صفحات العالم

المحفزات الإقليمية: لماذا تقدمت المعارضة المسلحة؟/ صافيناز محمد أحمد

 

 

 

شهدت المواجهات العسكرية المحتدمة بين النظام السورى وفصائل المعارضة المسلحة تحولا نوعيا لافتا خلال الشهرين الماضيين، حيث استطاعت قوى المعارضة تعويض خسائرها التى منيت بها طوال العام الماضى عبر تحقيق عدة نجاحات ملموسة على أرض المواجهات العسكرية تمثلت فى السيطرة على عدد من نقاط الصراع الميدانية كمدينة درعا جنوبا وأجزاء من حلب شمالا وصولا إلى إدلب وبصرى الشام وجسر الشغور والمعسكرات والحواجز المحيطة بتلك المناطق فى الشمال الغربى.

كانت أكثر تلك المواجهات تأثيرا وأهمية هى التى أسفرت عن الاستحواذ على مدينة جسر الشغور الاستراتيجية بالقرب من الحدود التركية والتقدم الواضح فى نقطة استراتيجية أخرى وهى القلمون، حيث توجد عناصر قتالية من حزب الله اللبنانى الداعمة لقوات النظام السورى هناك، هذه التطورات تطرح تساؤلات عدة بشأن الأسباب التى أدت إلى انتكاسة وهزيمة النظام أمام المعارضة التى باتت تتبع رؤية استراتيجية جديدة لمواجهته من ناحية، وتأثير التغيرات الإقليمية على تطورات الصراع السورى لاسيما حالة التقارب السعودى التركى التى كانت احدى نتائجها توحيد جهود دعم المعارضة من ناحية ثانية، وانعكاسات ذلك على مستقبل النظام وبقائه وفرص التسوية السياسية للأزمة من ناحية ثالثة.

– تحول نوعي

فقد نجحت المعارضة السورية العسكرية فى تجاوز خلافاتها البينية التى وصلت خلال العام الماضى إلى حد الاقتتال فيما بينها فى بعض المناطق التى خرجت من سيطرة الجيش السورى، وقامت بعض فصائلها بتوحيد ألويتها العسكرية تحت مسمى جيش الفتح الذى ضم نحو ثمانية فصائل مسلحة كان أبرزهم على الاطلاق جبهة النصرة والجيش السورى الحر، واستطاع جيش الفتح الموحد تحقيق انتصارات عسكرية فى عدة مواقع لكن يظل الإنجاز الأكثر أهمية هو السيطرة على مدينة جسر الشغور الاستراتيجية وحواجزها أواخر ابريل الماضى ما اعتبر تحولا نوعيا لمصلحة المعارضة، حيث تقع المدينة على الطريق الدولى بين مدينة اللاذقية التى تتمركز فيها الطائفة العلوية وتمثل الدعامة والحاضنة الاجتماعية الشعبية لنظام الأسد وبين مدينة حلب الاقتصادية ثانى أكبر المدن السورية.

وبالتالى، تتمتع المدينة بموقع استراتيجى تمكن الطرف المسيطر عليها من قطع الامدادات عن الطرف الآخر. أضف إلى ذلك أن سيطرة المعارضة على جسر الشغور بمحافظة إدلب تجعل من مدينة اللاذقية المتاخمة لها “هدفا تاليا” لقوات المعارضة الموحدة، بالإضافة إلى بلدة أريحا والتى تقع على بعد 25 كم من جسر الشغور وكذلك باقى بلدات ريف إدلب، ما يعنى تهديد النظام السورى وقاعدته الشعبية وقواته المتمركزة هناك والتى نجحت خلال العام الماضى فى استعادة السيطرة على عدد من البلدات بريف اللاذقية من المعارضة فى المناطق المحاذية لمحافظة إدلب. وتأتى المعارك بين النظام والمعارضة فى القلمون – حيث الحدود مع لبنان – لتضيف بدورها ملمحا جديدا لخريطة الصراع الميدانى بينهما.

– هدف استراتيجي

فمنطقة القلمون تعتبر هدفا استراتيجيا لكل من النظام المدعوم بحزب الله اللبنانى، وللمعارضة الموحدة ممثلة فى جيش الفتح المدعومة بالقوى الإقليمية سياسيا وعسكريا أيضا، ويعد إقليم القلمون غرب سوريا وبالقرب من الحدود اللبنانية من المواقع ذات الأهمية الاستراتيجية، وهو عبارة عن شريط استراتيجى يقع على مساحة 70 كم ويضم مجموعة من المدن والقرى، ولكلا الطرفين أسبابهما فى السيطرة على القلمون، فالمعارضة تسعى إلى استعادة ذلك الشريط ببلداته من النظام باعتباره يمثل جسرا يصل بين مدينتى دمشق وحمص ما سيؤثر على مسار المواجهات المسلحة فى جميع مناطق الصراع بين الطرفين خلال المرحلة المقبلة، كما تسعى لحصار مسلحى حزب الله القادمين من لبنان إلى سوريا وقطع طرق الإمداد التى يسلكونها من لبنان إلى القلمون السورية.

بينما يسعى النظام السورى بمساندة حزب الله اللبنانى إلى وقف استنزاف قواته سواء على مستوى الخسائر البشرية أو على مستوى الخسائر فى الآليات والمعدات، لاسيما منذ هزيمته فى معارك يبرود التى تبعد عن العاصمة دمشق شمالا نحو 80 كم داخل جبال القلمون المتاخمة لجبال لبنان الشرقية خلال مارس 2014، ومرورا بهزائمه فى معارك عرسال والتلة ورأس المعرة خلال أغسطس وأكتوبر الماضيين، ونهاية بالكمائن التى نصبتها المعارضة لعناصر حزب الله والنظام نهاية مارس الماضى.

– حرب المدن

وتختلف معارك استعادة القلمون – حاليا – من جانب المعارضة عن معارك القلمون 2013 والتى أسفرت عن سيطرة النظام وحزب الله على القطاع، حيث لجأت المعارضة المسلحة إلى استنزاف النظام وعناصر حزب الله للقتال عبر جبال ووديان القلمون وفق أسلوب حرب العصابات خلافا لما كان عليه القتال منذ عامين فى المنطقة نفسها حيث جرى القتال بين الطرفين داخل نطاق المدن، وهو أمر يفقد عناصر حزب الله القدرة على المبادرة كالسابق، فى الوقت الذى تستطيع المعارضة المسلحة شن هجمات مباغتة عبر الجبال والوديان التى تتمركز فيها، وهو ما أجبر حزب الله على التوقف عن التوغل فى عمق القلمون السورى خلال المواجهات الحالية.

ومن المحتمل أن يكتفى مقاتلو حزب الله بالتمركز على النقاط الحدودية فقط داخل الاراضى اللبنانية دون التوغل فى الاراضى السورية مرة أخرى، وهو ما يشير إلى أن الطرفين المتحالفين – النظام السورى وحزب الله – باتا غير قادرين على فتح جبهات قتال عريضة مع المعارضة السورية فى القلمون أخيرا لأسباب يتعلق بعضها بواقع الصراع الميدانى الذى يتغير لمصلحة المعارضة السورية فى مناطق القتال المختلفة، وبعضها الآخر يتعلق بالتحولات الإقليمية الإيجابية تجاه دعم المعارضة السورية من قبل عدد من القوى الإقليمية، والبعض الثالث يتعلق بتبعات الاتفاق النووى الإيرانى الأمريكى الذى سيتم التوقيع النهائى عليه فى يونيو المقبل، الأمر الذى “قد” يدفع إيران إلى تهدئة ساحة الصراع فى سوريا إلى حد ما حتى تحصل فى النهاية على هدفها النووى.

– موازين متغيرة

إذن السيطرة على جسر الشغور بإدلب والمواجهة المحتدمة فى القلمون تؤشر على تغيرات فعلية فى ميزان القوى بين طرفى الصراع السورى فى الوقت الراهن لمصلحة المعارضة، لكن السؤال لماذا الآن تحقق المعارضة تقدما ويسجل النظام السورى تراجعا فى مواجهتها؟ الاجابة هنا تتمحور حول أسباب عدة:

أولها، رفع الرياض وأنقرة درجة التنسيق بينهما تجاه دعم المعارضة ما مكن المعارضة المسلحة من الحصول على دعم عسكرى مختلف عن الذى كانت تحصل عليه طوال السنوات الأربع الماضية، تمثل فى تزويدها بأسلحة متطورة ومنها صواريخ تاو الأمريكية المضادة للدبابات، وهو ما مكن فصائلها المتمثلة فى جيش الفتح والجيش السورى الحر والجبهة الإسلامية وكذلك جبهة النصرة من احراز انتصارات فى عدة معارك متتالية قد تمهد للسيطرة على حلب والزحف نحو اللاذقية.

ثانيها، رغبة القوى الإقليمية الداعمة للمعارضة فى إحكام حصار النظام السورى بهدف دفعه إلى قبول التفاوض المثمر فى إطار مقررات جنيف – 1، وذلك عبر تنسيق وتوحيد جهودها فى دعم المعارضة بإحداث نقلة نوعية فى نوع الأسلحة التى تزودها بها أولا وبتوحيد جميع فصائلها فى لواء واحد ثانيا، ويأتى فى مقدمة ذلك حالة التقارب فى الرؤى بين السعودية وتركيا بشأن العديد من الملفات الإقليمية لاسيما بعد أن تقلد الملك سلمان مهام منصبه، والتى انعكست نتائجها بوضوح فى الملف السورى عبر تقديم دعم عسكرى نوعى للمعارضة خلال الشهرين الماضيين.

