صفحات العالم

مقالات عن انشقاق رياض حجاب

سوريا: سقط الحجاب وبقي الحاجب

عبد الله بن بجاد العتيبي

لم تزل سوريا تشهد تصاعدا في كمية ونوعية الانشقاقات التي تجري، وكما دل انشقاق مناف طلاس على تصدّع النواة الصلبة لنظام بشار الأسد فإن انشقاق رياض حجاب رئيس الوزراء المعيّن حديثا مع بعض وزرائه والضباط التابعين له يحمل دلالة أخرى هي أن أغلب من يخدمون الأسد من السوريين إنما يفعلون ذلك تحت تهديدات قواته وأنّ بعضهم – إن لم يكن كثيرا منهم – يفتّشون عن طريق للخلاص من قبضته ودائرته والطريقة التي اختارها لمواجهة عداء شعبه له بالقتل والتدمير وخلق الحرب الأهلية وإنعاش الطائفية وبقايا الحلم بإنشاء دولة علوية في جبال العلويين تكون ملتجأه الثاني وليس الأخير، فملجؤه الأخير لن يعدو طهران أو موسكو أو مصيرا يكتبه الشعب الغاضب والمحتقن حين يعلن انتصاره الكامل.

تفتّت الدائرة الضيقة حول الأسد والحكومة التي عيّنها والجنرالات الذين سمح بوصولهم للمناصب العليا وضبّاط جيشه وجنوده يتمّ كلّه بالتنسيق مع الجيش الحرّ المحارب له والممثل لطموحات الشعب السوري، لا مع إيران التي تستميت في الدفاع عنه ولا مع موسكو والصين الحاميتين الدوليتين لنظامه المتصدع والمنهار، فالجيش الحرّ يؤمن سبل خروجهم وتأمين عائلاتهم ويقوم بتلك العمليات باحترافية تثير الإعجاب.

وعلى الرغم مما تحمله هذه الانشقاقات من دلالات التفكك في بنية النظام الصلدة فإن لها دلالة أخرى، وهي أن أجهزة أمن النظام المتعددة والتي تفوق العشرة أجهزة تقريبا هي أجهزة مهترئة ومتفككة كذلك، وذلك أنها كما يظهر كانت تعتمد جميعا على هيبة النظام وبطشه والرعب الذي يبثه من خلالها ولكنّها لا تحسن العمل بالطرق الحديثة والمحترفة، ولم تكتسب الخبرة اللازمة التي سعت إيران جهدها لتدريب عناصر قوّات الأسد عليها لتتفنن في قمع الشعب كما صنعت هي مع الثورة الخضراء.

اضطرت إيران تحت هذا الضغط الشعبي الهائل في سوريا أن تعلن أنها لن تسمح بكسر ظهرها ومحورها المقاوم والممانع الذي اتضح كذبه وطائفيته، وأن تسعف نظام بشار الأسد بعناصر الحرس الثوري الإيراني الذين يقصفون حلب بالطائرات التي يخشى بشار من قيادة السوريين لها فلم يعد يثق بأحد منهم أن ينقلب عليه ويقصف قصره إن اعتلى إحدى الطائرات، ومن ذلك قدرة الجيش السوري الحر على أخذ أربعين إيرانيا رهائن من قلب دمشق وتحت سمع الأسد وبصره، وها هي إيران تتخبط بين الهجوم على بعض الدول الإقليمية ومطالبتها بالتدخل لإنقاذهم باعتبارهم سياحا دينيين، وبغض النظر عمّا بثّه الجيش الحرّ من أنّ بعضهم وفق وثائقهم التي معهم ضباط في الحرس الثوري الإيراني وهو ما أقرت به إيران لاحقا، غير أنّ السؤال الأكبر هو هل يعقل أن ترسل إيران سيّاحا دينيين إلى دمشق في هذا الوقت الذي تعرف إيران قبل غيرها أن نظامها الحليف هناك يتداعى؟ ثم ألم يكن بإمكانها إرسالهم لعتبات أكثر قداسة في إيران أو العراق مثلا؟

واضح من كل ما سبق أن عدوى التخبط والتشويش بدأت تنتقل من نظام الأسد إلى النظام الإيراني الذي يعاني أشدّ المعاناة داخليا ويفتش عن مخرج خارجي يلهي به الجمهور عن كل الغضب الداخلي المكبوت لدى الشعب الإيراني جرّاء عقود من الاضطهاد والديكتاتورية باسم الله والمذهب ضدّ كل عناصر الشعب، وضد الثورة الخضراء التي لم تندمل جراح نظام الملالي منها بعد، والتي يزيد في انتشائها وتصعيدها ما بدأ يواجهه نظام الملالي هناك جرّاء العقوبات الاقتصادية الصارمة التي لا تمنحه غير موت بطيء يتمّ تحت أمجاد حلم قديم بامتلاك السلاح النووي وفرض الهيمنة الإقليمية لم يعد له ما يبرره على الأرض، وباتت إيران حائرة بين الإقرار بالواقع الجديد الذي يفرض نفسه على الأرض وأن ترضى من الغنيمة بالإياب وبخفي حنين فقط، وبين التشبث بالأحلام القديمة التي لن تؤدي إلا إلى السقوط المريع والمدوّي لثلاثة عقود من الغطرسة والعدائية والأوهام الطائفية والانحياز لخيار شمشون لتتحول للتفتيش في الأرض عن مديتها التي تقتلها.

لبئس ما قدّم نظام الملالي لنظام الأسد من نصائح تعتمد التركيز على البعد الطائفي في لعبة السياسة، فقد غرّتهم عقود اللعب على الوتر الطائفي في المنطقة، حين نجحوا من خلاله في التهام دولة العراق عبر أتباعهم المعلنين وعبر استخدام قوّة الإرهاب للموالين والمخالفين، ودولة لبنان كذلك حيث صنعوا حزبا طائفيا وسلحوه حتى استطاع اختطاف لبنان لفترة من الزمن جرّ عليها كل الخراب الذي يمكن تصوّره، وسعت لخلق جراثيم سرطانية في كثير من الدول العربية، في البحرين حيث المخربون وفي اليمن حيث الحوثيون وبزرع خلايا الإرهاب والتطرف الاستخباراتية في الكويت وفي اليمن وفي عدد من الدول غيرها، فهو كما يبدو أسلوب إيراني عتيق.

حين كتب كاتب هذه السطور عن أوهام الأسد ببناء دولة علوية في جبال العلويين لم يكن يمتلك إلا منطق التاريخ وقراءة الواقع وتحليله وقبل أيام تحدّث الملك عبد الله الثاني ملك الأردن عن نفس الفكرة وهو من حذّر من قبل من مشكلة «الهلال الشيعي» التي رأيناها رأي العين لاحقا، فهو تصريح قائد سياسي يمتلك الكثير من التفاصيل والمعلومات التي تجعل حديثه محل عناية واهتمام.

لقد بدأ تغيّر جدير بالملاحظة في الموقف الأميركي والغربي عموما تجاه التعامل مع الوضع في سوريا خارج مجلس الأمن، وبعد ذهاب عنان وخطته إلى غير رجعة وبعد تغير موازين القوى على الأرض، وبعد وضوح الصورة بأن النظام ذاهب لا محالة فقد تنوّعت الرسائل الغربية تصريحا وتلميحا أنها بصدد سياسة جديدة تجاه سوريا والأوضاع التي لا تطاق هنا من جرائم يشيب لها الولدان ومجازره تصفيات عرقية وطائفية يندى لها جبين التاريخ، ويأتي ذلك بعد تزايد الانتقادات الموجهة لإدارة أوباما من بعض كبار الساسة الغربيين السابقين الذين عبّروا في انتقاداتهم عن التفريط بمكانة أميركا في العالم حيث سمحت للروس والصينيين بالعودة إلى المشهد الدولي بقوة تضر بمصالح أميركا الاستراتيجية في المنقطة والعالم.

