صفحات سوريةفايز ساره

في جوانب العنف السوري!


فايز سارة *

يطرح كثير من السوريين على انفسهم أسئلة تتعلق بمقدار العنف المخيف الذي شهدته سورية في الستة عشر شهراً الماضية. بل إن كثيراً من العرب والأجانب الذين عرفوا سورية والسوريين، وقفوا مشدوهين أمام أحداث العنف المستمر والمتصاعد، وتعبيراته سواء تلك التي ظهرت على شاشات التلفزة، أو عبر الأرقام والإحصائيات، التي تلخص بعض ملامح العنف في توالي فصوله منذ آذار(مارس) 2011.

ورغم أن الاستغراب المحيط بموضوع العنف السوري وتعبيراته، أمر طبيعي لما عرف عن السوريين في ميلهم إلى المهادنة والتسويات في ما بينهم ومع الآخرين، فإن ذلك لا يمثل سوى القشرة، التي ولدت وعاشت خلفها جذور العنف، قبل أن تدفع ثمارها الفجة في مواجهة أولى تظاهرات السوريين في درعا، حيث سقط أول القتلى والجرحى ممن شاركوا في استنكار ورفض اعتقال أطفال درعا وتعذيبهم نتيجة قيام بعضهم بكتابة شعارات مناهضة للنظام ليس إلا.

لقد استجرت حادثة اعتقال أطفال درعا وتعذيبهم مسيرة العنف السورية الراهنة والطويلة، والتي تشير معطياتها وأرقامها إلى خلاصات تقارب الأساطير المعروفة، بل إن ثمة آراء تؤكد، انه وبعد نهاية الأزمة، ومع القدرة والاطلاع والكشف عما حدث وكيف، فإن ذلك سيبين أن حالات من عنف تتجاوز الأساطير، حدثت في أنحاء مختلفة من سورية، ولم تحدث كلها خلف الجدران وفي فضاءات سرية مغلقة، إنما بعضها تم ارتكابه علانية وبصورة وحشية وفي الخلاء وتحت ضوء الشمس وبدم بارد.

إن المحصلة الإجمالية للعنف الجسدي والمباشر الذي أصـــــــاب السورييــــــن، تشير إلى تجاوز عدد الذين قتلوا الخمسة عشر ألف شخص، وهناك أضعاف الرقم السابق من الذين جرحوا ومعظمهم أصيب بعاهات وإصابات دائمة، وأكثر منهم مرات الذين اختفوا دون أن تعرف عنهـــم أية معلــــومات على مدار اشهر طويلة، ولا يمثل هؤلاء البالغين عشرات آلاف السوريين سوى نسبة قليلة من سوريين جرى اعتقالهم، وهو إجراء يتضمن التعذيب على أنواعه وصولاً إلى الموت، وكلها حلقات من العنف الشديد في أول وأيسر مواصفاته، وهناك تقديرات، تشير إلى أن مئات آلاف السوريين، تعرضوا للاعتقال منذ بدء الأحداث، مما يؤشر إلى أن كثيراً من السوريين وأقاربهم الأقربين، تعرضوا للعنف مرة أو اكثر بفعل الأحداث الراهنة.

إن الــــهدف الرئيـــــس للعنف الراهن في سورية، هــــو إكراه الآخريــــن على أفعال محددة، تستجيب مصالح الأشخاص الذين يقومون بأعمال العنف وقياداتهم ومؤسساتهم، وفي حال العنف الحالي، فإن اغلب أعمال العنف هدفها منع عمليات الاحتجاج والقيام بالتظاهر المنــــاهض للسلطة، وإجبار الجمهور على إعلان التأييد والمساندة للسلطة الحالية. غير انه وفي حالات تزايدت وتصـــــاعدت، صـــــار العنف سياسة انتقامية وعقوبات يتـــــم اتخاذها ليس إزاء أفراد لا صلة لهم مباشرة بما يحــــدث فقط، وبعيداً عما يتم إعلانه من مواقف، بل إن العنف اكتسب طابع العقوبات الجماعية والانتقامية، كما يحدث في حصار المدن والقرى، والتي غالباً ما تترافق بأعمال تبدأ بقطع إمدادات المياه والكهرباء وشبكات الهاتف ومنع إدخال المواد التموينية وصولاً إلى إطلاق الأسلحة الرشاشة، وتصعيداً إلى القصف بالمدافع والصواريخ.

والعنف بطبيعته وممارساته، يستند إلى جذور معقدة، تمتد في التاريخ والحاضر، ولها أسباب سياسية واجتماعية وثقافية وغير ذلك، لكن الأهم في جذور العنف الحالي، هو استناده إلى الاستبداد وإلى عسكرة المجتمع، وتكريس انقسامات المجتمع بأبعادها المختلفة ولاسيما القومية والدينية والطائفية، بل إن احد اهم جذور العنف في سورية، يكمن في تغييب وتهميش السياسة، بما هي فن وعلم إدارة المجتمعات، والذي يفتح الباب أمام العنف ليكون بديلها الرئيس.

لقد رسم تطور الأوضاع السياسية في سورية منذ أواخــــــر الخمسينـــــــات، توجهاً للسير نحو حكم استبــــدادي فردي، ظهرت أول بواكيره في الانقلاب العسكري الذي قــــاده حسني الزعيم عام 1949 وكرره تابعـــــوه، وصولاً إلى عهد الوحدة، فمرحلة حكم حزب البعث التي مازالت متواصلة في تعميق تمركز السلطة بيد حزب، ثم بيد رئيس هو فوق الحــــزب. ولأن المؤسسة العسكرية هي القوة الأقوى والأفضل تنظيماً وموارداً، فقد تم الاعتماد عليها للإمساك بالدولة والمجتمع، وجرى تعميم عسكرة الحياة العامة بالاستفادة من ظروف الصراع مع العدو الإسرائيلي ومتطلباته، ومع تغذية الانقسامات داخل مكونات الجماعة الوطنية، وتهميش الظاهرة السياسية بما تعنيه من نخبة وتنظيم وفكر ورؤى، صار العنف هو الأداة الرئيسية بل الوحيدة للإمساك بالدولة والمجتمع وإدارتهما، بل هو وسيلة إخضاع الآخرين من أفراد إلى جماعات إلى المجتمع، وطوال الفترة الممتدة منذ بداية الستينات، صار بالإمكان ملاحظة، أن كل الاحتدامات والتناقضات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل إن تحركات المثقفين واعتراضاتهم، لم يتم التعامل معها بطريقة غير العنف الذي يبدأ باللفظي، ثم ترتفع وتائره حد القتل المعلن.

* كاتب سوري.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى