بركاتك يا بغدادي/ علي العبدالله
من بين الاساليب الوحشية الكثيرة التي استخدمها تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام(داعش) طرد المواطنين من القرى والبلدات التي يحتلها كعقاب جماعي على محاربتهم للتنظيم ورفضهم مبايعة الخليفة ابي بكر البغدادي. وقد كان لافتا ان بندا رئيسيا من بنود الاتفاق بين التنظيم ووفود القرى والبلدات التي قاتلته هو خروج الاهالي من القرى والبلدات لمدة محددة كأحد شروط قبول «توبتهم»، وعدم التزامه بالمدة وتحويل السكان الى مشردين في البراري والوديان في هذا الفصل القائظ وفي شهر رمضان المبارك. فقد قام بإخراج سكان قرى خشام(15500 نسمة) وطابية جزيرة(15000 نسمة) منذ 23/6/2014 والشحيل(30000 نسمة) منذ 2/7/2014 في محافظة دير الزور، ولم يسمح لهم بالعودة رغم انقضاء المدة المتفق عليها، ما اضطر السكان إلى اللجوء الى قرى وبلدات مجاورة، بعضهم لا يزال يفترش العراء وسط ظروف غير إنسانية، ويعاني من ارتفاع درجات الحرارة ونقص في الأغذية والمياه. وكرر الطلب من سكان قرى وبلدات غرانيج، أبو حمام، الكشكية، يصل تعداد سكان هذه القرى إلى نحو 83000 نسمة، لكنه لم يتوصل الى اتفاق بعد لان عشيرة الشعيطات، التي تنتمي اليها هذه القرى، والتي تعد بحدود 120000 نسمة، رفضت شروطه.
وقد كرر العملية مع المواطنين الكورد في محيط مدينة تل ابيض في محافظة الرقة (قرى بئر عطوان والجامس)، ومنع سكان بلدتي تل أخضر وسوسك من العودة الى بيوتهم، وقرى كزور مغار والزيارة في منطقة عين العرب(كوباني) في محافظة حلب.
سبق وقام داعش بمعاقبة معارضين سياسيين وناشطين اعلاميين بالاعتقال والتصفية الجسدية بقطع الرأس بالسيف او بالسكين، وأعدم الاسرى بالرصاص دون محاكمة، ناهيك عن صلبه جثث بعض المعدومين وحرق اراض زراعية بسبب عدم دفع الضرائب كوسيلة لبث الرعب في نفوس المواطنين وإجبارهم على الطاعة والاستسلام. إلا انها كانت عقوبات فردية اما اجبار سكان قرى وبلدات كاملة، نساء وأطفالا شيوخا ورجالا، على مغادرة منازلهم دون ان يأخذوا شيئا معهم فكانت آخر ابداعات التنظيم بعد تولي ابي بكر البغدادي الخلافة، انها بركات الخليفة البغدادي حلت على الرعية كي تدرك معنى الخلافة وثقل وطأة البيعة ومترتباتها.
اين يمكن ان نضع هذه الممارسات وما مدى توافقها مع روحية الاسلام وتوجهاته السياسية والاجتماعية؟.
يفرض المنطق، ولاعتبارات تتعلق بالمرجعية الفكرية، وتجنبا للجدل العقيم عن الاختلاف الحضاري، مقارنتها بما حصل خلال الدعوة الاسلامية وبعد انتصارها وقيام دولة ونظام في المدينة المنورة. فقد عرف التاريخ الاسلامي ايام الرسول والخلفاء الراشدين مواقف مشابهة لعل اول مثال يرد على البال حادثة حاطب بن ابي بلتعة الذي ارسل مع امرأة مشركة يحذر قريش من استعداد المسلمين للخروج الى مكة لفتحها وعفا عنه النبي «لأنه شهد غزوة بدر»، وعفوه عن المنافقين بعد غزوة احد رغم تخاذلهم في القتال وإرباكهم الجيش وتهديدهم للمؤمنين بإخراجهم من المدينة «حتى لا يقال ان محمداً يقتل اصحابه» .وأما ما حصل في فتح مكة وإعطاؤه الامان للمشركين فيها «من دخل بيته فهو آمن، ومن دخل بيت ابي سفيان فهو آمن» وقولته الشهيرة:
«اذهبوا فانتم الطلقاء». وما حصل بين عمر بن الخطاب وأبي لؤلؤة المجوسي الذي شكاه في موضوع الجزية ولما لم يرفعها عنه قال كلاما ينطوي على تهديد لعمر ولم يفعل عمر شيئا مع انه قال للحضور انه يتوعدني، وما أمر به من توجيهات بعد ان طعنه ابو لؤلؤة «ان لايمس حتى يتم التحقيق معه ويحكم فيه قاض»، وحادثة علي بن ابي طالب واليهودي الذي اشتكاه الى عمر بن الخطاب في درع ولما مثلا امام عمر وسألهما عن الموضوع لاحظ عمر امتقاع وجه علي فسأله فقال له علي لم تعدل بيننا لقد كنيتني(ناداه بابي الحسن دلالة على الاحترام) وناديته باسمه، وتوبيخ علي بن ابي طالب لمقاتلين في جيشه في صفين عندما سمعهم ليلا يتحدثون بسوء على مقاتلين في جيش معاوية بن ابي سفيان ويشتمونهم مع ان الجيشين كانا طوال النهار في مواجهة دامية راح ضحيتها الالاف.
وقائع حاسمة وجازمة تبين منهج الاسلام في التعاطي حتى مع المختلف بالدين، منهج قائم على التفهم والرحمة والتسامح، اين منه ما يقوم به داعش، خاصة وقادته يشهرون في وجوه خصومهم سيف الدين الاسلامي، من قتل لأبسط الاسباب وإجبار المسلمين على البيعة في حين ان الكتاب والسنة منحا الانسان حرية الاختيار «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» و»لست عليهم بمسيطر» و»افانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين»، وان كتب الفقه الاسلامي جازمة في عدم شرعية بيعة الاكراه.
٭ كاتب سوري
القدس العربي