها”. واختارت الوكالة المذكورة من بيان سارة الذي تعرّفه بأنه “المتحدّث الرسمي باسم مجموعة الرياض” سطوراً من النقد القوي الذي سدّده نحو “الائتلاف”، من قبيل أن أعضاء فيه حوّلوه إلى “شركة خاصة”. ولم تجترح “سانا” شطارةً مبتكرةً في تشفّيها هذا، بل في وسعها أن تقع على رصيدٍ وفير مما يُطربها، في مقالاتٍ وبياناتٍ ومداخلاتٍ لا تتوقف، يكتبها ويدلي بها قياديون في المعارضة السورية وأجسامها، يعلنون فيها مؤاخذاتٍ غير قليلة على “الائتلاف” وغيره. وإذا ظنّ القائمون على أمر وكالة الأنباء هذه أن هذا يصبّ في طاحونة المجموعة الحاكمة في دمشق التي تنطق باسمها، فإنها لن تجني، في حماقةٍ مثل هذه، سوى السخرية منها.
ولكن، ليست القضية هنا، وإنما في الذي يجري في “الائتلاف” نفسه، منذ أيام، من انسحاباتٍ واستقالاتٍ، وهو أمر موصولٌ، بداهةً، بما ظلّ يتراكم، بشأن هذا التكتل السياسي السوري المعارض الأعرض، من أسباب المؤاخذة والنقد والانتقاد، وتجعل “الطخّ” على عموم المعارضة السورية من أيسر الأمور في الدنيا. وفي نداءٍ وافٍ أصدره مثقفون وناشطون سوريون، قبل أيام، حزمةٌ طيبةٌ من الأفكار التي في وسعها انتشال المعارضات القائمة من حالها البائس المعلوم إلى حال آخر، فاعل ومؤثر إلى حدّ ما، غير أن أكثر ما يبعث على الانتباه فيه أنه يدعو إلى إنشاء جسم سياسي معارض جديد. ومع كل التقدير الواجب لما تضمّنه النداء من “نيّاتٍ” حسنة، ومن “تماسكٍ” في مبناه التنظيري، إلا أن سؤالاً سيطرح نفسه (مع الاعتذار عن تقليدية هذا التعبير الرتيب) ما إذا كان السوريون لم يضجروا بعد من إنشاء التكتّلات المعارضة، والتجربة قدّامهم أنه إذا قام واحدٌ، وحاز زخماً ودعماً واستقبالاً حسناً، فإنه سرعان ما يذوي ويحتضر، ثم تكثر السكاكين لذبحه، أو للأخذ بمقولة تكريم الميت بدفنه.
عوين هذا الأمر بشأن المجلس الوطني الذي احتفى به أولاً الجمهور السوري في الداخل، وكان قد نودي، في مظاهرات غير جمعةٍ، باسم أول رؤسائه، برهان غليون، ليتولى مسؤوليةً وطنية في الأثناء. ثم تآكل المجلس، وقبل أن ينتهي نهايةً غير معلنة (إلى الآن!)، أنشئ “الائتلاف” الأوسع تمثيلاً، وبعد مطالعتنا معلقاتٍ في مديح هذا الإنجاز الوحدوي، وهذا العنوان السياسي للشعب السوري المحتل، صرنا نطالع معلقاتٍ أطول في ذمّ “الائتلاف” من شخصياتٍ وقياديين فيه، أما جولات التجريح والنهش بهذا وذاك من أعضائه وناسه، فحدّث ولا حرج. وهذا رئيس سابقٌ له، مثّل سورية في قمة عربية في الكويت، آل إلى انشقاقٍ ظريف (!)، سانده سفير روسيا في القاهرة ومحمد دحلان. ومع رئاساتٍ تتالت على “الائتلاف”، ومع جدالاتٍ وسجالاتٍ خاضها أعضاء في هيئاته، بدت أشبه بإطلاق الذخائر في حروبٍ أهلية كلامية، صرنا أمام الجسم الذي استجدّ، الهيئة العليا للتفاوض. وبمقادير من التذاكي خفيف الدم، قيل لنا إن هذه الهيئة جهة التفاوض مع النظام، فيما “الائتلاف” هو الممثل الشرعي والوحيد للمعارضة السورية. لا يهم إن صدّقنا هذا أو لم نصدّقه، وإنما المهم أن يبقّ أصدقاؤنا الذين تتابعت استقالاتهم أخيراً البحصة، البحصة كلها، من دون أي لعثمةٍ أو تأتأةٍ، ويجهروا بالقصة بالضبط: أين هي مطارح عدم التفاهم والانسجام، هل هي حقا بين إخوان مسلمين وعلمانيين؟ من أين تأتّى للفاسدين أن يصيروا فاسدين؟ وهل الانسحابات والاستقالات هي الحلول العملية؟
بصراحة، ومن دون زعل، ثمّة يأس كثير جداً بين السوريين، والعرب المناصرين لهم ولثورتهم وأشواقهم إلى التحرّر، يأس من المعارضة وائتلافها وكل أجسامها. ليس ثمّة زعامة حكيمة. ثمّة ترهّلٌ مضجرٌ وركاكةٌ ظاهرة. وليس في وسع معلقٍ، منفعلٍ بعض الشيء، كما صاحب هذه الكلمات، أن يعرف ما إذا كان الدواء لعلاج هذا الحال هو في الاستقالات والانسحابات التي تُبهج “سانا” ومثيلاتها، وفي إصدار النداءات ذات اللغة النقدية العالية.. هل هناك أحدٌ يعرف؟
العربي الجديد