صفحات الناس

أوهام الانتصار/ أيمن جزيني

 

 

الوقائع الأخيرة في سوريا، وتقدم جيش عائلة “آل الأسد”، يجعلان بعض اللبنانيين متفائلين بقرب انتهاء الأزمة السورية. ذلك أن قوى “8 آذار” متفائلة، لأنها تعتقد أن “قدرة” النظام السوري التي لا يمكن تخيل حدودها، ستسحق المعارضة المسلحة وغير المسلحة سحقاً.

لسان حال هذه القوى الناشئة بعيد اغتيال الحريري يقول: بضعة أسابيع على الأكثر من الهجمات العنيفة وتهديم الأحياء على رؤوس أصحابها، ثم نعود إلى ما كنا عليه قبل اندلاع الأزمة.

في الأثناء، تعتقد قوى “14 آذار” من جهتها أن العالم بشرقه وغربه لن يقبل ولا يستطيع أن يقبل استمرار القتل على هذه الوتيرة، وسيهرع إلى مساعدة الشعب السوري في مواجهة نظامه، ولن يطول زمن القتل في سوريا إلى ما لا نهاية، علماً ان التجربة اثبتت عكس ذلك.

الأرجح أن كلا المعسكرين ينطق عن هوى أكثر مما ينطق عن تحليل وتمحيص. الهوى في هذه الحال مرغوب ومطلوب، وخصوصا حين يستثقل القتل اليومي الذي لا رادع له، ويشعر أن هذه الجرائم التي تحصل في سوريا محالة الاحتمال، ويجدر وقفها الآن وليس غدا أو بعد غد. في هذ الحال، ليس ثمة مساواة عادلة بين طرفَي المعادلة اللبنانية. ذلك أن قوى “8 آذار” تستسهل المجزرة والمذبحة، في سبيل بقاء النظام الممانع والمقاوم.

استسهال المجازر أو الرغبة بارتفاع وتيرتها، ينجمان في الأساس عن رغبة حاسمة في تقصير أمد الأزمة ما أمكن، وانتهائها سريعاً ببقاء النظام الحليف. كما لو أن قوى “8 آذار” ترى الموتى عدداً وليسوا بشراً. لا يهمّ عدد القتلى كل يوم، إنما المهم جداً جداً هو تقصير عدد الأيام التي يحصل فيها القتل.

هذا الموقف هو استنساخ للموقف الروسي نفسه، الذي يحسب أن الأحزان لا تصنع خطاباً سياسياً. يذهب في علاقته مع الأزمة السورية إلى افتراض أن الموت، أكان كثيراً أم قليلاً، لا يسعه أن يقرر شكل النظام المقبل في سوريا على أيّ وجه من الوجوه. ثمة تسوية ستحصل، وهي تسوية تستند أولاً وآخراً إلى أوزان القوى السياسية المتصارعة. الوزن، روسياً، يقاس أولاً وآخراً، بمقدرة القوى السياسية على إحداث القتل في صفوف خصومها، ومدى مقدرتها على الدفاع عن نفسها مستخدمةً أوضع الوسائل وأكثرها حقارة. في هذه الحال، ثمة منتصر ومهزوم. المنتصر هو الأحقر. المهزوم هو الأعدل. المنتصر هو الأقدر على القتل من دون وازع، والمهزوم هو الذي يتردد قبل الشروع في القتل والتنكيل.

ما الذي تدعو روسيا وإيران وقوى “8 آذار” السوريين إليه؟ أن يتحولوا جميعاً إلى قتلة؟ إن تمّ ذلك، فأيّ بلاد ستُبنى على أنقاض هذا الكمّ من القتل؟ انتظرت ألمانيا عقوداً حتى تصالحت مع تاريخها، وانتظر الفرنسيون عقوداً أيضاً حتى تصالحوا مع تاريخ الاحتلال الألماني لبلادهم. هل ثمة مَن يقترح على السوريين حرباً مع تاريخهم تمتد عقودا طويلة، بكل ما فيها من دم وعذابات؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى