صفحات العالم

ضحية محمد بن سلمان التالية: المعارضة السورية/ فادي الداهوك

 

 

أضاف انتقال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إلى فرنسا عناصر جديدة من المصداقية إلى رواية احتجازه في السعودية، وأعاد طرح الأسئلة الأولى ذاتها بزخم أكبر، كما فتح باب التساؤل الجدي حول الضحية الجديدة.

في اليوم التالي لاستقالة الحريري، امتلأ موقع “تويتر” بتغريدات حول توقيف السلطات السعودية للمنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات السورية رياض حجاب، ورئيس الائتلاف الأسبق أحمد الجربا بتهم فساد، بالتزامن مع حملة توقيف عشرات الأمراء والشخصيات السعودية البارزة. ولاحقاً، سارع المكتب الإعلامي للائتلاف السوري المعارض إلى النفي، وأرسل لصحافيين تكذيباً مقتضباً للخبر بعدما ازدادت دائرة المصدقين، إلى أن أصبح الاستفهام حول ذلك الأمر أسئلة تطرحها وسائل إعلام بشكل جدي.

قابلية تصديق ذلك الخبر عند البعض جاءت من أن الأزمة السورية ليست موعداً تضعه السعودية على هامش جدول التغيير الحاصل إطلاقاً، وإلا ماذا كان السبب وراء تحديد موعد “الرياض-2” وسط كل ما يحدث؟ وقد صدر الإعلان عن وزارة الخارجية السعودية قبل أن تبلّغ به الهيئة العليا رسمياً. إنّ ذلك بحد ذاته يبعث إشارات واضحة على أن الملف السوري ليس خارج أجندة رحلة صعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المليئة بالضحايا. ومن يدري، فربما يضطّر المنسق العام للهيئة العليا رياض حجاب إلى ترك منصبه وهو مبتسم.. بحجة طارىء صحي ربما!

من دون شك، سيكون التعامل مع الأزمة السورية الآن أسهل بكثير من استقالة رئيس وزراء لبنان، أو تغييب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي عن المشهد، فمنذ تأسيس الهيئة العليا للمفاوضات عام 2015، حدّدت السعودية قائمة أصدقاء المعارضة السورية، وفحصت أعضاءها بشكل جيد، حتى تأكدت من تصفية كل من يمكن أن يشكّل نفوذاً لدول منافسة لها في سوريا.

كل ذلك يدفع بقوّة للنظر من مسافة أبعد الى ما يحصل، وإدراك أن المعارضة السورية ستكون الضحية التالية لولي العهد السعودي مع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر “الرياض-2″، ويجعل من التكهن في ما إذا كانت الرياض ترغب فعلاً في توحيد المعارضة لتشكيل جبهة لمقارعة الرئيس السوري بشار الأسد، مجرد مضيعة للوقت، مثلما كان الحال في مسألة استقالة الحريري، قبل التدخل الأوربي الذي أنقذه مع عائلته وسمح لفرنسا بإجلائهم من الرياض إلى باريس بعد صبر شديد وتحمّل فظاظة سعودية في تبيان وضع الاستقالة.

بعد عودة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من السعودية، نشرت صحيفة “لوبينيون” الفرنسية تسريباً حول ما جرى في اللقاء مع ولي العهد. وقالت إن ماكرون تلقى جواباً عنيفاً من محمد بن سلمان لدى سؤاله عن مصير الحريري. “المسألة ليست فقط داخلية، بل عائلية أيضاً” تلك كانت إجابة محمد بن سلمان وفقاً للتسريب.

ولأنه لا يمكن للسياسة أن تقوم على تخمين ما إذا كان الحريري محتجزاً أم لا، تخلّت فرنسا على ما يبدو عن نقاش المشكلة في إطارها الدبلوماسي على أنها تدور حول رئيس وزراء دولة قدّم استقالته خارج بلاده في ظروف غير مفهومة، وحوّلتها إلى قضية مواطن فرنسي تتكتم السلطات السعودية على مصيره بالتزامن مع حملة تصفية يقودها ولي العهد ضد شخصيات من العائلة المالكة، وبعضهم على علاقة قديمة مع الحريري، بحجّة أنهم تورّطوا بقضايا فساد، لكن لا شكّ أن باريس تعلم جيداً أن الرياض عندما ترفع شعار مكافحة الفساد في يد فإنها لا تعرض النزاهة في يد ثانية.

أمام هول كل تلك الأحداث، ماذا يمكن للمعارضة السورية أن تفعل وهي من دون أصدقاء؟ ربما لا شيء أكثر من هز الرأس تعبيراً عن قبول الواقع الجديد الذي سيفرض عليها في المسار السياسي للأزمة السورية بعد “الرياض-2″، والتقاط الصور التذكارية مع من كانوا يقولون إنهم مؤيدون لحل سياسي، لكن مع إقرار بأن الأسد كان رجلاً طيباً.

وليس في ذلك لوم للمعارضة السورية، التي أبدى السعوديون لها حتى الآن احتراماً أكثر من الحريري، بقدر ما هو واقع لا يستطيع أحد تغييره على المدى القريب، فالرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يزال يبدي إعجابه بمواهب ولي العهد السعودي، رغم أن العرض الأخير في لبنان خرج عن السيطرة تقريباً، والعرض في اليمن ما يزال خارج السيطرة، وكذلك في قطر.

ما حصل مع الحريري يجب أن يكون درساً للجميع، في أن السعودية الجديدة لا تأخذ كل حلفائها على محمل الجد، فأصدقاؤه في الرياض كانوا أسوأ من أعدائه في بيروت، وعاملوه كأنه موظف في شركة سعودية، حتى أنهم حاولوا توظيف استقالته لآخر لحظة قبل صعوده إلى الطائرة التي نقلته إلى باريس عندما هاجم وزير الخارجية الألمانية زيغمار غابريال بلهجة تشبه تلك التي وردت في بيان استقالته، برغم أن الاستثمار الأفضل في السياسة كان يقتضي الرد على التصريحات الإيرانية، أو على الرئيس اللبناني ميشال عون الذي بدا وكأنه يستعد لخوض حرب تحرير رئيس حكومته.. ذلك مرده ربما إلى أن للوزير الألماني مواقف لا تروق للرياض في تعاطيها مع الأزمة الخليجية.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى