مستشار ترامب في شؤون الإسلام: سيباستيان غوركا/ جلبير الأشقر
مهما كان سوء ظنّنا بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لن نذهب إلى حدّ الاعتقاد أنه مقتنع حقاً بأن قراره التنفيذي بحظر دخول الولايات المتحدة على رعايا سبعة ثم ستة بلدان ذات أغلبية مسلمة، وذلك لمدة تسعين يوماً، من شأنه أن يبدّل أي شيء في حماية بلاده مما يصرّ على تسميته «الإرهاب الإسلامي الراديكالي». إلا أنه خاض في هذه المعمعة وكأنها معركة بالغة الأهمية، معاوداً الهجوم بقرار تنفيذي جديد ملطّف بعد هزيمة قراره الأول في هذا الشأن.
والحقيقة أن القرار المذكور لم يتعدّ منذ البدء كونه إيماءً رمزياً ليس القصد منه سوى تطمين ذلك القسم الهام والناشط من مؤيدي ترامب الذي يتميّز بدرجة عليا من رُهاب الإسلام والذي كان الرئيس الجديد قد وعده بخوض حرب ضروس ضد محطّ كراهيته. وقد ترافق إعلان قرار الحظر المعدّل بحملة دعائية شنّها ترامب وأعوانه بإعلانهم المكرّر «أن أكثر من 300 شخص من الذين دخلوا الولايات المتحدة كلاجئين يخضعون لتحقيقات مضادة للإرهابـ«. أما القصد من هذا الإعلان الطنّان فهو تسعير التشكيك باللاجئين المسلمين في إطار المناخ المفعم بجنون الارتياب (بارانويا) الذي يشيعه الطاقم الحاكم الأمريكي الجديد.
ويفيد في هذا المجال أن نعرّف بالاخصائي المزعوم بشؤون الإسلام (الذي لا يُحسن اللغة العربية) بين مستشاري ترامب، وهو المدعو سيباستيان غوركا (Sebastian Gorka)، الذي عيّنه ترامب نائباً لمستشار الأمن القومي وذلك في اليوم ذاته الذي عيّن فيه مايكل فلين مستشاراً للأمن القومي، أي في 20 كانون الثاني/ يناير الماضي. وكما هو معلوم، اضطرّ فلين إلى الاستقالة ثلاثة أسابيع ونيّف بعد تعيينه، إثر تأكّد أمر إخفائه لاتصالات في شأن رفع العقوبات الأمريكية على روسيا كان قد أجراها مع سفير موسكو في واشنطن بعد فوز ترامب بالانتخابات.
وقد نشرت صحيفة «واشنطن بوسط» بتاريخ 20 شباط/ فبراير الماضي تحقيقاً مستفيضاً عن غوركا بقلم غريغ جافي (Greg Jaffe). وغوركا مهاجرٌ حديث إلى الولايات المتحدة انتقل إليها في عام 2008 وهو من أصل مَجَري لكنه وُلد ونشأ في بريطانيا قبل أن يذهب للعمل والدراسة في المَجَر بعد سقوط المنظومة «الشيوعية» في شرقي أوروبا. وفي الولايات المتحدة، عمل غوركا في تدريس الشؤون الاستراتيجية وشؤون الأمن القومي في معاهد شتى مرتبطة بالقوات المسلّحة. كما نشط في المجال الإعلامي، ولا سيما منذ ثلاث سنوات في شبكة «بريتبارت» الإخبارية اليمينية المتطرّفة التي كان يديرها سيئ الصيت ستيفن بانون الذي أصبح «كبير الاستراتيجيين» في البيت الأبيض.
وقد اشتهر غوركا بمواقفه الحادة من الإسلام التي تلتقي ومواقف بانون وكذلك مواقف اليمين الأوروبي المتطرّف، بما فيه اليمين المَجَري الذي عمل غوركا في صفوفه. فهو، على غرار هؤلاء جميعاً، يؤكد أن الإرهاب الذي يدّعي الإسلام ليس ناتجاً عن أسباب اجتماعية وسياسية، لا سيما ما يتعلق منها بمسؤولية الولايات المتحدة، بل هو ناتج عن التراث الإسلامي نفسه. بكلام آخر، فإن كارهي الإسلام يلتقون مع «الجهاديين الإرهابيين» في التأكيد على أن هؤلاء الأخيرين أوفياء للتراث الإسلامي، فبينما يسعى «الجهاديون» إلى إقناع المؤمنين بالالتحاق بهم بادّعائهم تمثيل الإسلام الحقيقي، يسعى أعداء الإسلام إلى إقناع غير المؤمنين وغير المسلمين بأن الإسلام دين إجرامي يمثّل الإرهابيون حقيقته.
فلا جدوى بالتالي من إصلاح المجتمعات والسياسات في معالجة الظاهرة الإرهابية المتلبّسة لباس الإسلام، بل يجب خوض حرب أيديولوجية بلا هوادة ضدّها بما يشبه الحرب على الشيوعية خلال الحرب الباردة. ويدعو غوركا إلى التحالف في هذه الحرب مع حكّام الدول المسلمة الذين يرى أنهم لا يعملون بوحي من العقيدة الإسلامية وفق تقديره. ويذكر في هذا الصدد، حسب تحقيق الصحيفة الأمريكية، الأردن والإمارات المتحدة ومصر. ويكنّ غوركا مودّة خاصة للرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي الذي يصفه بالإصلاحي النيّر، حسب ما أفاد به تقرير «واشنطن بوسط». ولا عجب في ذلك إذ أن غوركا هو الذي يحثّ إدارة ترامب على حظر جماعة الإخوان المسلمين بإعلانها تنظيماً إرهابياً، وهو قرار قيد الدرس لا شكّ أنه يلقى مقاومة قوية إذ ان الحكم الأمريكي اعتاد في السنوات الماضية على أن يرى في الجماعة قوة حليفة للولايات المتحدة في الصراع ضد «التطرّف» مثلما كانت حليفتها في الصراع ضد الشيوعية والناصرية ومن شابههما خلال الحرب الباردة.
ويبقى السؤال الكبير كيف سيوفّق غوركا ومن لفّ لفّه في إدارة ترامب رؤيتهم «الاستراتيجية» تلك مع توطيد العلاقة بالمملكة السعودية الذي يدعو إليه قسم آخر من الإدارة الجديدة، بمن فيهم وزير الخارجية الذي كان يدير كبرى الشركات النفطية الأمريكية قبل تعيينه. فإن التقوا جميعاً والمملكة على إعلان الحرب على الإخوان المسلمين، ستجد إدارة ترامب صعوبة بالغة في إقناع العالم بأن الإخوان المسلمين هم مصدر الأيديولوجية الإرهابية وأن المملكة من هذه التهمة براء، بينما القناعة الشائعة على أوسع نطاق هي عكس تلك تماماً.
ولو حسمت إدارة ترامب هذا التناقض لصالح انتهاج السياسة التقليدية القائمة على حشد الإسلام السنّي «المعتدل» ضد «المتطرّفين» وضد إيران في المقام الأول، وهو ما يُرجّح أن مستشار الأمن القومي الجديد، الفريق هربرت مكماستر، يحبّذه، فإن بانون وغوركا قد يسقطان من الإدارة مثلما سقط قبلهما المحافظون الجدد من إدارة جورج دبليو بوش بعد تحوّل الاحتلال الأمريكي للعراق إلى كارثة. هذا إذا لم يحتج سقوط أيديولوجيي اليمين المتطرّف من إدارة ترامب إلى كارثة جديدة قبل أن يتحقق…
٭ كاتب وأكاديمي من لبنان
القدس العربي