الإشاعات والثورة
عبدالله اسكندر
الإشاعات هي عماد الحرب النفسية التي هي الوجه الآخر للحرب الميدانية. ومع التطور الكبير في وسائل الاتصال وتقنيات التصوير، بات ممكناً الشك في كل ما نسمعه ونشاهده على شاشات التلفزة وشبكة الإنترنت وحتى ما نقرأه في الصحف. وقد اعلن الرئيس بشار الأسد سابقاً ان ما يجري في سورية «حرب فضائية» لتأكيد ان كل ما تشهده بلاده مفبرك، خصوصاً لجهة الممارسات العنفية التي تمارسها قواته ضد الشعب السوري.
وباتت الفرص متوافرة لأي كان للإدلاء بـ «معلومات»، نظراً الى حاجة وسائل الاعلام البصري لتعبئة الوقت، وهي معلومات تحافظ على منطق ظاهري لكن صدقيتها تنهار لدى اي تدقيق في جوهرها. ما يغذي حرب الإشاعات على نحو لم تشهد البشرية مثله من قبل.
وقد بات من الصعب التيقن من طبيعة هذه الحادثة او تلك، ومن هوية ابطالها.
ما يصلنا من اخبار تتعلق بالنظام وممارساته لا يمكن التأكد من مصدرها ولا من مضمونها. كذلك الامر بالنسبة الى المعارضة. وعلى سبيل المثال، ذلك الشريط الذي وضع على الانترنت يظهر معارضين مسلحين يرتكبون اعمالاً مقززة في حق مؤيدين للنظام. وقد يكون هؤلاء المسلحون، الذي كانوا يحتفلون باحتلال مبنى اداري رسمي يهدفون الى إظهار بأسهم وقوتهم ويحذرون المدافعين عن النظام من المصير الاسود الذي ينتظرهم.
لكن ثمة من يعتقد بأن النظام فبرك هذا الشريط بهدف إظهار ان المعارضة المسلحة ترتكب اعمالا لاإنسانية بحق خصومها، وايضاً لإظهار المصير المشؤوم الذي ينتظر مؤيدي النظام في حال هزيمته.
هكذا نرى ان الشريط نفسه يؤدي أغراضاً تخدم كلاًّ من طرفي القتال.
عندما تم تفجير المقر الامني في دمشق، حيث قتل مسؤولون كبار، لم تصل الى المتلقي معلومات مؤكدة عن الفاعل. وما يزال الغموض يلف التفجير. وخرجت نظريات عدة عن طبيعته والمتورطين فيه، علما ان المبنى حيث تلتقي القيادات الامنية العليا من المفترض ان يكون من أكثر الأمكنة حراسة وإجراءات امنية، خصوصاً في ظل الحرب المفتوحة داخل البلاد. ومن هذه النظريات اعتبار التفجير في اطار تصفية داخلية تتعلق بكيفية ادارة الازمة والخروج منها. لكن عودة الحديث عن اصابة ماهر الاسد في التفجير ينسف هذه النظرية ويعيد التأكيد ان التفجير هو من صنع المعارضة التي لم تقدم ما يؤكد مثل هذه المسؤولية.
وهكذا، في ظل غياب الشفافية والصدقية واعتماد حرب الإشاعات، يحمل كل حدث معنى وهدفاً ونقيضهما في آن.
لكن، ومهما بلغت شدة حرب الاشاعات، تبقى الحقائق الأكيدة على الارض، يمثلها حجم الدمار الكبير في كل المدن السورية وعدد القتلى المرتفع جداً وأعداد الفارين من وجه آلة القتل السورية، وكذلك شهادات المنشقين عن طبيعة النظام وممارساته. وتبقى ايضاً الحقائق في شأن ممارسات غير انسانية يُقْدِم عليها مسلحون يعملون في ظل شعارات المعارضة على الاقل ان لم يكونوا منضمين اليها.
وفي النهاية، هذه الحقائق هي التي تحدد وجهة الازمة وكيفية الخروج منها، وليس الاشاعات والتركيبات الاعلامية. وبمقدار ما تعتمد المعارضة الشفافية وحساب الذات عن سلوكيات مقززة قد تحصل هنا وهناك، بمقدار ما تضمن الوصول الى الاهداف الاساسية التي رسمتها، خصوصاً لجهة وحدة الدولة والبلد في ظل نظام ديموقراطي تعددي جديد.