هذا التنسيق التركى السعودى قرأ إلى حد ما التحولات الإقليمية التى ستنتج عن الاتفاق النووى الإيرانى الأمريكى راصدا فترة “سكون” مفتعلة تحاول الدبلوماسية الإيرانية أن تبدو عليها إقليميا خلال الفترة الحالية وبالتحديد فى الملف السورى – على العكس من الملف اليمنى – وصولا إلى موعد التوقيع النهائى على الاتفاق كما سبق الذكر، الأمر الذى استغلته كل من السعودية وتركيا وقطر فى إعادة تأهيل جبهات المعارضة السورية تسليحا وتدريبا وتخطيطا، لاسيما فى الشمال بهدف مساعدتها على إحداث تغيير استراتيجى على أرض الصراع الميدانى بحيث تحكم السيطرة على إدلب وجسر الشغور وأجزاء من ريف اللاذقية وريف حلب ناهيك عن الصمود فى القلمون بالإضافة إلى السيطرة التى تمت بالفعل على معبر “نصيب” فى الجنوب الغربى بالقرب من الحدود مع الأردن.

ما سبق يزيد من فرص تفاوضها ويزيد فى الوقت نفسه من حجم التنازلات التى سيقدمها النظام السورى مستقبلا بناء على هزائمه فى الفترة الحالية، مع ترك مهمة مواجهة تنظيم “داعش” الذى يسيطر على دير الزور والرقة للولايات المتحدة على الأقل فى الوقت الراهن التى تستهدف توجيه ضربات نوعية للتنظيم فى تلك المناطق من آن لآخر. هذا يعنى أن المحور الإقليمى السعودى التركى القطرى الجديد أصبح رقما مهما لاسيما فى الملف السورى الذى بات يخطط لحرب استنزاف طويلة الأمد ضد النظام خلال الأيام المقبلة.

ثالثها، عودة التعاون من قبل القوى الإقليمية تركيا والسعودية مع جبهة النصرة المرتبطة عمليا وواقعيا بتنظيم داعش والمصنفة كتنظيم إرهابى، بل وإقناع الجانب الأمريكى بأهمية هذه الخطوة باعتبار أن جبهة النصرة من أكثر فصائل المعارضة السورية فعالية على أرض الصراع الميدانى فى مواجهة النظام السورى متذرعين بأن تكوين مجموعات أو تدريب عناصر قتالية جديدة ودفعها للأراضي السورية لن يأتى بنتائج مثمرة، لأنها لا تمتلك الخبرة الكافية التى تتوافر لعناصر المعارضة التى استمر وجودها فى سوريا طوال السنوات الأربع الماضية، وهو ما انعكس بوضوح فى معركة جسر الشغور التى شاركت فيها الجبهة بقوة، مع الإشارة إلى محاولة اقناع النصرة بفك الارتباط مع داعش مستقبلا.

– إضعاف النظام

بناء على ما سبق فإن تراجع النظام وتقدم المعارضة فى سوريا وتحولات المشهد الإقليمى المواكبة لذلك تدفع إلى التساؤل حول مستقبل النظام والتسوية السياسية المأمولة للصراع، هنا تجدر الإشارة إلى أن رفع القوى الإقليمية لدرجة التنسيق والتعاون بينها لدعم المعارضة السورية واحتمالية خسارة النظام لمناطق أخرى، لن تسفر عن سقوطه على الأقل فى المدى القريب، ولكنها على الأرجح ستضعف من قدراته العسكرية نتيجة لاستنزاف عناصره، وهو ما قد يؤدى وفى حال استمرار خسائره إلى تقليص هامش مناوراته السياسية والعسكرية وتجعله فى مأزق حقيقى قد يدفعه إلى التفاوض وفقا لقواعد اللعبة الإقليمية الجديدة التى قد لا تكون فى مصلحته، لاسيما بعد سقوط جميع رهانته والتى كان أبرزها تسويق نفسه على أنه محارب للإرهاب الداعشى الذى يتمدد فى سوريا، واحتمالية دخول الحليف الإيرانى نطاق المهادنة مع الغرب نتيجة للاتفاق النووى الذى قد يفرض على طهران اتباع سياسة مغايرة فى المنطقة لاسيما فى سوريا، ما قد يفرض على بشار الأسد قبول تسوية سياسية للأزمة لا يكون هو طرفا فيها.

الأهرام

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى