النظام السوري يريد تدويل أزمته
إبراهيم أبو عواد
إن التصعيد الخطير الذي تمارسه قوى الأمن السورية الموالية للنظام دون رادع أخلاقي أو أفق سياسي يشير إلى وجود خطة مسبقة لدى أركان القيادة السورية تتمحور حول جَر المنطقة إلى فوضى شاملة وتحدي العالَم ودفعه إلى التدخل في الأزمة السورية. فالنظام السوري يعتقد أن التدويل يصب في مصلحته، ويَكسر عزلته، ويعيد خلط الأوراق، ويَسحب البساط من تحت أقدام المعارضة، ويُصوِّرها كحفنة من المرتزقة المأجورين الذين يتآمرون على بلدهم لصالح الغرب ويستقوون بالخارج، ويريدون دخول دمشق على ظهور الدبابات الأجنبية تماماً كما فعلت المعارضة العراقية عام 2003م.
ومن مصلحة النظام السوري -الذي يُقدِّم نفسَه على أنه حامي الشرف العربي وقلب العروبة النابض -، أن يتلقى ضربة عسكرية غربية، لأنه- حينئذ- سَيُصوِّر الأمر على أنه حملة استعمارية جديدة تستهدف مواقف سورية القومية، وأن هؤلاء المتظاهرين السلميين هم طابور خامس وعملاء للاستعمار. وهذا سيجلب متعاطفين معه ويفتح المنطقة على المجهول ويخلط الحابل بالنابل. مع أن النظام الأسدي – أباً وابناً – أفضل مَن حافظ على هدوء جبهة الجولان، مما وَفَّر الراحة للكيان الصهيوني طيلة عقود.
وهذه اللعبة التي يتبناها النظام السوري سبق وأن مارسها نظام معمر القذافي الذي كان يُسلِّم الإسلاميين لأمريكا وبريطانيا للتحقيق معهــم وتعذيبــــهم، ودفع المليــــارات لضحايا طائرة لوكربي، وفتـــــح حقول النفط أمام كبريات الشركات الغربية، وبعد كل هذا صار ينعت الغربيين بالصليبيين وقادة الاستعمار. وفي هذا إشارة واضحة إلى أن بشار الأسد سائر على خطى القذافي، وأن الطــــغاة لا يتعظــــون بغيــرهم، فهم لا يَرَوْن أبعد من ذواتهم التي نفختها وسائل النفاق الإعلامية.
والمضحك المبكي أن النظام السوري الذي يصف- صراحةً أو ضمنياً – الجامعة العربية بأنها أداة في يد أمريكا، وأن الدول العربية محميات أمريكية، ينسى أنه حَوَّل سورية إلى محمية روسية – صينية، تمد يدها لنيل المساعدات من هنا وهناك. فها هي روسيا قد تحولت إلى المتحدث الرسمي باسم سورية في المحافل الدولية تمنحه الأسلحة والدعم المعنوي، وصارت إيران تنفق على النظام السوري. فأين السيادة السورية والشرف العربي وقلعة الصمود والمقاومة وباقي المصطلحات التي أعطاني النظامُ السوري محاضراتٍ فيها طيلة عقود؟!. وإذا كان الماءُ والكهرباء يأتي إلى سورية من تركيا، والأسلحة تأتي من روسيا والصين، والأموال تأتي من إيران، فأين نظريات الاكتفاء الذاتي والاعتماد على النفس التي عَلَّمَتْنا إياها سورية طوال هذا العمر ؟!.
إن شرعية أي نظام مستمدة من قدرته على حماية المواطنين وضمان حياة كريمة لهم ومستقبل مزدهر، فإن عجز عن ذلك فهو فاقد للشرعية، وعليه أن يَرحل لإفساح المجال للأفضل. فلا مكان تحت الشمس لسياسة ‘أنا الدولة والدولة أنا’، أو ‘أنا وليكن الطوفان من بعدي’. فالذين يجيئون بالدم، بالدم سيذهبون. ولا تقدر دولةٌ- بمفردها- على تحدي العالَم. فألمانيا النازية التي كانت تملك اقتصاداً جباراً وجيشاً أسطورياً وبنيةً صناعية خارقة، لم تصمد أمام باقي القوى الدولية، فما بالك بسورية التي تعيش على المساعدات الخارجية ولا تقدر على صناعة مسدس؟!. ينبغي على النظام السوري أن يستوعب مساراتِ الربيع العربي، فالشعبُ هو المنتصر – عاجلاً أو آجلاً، أما محاولات كسب الوقت واللف والدوران فلا تجدي نفعاً في عالَم مفتوح ومكشوف. والمشكلة الحقيقية أن النظام السوري المغلق ما زال يعيش في عقلية مجزرة حماة 1982م، فهو يظن أن بإمكانه قطع وسائل الاتصالات وضرب طوق من العزلة والتعتيم الإعلامي، ثم القيام بما يحلو له دون حساب أو نكير. وهذا الزمنُ قد ذهب إلى غير رجعة. والعاقلُ من اتعظ بغيره، والجاهل من اتعظ بنفسه.
‘ كاتب من الأردن
القدس العربي