صفحات سوريةميشيل كيلو

ومن النفاق ما قتل/ ميشيل كيلو

 

بعد غزو الفرنجة الحضارة العربية الإسلامية بسنوات قليلة، وأمام ما كان يجري من تخاذل في مواجهتهم، سافر شيخ الجامع الأموي ومفتي دمشق يومذاك إلى بغداد للقاء الخليفة. حين قابله، نزع عمامته عن رأسه، والقى بها أرضاً، وشرع يعنفه وهو يبكي ويشكوه إلى نفسه، ويذكّره بواجباته في الدفاع عن المسلمين، وبضرورة الرد على الغزاة، وطردهم من أرض الإسلام. تلك الزيارة كانت من أسباب يقظة المسلمين، وقيام الخلافة بشيء من واجبها تجاه رعاياها.

قبل أيام، دعا مفتٍ آخر بشار الأسد إلى استخدام كل ما في حوزته من سلاح لمقاتلة “غزاة” آخرين، لكنهم ليسوا أجانب، أو غرباء، اقتحموا سورية، واحتلوها كالفرنجة، بل هم مواطنوه الحلبيون. وألقى أحمد حسون عمامته أرضا أمام رئيسه، وشرع يبكي، ويحثه على إبادة مدينته وسكانها بجميع الأسلحة، بينما كان يتهم قادته وجيشه بالسلبية والتهاون في الحرب، كأن قتل نصف مليون سوري على أقل تقدير لا يرضيه ولا يروي غليله. يقول المثل “لا توصي حريصاً “. لم يكد المفتي ينهي مطالبته بقتل مواطنيه حتى سارع “الأب القائد” إلى تلبية ندائه، وها هي حلب تباد بكل صنوف الأسلحة وأساليب القتل والتدمير التي تستهدف أطفال المدارس: الجيل الأخير الـذي يقضى عليه، بعد أن أباد جيش الممانعة ثلاثة أجيال في الأعوام الأربعة الماضية، فإن تواصلت عملية القتل بالوتيرة الحالية، كان باستطاعتنا أن نقول بعد حين: هنا كان يوجد مدينة اسمها حلب، وكان يعيش فيها بشر.

بين مفتي دمشق المجاهد ومفتي سورية الحالي هوة مرعبة، حفرتها “وطاوة” الأخير، وأحقاده على السوريين ، وفتواه بشرعية قتل كل من يعارض الأسد أو يثور عليه ، فلا عجب أن يستغل الأخير فتاواه غطاء “شرعياً” يسوغ به قتل شعب”ه”، بما في ذلك المفتي المنافق نفسه الذي سيلقى حتفه على يدي سيده، عندما سينتهي مفعوله، ويتعاظم عجزه عن إفساد المشايخ وتأثيره في الرأي العام، ويفتضح كذبه ونفاقه الذي جعله مضحكة السوريين، فهو يهودي أكثر من نتنياهو، ومسيحي أكثر من يهوذا الإسخريوطي، وشيعي أكثر من خامنئي، لكنه، في جميع حالاته، عدو المسلمين، لأن النظام يكرههم، وعدو الإسلام، وقد صدرت عنه تفوهات مستهجنة ضد نبيه (ص)، كقوله: لو أمرني النبي بكره اليهود والمسيحيين لما أطعته.

أحدث حكم الأسدين انحطاطا إنسانيا وثقافياً شاملاً طاول مختلف مناحي حياتنا، من تعبيراته اختيار منافقين لمناصب دينية قيادية، كان أشهرهم ذلك الخطيب الذي جعل الأسد الأب “الراشدي الخامس”، ونصبه مجتهداً من كبار مجتهدي الإسلام. بانحطاط المنافقين المتعاظم وافتضاح أمرهم، كان من المحتم أن يبلغ النفاق دركه الأسفل مع حسون الذي قبل أحذية أهل النظام بقدر ما قتلوا الشعب، ودمروا المساجد والمواقع التي تذكر بتاريخ ما قبل الحقبة الأسدية، وكان قد بنى بعضها غزاة فتحوا المدينة، فأسرهم جمالها وأغراهم، بإضافة لمستهم التاريخية الخاصة عليها، تخليداً لذكراهم بناة دخلوها بالسيف فمدنتهم، وأضفت الرهافة والرقة عليهم. ومن يعرف حلب التي يدمرها اليوم وحوش يكرهون شعبهم بدعوة من المفتي القاتل، سيقطر قلبه دماً، وهو يرى أحياءها، وقد تحولت إلى ركامٍ، أين منه ركام المدن التي دمرت خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية.

حرّض المفتي جيش النظام ضد حلب وشعبها، فهل تحرض جرائمه المخالفة للدين والأخلاق شيوخنا وعلماءنا على إصدار إعلان بخلعه من منصبه و… إلخ؟ وهل تحرض العالم على حماية ما بقي من مدينة تعتبر اليونيسكو أقساما واسعة منها تراثا إنسانياً، هو ملك للبشرية جمعاء؟

العربي الجديد

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى