صفحات العالم

تدخل عسكري في سورية

 

حسن عبد الله عباس

هل انتبهت إلى حديث السياسيين حول العالم عن الأوضاع في سورية؟ عندما يدور نقاش وتعليق الديبلوماسيين عن الوضع السوري وإمكانية التدخل العسكري، تراهم جميعا يتلكأون ويُتأتئون ويتوقفون مليا ويتوجسون خيفة وينتابهم حذر وتردد غير طبيعي. بل لاحظ كيف تغيرت نبرة الصوت وشدة الكلام الآن عن ذي قبل. أظنكم لازلتم تذكرون حماسة الفرنساويين وتصرفات الانكليز بضرورة وحتمية التدخل، فهل حقا ما زالت الحماسة هي نفسها اليوم؟

لا أظن، فاللافت أن فرنسا وبريطانيا بدتا أكثر هدوءا وحذرا وأقل تشددا عما سبق، فأكثر الظن أنهما اقتنعا واقتربا أكثر لموقف الاميركان عن صرامتهما السابقة. فالحدث السوري أثبت أن الاميركان أكثر هدوءا وذكاء عن الفرقاء الاوروبيين بدليل تنازل الاوروبين واقتناعهم لسلامة التعامل الاميركي مع الازمة السورية. قد تسأل الان وما السبب في انتهاج الاميركان وعلى غير عوايدهم اسلوب الهدوء والبرود!؟

الصورة التي اتضحت معالمها اخيراً أن الازمة السورية آخذة لتصب في مصلحة الاسلاميين المتشددين وبعيدا عن الفرق السياسية المعتدلة فيما لو صار التدخل الدولي، وهذه بحد ذاتها ضربة استراتيجية للجهود التي بذلتها الحكومات الاميركية على مدار السنين الماضية وصرفت بسببها مئات المليارات (5 تريليون بحسب مجلة التايم الاميركية) والتي دخلت لاجلها حربين.

الشيء الآخر أن الحرب الدائرة في سورية ليست كما كان متوقعا لها وهي إزالة قطعة من الدومينو بالقضاء على أهم حلقة لسلسة المقاومة الثلاثية. هذه الازمة على العكس وكما يراها الساسة الاميركيون أنها ستُفضي لدولة فاشلة غير نظامية مترامية وبلا ادارة مركزية، فالاقرب أنها ستكون دولة يختلط ويجتمع فيها كل الاطياف بدءا بالارهابيين وانتهاء بمحور الشر. لذا ما توقعته الادارتين الاميركية والاسرائيلية أنها ستكون وبالا وتسخين للجبهة الاسرائيلية واشغال الصهاينة بحرب استنزاف قد يصعب التخلص منها.

الامر الثالث أن النظام السوري ما زال قادرا على المقاومة، وبالاحرى بدت الكفة تعتدل لصالحه بحيث صار هو من يدير الحرب لا خصومه. لكن لو افترضنا أن انهيار الاسد أضحى قريبا، فهل سيطرح أحد التساؤل التالي: ما المانع من استخدام الاسلحة الكيماوية؟ فما قيمة التهديد الغربي إن كان النظام ساقطا ساقطا، ألن يكون لسان حاله: انا الغريق، فما خوفي من البلل!

وأخيرا، أقول بأن الانظمة الدولية كانت أكثر ذكاء من العرب. فالعرب ما زالوا يراهنون على سقوط النظام مع أن المجتمع الدولي متخوف وغير مطمئن لهذه النهاية. من هنا أقول تسليم سفارة للمعارضة، واستضافة رئيسها لحضور القمة العربية، كلها كانت خطوات تنم عن استعجال. كان من الاجدر بالعرب التريث قليلا وقراءة التردد الاميركي بموضوعية أكثر. الاميركان لم يُعرف عنهم هذا الخوف، فهم خاضوا حروبا كثيرة بلا سند دولي، والعالم أرسل سفناً وطائرات للقذافي، والفرنساويون دخلوا مالي بخطفة عين، لكن الجميع متردد وعاجز ويحسب للسوريين ألف حساب بعد مرور سنتين، فهل سألتم لماذا؟

الرأي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى