صفحات المستقبل

تعهد ..شو ؟؟


هند قهوجي

أخبرني شاب (16سنة) خرج من السجن قريبا, أنهم ( وقعّوه ) على تعهد غريب

من نوعه, تعهد انتخابي!!

قلت له: تعهد شو .. انتخابي؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!

قال : إي انتخابي… مشان بكره وقت يصير انتخابات عنا, بكون أنا مصّوت

وخالص ..( هيك التصويت شفتوا !!! ).

شردت قليلا, فوراً حضر السجن بذهني , وتذكرت: ( تعهد .. شو؟؟ ).

في عام ( 1989) كنت أنا والصبايا ( كنا تقريبا 35 معتقلة ) في سجن دوما

للنساء, مع سجينات قضائيات, وبالسجن ما في أكتر من الوقت, الوقت مرمي

في كل مكان, حتى إنك تتشركل به, يعني لا شغلة ولا عملة, بس قريحة

المواهب, حدث ولا حرج, وبزحمة هالمواهب, قامت تفتّحت قريحتنا على شو؟؟؟

على المسرح.

قلنا منضرب عصفورين بحجر؟؟ نستفيد من القراءة, منملي فراغنا, منعمل

مسرحية تمثيلية, بس وحياتكن غير للكاتب إبسن, ما رضينا, مسرحية ( حورية

البحر ), ومتل ما بقولوا, دق الحديد وهو حامي, و … فورا, بدأنا العمل.

بفارغ الصبر, كان كل السجن ينتظر مسرحيتنا, صار الكل يشجعنا, ويدللنا على

قهوة رايحة, وشاي جاية, كل شوي يسألونا وين صرتو؟؟ بدكن شي؟؟

لازمكن غرض؟؟؟؟؟ لم نصدق حالنا, كله عم يسأل, قضائيات , وغير

قضائيات, حتى الشرطة صاروا يسأ لونا:

إ يمت العرض يا صبايا؟؟؟؟

كنا أنا, وجدان ناصيف, رنا محفوض, سحر البني, وسمر, الممثلات؟؟؟؟؟

رماح بوبو, وناهد بدوية, كاتبات سيناريو وإخراج.

صرنا بس نخلص شغلنا, نركض ركيض عالتدريب, وقت شافونا البنات

مهموكين وعم نشتغل عن جد, أعفونا من السّخرة, مشان نخلص بسرعة

ونعجلهن بالمسرحية, ( يا سلام؟؟ ) فرحنا وطار عقلنا كمان.

أخيراً ..

أخيرا ً.. جاء يوم العرض.

جهّزنا باحة السجن, شطفنا ونظفنا, وفردنا الحرامات عالأرض, غطينا شبك

الزيارات بالحرامات, عملنا منصة, و خلف المنصة, عملنا خيمة صغيرة, لتقعد

رماح وراها وقت العرض, مشان تلقمنا ( تنقلنا ) إذا نسينا النص, ( مسرح عن

جد!! ), قبل العرض بيوم راحت إحداهن, تدعوا كل من في السجن, كلن كلن,

لحضور المسرحية, مسرحيتنا, ويمكن يومها ما حدا نام بالسجن, نحن شبه

مرعوبين من العرض, وهنن فرحانين بدهن يحضروا مسرحية!!!! يعني شي

جديد, وأول مرة بيصير بالسجن.

وكان الإفتتاح ….

و… عرضنا المسرحية .

صدقوني كان الجمهور غير شكل, كل السجينات حضروا عرضنا, والواقفين أكتر

من القاعدين.

يا للنشوة… تصفيق, تصفيق حار, ياي, مو مصدقين حالنا أبدا ً, تصفيق حتى

من عناصر الشرطة, لأنهم حضروا المسرحية من ثقوب البطانيات, الليّ مغطية

الشبك. صحيح إ نو ما لحقنا نبدأ العرض, إلا.. إلا وخلص فورا, لأنو نسينا

جزء من النص, والست رماح ( الملقنة ), شردت ونسيتنا, بس كملناها, وما

حدا بيعرف حدا.

الجمهور عم يصفقلنا, و يصفرلنا, و مو عارف شي من شي, فعلا ّيومها

من كثر ما صفقولنا, بكينا, بكينا وحسّينا حالنا انتصرنا مو بس على السجن,

على شغلات كتيرة, ولوهلة حسّبنا حالنا خارج السجن, على مسرح حقيقي,

يومها, يومها بقينا سهرا نين كل الليل, نحكي وندردش, كأننا مو نحن.

نشوة الانتصار خلتنا نفكر, ليش ما منعمل مهرجان مسرحي كمان,

صار عقلنا يا خدنا ويجيبنا؟؟ وقررنا أشياء وأشياء.

بعد كم يوم, و نحن بأوج فرحتنا, دخل الشرطي مسرعا مرعوبا ً با تجاه

غرفنا, ووجهه مصفّر و مخضّر:

وين هند, و وين سحر و…. تعوا, تعوا؟؟؟؟؟؟؟

خرجنا معه, وكل البنات بل كل السجينات, ركضوا وراءنا يسأ لونه لوين

آخدهم, شو صا ير؟؟؟؟.

كان ضابط الأمن بانتظارنا, تأ تأ الشرطي:

هي هنن سيدي .

صمت فظيع يفصلنا عنه, فجأة اقترب من وجهينا صارخا ً:

( يعني معقول تعملوا مسرحية, وما تدعونا.

كنّا إجينا ولو…. أد ب و مسرح, و با لسجن!!!! يا سلامممممممممم. )

اطّلعنا ببعض أنا وسحر و فهمنا كل شي.

( والله مو نا قصنا غير النشاط الفني كمان, ما بكفي …. )

بسمة صغيرة هربت مننا.

بعصبية, ونزق:

( يلا تعي أنت و هيي لشوف, هات القلم؟؟؟ و قعولي هون.. هون )

نوقع؟؟!!.. وعلى شو بد نا نوقع؟؟؟

( بدكن توقعوا على تعهد فني!!!!!!!!!!! فني اسمعتوا ولا؟؟؟؟ )

سو ية بأعلى صوتنا:

تعهد شو؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!

( و لك تعهد فني, ف..نّ..ي, شو ما عم تسمعوا, طرشتي إنت وياها؟؟؟ )

ما قدرنا نخبي ضحكتنا, و قلنا له:

إي على تعهد أمني من هديك الإيام ما وقعنا, لنوقع هلأ على تعهد فني, وشو

هاد الفني, معقول يعني, مشان…

( خلص , خلص , طيب اعملو لهن حفلات, مو مسرحيات؟؟ يا ستي ,

حفلات غنائيه ماشي الحال, غنوا, غنوا مثلا لسميرة توفيق, لفهد بلان, طيب

ارقصوا, بس مسرح لا.. لا ؟؟؟؟ )

رجعنا لعند البنات, غشيانين من الضحك, وقلنا لهن:

اطّمنوا, إجانا متعهد حفلات غييييير شكل.

ضحكنا يومها كتير كتير, وصوت ضحكاتنا, وصلت للمتعهد, وللّي أرسل

المتعهد.

بعد فترة, عملنا مسرحيتين, واحدة كتبتها رماح و ناهد, و نفس الطاقم التمثيلي,

أما الثانية, كانت لسجينة قضائية, ( أم فدوى ) هيك كانوا ينادونها, أنا فقط

شاركتها( المسرحية ), لأنو أصلا ً كل مسرحيتها كانت, عبارة عن جملة واحدة

فقط جملة:

( آه .. يا قاسي !!! ).

صدقوني رغم ذلك, أخذت مسرحيتها لأم فدوى صدا ً في السجن, أكثر من مسرحيتنا

نحن!!!!!! ومن يومها, صاروا البنات ينادونني: ( هند.. آه يا قاسي!!! ) .

أخيرا ً… اسمحولي إهدي هذه الفقرة :

إليكن يا صديقاتي الرائعات,

صديقاتي في السجن,

والحرية معا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى