صفحات الناس

كيف نتذكر حماة؟/ مهند الحاج علي

 

 

مرت أمس ذكرى مجزرة حماة عام 1982 بلا ضجة. ولهذا الغياب سببان أولهما أن العدد الهائل لضحايا الحرب السورية، والإرهاق المرافق لها، يخسف كل ما سواها. وهذا ينطبق على مجزرة كبرى كحماة، أو على قضية تاريخية ورمزية مثل فلسطين.

في حقبة الهدنة الشهر الماضي، حصدت الحرب السورية 20 ضحية يومياً، بينها طفلان. كانت شهور من عمر الحرب السورية كفيلة بأن تحصد عدداً من المدنيين يوازي ضحايا مجزرة حماة. لماذا نتذكر مجزرة عمرها 3 عقود ونيّف ولدينا واحدة تتكرر كل بضعة شهور؟

لكن إلى جانب الواقع الدموي للحرب السورية، يرتبط غياب الاهتمام بالمجزرة، بجهد ثقافي وإعلامي بذلته القوى الاسلامية لتجييرها سياسياً، وهو المصير الأرجح لذكرى ضحايا قمع النظام للثورة الشعبية والحرب التالية لها، في حال لم يُبذل جهد ثقافي مواز.

بيد أن هيمنة الإسلام السياسي بلغته وروايته للأحداث، على ذكرى مجزرة، حرمتها من هويتها الانسانية التي تمنحها بعداً عابراً للحدود والأديان، كجرائم حرب عديدة في التاريخ الحديث. أنسنة الذكرى تنطلق من رواية موضوعية للأحداث وتوثيق للجرائم بهدف عدالة انتقالية مرجوة.

في مدينة حماة، دخل جيش مدجج بالأسلحة الثقيلة والمدرعات لمواجهة مئات المقاتلين الاسلاميين. قتل النظام 20 أو 30 ألف انسان، لو احتسبنا المفقودين، في مواجهة مع مسلحين لم يتجاوزوا المئات. دمر مناطق ومعالم أثرية ودور عبادة. إذن، هناك عقاب جماعي بحق سكان مدينة حيث يتحدث بعض عائلات الضحايا عن اختفاء جيل بأكمله.

توثيق مثل هذا الحدث، ووضعه في إطاره الانساني والحقوقي، لا يدين النظام ويكشف ممارساته فحسب، بل يستبدل الانتقام بعدالة انتقالية تُشكل أساساً لأي عقد اجتماعي مقبل بين السوريين.

لكن العقود الاجتماعية القائمة على العدالة بين مكونات المجتمع، لا تُبنى على الرواية الدينية غير الموضوعية لمجزرة حماة. على سبيل المثال، يُركز الكتابان الأساسيان عن المجزرة، ”حماة مأساة العصر“ و”مجزرة حماة: القصة الحقيقية“ على ارتباط المجزرة بالدفاع التاريخي للمدينة عن هويتها الاسلامية. في كتاب ”حماة: مأساة العصر“، المدخل لشرح المجزرة هو وضعها في الاطار التاريخي لمواجهاتها الدينية. وبما أن ”حماة جهاد دائم“، في خط مستقيم منذ صمودها ضد الصليبيين إلى عام 1982، فإن مواجهة نظام حافظ الأسد ديني الطابع، ووقوع المجزرة أشبه بعقاب على التاريخ كما الحاضر.

وهذه جريمة ثقافية ضد ذكرى المجزرة.

بالتأكيد، ليست هذه دعوة لتسمية الأمور بغير أسمائها. بالنهاية، فإن الإخوان قادوا الانتفاضة ضد النظام في مدينة حماة، وكانوا ربما يحظون بتأييد كتلة سكانية مهمة. إلا أن أغلب الضحايا كانوا مدنيين، ولبعض هؤلاء أصوات مختلفة عن جماعة ”الإخوان“، دينياً وربما سياسياً.

علاوة على التوثيق، مثل هذه المقاربة تقفز فوق قصص الأفراد، إذ يرد هؤلاء كأنهم روايات متعددة لشخصية إسلامية مشتركة. الجماعة فوق الأفراد. هم يسلكون مساراً واحداً ضمن مجتمع متجانس.

وروايات حرب لبنان خير مثال على آثار الهيمنة الفئوية على صناعة ذكرى المجازر. المدنيون بصفتهم أفراداً، منبوذون في هذه الروايات، وكأن هناك تضارباً بين وجودهم وبين الرواية الفئوية للمجزرة.

مهمة المجزرة أن توكّد المسيرة الحزبية وتربطها بامتدادها التاريخي الذي تستقي منه الشرعية. الضحايا وقود في عملية سياسية. لا حقوق ولا من يحزنون.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى