صفحات العالم

سوريا: ترسيم خطوط الاشتباك مع تنظيم الدولة/ جلال زين الدين

 

 

تقدمت قوات “وحدات حماية الشعب” الكردية، بشكل سريع نحو المناطق الغربية من مدينة كوباني “عين العرب”، عقب انسحاب “تنظيم الدولة الإسلامية” منها. وحصل التقدم بمشاركة عدد من فصائل المعارضة السورية المسلحة، وعلى رأسها كتائب “شمس الشمال” التابعة لألوية “فجر الحرية” ومجموعات من “مجاهدي الكرامة” و”فرسان الفرات”. ويُرجع العسكريون التقدم السريع للقوات الكردية إلى فشل التنظيم في بناء جدار دفاعي قوي، وسرعة انسحابه.

لم يعترف التنظيم بخسارته المعركة أمام الأكراد في عين العرب، إذ تحدث التنظيم عن اختلاف تكتيك المعركة من دون انتهائها. يقول عنصر التنظيم أبو محمد: “الطيران الصليبي دفعنا لتغيير أسلوب القتال، والأكراد لم يحرروا عين الإسلام، إنما استلموا بقايا ركام، وحقيقة هم لم يقاتلونا، إذ كانت مهمتهم مقتصرة على تمشيط مناطق مدمرة عقب ضربات التحالف”. وهذه دعاية لرفع المعنويات يرددها التنظيم، فالواقع يشير إلى وصول وحدات الحماية، مدعومة من طيران التحالف الدولي، إلى أطراف مدينة صرين.

وقام تنظيم الدولة بإفراغ الصوامع خوفاً من سيطرة القوات الكردية عليها، يقول أحد النازحي من منطقة صرين: “وصلت القوات الكردية على مشارف القرى العربية التابعة لصرين، وأصبحت هذه القرى على الجبهة مباشرة، وتبعد 8 كيلومترات عن صرين”. وطلب التنظيم من الأهالي “العرب” الدفاع عن دينهم وأرضهم وعرضهم، من القوات الكردية “الملحدة”. ويشير الأهالي النازحون إلى ضعف التسليح الموجود عند قوات التنظيم في هذه المناطق، واقتصاره على السلاح الخفيف والمتوسط.

كما وصل تمدد القوات الكردية، قبل إسبوعين، إلى قريتي الجعدة والقبة، بالقرب من جسر قره قوزاق، وحصلت عمليات نهب وسرقة لبيوت بعض عناصر التنظيم، ثم تمّ حرقها. يقول الناشط عمر من جرابلس بريف حلب: “قامت القوات المشتركة بحرق بيوت تعود للتنظيم وتخوف أهالي المنطقة من ردود فعل القوات المشتركة، ما اضطرهم للنزوح، ولاسيما أن كثيرين من أبناء تلك المناطق انضموا للتنظيم”. وتبع ذلك تقدم للقوات الكردية والمعارضة السورية المسلحة، باتجاه بلدة الشيوخ تحتاني ذات الغالبية الكردية، ما دفع عناصر التنظيم للانسحاب لاحقاً إلى شيوخ فوقاني. وبما أنَّ القرية الأخيرة صغيرة ومكشوفة، ولا تؤمن الحماية والتمويه اللازمين من الطيران، اضطر عناصر التنظيم للانسحاب، وخاصة لأن “جسر الشيوخ” بات في مرمى نيران القوات الكردية. التنظيم فجّر جسر الشيوخ، السبت، تفادياً للحصار، ومنعاً من تواصل التقدم الكردي نحو الغرب.

وقد استثمرت القوات الكردية، إخلاء تنظيم الدولة لكثير من المناطق، أثناء دخول القوات التركية لنقل رفاة سليمان شاه في 21 شباط/فبراير. وما زالت حرب الكمائن مستمرة بين التنظيم والقوات الكردية تساندها المعارضة السورية المسلحة؛ وآخرها كان السبت، في كمين محكم نصبته المعارضة للتنظيم في ريف عين العرب، وسقط فيه 30 عنصراً من التنظيم.

ويتوقع مراقبون أن يتوقف التقدم الكردي عند جسر قره قوزاق، وذلك كي لا يسمح التنظيم للقوات الكردية عبوره نحو الغرب. لذا فقد أقدم التنظيم على نسف الجسر، السبت، مستخدماً براميل لم تنفجر، سبق وأسقطتها حوامات النظام. ويُعتقد أن داعش لغّمت المنطقة الغربية المحاذية للجسر، لتعود الحدود بين الطرفين في المنطقة، كما كانت، قبل معارك عين العرب منذ شهور. وغدا نهر الفرات مرة أخرى، حاجزاً طبيعياً يفصل بين القوتين؛ تنظيم الدولة غربه، والقوات الكردية مع الجيش الحر شرقه. ولا يوجد ممر في المنطقة سوى معبر سد تشرين، وهي نقطة محصنة جداً للتنظيم من حيث الموقع، بالإضافة إلى حساسية المعركة في محيط السد. ويعتقد بأن طيران التحالف لن يتدخل في هذه المنطقة حفاظاً على جسم السد.

كما يعود جزء كبير من تقدم القوات الكردية السريع، نتيجة فقدان التنظيم للحاضنة الشعبية في المناطق التي انسحب منها، بعد أن استعدى الشارع الكردي. وقد بدأ التنظيم منذ فترة، العزف على وتر النعرات العرقية والقومية، خلافاً لعقيدته الدينية. يقول المحامي أبو عبدالله من ريف حلب الشرقي: “لجأ التنظيم لإثارة النعرات كوسيلة لجذب الشارع العربي كله إلى جانبه، ولا سيما أنَّ عدداً من أبناء المنطقة تورطوا بالانتساب للتنظيم”، وخاصة أبناء عشيرتي “الشيوخ والعون”. وأراد التنظيم عبر هؤلاء تحويل النزاع إلى حرب كردية-عربية. وقد شهدت مناطق التماس هجرة العرب الكثيفة نحو منبج التي يسيطر عليها التنظيم، وهذا ما دفع الفصائل الثورية الى توجيه نداء لأهالي “الشيوخ” للعودة لبلدتهم شرط ألا يكونوا متورطين مع التنظيم.

وتقف عوامل عديدة وراء وقوف القوات الكردية عند حدود معينة على الأرض، وأبرزها: فقدان القوات الكردية للحاضنة الشعبية في الوسط العربي باعتبار الاشتباكات وصلت للمناطق ذات الغالبية العربية. فالعرب يفضلون ظلم تنظيم الدولة على تقدم القوات الكردية كما يرى كثيرون من المراقبين. والعامل الثاني يتمثل في افتقار القوات الكردية لقوة عسكرية بشرية قادرة على الامساك بالأرض، فالقوات الكردية بالكاد قادرة على تغطية ريف عين العرب.

فلا يمكن أن يحصل أي تقدم دون مشاركة قوات الجيش الحر، ومساعدة تركية. وتركيا الآن ليست بوارد فتح جبهة مع تنظيم خبير بحرب العصابات وعمليات التسلل، إلا في إطار معالجة شاملة للوضع السوري كله.

ويبقى أن أهم ما انتجته معارك كوباني، هو زوال هيبة التنظيم، وسقوط شعار “باقية وتتمدد”، ولا سيما أنَّ خسائره في سوريا تترافق مع الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها بالعراق. يقول الناشط أبو عدنان من ريف حلب: “دولة البغدادي زائلة، وتتآكل، وقريباً إلى زوال، إنها دولة خارج سياق التاريخ والمنطق”.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى