صفحات العالم

“ماذا لو بقي الأسد؟”

 

حسن طارق الحسن

التحول القادم في سياسة الدول الغربية تجاه سوريا و إيران

ماذا لو بقي الأسد؟ سؤال لطالما كان مطروحا للنقاش. بيد أن تبعيات ظهور مؤشراتٍ جديدةٍ مؤخراً ترفع من احتمالية بقاء الأسد باتت واضحة على تحركات أوساط صنع السياسة الخارجية في بعض العواصم الغربية تجاه سوريا و إيران و حليفتهما روسيا. حيث تتجلى علامات تشير إلى تقاعس المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة و فرنسا عن تبني سياسة حازمة تجاه الدفع برحيل الأسد عن السلطة من ناحية و من ناحية أخرى مواجهة إيران عن طريق فرض برنامج عقوباتٍ قاسٍ وصولاً إلى التهديد بالعمل العسكري لإرغام النظام على التخلي عن برنامجه النووي.

تصاعدت الشكوك حول حتمية سقوط الأسد على إثر تصريح وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في ٢٤‎ يناير الماضي – أي عدة أيام فقط قبل اجتماع المعارضة السورية في باريس – الذي قال فيه:”الأمور لا تتحرك…لا توجد علامة إيجابية مؤخراً باتجاه الحل الذي نأمل به” في إشارة لسقوط نظام الأسد. و قد فسر بعض المحللون كالباحث في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية (آي آي اس اس) إميل حُكيِّم في مقالة له على موقع مجلة السياسة الخارجية (فورين بولسي) خطاب الأسد بتاريخ ٦ يناير كدليل على غياب أية نية لديه للرحيل أو الإستسلام. كما يشير حُكيِّم إلى إحتمالية نجاح تكتيك الأسد في إستنزاف و تشتيت المعارضة فضلاً عن كسب الوقت عبر وعود جوفاء بالحوار و إجراء المفاوضات. من جانب آخر، ترصد الكاتبة و المرشحة السابقة للإنتخابات البرلمانية في تركيا تولين دالوغلو تغيير دقيق في السياسة التركية تجاه الصراع في سوريا، لا سيما ما يبدو كمحاولة لإيجاد خط تراجع عن الخطاب الصدامي لحفظ ماء وجه الحكومة التركية. حيث تتمحور الأسباب التي تدعوا إلى التشاؤم حول إمكانية سقوط الأسد في عدة نقاط، منها التخوف الغربي من تقديم يد العون بشكل أكبر للجماعات المسلحة المناهضة للنظام بسبب تواجد الجماعات الجهادية كجبهة النصرة و ارتباطها الوثيق بالقاعدة، و الجمود النسبي في الوضع العسكري على الأرض، و تناقص حالات الإنشقاق في صفوف الجيش السوري، و فشل المعارضة و بالأخص الإئتلاف الوطني السوري في توحيد الصفوف و ثبات الموقفين الروسي و الإيراني المؤيدين لنظام الأسد في سوريا.

تزامنت هذه العوامل مع ما قد تُقرأ على أنها مؤشرات لتغير حاصل في سياسة المعسكر الغربي نحو الملفين السوري و الإيراني. أولاً، أثار تعيين السيناتور الجمهوري السابق تشاك هيغل كوزير للدفاع ضمن فريق أوباما الجديد زوبعة في مجلس الشيوخ الأميركي الذي انتقدت حفنة من أعضائه هيغل بسبب ما وصفوه بالموقف المتراخي الذي يتبناه تجاه ملف برنامج إيران النووي، بغض النظر عن نفيه المتوقع لهذه التهم. ثانياً، ليس من المتوقع أن تأتي دعوة رئيس الإئتلاف الوطني السوري المعارض معزالدين الخطيب للتفاوض مع بعض ممثلي النظام و على رأسهم نائب الرئيس فاروق الشرع التي أثارت استياء الكثيرين في أوساط المعارضة السورية من عدم و بدون تشجيع غربي. و حول إحتمالية المفاوضات، يرى الكاتب بجريدة الواشنطن بوست الأميركية ديفد إغنيشياس أن هذا الملف يمثل أحد المحاور المهمة التي من الممكن للولايات المتحدة العمل عليها مع روسيا بشكل إيجابي، مما يعبر عن الدور المتوقع للولايات المتحدة و المعسكر الغربي عموماً في سوريا في المرحلة القادمة المقتصر على جمع النظام و المعارضة على طاولة واحدة و إيجاد حل سلمي للنزاع داخل سوريا. أخيراً، دعوة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن و الإتحاد الأوروبي إيران إلى عقد محادثات مباشرة حول ملفها النووي لعلها تنبئ هي الأخرى بتراجع المعسكر الغربي عن الخط الصدامي مع نظام الأسد و الجمهورية الإسلامية.

في المحصلة، تلعب هذه المعطيات دوراً ذا شقين فيما يخص دول الخليج و مصالحها في المنطقة. فبينما يعد التراجع الغربي إزاء القضية السورية ضربة لدول مجلس التعاون التي استثمرت الكثير من رأس مالها السياسي و مواردها المالية فيها بغية تقويض نفوذ إيران في المنطقة و وصلت إلى نقطة اللارجعة في علاقتها مع نظام الأسد، لربما تبعد إحتمالية المحادثات مع إيران شبح الحرب عن المنطقة الذي يشكل تهديداً لاستقرار الخليج سياسياً و اقتصادياً و أمنياً. إذاً، فعلى دول الخليج إعادة تقييم مواقفها و طرح إجابات واضحة لسيناريوهات محتملة كفرضية بقاء الأسد و تحسن ولو مؤقت في العلاقات الغربية الإيرانية في المستقبل القريب.

كاتب و محلل سياسي بحريني- خريج كلية لندن للإقتصاد و معهد العلوم السياسية بباريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى