الثورة السورية والمجتمع الدولي: هل أضحى ”التدخّل الإنساني” في سوريا ممكنا؟
أندرياس تسوماخ
سقط في سوريا في الأشهر الأخيرة أكثر من ثمانية آلاف قتيل، قتل معظمهم على يد جنود نظام بشار الأسد وقوَّات أمنه الأخرى. وبحسب تقديرات المفوَّضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتَّحدة نافي بيلاي وكذلك بحسب تقديرات لجنة التحقيق التابعة لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتَّحدة فإنَّ الحملة الوحشية التي يقوم بها نظام الأسد ضد فئات من المواطنين السوريين باتت تشكِّل الآن “جرائم ضدّ الإنسانية”. وبالتالي من المفترض الآن أن يتحمَّل المجتمع الدولي “مسؤوليته في حماية” المواطنين السوريين من بطش حكومتهم.
ولكن حتى الآن باءت جميع محاولات الضغط السياسي والدبلوماسي والاقتصادي الرامية إلى تحميل المجتمع الدولي مسؤولية حماية المواطنين السوريين بالفشل. إذ لم تتم حتى الآن إدانة النظام السوري بأغلبية الثلاثة أرباع من قبل الجمعية العامة للأمم المتَّحدة ومجلس حقوق الإنسان ولا حتى استطاعت العقوبات الاقتصادية المفروضة على نظام الأسد من قبل الغرب أن تجعله يوقف العنف ضدّ شعبه.
خطر انهيار سوريا
طالبت مؤخرًا ومن جديد المفوَّضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتَّحدة نافي بيلاي بوقف فوري لإطلاق النار في سوريا ودعت إلى إحالة الملف السوري إلى محكمة الجنايات الدولية نظرًا إلى “العنف الذي لا يمكن وصفه”
ولم يتمكَّن كذلك كوفي أنان المبعوث الخاص للأمم المتَّحدة وجامعة الدول العربية من إقناع بشار الأسد في عطلة نهاية الأسبوع الماضي بأقل ما يمكن من التنازلات، فقد واجهت أيضًا بعض مقترحات أنان للتوصل إلى حلّ سياسي للأزمة رفضًا لدى بعض أطراف المعارضة السورية وخاصة لدى ممثِّليهم في الخارج. وفي سوريا أصبح يلوح الآن خطر اندلاع حرب أهلية طويلة الأمد تشمل جميع أنحاء البلاد ويكون من نتيجتها سقوط عدد أكبر بكثير من عدد من قتلوا في ليبيا بالإضافة إلى انهيار البلاد الذي ستؤدي عواقبه إلى زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط برمّتها. ولكن مع ذلك هناك خيار لم تتم تجربته حتى الآن للحيلولة دون حدوث هذا السيناريو الأسوأ؛ وهذا الخيار هو “التدخّل الإنساني” باستخدام الوسائل العسكرية وبموافقة جميع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن.
وحتى الآن ينصح العديد من الخبراء بعد تدقيقهم المعايير السياسية والقانونية الدولية الخاصة بمثل هذا “التدخّل الإنساني” باستخدام الوسائل العسكرية بعدم اللجوء لمثل هذا الإجراء في سوريا. وهم محقّون عندما يشيرون في ذلك إلى التدخّلات المشكوك فيها أو الفاشلة التي حدثت في الماضي القريب وخاصة الحرب الجوية التي شنَّها حلف الناتو ضدّ صربيا في عام 1999. لقد خاض هذا الحلف العسكري الغربي هذه الحرب من دون حصوله على تفويض من مجلس الأمن التابع للأمم المتَّحدة وانتهك بذلك القانون الدولي، ولكنه مع ذلك برَّرها بأنَّها “تدخل إنساني” ضروري من أجل ألبان كوسوفو.
هناك أيضًا مثال آخر يكمن في الحرب التي شنَّها التحالف العسكري بقيادة حلف الناتو لإسقاط نظام معمر القذافي في ليبيا العام الماضي. لقد خرقت هذه الحرب قرارًا صادرًا عن مجلس الأمن نصَّ فقط على إقامة مناطق حظر جوي وحماية المدنيين. وفي الواقع تعتبر التحفّظات السياسية والقانونية الدولية على “التدخّل الإنساني” جادة للغاية. بيد أنَّ هذه التحفّظات لا تتعلَّق في الحقيقة إلاَّ بالإطار السياسي الخاص بمعارضة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي. لا شكَّ في أنَّ هذه المعارضة كانت هي الواقع السياسي في جميع القضايا التي طرأت منذ نهاية الحرب الباردة (باستثناء قضية رواندا عام 1994) وكان مطروحًا فيها على طاولة النقاش التدخّل من أجل منع أو وقف الإبادة الجماعية والجرائم ضدّ الانسانية. ولهذا السبب بقيت المنقاشات حول الإجراءات التي يمكن اتِّخاذها من أجل مواجهة الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان تدور الآن بكلِّ سهولة ومن دون تصوّرات في واقع هذه المعارضة.
شرط التدخّل الإنساني
التدخّل المثير للجدل في ليبيا – “خرقت هذه الحرب قرارًا صادرًا عن مجلس الأمن نصَّ فقط على إقامة مناطق حظر جوي وحماية المدنيين”، حسب رأي أندرياس تسوماخ. الصورة الرابعة: غضب على دعم روسيا للنظام في مجلس الأمن التابع للأمم المتَّحدة – متظاهرون سوريون يحملون لافتة رسم عليها بشار الأسد وفلاديمير بوتين بين الجثث ومجلس الأمن.
وفي قضية سوريا يجب أن يتم اتِّخاذ قرار بشأن “التدخّل الإنساني” باستخدام الوسائل العسكرية وبإجماع القوى الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وبعد ذلك يجب أن يتم تطبيق هذا القرار بصورة مشتركة أيضًا. وهنا يحتل الأولوية نشر قوَّات لحفظ السلام مهمتها تأمين ممرَّات برية آمنة بغية توفير المواد الأساسية للمواطنين وكذلك نقل الجرحى واللاجئين. وربما سيعترض بشار الأسد في البداية على مثل هذا القرار الذي سيتم اتِّخاذه بإجماع القوى الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، ولكن في الواقع إذا لم يتم حينها نشر قوَّات حفظ سلام أمريكية وروسية فقط بل كذلك أيضًا قوَّات صينية وبريطانية وفرنسية في سوريا، فسيكون حينها من الصعب تصوّر أنَّ القوَّات التابعة لنظام بشار الأسد ستحارب هذه القوَّات الدولية.
ولكن هل هذه أوهام ساذجة لشخص مجنون؟ لقد كان اسم هذا المجنون على سبيل المثال في خريف العام 1998 ألكسندر فرشبو الذي كان يعمل حينها على أية حال سفيرًا للولايات المتَّحدة الأمريكية لدى حلف الناتو في بروكسل. ونظرًا إلى انتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة التي اقترفتها قوَّات “الأمن” الصربية في حقّ السكَّان الألبان في كوسوفو وتصاعد العنف المضاد من قبل حركة “تحرير” كوسوفو UÇK (جيش تحرير كوسوفو)، فقد قدَّم ألكسندر فرشبو إلى إدارة الرئيس كلينتون في واشنطن خطة مفصلة لنشر قوَّات أمريكية وروسية منتدبة من مجلس الأمن لحفظ السلام في إقليم كوسوفو. أرسل حينها هذا السفير الأمريكي لدى حلف الناتو برقية إلى الإدارة الأمريكية في واشنطن جاء فيها أنَّه “ستكون هناك حاجة إلى نشر عشرة آلاف جندي إذا وافق الرئيس الصربي ميلوسيفيتش، وإذا لم يوافق يجب نشر ثلاثين ألف جندي”. ولكن لقد انتهى المطاف هناك باقتراحه الخلاَّق الداعي إلى إنهاء سفك الدماء في إقليم كوسوفو إلى سلة المهملات. وهذا الحدث وحده يدحض ادِّعاء حلف الناتو بأنَّ “التدخّل الإنساني” الذي قام به من خلال حربه الجوية ضدّ صربيا في بداية شهر آذار/مارس 1999 منتهكًا بذلك القانون الدولي كانت السبيل الوحيد لإنهاء انتهاكات حقوق الإنسان الصربية في إقليم كوسوفو.
شكوك روسية وصينية
بعثة سلام فاشلة: قدَّم مؤخرًا المبعوث الدولي كوفي عنان عدة اقتراحات من أجل وقف سفك الدماء في سوريا، ولكن النظام السوري لم يرد حتى الآن على هذه الاقتراحات
والآن تؤكِّد كلّ الحكومات المشاركة من واشنطن وحتى بكين في النقاش الدائر حول سوريا أنَّ الأولوية يجب أن تكون لإنهاء سفك الدماء. وإذا كانت هذه التأكيدات جدية فيجب أيضًا أن يكون من الممكن التوصّل إلى إجماع دولي حول “التدخّل الإنساني” في سوريا. ولكن مع ذلك يسود في كلّ من موسكو وبكين الشكّ بأنَّ دول الغرب والحكومات السنِّية في جامعة الدول العربية غير معنية بحقوق الإنسان في سوريا، بل بإسقاط نظام بشار الأسد – وربما يكون ذلك تمهيدًا لشنّ حرب على إيران وإسقاط النظام في طهران. وفي المقابل يستطيع الغرب فعل الكثير من أجل تبديد هذه الشكوك وبالتالي زيادة فرص العمل المشترك مع روسيا والصين، وذلك من خلال في تقديمه مشروع قرار في مجلس الأمن يركِّز فقط على شكل هذا “التدخّل الإنساني” ويتخلى عن الإدانات وفرض العقوبات والدعوة إلى استقالة بشار الأسد. ولكن في الواقع إنَّ مشروع القرار الذي قدَّمته كلّ من ألمانيا ودول أخرى في اجتماع مجلس الأمن الذي انعقد في بدابة هذا الأسبوع حول سوريا لا يفي بهذه الشروط ولذلك فقد واجه من جديد رفض روسيا والصين.
وإذا لم يتم التوصّل إلى إجماع دولي على هذا “التدخّل الإنساني” فعندئذ لن يبقى هناك سوى خيار واحد يكمن في عرض السفر على بشار الأسد وأقربائه إلى مكان آمن في الخارج وكذلك تقديم العفو له ولهم. صحيح أنَّ هذا الخيار يواجه معارضة الكثير من المراقبين والخبراء السياسيين الذين يعتقدون أنَّ معالجة الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان ومعاقبة مرتكبيها شرط أساسي من أجل تحقيق العدالة والمصالحة وبالتالي لتحقيق السلام الدائم والاستقرار الداخلي في البلاد؛ ولكن نظرًا إلى السيناريو الأسوأ الذي يهدِّد سوريا وجيرانها فإنَّ خيار سفر بشار الأسد إلى الخارج ومنحه الحصانة سيكون بالمقارنة أهون الشرين.
أندرياس تسوماخ
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012
ولد الاقتصادي والصحفي والمرشد الاجتماعي أندرياس تسوماخ عام 1954، ويعمل لصالح صحيفة تاغستسايتونغ الألمانية مراسلاً صحفيًا في الأمم المتَّحدة في جنيف. صدر كتابه الأخير تحت عنوان “الحروب القادمة” عن دار نشر Kiepenheuer und Witsch.