مقالات تناولت خطة دي ميستورا
دي ميستورا والأسد: الثمن الدموي للدبلوماسية
رأي القدس
من الفريق أول محمد الدابي، كبير مراقبي الجامعة إلى سوريا، إلى الأخضر الإبراهيمي الذي جمع فضيلتي المبعوثية العربية إلى الأممية، وصولاً إلى ستيفان دي ميستورا، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا، تصاعدت المأساة السورية إلى ذرى غير مسبوقة، عربيّاً، وعالمياً، في معادلة تصاعد طردي للعنف والقتل والتهجير وتدمير البشر والحجر مع انخراط هذه المبعوثيات الجليلة الشأن في القضية السورية.
ففيما كان دي ميستورا (الموظّف الأممي الخطير الذي بدأ سيرته المهنية في السودان مروراً بعدد كبير من البلدان بينها البوسنة والعراق) يقدّم تقريرا لمجلس الأمن الدولي أمس يتحدث فيه عن الجهود التي بذلها لتجميد القتال في مدينة حلب وضواحيها، كانت قوات للنظام السوري مدعومة بأخرى من «حزب الله» وميليشيات شيعية عراقية وأفغانية، تتقدّم في ريف حلب وتقوم بما اعتادت عليه من جرائم وانتهاكات.
وإذا كان استمرار المعارك بلا هوادة في حلب، التي اختارها كنموذج أمثل لخطته لـ»تجميد القتال»، أحد «إنجازات» دي ميستورا العديدة، فإن أكثرها تأثيراً تصريحه الخطير بأن الرئيس السوري بشار الأسد هو «جزء من الحل الرامي لوقف العنف في سوريا»، وهي المعلومة التي اكتشفها دي ميستورا بعد لقائه الأسد في 11 شباط/فبراير الجاري، وزيارته للسفارة الإيرانية في دمشق للتهنئة بذكرى قيام الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979.
غير أن نسبة التصريح المهم إلى دي ميستورا نفسه، يفترض في الدبلوماسي الأممي مساحة من الصلاحيات أكبر منه، ورغم فظاعة ما قاله، وتعارضه الصريح مع واقع الحال السوريّ، الذي يلعب نظام الأسد فيه دور الصاعق المستمرّ المفجّر للعنف، والراعي الأول له، فإن الإعلان عنه لا يكشف غير العقم الهائل في دور المنظمة الدولية، والذي هو في الحقيقة، ملخّص لعقم المنظومة الدولية، التي أدّت صراعاتها (وكذلك تقاطعات مصالحها وأغراضها السياسية) إلى صناعة المشهد المأساوي السوري، وعبثية الموت الدائرة فيه.
وفيما تدور طاحونة البلاغة الدبلوماسية (دي ميستورا يتكلم العربية الفصحى إضافة إلى نصف دزينة من اللغات العالمية) تستمرّ البراميل المتفجرة السورية تهبط على رؤوس المدنيين في ريف دمشق ودرعا وإدلب وحلب ودير الزور والرقة، ويتزايد أعداد المقاتلين الأجانب المندفعين لـ»الجهاد» المتعاكس على الجبهتين السنّية والشيعية، وتتزايد غارات «التحالف الدولي» على «الدولة الإسلامية»، ويتقدّم الأكراد (الذين سعدوا بالغطاء الجوّي وبغرام الغرب المفاجئ بتنظيم ما زال يعتبر «إرهابياً» في عرف الناتو) بخريطة تقارب ثلث مساحة سوريا لـ»كوردستان» السورية، وتعلو ملامح الأجندة الإيرانية فوق ملامح الأجندة السورية للنظام.
