صفحات العالم

أبعاد المرحلة السورية الجديدة/ سليمان تقي الدين

 

دخلت الأزمة السورية مرحلة جديدة بالاشتباكات الطائفية المعلنة . تقدمت المعارضة في أطراف الساحل السوري الغربي، حيث الكثافة العلوية، وسيطرت على بعض البلدات . الدلالة السياسية واضحة كأحد أهم عناصر الضغط على النظام في تهديد معاقل العصبية الطائفية التي يمثلها . يشكل هذا التهديد إخلالاً مهماً بالتوازن الميداني الذي نشأ مؤخراً في سيطرة النظام على معظم مناطق غربي سوريا . أما السيطرة المتوسعة في ريف منطقة حلب فهي كذلك ترسم حدوداً لفكرة النظام عن الحسم العسكري أو عن سيطرته على المدن الكبرى وبقاء المعارضة في الأرياف .

يقال إن هذه التطورات الميدانية هدفها إنشاء توازن ميداني يمهد الطريق للمفاوضات المرتقبة في شهر سبتمبر/أيلول في جنيف . لكن كل الأجواء الخارجية والداخلية التي توحي باحتمالات التفاوض، لا تعني أن الطريق سالكة لحل سياسي . صحيح أن التغيير السياسي الحاصل في السلطة الإيرانية مع انتخاب الرئيس الجديد حسن روحاني هو من العناصر الإيجابية، غير أن التصعيد السياسي الذي عاد فكرره الرئيس السوري، كما تعكسه كذلك مواقف “حزب الله” ربما تعكس اختلافات داخل هذا المحور، وقد لا تكون مضمونة النتائج . فلا تزال المنطقة في حالة اضطراب كبير ومتغيّرات تشجع خاصة الأطراف المحلية على خوض معارك بهدف تحسين مواقعها وشروطها . ولعل التدابير الأمريكية التي تتوقع عمليات نوعية “للقاعدة”، خاصة بعد هروب مئات العناصر من السجون العراقية، تدل على أن هناك أطرافاً جاهزة لخلق وقائع جديدة . كما أن إطالة أمد الوضع المصري غير المستقر يمكن أن يشكل عنصراً مهماً في تعقيد المشهد الإقليمي . أما التحذيرات التي تتردد عن احتمالات وقوع أحداث أمنية في لبنان فلديها الكثير من الجدية والصدق . إن وضع اليد على شبكات إرهابية تعد لعمليات أمنية أحد الدلائل، فضلاً عن احتمالات تداعيات التوتر الطائفي السوري في منطقتي الشمال والبقاع .

منطقياً ليس “حزب الله” في وضع سياسي يشجعه على خوص مواجهة واسعة في لبنان . لكن هذا التقدير المنطقي ليس مسألة محسومة أمام حركة عقائدية لديها فائض قوة مادية . فالرهان الدائم على قدرة هذا النوع من الحركات على تغيير الأوضاع إرادياً، وعلى خلق تناقضات في جبهة الخصم يمكن أن تقود إلى مفاجآت . فإذا تم اختراق المنطقة الهادئة نسبياً على الساحل الغربي لسوريا واستمرت العمليات الحربية في محيط دمشق وريفها بالتوغل في عمليات عسكرية جديدة قد تؤدي إلى المزيد من موجات العنف وإلى المزيد من الرهانات .

قد تكون المعارضة السورية حصلت على أسلحة أكثر فعالية وتقدماً، وقد تكون التفجيرات التي تطال مناطق جديدة جزءاً مهماً من المرحلة الجديدة وأساليب الصراع . فهل يراهن الفرقاء الدوليون على الاستنزاف الطويل الأمد حتى محطة الانتخابات الرئاسية السورية في يوليو/تموز ،2014 أو يراهنون على تبديل في السياسة الإيرانية مع الرئيس الجديد بأولوياته الداخلية؟ وبالمقابل هل يراهن الطرف الآخر على توسيع نطاق الفوضى التي تصاعدت في العراق واليمن وقد تفتح جبهة جديدة في سيناء في مصر؟ كلها عناصر في الصورة يصعب حصر فاعليتها وتأثيراتها . وهل تملك بعض الدول العربية أوراقاً مؤثرة في السياسة الروسية مثلاً في الشيشان أو الدول المجاورة تساعد على تعديل الموقف الروسي؟ لا تظهر المواقف الدولية وجهة محددة ثابتة حتى الآن وكأننا مازلنا في بداية الطريق إلى إعادة تشكيل “الشرق الأوسط الجديد”، الذي كان عنوان مشروع الغرب للمنطقة منذ مطلع الألفية الثالثة . في حصيلة المتغيّرات نشأت وقائع جديدة ليس من السهل انطواء ملفاتها . لن تخرج المسألة الكردية بدون مكاسب أساسية ولن يكون ممكناً إعادة بناء دول الإقليم وفق الأنظمة المركزية السابقة . ولن تكون إيران وتركيا بمعزل عن تداعيات الحريق الذي عم العالم العربي، فضلاً عن موجة الإسلام السياسي في باكستان وأفغانستان وانتعاش حركة “القاعدة” التي أعطتها الفوضى مساحات واسعة للتحرك . فهل تصحو الدول ذات الوزن الإقليمي على هذه الأخطار وتقوم بمراجعة شاملة للسياسات التي اتبعتها أم أنها صارت أسيرة النزاعات التي تورطت فيها؟

الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى