حين تحذّر مادلين أولبرايت من عودة الفاشية!/ عبد الاله مجيد وأشرف أبو جلالة
عادت الفاشية لتكون موضة العصر. هذا ما تريد مادلين أولبرايت قوله في كتابها “الفاشية: تحذير”. ففي بلدان عدة، نرى انبعثًا سلطويًا، تواكبها صحوة يمينية. وهذا خطر على الحرية، وانزلاق إلى الاستبداد.
في قلب كل إنسان توق لا ينضب إلى الحرية، “أو هكذا يروق لنا نحن الديمقراطيين أن نعتقد”، كما تكتب وزيرة الخارجية الاميركية السابقة مادلين أولبرايت في نهاية كتابها “الفاشية: تحذير” Fascism: A Warning (منشورات هاربر، 288 صفحة، 28 دولارًا)، الذي تتناول فيه كيف تنزلق الأُمم إلى الاستبداد. هناك من يرى أن هذا التوق يتنافس مع رغبة أخرى لدى المرء، هي أن يُقال له ما عليه أن يفعله.
انضباط فاشي
تلاحظ أولبرايت أنه عندما يكون الناس خائفين أو غاضبين أو مشوشين، يجدون من المغري التنازل عن حرياتهم أو حرية الآخرين إلى قادة يعدونهم بإعادة النظام. في أوقات اللايقين، كثيرون لا يعودون يريدون أن يُطلب رأيهم، بل يقولون: “نريد أن يُقال لنا كيف نسير”.
كتاب أولبرايت مهدى إلى ضحايا الفاشية، و”إلى جميع من يكافحون الفاشية في الآخرين وفي نفوسهم”. من حقها أن تقول ذلك. فهي كانت طفلة عندما احتل النازيون بلدها تشيكوسلوفاكيا في عام 1939، وأجبروا عائلتها على الهجرة إلى لندن. ليست سيدة دولة وسفيرة سابقة لدى الأمم المتحدة قبل أن تصبح وزيرة الخارجية في إدارة بيل كلنتون من 1997 إلى 2001 فحسب، بل كانت لاجئة مرتين: مرة من الفاشية وثانية من النظام الشمالي في بلدها.
بصفتها رئيسة الدبلوماسية الاميركية وقتذاك، وجدت أولبرايت نفسها في عام 2000 بجوار الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ إيل في ملعب في بيونغيانغ تتفرج على 100 ألف كوري شمالي، صغارًا وكبارًا، يرقصون ويطعنون بالحربة في حركة متناقسة تمامًا. كشف لها كيم أنه صمم العرض بنفسه. لكنها احتفظت لنفسها برأيها القائل إن الانضباط الفاشي وحده يجعل هذه الجموع تسير كأنها شخص واحد.
بوتين مصمم
تعمل أولبرايت منذ سنوات أستاذة العلاقات الدولية في جامعة جورجتاون، وهي تنبه طلابها إلى أن الفاشية تأتي متنكرة بأقنعة مختلفة.
في مقطع من كتابها تقول إن الفاشي هو من يدعي تمثيل أمة أو جماعة من دون أن يكترث لحقوق الآخرين، ويكون مستعدًا لاستخدام الوسائل كلها، بما فيها العنف، “والأرجح أن يكون الفاشي مستبدًا، لكن المستبد لا يكون فاشيًا بالضرورة”.
بحسب أولبرايت، فإن العديد من الملوك أو الحكام الدكتاتوريين يخافون الجماهير، ويشكلون فرقًا من الحراس الشخصيين لحمايتهم. لكن الفاشيين يعتمدون على وقوف الغوغاء إلى جانبهم. ترى أولبرايت أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليس فاشيًا بالكامل، لأنه لم يشعر بالحاجة إلى ذلك حتى الآن.
يزخر كتاب أولبرايت بالملاحظات الذكية عن المشاعر التي تكمن في أساس القرارات السياسية. على سبيل المثال، اعترف بوتين في لقائها الأول به بأن جدار برلين ما كان ليستمر، لكنه شجب تسرع الاتحاد السوفياتي في الانسحاب من ألمانيا الشرقية. كتبت أولبرايت ملاحظة تقول فيها إن بوتين “يشعر بالحرج مما حدث لبلده، وهو مصمم على استعادة عظمته”.
رئيس معادٍ للديمقراطية
في فصول تاريخية من كتاب أولبرايت، تشير إلى تكتيكات مستبدين لها أصداء في يومنا هذا مثل وعد بنيتو موسوليني بـ”تجفيف المستنقع” من خلال إقالة موظفين في الجهاز الاداري الايطالي، والاشارة إلى صحافيين حاضرين في اجتماعاته الحاشدة ليتمكن مؤيدوه من الصراخ بوجوههم. في فترات الهدوء النسبي وحدها، يكون المواطنون “صبورين” بما فيه الكفاية للنقاش والتداول أو الاستماع إلى الخبراء، كما تكتب أولبرايت.
اما الرئيس الأميركي دونالد ترمب، فتحفظ أولبرايت إزاء المبالغة في إطلاق النعوت عليه لا يعني أنها متفائلة. تسمّيه أول “رئيس معادٍ للديمقراطية” تعرفه أميركا في العصر الحديث. وإذا زُرع ترمب في بلد بلا ضوابط كالولايات المتحدة، فانه “سيقدّم على وظيفة دكتاتور، لأن هذا ما تقود اليه غرائزه”، على حد تعبير أولبرايت. في زمن آخر، كانت ستعول على المؤسسات للجم مثل هذه النزعات الدكتاتورية، لكنها تقول: “أنا في الثمانين، ولم أفكر يومًا بأنه ستكون لدي شكوكي” في قدرة هذه المؤسسات.
إذا بدا هذا موقفًا نابعًا من الخوف، فمفترض أن يكون كذلك. لكن انتقادات أولبرايت موجهة إلى الناخبين بقدر ما هي موجهة إلى الرئيس. وهي ترى أن هناك عملًا عاجلًا ينتظر المواطنين والسياسيين المسؤولين الذين ربما يقررون أن يغمضوا عيونهم، وأن ينتظروا مرور الأسوأ.
تنقل أولبرايت عن موسوليني فكرته التي تحتقر الجماهير، ويقول إن دورها هو “الاستسلام لعملية تشكيلها”. والاستسلام هو الخطوة الأولى في مسيرة يمكن تجنبها نحو فقدان الحرية.
أعدت “إيلاف” هذا التقرير عن “إيكونومست”. الأصل منشور على الرابط:
https://www.economist.com/news/books-and-arts/21740389-dismissive-hyperbole-former-secretary-state-still-nervy-about-donald
ايلاف