حلب والعطش.. وجهاً لوجه/ مروان أبو خالد
تعيش حلب منذ مطلع أيار الجاري، أزمة انقطاع مياه هي الأشد منذ اندلاع الحرب التي أشعلها النظام، وعلى الرغم من تضارب الآراء حول أسباب هذا الانقطاع بين من يلقي باللوم على بعض المتشددين المسيطرين على محطة سليمان الحلبي الآن، وبين من يرى أن المسؤولية الأولى والأخيرة تقع على عاتق النظام الذي تسبب قصفه العنيف بدمار شبكات أنابيب المياه ومحطات التوليد، إلا أن الثابت في الأمر أن السكان المدنيين والذين يبلغ عددهم نحو 3 ملايين نسمة، باتوا يستخدمون كورقة ضغط بين الأطراف المتحاربة عسكرياً، وعلى امتداد المدينة المقسمة الآن بين جزأين غربي وشرقي. وبالرغم من صدور تقارير إعلامية عديدة تشير إلى بدء عودة المياه لأحياء حلب مع مساء الاثنين 13 أيار، إلا أن الأهالي في أحياء عديدة قد أكدوا كذب هذه الأخبار.
والحال ان أزمة المياه في حلب ستبقى مستمرة باستمرار الحرب، وأي اتفاق سيتم بين حكومة الحرب ومسلحي المعارضة في تلك المنطقة سيبقى عرضة للخرق، بدليل أن اتفاق قد أعلن عنه يوم 28 نيسان الماضي بين جيش النظام وجبهة النصرة يقضي بعودة الماء والكهرباء للقسم الذي يسيطر عليه النظام في مدينة حلب مقابل توقف القصف من قوات النظام خاصة بالبراميل المتفجرة، وأثبتت أزمة المياه الراهنة أنه قد تم خرقه.
عوامل أخرى تجعل من حل قريب لأزمة المياه أمراً مستبعداً، خاصة في ما يتعلق باستمرار أزمة الكهرباء، فحلب تعاني من تقنين شديد، وكثير من الأحياء لا تصلها الكهرباء أكثر من 4 ساعات باليوم، بالتزامن مع ارتفاع خسائر مؤسسة كهرباء حلب إلى 39 مليار ليرة (حوالي 229 مليون دولار). يضاف إلى ذلك نقص الموارد المائية في المحافظة مع توقف عدد من مشاريع مياه الشرب في حلب وريفها وتقدر كلفتها الإجمالية بحوالي 3.5 مليارات ليرة (حوالي 20.5 مليون دولار) حتى نهاية العام 2013.
ولم يجد سكان حلب المهددين بالموت عطشاً سوى استخدام آبار المياه الملوثة، وأشار بعض الناشطين إلى أن مياه بعض الآبار تحوي ديداناً كبيرة لا تموت بتعقيم المياه بالكلور ولا ينفع معها إلا الغلي، في الوقت الذي أفادت فيه مصادر إعلامية عن تسجيل حوالي 100 إصابة بالتهابات معوية حتى الآن، الأمر الذي ينذر بحدوث كارثة صحية خطيرة خاصة مع دمار وشلل القطاع الصحي في حلب حيث توقف 34 مشفى، وخرجت 6 معامل أدوية عن الخدمة على الأقل.
وبرغم تصريحات مسؤولي حكومة الحرب بأنهم قد أرسلوا صهاريج توزع المياه على المواطنين بشكل عشوائي، أشار الأهالي عبر شبكات التواصل الاجتماعي إلى كذب هذا الأمر، فتوزيع المياه بقي مقتصراً على أصحاب الواسطة وعائلات المسؤولين. وذلك في ظل ارتفاع سعر مياه الصهاريج مع ندرتها إلى 2000 ليرة للبرميل سعة 200 ليتر، أي ما يعادل 10 ليرات للتر الواحد، وإذا علمنا أن حاجة الفرد السوري تقدر وسطياً بـ120 ليتراً يومياً، فالأسرة المكونة من أربع أفراد تحتاج يومياً إلى 480 ليتراً. ما يعني حاجة الأسرة الحلبية لإنفاق 4800 ليرة سورية يومياً أي ما يعادل، عند سعر صرف 170 ليرة للدولار، قرابة 28 دولاراً لتأمين مياه الشرب والغسل، ليكون الحلبيون ضحية لتجار الحرب المرتبطين بالحكومة.
في الواقع، أزمة المياه الراهنة في حلب تعمق من مشهد الموت الذي تواجهه المدينة. فأكثر من 80% من سكانها بحاجة إلى إغاثة، ناهيك عن حركة النزوح التي شهدتها المدينة. إذ وفقاً لإحصائيات الهلال الأحمر فإن أكثر من مليون أسرة حلبية قد نزحت وتضررت بفعل تصاعد الحرب حتى شباط 2014.
المدن