على طريقة جاستن ترودو/ فاطمة ياسين
أغرتْ خطةٌ جديدةٌ رئيسَ النظام السوري، بشار الأسد، بأن يُفَعِّل حضوره في المشهد السوري، فيبدو على هيئة القائد الإنسان الذي يهتم بشؤون رعيته، ويصحو باكراً لتفقد أحوالهم. استغل الأسد مناسبة عيد الفطر لزيارة فعالياتٍ مختلفةٍ، حدثت في مناطق نفوذه، وتحت سيطرة حلفائه في سورية.. تحملُ الزيارات طابعاً عشوائياً منتقىً على عجل، من دون تناغم متسّق، لكنه يؤدي الهدف المعمول لأجله في تعميق حالة اليأس والاستكانة للواقع لدى القطاع الأوسع من الشعب السوري الذي خذلته مآلات الثورة، وروجَ الإعلامُ الموالي، مع جوقة صفحات التواصل الاجتماعي الرديفة، المقاطع والصور التي تخص وجود الأسد في مناطق مختلفة من أراضي الجمهورية.
يلتقط فيديو، بكاميرا بسيطة، مشهد بشار الأسد، وهو يركن سيارته، ويمشي محني الرأس تحت شجرةٍ قريبة من بيت ريفي، لا دهان ولا إسمنت يغطي جدرانه، ليلتحق به سربٌ صغيرٌ، مؤلف من زوجته وأولاده. باب البيت مفتوحٌ، تمتد منه يدٌ تسلم على الزائرين المتوقعين، لا نشاهد وجه المضيف عند الباب، نشاهد، فقط، ساعداً، وكفاً تسلم ببرودٍ على عائلة رأس النظام في سورية.
في بهو المنزل المتواضع مجموعة صغيرة من الناس، تجمعوا عشوائيا مع كادر بسيط، يفي بغرض الفيلم المطلوب إنجازُه، تتطابق ردّات الفعل، ويبرع فيها الكبير والصغير من أفراد الجهة المستضيفة. الجميع يتصرف بشكل طبيعي، وغير مندهش لرؤية الرئيس وعائلته داخل هذا المنزل، وكأن المطلوب من المشهد أن يكسر صورة الرعب التي كانت سابقاً أهم أدوات نظام الأسد في حكم المجتمع السوري. الرجل كبير السن، وهو غالباً ربّ أسرةٍ شديدة الموالاة لهذا الرئيس، وأبيه من قبله، يحتار قبل أن يمدّ يده ليسلم على الأسد، وكأنه يسائل نفسه عن جدوى هذا السلام، والفتاة الصبية تمر، وبيدها جوالٌ يلتمع تحت شمس الظهيرة، من أمام الأسد من دون أن تعيره أي اهتمام. والأم المكلومة في ابنها المصاب في إحدى معارك النظام مع الشعب تحدّث أسماء الأسد وكأنها تتحدّث إلى جارتها. هذه الصورة الفريدة التي قدّمها بشار عن نفسه وأسرته تحيلك إلى الاستغراب، ومن ثم السؤال، استدراكاً، عن المخطّط الجديد الذي يفكّر النظام المدار من قوى خارجية عظمى بالقيام به، بينما التهديدات الأميركية تدق أبوابَ راحة باله بقوة..
ابنة الأسد التي أخذت كثيراً من ملامح والدتها، لكن مع درجةٍ داكنة في لون الشعر، بدت في اللقطات القريبة مستاءةً وغاضبة، لعلها لم تعِ الهدف من ترك نشاطات السياحة و”الشوبينغ” للقيام بهذه الزيارة، ورؤية هؤلاء البؤساء في مناسبة العيد.. لكن الابن الأكبر، الذي يُحَضَّر، ربما، ليكون رئيساً مقبلاً للبلاد، كان أكثر انضباطاً، فبدا مقتنعاً بأهمية التقرّب من الناس الذين يذودون عن والده، ويضحّون بما لديهم لتسهيل وصوله إلى حكم سورية بعد أبيه..
يُكمل الأسد استعراض حالة الأمن والأمان التي يقنع بها نفسه، قبل أن ينقلها إلى الشاشات، فنراه في معرضٍ للسلع المحلية، عنونه القائمون على الأمر بعبارةٍ عاطفية “صنع في سورية”، وفق إيحاءٍ مكشوفٍ، يسخر من عقول السوريين الذين لم يشهدوا افتخاراً بصناعات بلدهم في أيام السلم والهدوء، فكيف والحال بعد حرب سبع سنوات، ودمار معظم المصانع وانهيار البنى الذي طاول المناطق الصناعية الأهم في سورية.
لا يلتفت الأسد إلى التهديدات الغربية الخاصة بسلاحه الكيميائي، فيمضي بما يقوم به، ويضيف عليه لقطاتٍ مميزة من زيارته المستشفيات التي يرقد فيها أفراد جيشه الجرحى، وهو يتفقد أحوالهم، ويوحي لهم بفرجٍ قريب..
لم ينسَ المواطنون الذين (صادفَ) وجودُهم مع وجود الأسد أخذ صور “السيلفي” معه، بشكل يمكِّن من صنع لوحةٍ للمسؤول مع مواطنيه، يملؤها الحب والتواضع على طريقة رئيس وزراء كندا، جاستن ترودو، الذي تغص النشرات بأخبار رعايته السوريين، وترويج قبول وجودهم في كندا، والأخذ بيدهم، والتعاطف مع ظروف الهاربين من جحيم الأسد.. الأسد ذاته.
العربي الجديد