الأسد أَنبَتـه التوريثُ وحصدَته العاصفة !
ياسين عبد اللطيف
– ألحتْ على خاطري عبارات مأثورة من أدب “التوقيعات ” التي كان يعلَّقُ بها الخلفاء والوزراء، على ما يُقـدَّمُ لهم من كتب فيها شكوى لحالٍ من الأحوال – وأنا أكتبُ مقالة عن بشار الأسد ، الذي آلَ إليه حُكم البلاد السورية بوضع اليد والتوريث ؛ حتى إنَّ عنوانَ مقالتي جاء من روح هذه الحواشي والتوقيعات ؛ وكذلك مقدمة المقالة ، كاستهلال للحديث عن حكم الأسد المطلق ، والانحطاط العميق الذي نَزلَ بسورية في ظلِّ ولاية الوريث !
– ومنها نأخذ قولَ هارون الرشيد: الذي وقـَّعَ على رقعة تأمرُ بقتل يحيى بن جعفر البرمكي ، الذي خانَ الأمانة وعهدَ الوفاء للخلافة والخليفة : ” أَنبَتته الطاعة وحصدَته المعصية “
– سأنظرُ إلى سابقة توريثِ الحكم من زاوية الطاعة والعصيانِ ؛ مفترضاً أنَّ الأسد يعترفُ بوجود سكان في سورية يراهم بالعين المجردة ولهم ألسنة وعيونا. وبالاستدلال البسيط بين هاتين المتاهتين – سأجد العلاقة المنطقية بين المقدمات والنتيجة إسقاطاً على الحال السورية.
– التوريث أوجدَ نظاماً في سورية ؛ يشبهُ حكومة رئيس العشيرة الذي يَمْلكُ بالوراثة ويحكم بالعُرف . وحكم الأسد الابن لم يـُبنَ على طاعة ، أو شرعية من المجتمع والأمة ؛ بل قام بإلمُجَازَزة بالسيف على يد ” اللويَّاجرغا ” العسكرية والحزبية في البداية الناعمة – حتى استتب له الأمر- فأزاحَ أربابَ الأمس، بالعزل أو بالقتل، أو بإحلال الأبناءِ محلَ الآباء العجائز في المناصب العسكرية ، وفي أنصابِهم من تقاسم الخراجِ السوري، فتحولتْ السلطة إلى عصابة كريهة من اللصوص والأشرار !
– لم يدرك بشار الأسد مأزقَ أنْ يكونَ هو “بايلوت” التوريث ، ونموذجه التجريبي في الجمهوريات الراغبة بتحويل جنسها ؛ والتي تنكرُهُ جهرةً وخوفاً من جمهورها الرافض للتوريث ، وتعملُ عليه مع الدوائر الغربية سراً ؛ في الوقت الذي قبلتْ به سورية صاغرة بصمتٍ وخذلان !.
0وقد يسألُ سائلٌ :كيف تمَّ للوريثِ ما هو فيه وهو بدون ِصفات ؟! أقول له: لو أنَّ رجلاً من عامة الناس أُقِيمَ مَقَامَهُ لكانتِ الأمور على ما هي عليه اليوم! وقد يُعَلِقُ على مثالنا باستفهامٍ استنكاري ، قائلاً : ويَحكُمُ هذا ؟! أقول : قد حَكَمَ فعلاً ! فيقول : كيف تسنى له ذلك ؟ أقول : لأنَّه أَمِنَ أنْ يقال له : لِمَ فَعلتَ هذا؛ ولِمَ فعلتم ذاك؟! وأجزمُ أنَّ هذا لم يتفق لأحدٍ من ملوك الأرضِ ؛ وذلك لموت الدولة ، ومواتِ الشعب السوري آنذاك !!
– لم يدرك الوريث حينَ جِيءَ به أنَّ مسارَه ضيِّقٌ وعسيرٌ، ولا يملك مجالاً حيوياً ليلعب فيه على هواه ؛ على لحن أبدية الموَرِّث ِ، ويناور سياسياً مثلما يفعل غيره في الأنظمة الطبيعية، المدنية التي تتداول السلطة بالانتخاب، ولا يملكُ خيارات ممكنة ، لأنَّ فرصته وحيدة وقانونها
” إمَّا اعتدلْت ، وإمَّا اعتزلْت ” وهي تشبه تذكرة السفر المقيدة على أدنى الدرجات السياحية، التي لا تردُّ ولا تُبدَّلُ ؛ وتلغى إنْ فات الميعاد !
– صدَّقَ بشار وهمَ الحكم ” إلى الأبد ” كما شرَّع له “الأمين” حافظ الأسد ، وأيقنَ أنَّ ولايته وراثية بالدم الذي يجري في الأصلاب الزكية ، ويرعاها قدرٌ مكتوب ، حتى رفعَهُ الأتباع إلى درجة التقديس، وصاروا من أجله يفترقون ، وبه يجتمعون ، و يسمونه تشوفاً وافتتاناً “بشار الأمل ” في أحاديثهم ، وأغانيهم ، وملصقاتهم الكثيرة ، و له صورٌ مميزة تجمعه مع سبطي حافظ الأسد الآخرَيْنِ ؛ باسل وماهر ، والإمام حسن نصر الله – ملصقة على ميكروباصات مساكن الحرس الجمهوري ، ومساكن عرين الأسد ، والسومرية ، والـ86، وأخواتها من أحياء الصمود والتصدي والتهريب ، وتجوب هذه الميكروات شوارع العاصمة ؛ ومثلها تفعل الأخريات في عموم المدن السورية ، على أنغام هوْسَات وفيق حبيب المنبعثة من الداخل- والتي تَصمُّ الأذان، وتنفرُ منها النفوس الحرة ، وتأنفُ من لغتها ومؤداها الطائفي الذي يؤسس للفرقة والانقسام ! ومن هذه الهوسات الدعوية الممجوة ؛ ، فهِمَ السوريون الرسالة بأنَّ الأمر هكذا ؛ وأنَّ بشار الأسد هو الأمل لإيران وولاية الفقيه ، ولحزب الله ومحازبيه ، و للمتهوسين من أنصاره وعشيرته الأقربين، ولم يكن يوماً لسورية والسوريين؛ ولن يكون !.
– وبينَ الأمينِ ، والأملِ ، ألقابٌ لأعمامه ولأخيه من قبله : فقد أطلقوا على رفعت الأسد لقب :القائد ، لأنه يمثلُ ذراعَ العائلة الطويلة التي طالَ بطشها عموم السوريين و قامت عليها سلطة العائلة التي امتدت إلى عقود! وعمه جميل؛ حين كان على رأس جمعية الإمام المرتضى ،أطلق على نفسه لقب: الأستاذ … قائد المسار الإنساني ، كلقب الإخشيدي!. وبعد حلِّ الجمعية أخذ لنفسه شوحاً من الزمن لجمع المال الكثير وفي ذاكرة الناس حكايات وأهوال! ثم ارتقى الأستاذ حتى وصل إلى لقب ” سيد ” قدَّس الله سرَّه ؛ بعد أنْ لاحقَ شجرة النسب الضائعة ، فوصلَ نسبَه إلى آل البيت الهاشميين ! أما باسل فقد احتكرَ كلَّ الألقاب حيا،ً وميتاً فهو : الفارس الذهبي الرائد الركن المظلي المهندس الشهيد باسل الأسد !
– هذا الركوبُ على مطية الجهلِ والغرِفُ من الهَوس ، والمنافرة والتباهي بالمذهب والطائفة جهرة على الملأ الصامتين، خلقَ الحزازات في النفوس عند جمهور الناس، فكفروا بالنظام وهوسِه , وأزلامه ، واستعادة الهوية المفقودة على لسانِ مُطربيه الشعبيين !
– قد يخرجُ علينا متقولٌ ، ويقول : الدكتور بشار رجل علم ومعرفة ، درس في الغرب ونهلَ من معين ثقافاته وعلومه العصرية ،وخبرَ تجربته العريقة في مجال الحقوق المدنية، ولا صلة له بالهوس المجنون ، والعصبية الضيقة ! يريد هذا المتقول من شهادته هذه ، إعادته إلى مرتبة التنزيه من جديد ؛ كعادة المنافقين من ردفاء النظام البائسين!
– لا أدري كيف حازَ على كلِّ هذه الثقافة ، وكلِّ هذه الحصافة ، والحصانة المدنية الحميدة في سنة ونصف السنة أمضاهما جيئة وذهاباً بين ولندن ودمشق ! وعليه : فإنَّ بعضاً من نُخبة السوريين قد أفنى عمراً في المغتربات علماً وتحصيلاً، وعملاً في كبرى المؤسسات العلمية الغربية والعربية، ولم نسمع كلمة في حقهم تَصفُهُم بالعصرنة والكياسة . ما أغلى الألقابُ حين تكون لبشار الأسد وعشيرته الأقربين ، وما أبخسَهَا حين تكون في يد المحكومين من بقية السوريين المُهمَشين !
– وبالعودة إلى المقدمات والنتائج ؛ فإنَّ النظام مارس أشدَّ أنواع الاستبداد ، والقهر ، والإفقار والتهميش ؛ وهو يَختبرُ أيَّ الطبقات ستكون أصبر على هولِهِ وظلمِه والمرشحة لمواجهة حكمه في المستقبل المخبوءِ ؛ حتى حوَّلَ السوريين إلى أمة من المستضعفين ، وهو يقطعُ أعناقهم وأرزاقهم ، ويدوسُ على معتقدتاهم ، وكراماتهم ! هذا السَّرَفُ والولوع بالسلطة ، والضراوة في ظلم المحكومين ؛ عَجَّلَ في نهاية النظام وحانَ حصاده! .
– لم يفهم بشار الأسد حقيقة ما جرى في سورية ؛وما يجري على نظامه، لفزعِه وانفصاله عن الواقع ، وقلة حيلته السياسية وغروره المبني على وهم !.
– لمْ يفهم أنَّ لا قيمة للوقائع على الأرض في ظلِّ الأبدية الزائفة ،التي هي اختصار للهاوية. وأنَّ قوة جيشه وأمنه، والمليشيا الانكشارية – وهمية بمعايير منطق التاريخ الذي ينظر إلى ثورة الجمهورية العامة ( مجموع الأمة بأطيافها ) بجدية، ويرى أنَّ على السلطة أنْ تنصاع لنُفرِة الجموع التي خرجتْ كسيل العرم، لتسترد حياتها وكرامتها المسروقتين ، ولن تعود إلى بيوتها قبل إسقاط النظام ، إذ لا قيمة للحقائق مهما علتْ ، و للشعارات البراقة، مهما حوتْ وتضمنتْ ، فقد تحدد مستقبل سورية ولن يكون لنظام الأسد أية مشاركة فيه !
– كان على نظام الأسد المتداعي أنْ يَتمَلَّقَ هذه الروح الشعبية العارمة ويُنَافقها ،وأنْ ينصاعَ لقوة الجمهورية العامة ؛ إذ لا صوت يعلو عل صوتها ، حتى لو كان صوت الرصاص والمدافع ، وعليه أنْ يعتزل لأنَّه لم يعتدل !.
– وإنْ عاندَ ثورة الجمهورية العامة ، وتشابَهَ عليه الأمر كعادته ، فإنَ حظَّه في البقاء في السلطة كحظِّ الرجلِ من ظلِّه ، فقد فاتَه الفوتُ ؛ وحصدَتهُ العاصفة !.
كلنا شركاء