في هذا التعقيد الهائل للمشهد السوري قد يتفهّم كثير من السوريين طوباوية دي ميستورا وأحلامه عن «تجميد القتال» وإيصال المساعدات الإنسانية إلى حلب، وقد يجد بعضهم في تصريحه عن «الأسد جزء من الحلّ» دبلوماسيّة مقبولة لو تمكّنت من إنقاذ طفل واحد من الموت أو أوصلت قافلة غذاء إلى جوعى مخيم اليرموك وداريا ودوما، غير أن الحقيقة التي يعرفها السوريون أكثر من غيرهم هي أن تصريحات من هذا القبيل هي في عرف النظام ليست إلا بطاقة خضراء لمزيد من حرث سوريا بالموت والخراب والمجازر.
النهار
دي مستورا/ زيـاد مـاجد
يُواصل السيد ستيفان دي مستورا، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص الى سوريا، جولات مباحثاته حول مبادرةٍ لوقف إطلاق النار في مدينة حلب. كما يواصل إطلاق تصريحاته الملتبسة، وآخرها حول موقع بشار الأسد المحتمل في مرحلة ما بعد “تجميد الصراع”.
وقد استدعى تصريحه الأخير، الذي اعتبر فيه أن الأسد “جزء من الحلّ”، توضيحات من عاملين في الأمم المتحدة على صلة به، مفادها أن المقصود كان مرتبطاً بدور للأسد في وقف العنف، أما ما يلي ذلك سياسياً فيقرّره السوريون.
غير أن التوضيحات هذه لم تُزل الالتباس المقصود، ولم تُوفّق بين ما قاله أو قصده المبعوث الأممي وبين ما أفضى إليه اتفاق “جنيف واحد” من خلاصات يترافق فيها وقف القتال بتشكيل حكومة يتخلّى لها الأسد عن صلاحيات الرئاسة، بما يعني فعلياً خروجه من الحكم. كما أنها لم توفّق بين مرامي المبعوث الأممي المُفتَرض به حياداً، ومواقف المعارضات السورية والعديد من دول المنطقة والعالم التي تعتبر الأسد مجرم حرب لا مكان له في سوريا المستقبل.
الأهم، أن تصريحات دي مستورا ومبادراته وكلّ السجال الذي أحاط بها تتنافى مع الحدّ الأدنى من الواجبات القانونية والسياسية لمبعوث دولي ومن احترام قرارات الأمم المتحدة نفسها.
ومن هذه القرارات على سبيل المثال، قرار مجلس الأمن في 22 شباط/فبراير 2014 القاضي برفع الحصار عن مناطق في دمشق وحلب وحمص ووقف قصفها بالبراميل وإدخال المساعدات الإنسانية إليها. وهذا يعني بشكل خاص فكّ الخناق التجويعي الذي يفرضه النظام علىمخيم اليرموك ومناطق جنوب العاصمة، كما على الغوطتين الشرقية والغربية وعلى بعض أحياء حمص وحلب. فأين متابعة دي مستورا لهذا القرار؟
وماذا عن متابعته لملفّ السجون السورية الذي عُرض على مجلس الأمن، وصدرت بشأنه توصيات وتصريحات من منظمات حقوق إنسان ومن هيئات أممية، كما من ممثّلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن، والذي تطالب المعارضة بإيجاد حلّ له؟ فهل تابع أيّاً منها أو طالب مجرّد مطالبةٍ بوقف التعذيب الممنهج في معتقلات الأسد الذي أشارت إليه جميع التقارير؟
قد يكون من الأجدى لدي مستورا ولوفود الأمم المتّحدة العاجزة سياسياً وغير القادرة على التقدّم بمبادرات، أن تركّز على المسائل الإنسانية وعلى المعالجات التي يمكن أن تخفّف مآسي السوريين، بانتظار أن تنضج بعض الظروف التي قد تُتيح وقف نار وبدء مسارات سياسية.
وقد يكون من الأجدى له أيضاً الإشارة ولو شكلياً الى ضرورة وقف الاجتياح الأجنبي للأراضي السورية الذي أصبح علنياً ورسمياً من خلال الهجوم الإيراني – اللبناني الحزب إلهي في جنوب البلاد حيث المعارضة المسلّحة كانت قد نجحت بالتقدّم وحرّرت مناطق عديدة. ففي ذلك ما يرتبط بمواثيق الأمم المتحدة التي يمثلّها دي مستورا، وبما في تلك المواثيق من تشديد على احترام “سيادة” الدول وأراضيها.
يبقى أن الدرس الذي يمكن استخلاصه من تصريحات دي مستورا وبعض تحرّكاته الأخيرة هو أن المبعوث الخاص لأمين عام الأمم المتّحدة لا يرى مشكلة في أن يكون القاتل (الذي أدانته عشرات التقارير الحقوقية الوطنية والإقليمية والدولية واعتبرته مسؤولاً مباشرة وعلى نحو غير مباشر عن مقتل عشرات آلاف المدنيين) “جزءاً من حلّ” لكارثة سبّبتها سياساته وسياسات والده على مدى 45 عاماً.
لعلّه يُفترض، إن صحّ ما سبق، التساؤل حول مشروعية “وظائف” كوظيفة دي مستورا وحول “الأخلاق” الناظمة لها. ففي الإجابات عن هكذا تساؤلات ما يُساعد على فهم بعض أسباب تراجع الأمم المتّحدة عن دورها وعن واجباتها…
موقع لبنان ناو
دوميستورا حاصَرَ مهمته بنفسه وضيّق حركته المقاربة “الواقعية” ذهبت لمصلحة النظام/ روزانا بومنصف
اثارت التصريحات التي ادلى بها الموفد الدولي الى سوريا ستيفان دوميستورا الاسبوع الماضي انعكاسات سلبية تخشى مصادر ديبلوماسية ان تكون مهمته قد تضررت بنتيجتها على نحو كبير. اذ اضعف الموقف الذي ادلت به الادارة الاميركية ردا على ما اعلنه دوميستورا من ان الرئيس السوري هو جزء من الحل في سوريا حتى بعدما اوضح انه قصد في كلامه ان الاسد هو جزء من وقف العنف، ويخشى انها ضيقت هامش تحركه. فهو بات امام احد خيارين: ان تراجعه كليا عن موقفه على غرار التوضيحات التي قدمها لعدد من الدول كما لممثلي المعارضة السورية من انه قصد ان الاسد هو جزء من المعالجة للوضع الحالي وليس من الحل النهائي سيخلق له مشكلة مع النظام انطلاقا من ان توضيحه الذي لا يجعل الاسد جزءا من الحل النهائي سيصعب مهمته مع النظام الى درجة استحالتها كما حصل مع سلفيه كوفي انان والاخضر الابرهيمي. في حين ان الخيار الآخر هو ان ثباته على موقفه سيطيح مساعيه باعتبار انه سيظهره منحازا الى النظام خصوصا ان المعارضة لا تثق به في حين انه لا ينوي التحدث مع جبهة النصرة وتنظيم داعش على رغم انه يبذل المساعي لتبريد الوضع وهؤلاء يشكلون جزءا من هذا التبريد. ويرى البعض ان دوميستورا يتصرف وكأنه اظهر انحيازا للنظام حين يقبل وجهة نظره من انه يحارب الارهاب فعلا وفق ما يصر على ذلك منذ بداية الثورة ضده قبل اربع سنوات فيما هو حاول ان يستحصل على شيء من النظام يسهل مهمته من خلال مخاطبته او التعاطي معه كأمر واقع من اجل اخذ شيء في المقابل وهذا ليس متاحا سوى عبر استرضاء النظام السوري. علما ان المقاربة التي يعتمدها الموفد الدولي واقعية من حيث المبدأ لجهة ان اي وقف للنار بين متقاتلين يفترض ان يؤدي الى ان يكونوا جزءا من الحوار والنظام السوري هو طرف في الحرب القائمة ايا كان موقعه بحيث يتطلب الامر تعاونه من اجل وقف العنف تحت اي مبررات او ذرائع يرفعها في هذا الاطار. كما انه اكد مرجعية بيان جنيف 1 الذي يتحدث عن مرحلة انتقالية يفيد بالتزامه ما تم التوصل اليه في عهد التوافق بين الاميركيين والروس ولو ان ليس هناك توافقا على ترجمة تنفيذه ما لا يجعله عمليا خارج السياق الذي يحكم التعاطي الدولي القائم مع الازمة السورية. لكن مصادر اخرى تقول ان دوميستورا ارتكب خطأ الادلاء بتصريح اوحى فيه بانه تخطى بمساعيه بيان جنيف من خلال اعتباره الاسد جزءا من الحل بحيث اعطاه دفعا قويا لموقعه يوظفه النظام لمصلحته فيما هو ساهم بتقويض جهوده بنفسه بناء على ما اعلنه، كما اظهر تخطيه الوكالة المعطاة له من دول عدة بحيث سيصعب عليه المضي في مهمة صعبة اصلا والحصول على ثقة الدول الاقليمية الداعمة لمعارضة النظام السوري. وتفيد المعلومات المتوافرة لدى هذه المصادر ان لا تعليمات لدى دوميستورا من الامين العام للامم المتحدة بان كي مون باعتباره موفده للمضي في هذا الاتجاه اي اعطاء اوراق مماثلة للنظام وضمانات للمستقبل، لكن دوميستورا اجتهد بناء على تقديره للموقف الاميركي على الارجح حيث طلب وزير الخارجية الاميركي جون كيري من الاسد ان يحكّم ضميره في التعاطي مع شعبه بالتزامن مع تركيز الاميركيين على الحرب ضد تنظيم الدولة الاسلامية.
وتقول المصادر نفسها ان دوميستورا احرج مجددا في الايام الاخيرة. اذ فيما نقل الى مجلس الامن في المداخلة التي قدمها امامه ما يبرّر عملياً قوله ان النظام هو جزء من الحل او من وقف العنف كما صحح لاحقا بموقف ايجابي عن استعداد هذا الاخير وقف القصف الذي يقوم به على حلب لمدة ستة اسابيع، فإن المعارك الضارية في حلب وجوارها لجهة ترجمتها مساعي النظام بدعم عسكري من ميليشيات ايرانية وسواها للسيطرة على المدينة لم تترك مجالا له سوى القول انه في كل مرة يكون فيها اقتراح لوقف النار اثبت التاريخ انه يحدث نوع من التصعيد من اجل تعزيز المواقع. وهذا صحيح الى حد بعيد. الا ان الجميع يدرك ان الاسد لن يوقف الحرب على حلب الا اذا شعر انه يخسر وليس في حال شعر انه رابح وهو يعطي انطباعات راهنا على انه في موقع قوة كما ان مواقف مسؤولين عسكريين اميركيين اوحوا بهذا المنحى في شهاداتهم امام الكونغرس الاميركي ما لا يجعله يرغب سوى في استسلام حلب كما فعل في حمص في حين ان تجميد القتال وفق المشروع الاساسي لدوميستورا لن يتيح له ذلك، وهو فرض على الاخير ان يعدل الورقة التي حملها له لهذه الغاية من اجل ان تتناسب مع ما يتطلع اليه اي اعادة السيطرة على المدينة وتسليم المعارضين بهذا الواقع.
ومع ان هذه الجهود تحظى بالمتابعة الدقيقة من جانب الاوساط السياسية اللبنانية، فإن ثمة اقتناعا بعدم جدواها لاعتقاد مبني من جهة على تجارب الحرب اللبنانية التي استهلكت جهودا ووساطات متعددة خلال الحرب من دون جدوى ما دام لا توافق اقليميا ودوليا الا على المواجهة في ساحة حرب ما، وهي الحال بالنسبة الى سوريا التي غدت كذلك راهنا حيث ان الصراع الدولي والاقليمي على اشده ولاعتقاد ان الجهود الحالية لا تتعدى تقطيع الوقت حتى أوان نضوج الحلول.
النهار