صفحات العالم

المعارضة السورية وقواعد اللعبة


حسام مقلد

لا نفهم سر انقسام المعارضة السورية على نفسها حتى الآن في وقت هي أحوج ما تكون فيه إلى الوحدة والتماسك، وأمر غريب ومحير فعلا أن تختلف فصائل هذه المعارضة وتتنافس على قضايا لم يحن أوانها بعد، فلا يزال نظام بشار الأسد الفاشي جاثم وبقوة على صدور الشعب السوري، ولا تزال آلته الأمنية والعسكرية الباطشة تنشب أظفارها بمنتهى الوحشية في أجساد السوريين وتسفك دماءهم ليل نهار، وتقتل منهم عشرات الشهداء يوميًا.

وبدلا من أن تتكاتف المعارضة السورية بفصائلها وأجنحتها المختلفة، وتجمع كلمتها، وتوحد صفوفها، وتحشد قواها لإسقاط هذا الطاغية، وإنهاء نظام حكمه الغاشم الذي نكَّل بالشعب كله وسامه سوء العذاب ـ بدلا من ذلك نراهم يتنازعون ويتصارعون على كعكة لم تصنع بعد!! فمعارضة الداخل (التنسيقيات) تتحفظ على توجهات معارضة الخارج (المجلس الوطني) وبعض أعضاء المجلس الوطني يتسرعون في الإعلان عن عقد اتفاقيات مع بعض القوى دون الرجوع لبقية الأعضاء والتوجهات السياسية المنضوية تحته، والعلمانيون واليساريون يخشون صعود الإسلاميين، وبعض التيارات السلفية تخشى تصدر الإخوان المسلمين، وهناك تيارات أخرى تتحفظ على كل ما يجري، وربما حتى ترفضه جملة وتفصيلا!!

ولا شك أن هناك قلقا متزايدا لدى الكثيرين، بخصوص هوية الدولة السورية وطبيعة العلاقات المستقبلية بين فسيفسائها وتنوعاتها الكثيرة، وتتساءل بعض الطوائف والأقليات: أين سيكون موضعها في سوريا الجديدة بعد زوال حكم الأسد وطغيانه وتخلص السوريين من بطش وفساد حزب البعث، ناهيك عن التساؤلات الإقليمية والدولية بشأن شكل النظام الجديد الذي ينبغي أن يلبي مطالب الشعب السوري في الحرية والعدالة والديمقراطية ويوفر له الحياة الآمنة الكريمة، وفي نفس الوقت يساعد على استقرار المنطقة ونشر السلام في ربوعها، يضاف إلى ذلك ملفات شائكة كثيرة كملف أكراد سوريا، وملف تحرير الجولان، وطبيعة العلاقات السورية المستقبلية مع محيطها العربي والإقليمي وخاصة مع تركيا وإيران.

ومن الخطأ الشديد فتح كل هذه الملفات دفعة واحدة في هذا الوقت تحديدا، فهي ليست واجب الوقت الآن وإن كانت كلها ملفات مهمة وحيوية، لكن ينبغي أن تُبحث في مرحلة لاحقة، ويتعين على المعارضة السورية حاليا أن ترسل العديد من رسائل الطمأنة للداخل والخارج بلغة دبلوماسية رصينة بعيدا عن استخدام أية تصريحات ملغومة، أو الانجرار إلى أية خطط مشبوهة من شأنها إجهاض الثورة السورية في مهدها ولما تكتمل بعد!

إن الشعب السوري الأبيَّ البطل قام بثورة شعبية عظيمة، وأبدت الجماهير السورية وعياً كبيراً بما يجري حولها، وما يحاك ضدها وضد ثورتها الباسلة من مؤامرات، وكنا ولا زلنا ننتظر من المعارضة السورية أن تكون على مستوى هذه الجماهير الهادرة في المدن والساحات، ونتمنى على جميع فصائلها في الداخل والخارج أن تتحلى بقدر كبير من الحكمة والحنكة والمهنية والمهارة في فهم قواعد اللعبة السياسية، كما نتمنى عليها أن تركز حاليا على همٍّ واحدٍ وقضية واحدة فقط هي إسقاط بشار الأسد ونظامه دون تشتيت للأنظار وبعثرة للجهود في إثارة قضايا لا مسوغ مطلقًا لإثارتها الآن.

لقد انعقد أول مؤتمر للمعارضة السورية في لندن قبل سنوات في أغسطس (آب) عام2002م، وطرحت جماعة الإخوان المسلمين السورية مشروع الشرف الوطني، وبعد مداولات ومناقشات مطولة عُدِّلت فقرات المشروع وتمت الموافقة عليه من المؤتمرين وأصبح (ميثاقاً وطنياً) لكنه لم يفعَّل لأسباب كثيرة وعوامل مختلفة، وكنا نتوقع أنه بعد لحاق السوريين بقطار الربيع العربي واندلاع ثورتهم المباركة في الخامس عشر من مارس (آذار) عام2011م أن تسمو فصائل المعارضة السورية على خلافاتها، وتغتنم هذه الفرصة التاريخية وتوحد صفوفها، على الأقل حتى تقتلع جذور نظام الأسد الفاسد المتغوِّل في جميع مفاصل الدولة، ولا شك أن وحدة المعرضة وتماسكها ستكون ضربة قوية من شأنها أن تصدع بنية النظام وتسرع بسقوطه، إضافة إلى كونها ستدفع بالأطراف العربية والدولية الفاعلة للاعتراف بهذه المعارضة والتعامل معها رسميًّا كممثل للشعب السوري، لكن ما ظننا الآن والمعارضة السورية ما تزال منقسمة على نفسها، وهناك فصائل منها تتبادل فيما بينها الاتهامات الجارحة إلى حد تبادل السباب والشتائم؟!!

إن المجلس الوطني السوري يمثل قطاعات واسعة من فصائل المعارضة، لكنه قد لا يمثل قطاعات عريضة من الثوار، وربما لا يوجد فيه من يعبر عن كل أطياف الشعب السوري، ورغم ذلك فهو الأقرب إلى تمثيل مصالح هذا الشعب الثائر في هذه المرحلة الحساسة، ولا بأس أن يستمر ذلك لفترة محددة من الزمن، تنتهي بمجرد إسقاط النظام، ويفترض أن يُمنح هذا المجلس تفويضًا رسميا كاملا يتمكن من خلاله التصرف سياسيا بشكل منظم ومسئول أمام دول العالم.

ودفعاً للشكوك والمخاوف يمكن وضع ورقة ملزمة لكافة أطراف المعارضة السورية تمنح المجلس الوطني صلاحيات محددة للعمل السياسي خلال هذه المرحلة الثورية الحاسمة إلى أن يسقط النظام، وتقرر بوضوح تام أن هذا المجلس لا يمتلك ـ كما لا يمتلك غيره ـ حق التصرف منفرداً في أي شيء يختص بمستقبل الشعب السوري بعد الثورة، سواء فيما يتعلق بكتابة الدستور، أو وضع أيديولوجية أو مرجعية معينة للحكم، أو تشكيل الأجهزة الانتقالية، أو غير ذلك من المسائل التي من شأنها تحديد ملامح الدولة السورية وتشكيل أجهزتها مجددا، فكل ذلك يجب أن يتم بناء على توافق عام بين جميع قوى وفصائل ومكوِّنات المجتمع السوري بمختلف أطيافه السياسية، وطوائفه الدينية، وشرائحه الاجتماعية، ودون ذلك سيظل الشعب السوري يبحث عمَّن يمثله ويقدِّر ما يبذله من تضحيات ودماء!!

كاتب مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى