#BanaHoax.. لماذا يكره النظام السوري الطفلة بانا؟/ وليد بركسية
قد لا يكون خالد اسكيف أشهر مقدمي البروباغندا التي تلمع صورة النظام السوري، لكنه في “أفلامه الوثائقية” الأخيرة التي تحدث فيها عن الطفلة السورية بانا العبد ونشرها بشكل مستقل عبر قناته الشخصية في “يوتيوب” فقط، نال شيئاً من الانتشار العالمي، مع استناد “الصحافية” الكندية إيفا بارتليت، المشهورة بعدم المصداقية وتقديم الأخبار الكاذبة عالمياً، عليه كمصدر للحديث عن نفس الموضوع لشبكة “آر تي” الممولة من الكرملين.
الفيلم الذي يحمل عنوان #BanaHoax (خدعة بانا) يعرض في ثلاثة أجزاء طويلة رؤية النظام السوري لمعركة أحياء حلب الشرقية، عبر تفنيد قصة بانا التي حركت مشاعر الكثيرين حول العالم لدرجة تسميتها من قبل مجلة “تايم” الأميركية الشهيرة أواخر شهر حزيران/يونيو الماضي كواحدة من أكثر 25 شخصية مؤثرة عبر الإنترنت في العالم، بفضل تغريداتها باللغة الانجليزية من داخل أحياء حلب المحاصرة لشهور، وحديثها عن السلام والحاجة لتحييد الأطفال عن ضراوة الحرب، ما جعل منها أيقونة حية لتأثير الحرب على الأطفال والمدنيين عموماً.
هذه الرمزية التي تمثلها بانا هي أكثر ما يخشى منه النظام، لأن الشق الإنساني من الحرب السورية هو العائق الوحيد الذي يبقى واقفاً في وجه خطابه السياسي والإعلامي الذي يدعي أنه يحمي البلاد من الإرهاب وأنه الحل الوحيد أمام المجتمع الدولي لإعادة الاستقرار لسوريا ومنع انتشار الفوضى إلى بقية أرجاء الشرق الأوسط والعالم الغربي على حد سواء، وبالتحديد في هذه المرحلة من تاريح سوريا التي بات فيها “الحل السياسي الروسي” الضامن لبقاء الأسد في السلطة، الاقتراح الوحيد المطروح عالمياً، مع تفويض الولايات المتحدة الأمر في البلاد تقنياً للكرملين إثر لقاء الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب على هامش قمة العشرين في مدينة هامبورغ الألمانية الشهر الماضي.
والحال أن الفيلم يشكل مثالاً صارخاً حول تحول بروباغندا النظام السوري من إنكار المجازر والجرائم ضد الإنسانية في البلاد، نحو استغلالها عبر حرف الجدال حول مرتكبي جرائم الحرب في سوريا وحصرهم بـ “الإرهابيين”، رغم أن جميع التقارير الدولية تؤكد أن النظام والمعارضة على حد سواء ارتكبا جرائم ضد الحرب في سوريا، آخرها كان الشهادة المؤلمة التي قدمتها المدعية العامة كارلا ديل بونتي عند استقالتها من اللجنة الأممية الخاصة بالتحقيق في جرائم الحرب في سوريا، الأحد.
في ضوء ذلك يتجاهل الفيلم كل تلك المعطيات ويقدم النظام على أنه حامي حلب من الإرهابيين، ويصر على أن بانا وأهلها تكفيريون ينتمون لعدة تنظيمات في وقت واحد (داعش، النصرة، كتائب أبو عمارة، ..)، عبر شهادات من شهود عيان مجهولين يتواجدون في المنطقة، وعبر أوراق شديدة النظافة موجودة في أماكن التصوير “الواقعية” ،تقدم على أنها شهادات رسمية، فضلاً عن المقاربات غير المنطقية مثل “إثبات” أن حلب الشرقية كانت تحتوي مسلحين وجماعات إسلامية مرتبطة بالقاعدة مثل “النصرة”، وهي حقيقة لم يكن أحد ينكرها أصلاً، للقول أن بانا كانت تعمل تحت إمرة تلك الجماعات من دون أي دليل ملموس على ذلك الاستنتاج!
يعاكس ذلك شهوراً متتالية من الضخ الإعلامي الرسمي المواكب لتغريدات بانا من داخل حلب، والتي كرس فيها النظام قنواته ودبلوماسيته على حد سواء، لا لتفنيد خطاب بانا بل لإنكار وجودها نفسه، وهو أمر بلغ ذروته في أحد مقابلات الرئيس السوري بشار الأسد الذي اعتبر بانا مجرد بروباغندا كاذبة لا أساس لها من الصحة.
ويتهم الفيلم بانا (8 سنوات) بأنها زورت الحقائق ليس بالكذب بل عبر تقديم جزء من الحقيقة، وهو أمر يقوم به الفيلم نفسه الذي يصور وسط دمار مروع في حي المشهد شرقي حلب، من دون الإشارة للطيران السوري والروسي الذي تسبب بالدمار ولا بالحصار الخانق على المدنيين لسنوات هناك، بل كان هم الفيلم هو الحديث عن الخدعة الإنسانية التي قامت بها بانا وأهلها، من أجل “مكاسب مادية” ومن أجل “الجنسية التركية” وليس خدمة للوطن حسب التعبير المستخدم في سياق الفيلم.
ولهذه الأغراض يقوم اسكيف باستخدام لغة بعيدة عن الشتائم والعواطف التقليدية التي تبني شهرة واسعة لبقية المراسلين الميدانيين الموالين للنظام، ويعتمد على لغة مستفزة مبنية على مزيج من الكراهية للمعارضين الذين يوصفون بالخونة وتحديداً الذين خرجوا من حضن الوطن، والسخرية المباشرة من إنسانية بانا وطفولتها، فضلاً عن الحديث باللغتين العربية والانجليزية انطلاقاً من نظرية المؤامرة على سوريا التي قامت بها دول أجنبية عبر التحكم بوسائل الإعلام الرئيسية “Main Stream Media” من أجل ضخ “الأخبار الكاذبة”.
في ضوء ذلك، يصبح تخلي اسكيف عن صفته كمراسل لقناة “الميادين” الموالية للنظام ضرورياً لتقديم السياق السابق، حيث يقدم اسكيف نفسه كمراسل صحافي مستقل يعمل لصالح نفسه من أجل كشف الحقيقة فقط على أنه مصدر بديل للأخبار “Alternative News”، وكلها مصطلحات مأخوذة من سياق حملة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانتخابية، والتي ركزت على مهاجمة الإعلام والنيل من مصداقيته، قبل أن تصبح رمزية للتدخلات الروسية في مسار الديموقراطية الغربية، عبر الضخ الدعائي المشوه للحقائق في عدد من الدول مثل فرنسا والولايات المتحدة.
المدن