أخيرا سقط «حجاب» النظام داخليا بانشقاق رئيس الوزراء وبقي «الحاجب» الحامي الخارجي ممثلا في إيران إقليميا وروسيا والصين دوليا، وهو حاجب يتضعضع لا تسمح له الظروف بالاستمرار طويلا وسيتغير حتما.

الشرق الأوسط

الثلاثاء

المفاجآت الكبيرة تهزّ مداميك النظام

دول تراجع حساباتها للمرحلة اللاحقة

    روزانا بومنصف

باتت المفاجآت في مسار الازمة السورية التي تكسر روتين العمليات العسكرية وعمليات الكر والفر بين جيش النظام ومعارضيه هي التي ترسم تطور هذه الازمة وتحدد وتيرة تسارعها نحو النهاية المرتقبة والمتوقعة من حيث المبدأ في العناوين على الاقل. فانشقاق رئيس مجلس الوزراء السوري رياض حجاب يشكل ضربة نوعية جديدة للنظام السوري باعتبارها ضربة تطاول السلطة السياسية التنفيذية للنظام وأحد ابرز مداميكها بعد اهتزاز المداميك الاخرى والمتمثلة بكسر كل الحلقات التي يستند اليها النظام. فهناك الانشقاقات الديبلوماسية وان تكن ليست كبيرة حتى الان لكنها كسرت الحلقة المقفلة التي ظلت قائمة حتى الان في بقاء الجسم الديبلوماسي متماسكاً وكان بعضها معبراً. وهناك الحلقة المتمثلة بالجسم الأمني الاستخباري الذي تعرض لضربة كبيرة بالعملية العسكرية التي استهدفت مبنى الامن القومي وأدت الى مقتل أربعة من أركان النظام الامنيين الكبار. وهناك الحلقة العسكرية المتمثلة في الجيش الذي وان كانت كل المعطيات تفيد ببقاء غالبيته متماسكا فان انشقاقات اساسية ومهمة تحصل يومياً وعلى مستوى عال ولم تقتصر على انشقاق مناف طلاس فحسب وان كان ابتعاد هذا الاخير يفيد بانفكاك الحلقة الضيقة من اصدقاء الرئيس السوري. وهذه الانشقاقات توازي في بعدها الطائفي اهمية اكبر من الشق السياسي بعد سقوط كل اوراق التين السنية الواحدة تلو الاخرى عن النظام مما يخشى معه ان تتساقط كل الاوراق المتصلة بها. فهذه تطورات جسيمة وحساسة وحاسمة تظهر ان مداميك النظام تهتز الواحدة بعد الاخرى خصوصا اذا اضيفت اليها التطورات الامنية من مثل التفجير في هيئة الاذاعة في دمشق بعد شيوع نبأ “تنظيف” العاصمة من المعارضين وإعادة السيطرة من جانب السلطة على شوارعها. وينسحب الامر بنسبة أكبر على خطف 48 إيرانياً في العاصمة السورية في الطريق الى مطار دمشق ودلالات هذه المسألة على الصعيد الميداني باعتبار ان احتجاز هذا العدد لا يمكن اعتباره نزهة في حد ذاته وهو يأتي للمفارقة بعد أيام على زيارة قام بها وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى طهران حيث أعلن ان دمشق تم تحريرها ممن اعتبرهم “إرهابيين” وان المعارضة هزمت في دمشق وهي ستهزم قريباً في حلب فيما اعلن نظيره الايراني علي اكبر صالحي في المقابل انه لا مبرر للتفكير في امكان اطاحة الحكومة السورية في مفارقة لافتة ايضا مع انشقاق رئيس الوزراء السوري ومعه وزراء آخرون بعد اقل من اسبوع على التأكيدات الديبلوماسية الايرانية. ويكتسب خطف الايرانيين أبعاداً عدة في ضوء الدعم الايراني المعلن والمستمر للنظام لكنه يمثل في بعده الامني تحديا كبيرا بازاء من قام به من الثوار لا يقل اهمية عن التحدي الذي مثله انتقال رئيس الوزراء ومغادرته الاراضي السورية بعد عبور مناطق عدة مع وزيرين وثلاثة من كبار الضباط على رغم الحماية الامنية والحراسة المرافقة والرقابة المفترضة وما الى ذلك، الامر الذي لم يعد يعتبر سوى تثبيت للمقولة التي يرددها بعض الدول من ان النظام السوري فقد السيطرة فعلا على الاراضي السورية.

هذه التطورات قد تحفز بعض الدول وفق ما تتوقع مصادر ديبلوماسية على مراجعة توقعاتها للتطورات السورية التي قد لا تنتظر بحسب هذه المصادر حتى الخريف المقبل في حال استمرت التطورات النوعية على الوتيرة نفسها بين وقت وآخر خصوصا ان هذه التطورات قد تفرض على بعض الدول الداعمة للنظام مراجعة حساباتها او التحسب للمرحلة المقبلة وفق ما تدرج هذه المصادر زيارة امين المجلس الاعلى للامن القومي الايراني سعيد جليلي لبيروت، خصوصا ان انشقاقا على مستوى رئيس الوزراء ووزراء في الحكومة ربما يكون قويا بالمقدار الذي يدفع النظام الى السقوط من الجرف الذي بات يقف عليه في المرحلة الراهنة.

النهار

الأربعاء

… ولافروف ينشقّ عن الأسد؟!

    راجح الخوري

عندما يقول النظام السوري ان انشقاق رئيس حكومته رياض حجاب مجرد خروج فرد من “مؤسسة الدولة” فذلك يعني ان حجاب الذي عيّن قبل شهرين رئيساً لـ”حكومة الاصلاح”، لم يكن اكثر من برغي في الماكينة لكنه في الواقع اكثر من ذلك بكثير، لأنه يمثل بالنسبة الى الخارج الذخيرة السياسية الثقيلة التي تحترق بدبابة النظام الذي يتهاوى!

وعندما يهرب حجاب معلناً خروجه من “نظام الارهاب والقتل”، فيرد النظام بالقول: “انه أقيل، وان انشقاق الاشخاص مهما علت رتبهم ومواقعهم لا يغير في نهج الدولة”، فان ذلك يعني ان ليس هناك دولة في سوريا، لأن رؤساء الحكومات فيها مجرد قطع غيار سياسي. هكذا كان رياض حجاب ومن قبله عادل سفر ومحمد عطري ومحمد ميرو، والآن جاء دور عمر غلاونجي، الذي قد يكون في رأس همومه البحث عن وسيلة للاتصال “بشركة نقليات العقيد رياض الاسعد” لتنظيم فراره الى الخارج!

امام هذا الوضع الذي يذكّر بأنظمة البلاشفة، من الضروري اولاً تغيير معايير الكلمات بمعنى تصحيح التعبير عن فعل الانشقاق، بالقول ان النظام هو الذي انشق عن الشعب ومنذ زمن بعيد، والدليل انه رأى في هروب رئيس حكومته مجرد “قرار فردي لا يؤثر، ومهما تكاثرت الانشقاقات فلن تنشأ حال ارتباك”، وثانياً من الضروري التوقف امام السبب الحقيقي لحتمية انهيار الانظمة ذات الطبيعة الكلية، التي يديرها فرد بعينه عندما يختصر في شخصه بالذات وبمساعدة حلقته الضيقة كل الدولة والارض والشعب والجغرافيا والوزراء والمسؤولين وهو ما يشكل في الواقع انشقاقاً فعلياً عن الشعب الذي يرفض الآن بقاء “سوريا الاسد الى الأبد”!

ما يوازي انشقاق رياض حجاب ويزيده اهمية في المدلول السياسي هو الانشقاق المحتمل لروسيا عن الاسد، فقد كان لافتاً بعد اكثر من 24 ساعة على هروب حجاب ومن معه، اننا لم نسمع كلمة او تعليقاً من موسكو او الصين وتحديداً من سيرغي لافروف، الذي يحاول منذ عام ونصف عام تغطية الانحياز الى النظام بالقول ان موسكو تدعم الدولة في سوريا لا شخص الرئيس الاسد، ولكن ها هي الدولة تنشق عن النظام، فماذا يقول لافروف الآن وقد ازدادت معالم تكرار الخسائر الروسية في سوريا بعد ليبيا؟

السؤال الاهم: هل تعي روسيا التي رعت تمادي المذبحة ان في وسعها الآن تحديداً او بالاحرى من واجبها السياسي والاخلاقي، ان توقف جنون التدمير والقتل الذي يتربص بمدينة حلب مثل حمص واخواتها، وان عليها اخيراً ان “تنشق عن النظام” وتوقف تلك الحرب التي تدمر سوريا وتهدد المنطقة؟

النهار

الثلاثاء

…والآن متى ينشق نصرالله؟

    علي حماده

قد يحيّر هذا العنوان البعض، وقد يخاله البعض الاخر نوعا من المزاح او الهزل. والحقيقة اننا في مرحلة لا تحتمل مزاحا ولا هزلا، ولا نحن من هواة الكلام الخفيف عندما يتعلق الامر بشخصيات من وزن الامين العام لـ”حزب الله”، الذي وان كنا نقف على طرف نقيض من كل ما يمثله في السياسة والخيارات هو والحزب، وان كنا ايضا نعتبر الحزب الخطر الاول على لبنان الكيان والمجتمع والنظام والصيغة، فإننا نحترم الاختلاف في الرأي مثلما ندين ونقاوم بشدة الحالة الاحتلالية التي يمثلها “حزب الله” الذي يقوده السيد حسن نصرالله.  إذاً لماذا هذا العنوان؟ انه يأتي في سياق الانشقاقات الكبيرة التي تحصل في سوريا، وآخرها انشقاق رئيس الحكومة السورية الذي عينه بشار الاسد منذ مدة قصيرة. انه يأتي والحلقة المحيطة برأس النظام تتقلص اكثر فأكثر. فعندما ينشق رئيس حكومة فمعنى هذا ان النظام صار بمثابة “الرجل المريض” الذي يتحلق حول سريره الجميع ليرثيه. تذكروا كيف ان الامبرطورية العثمانية وصفت بالرجل المريض قبل مئة عام من سقوطها. لقد تأخر سقوطها لأن القوى الكبرى اختلفت في ما بينها على التركة، فعاشت الامبراطورية قرنا مستقطعا من الزمن.

في حالة بشار ونظامه، فإنه يعيش بسبب خلاف الكبار على المرحلة المقبلة. ولا يستمر في العيش بسبب قوته النارية، ولا جيشه، ولا حتى اسلحته غير التقليدية التي لا تخيف الكبار في العالم، لان من سيستخدمها سيبعث به – كما يقولون – الى “تحت سابع أرض”. الصغار لا يسمح لهم باللعب بالسلاح الكيميائي او الجرثومي، فمن يستخدمها للمرة الأولى ينبغي ان يعرف انها ستكون المرة الاخيرة. هذا الامر ينطبق على بشار ونظامه مثلما ينطبق على ايران وترسانتها من الصواريخ. وفي هذا المجال أذكر تماما ما قاله الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك ذات يوم عندما رد على ما كان يثار عن امكان استخدام طهران سلاحا نوويا يوم تتملكه، قال: “تأكدوا تماما انه لحظة انطلاق اول صاروخ محملا سلاحا غير تقليدي من ايران في اي اتجاه كان، لن تمر اكثر من دقائق معدودة تمحى بعدها طهران وكل المدن الايرانية الكبرى عن الخريطة! هذه امور لا تحتمل صغارا من حجم قتلة الاطفال في سوريا. حتى روسيا ستكون عندها في الموقع الصحيح.

بالعودة الى الحزب، وبما ان الامين العام لمجلس الامن القومي في ايران سعيد جليلي يجول عندنا ليبشر بفضائل “المقاومة”، نتمنى لو ان قيادة الحزب وضعت جانبا شعارات مثيرة لحساسية غالبية اللبنانيين وباشرت اجراء مراجعة حقيقية للسياسات المتبعة حتى الآن، وليتها تنظر ولو قليلا الى مصلحة بيئتها اللبنانية الحاضنة المهددة اليوم اكثر من اي وقت مضى بالعديد من التحديات، واوّلها عواقب التورط بالدم السوري، وعواقب استمرار حالة الهيمنة الاحتلالية في الداخل اللبناني. لقد حان الوقت لمراجعة حقيقية لتصحيح المسار. انظروا يا سادة، انتم لستم بأفضل حال من رياض حجاب، فليحصل انشقاق بمعنى المراجعة والتغيير في سلوككم. الوقت يمضي والموجة كبيرة، بل انها اكبر من الجميع!

النهار

الثلاثاء

من سيهرب بعد رياض حجاب؟

الياس حرفوش

من هو الشخص التالي الذي سينشق عن نظام الرئيس بشار الاسد بعد رياض حجاب والعقيد يعرب الشرع ابن عم فاروق الشرع نائب رئيس الجمهورية، ومناف طلاس صديق الرئيس وابن وزير الدفاع الاكثر اخلاصاً وولاء لعائلة الاسد طوال فترة حكمها؟

هذا هو السؤال الذي اصبح على لسان الجميع بعد ان باتت حركة الانشقاقات عن النظام شبه يومية، وتمتد من ديبلوماسيين الى عسكريين وسياسيين، فضلاً عما يتردد عن اعتكاف مسؤولين في الداخل، لم يعلنوا انشقاقهم او يهربوا الى الخارج. وهكذا بات حال النظام السوري مثل حال باخرة تشرف على الغرق، ويسعى من يستطيع من ركابها للهرب الى اليابسة قبل النهاية المحتمة التي يراها الجميع. والسؤال هنا: هل تلوم رياض حجاب لأن «صحوة ضميره» تأخرت واكتشف «نظامَ الإرهاب والقتل»، كما وصفه امس، بعد أن اقتربت أعداد القتلى من عشرين الفاً خلال الشهور الستة عشر الماضية؟ أم تثني على شجاعته في مواجهة مخاطر النجاة، بينما الركاب الآخرون ينتظرون في مقاعدهم اللحظةَ التي سيغرق فيها ربان السفينة؟

لم يكن معروفاً عن رياض حجاب انه صاحب احلام سياسية ويسعى الى الانقلاب على النظام القائم ليقود منصباً بعد انتصار الثورة، فالرجل «زراعي» في زي حزبي، وليست السياسة على كل حال من المواصفات التي اتت به الى رئاسة الحكومة في سورية، فالكفاءات السياسية لم تكن يوماً من الصفات المطلوبة لهذا المنصب. في احسن الحالات، رئيس الحكومة السوري موظف من الدرجة الاولى او ما فوقها بقليل، لذلك كان المراقبون يعودون الى مواقع البحث مثل «غوغل» وما شابهها ليبحثوا عن هوية رؤساء الحكومات الذين تعاقبوا على هذا المقعد في ظل بشار الاسد، مثل رياض حجاب ومِن قبله عادل سفر، الذي نجا بنفسه وعاد الى بيته، وقبله محمد عطري ومحمد ميرو، والآن … عمر غلاونجي.

من المبالغة النظر الى انشقاق رياض حجاب بأكثر من كونه رمزياً، نظراً الى الى ان الانشقاقات التي يمكن ان تقض مضجع النظام فعلاً هي تلك التي يمكن أن تحصل في دائرته الضيقة، المذهبية والعائلية، او تلك التي قد تحصل في القيادات الامنية التي تشرف على تنفيذ الاوامر العسكرية على الارض. لكن على رغم ذلك، فإن قدرة المعارضة على الوصول والتنسيق مع المسؤولين داخل اجهزة الدولة الى رئيس الحكومة نفسه، من شأنها ان تقلق النظام وان تزيد من حذره حيال التعامل مع الوزراء والمسؤولين على كل المستويات. ومن الطبيعي ان يؤدي هذا الحذر الى الاعتماد أكثر فأكثر على أقرب المحيطين بالرئيس مما يؤدي الى تزايد الانشقاقات بين المسؤولين في الدائرة الأوسع بسبب الحذر منهم وإبعادهم عن مركز صنع القرار.

لقد كان من البديهي ان يؤدي الإيغال في العنف وفي أعمال القتل الى هذه النتيجة، فالنظام الذي وضع نفسه في موقع «العداء» لأكثرية شعبه، حسب التعبير الذي اعتمده رئيسه، كان لا بد ان يتوقع ان معاونيه سوف يتخلون عنه بعدما بلغت نسبة المجازر والتهجير في المناطق التي ينتمون اليها حداً لم يعد يطاق. ليس غريباً بعد هذا أن يفكر ابن طلاس بمدينة الرستن، وابن حجاب بدير الزور، وابن الشرع بدرعا، بعد ان انكفأ النظام الى التفكير فقط بأبناء عشيرته ومذهبه ومنطقته، وصولاً الى شن حرب باسم هؤلاء على أكثرية أبناء البلد في سبيل البقاء في الحكم.

هذا هو المعنى الحقيقي لانشقاق رياض حجاب، وهو يفوق في بلاغته اي معنى آخر، مهما حاول النظام ان يلمّع الصورة وان يهون من قيمة الرجل، على رغم ان اعلامه وصف حجاب يوم تعيينه رئيساً للحكومة بأنه «رجل المرحلة الحالية والمقبلة». والمعنى من الانشقاق، ان بشار الاسد استطاع خلال السنتين الاخيرتين ان ينزع عن حكمه كل الشعارات التي نجح والده طوال ثلاثين سنة في تزيين نظامه بها، سواء منها العروبية والقومية، او تلك التي منحته غطاء داخلياً واسعاً يتشكل من ابناء الطوائف السورية المختلفة ويحميه من تهمة «حكم الاقلية».

الحياة

الخميس

رياض حجاب القفز قبل الغرق

حسين علي الحمداني

النظام السوري من وجهة نظر مؤيديه ومعارضيه، وحتى أبرز أركانه داخل سوريا، يعيش مرحلة النهاية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، فانشقاق رئيس الوزراء رياض حجاب الذي لم يكمل شهره الثالث في هذا المنصب ووصوله للأردن يمثل حلقة مهمة جدا من حلقات الابتعاد عن الأسد من قبل أقوى المقربين إليه، بعد أن غيبت الأحداث أبرز الرموز العسكرية والمخابراتية للنظام، ومن الصعب جدا تعويض هؤلاء في هذه المرحلة الحرجة التي يعيشها النظام السوري.

مرحلة أقل ما يقال عنها بأن البعض قفز من السفينة قبل الغرق النهائي، قد يكون هذا التشبيه هو الأقرب للواقع السوري، وبالتحديد للمقربين من الأسد الذين لديهم قراءتهم الأكثر واقعية، لأنهم على علم ودراية بما يجري، وبما يفكر به الأسد نفسه، وبعضهم بدأ يشعر بالنهاية.

ولكن ماذا تعني هذه الانشقاقات من قبل قادة الصف الأول في النظام؟ تعني أن المرحلة الانتقالية بدأت تظهر الكثير من ملامحها، خاصة أن انشقاق البعض من هؤلاء لا يضيف قوة للمعارضة السورية بقدر ما إنه يمثل بالأساس ضربة للنظام من جهة، ومن جهة ثانية فإنهم سيحاولون – وربما حاول بعضهم – أن يطرح نفسه كسياسي مقبول في مرحلة ما بعد الأسد، وهي مرحلة أصعب من مرحلة سقوط الأسد نفسه.

جميعنا يعرف أن إسقاط صدام في العراق كان سهلا للقوات الأميركية، ولكن ترتيبات ما بعد صدام ما زالت لم تنجز بعد، وهذا الحال ينطبق على الكثير من الدول العربية التي تخلصت من أنظمتها الشمولية وما زالت تتخبط في ملفات كثيرة، سواء أكانت أمنية أم سياسية أم اقتصادية في ظل التزاحم الكبير على السلطة الذي يصل أحيانا كثيرة إلى الاقتتال.

وهذا ما يقودنا لأن نقول بأن مرحلة ما بعد الأسد في سوريا لا يمكن لها أن تتجاهل أولئك الذين تركوا الأسد في أوج الحاجة إليهم سواء أكانوا ضباط جيش أم سفراء أم وزراء أم شخصيات مؤثرة في سوريا، ومن الصعب أن لا يجدوا لهم مكانا في سوريا الجديدة، خاصة أن هؤلاء راهنوا على سقوط الأسد، وهذا ما دفعهم لأن يتخذوا هذا القرار في هذه اللحظات المهمة جدا لهم ولسوريا ولمستقبل البلد.

ولكن ما يمكن لنا أن نقوله في مسألة انشقاق رئيس الوزراء الذي كان بإمكانه أن يتصرف بشكل آخر خاصة أنه رئيس وزراء وليس مجرد دبلوماسي لا يمتلك من الصلاحيات ما يجعله قادرا على أن يلعب دورا حاسما في مستقبل سوريا، وهو بالتأكيد يتمتع ببعض الصلاحيات التي تمكنه من ذلك. ولكن على ما يبدو أنه لا أمل يرجى في إصلاحات أو حلول تكون قادرة على أن تتجاوز سوريا محنتها في ظل استمرار النظام باللجوء للخيارات العسكرية والأمنية التي لم تكن لتقف حائلا أمام تفجير الطابق الثالث من مبنى التلفزيون السوري في قلب العاصمة دمشق.

الشيء الآخر هو أن منصب رئيس الوزراء في سوريا – على ما يبدو – منصب شكلي بلا صلاحيات في ظل سيطرة مؤسسة الحزب الحاكم على كل المفاصل فيصبح حينها رئيس مجلس الوزراء مجرد موظف، وعادة ما يكون آخر من يعلم.

الشرق الاوسط

الخميس

سيناريو الانشقاقات

حامد الشريفي

بالامس كانت مجموعة من السفراء والعسكريين الكبار وعلى رأسهم مناف طلاس من الذين انضموا الى الثوار ضد النظام السوري الغاشم، واليوم ينضم فخامة رئيس الوزراء السوري بذاته، فيا ترى من سيكون غداً؟ وخاصة ما تناقلته وسائل الاعلام حول مفاجأه كبرى في الافق! فلم يبق اِلا اللهم الرئيس بشار الاسد نفسه، بذاته بقامته المديدة وعنقه المشرئب نحو امكارم الأخلاق التعسفية ؟ والسؤال الذين يحيرني هو: أين سيكون محط رحاله ؟ أفي الاردن؟ محال! نظراً لمواقفه المعروفة حيال الثورة السورية. أفي لبنان ؟ لا أظن ذلك، وأين؟ في لبنان ؟ في الضاحية وحياتها البسيطة؟ أم في الجنوب وقلة الخدمات ؟ أم يا تُرى هل يفكر في المنطقة الخضراء المصونة (العراق) ؟ هذا شيء مستبعد، وذلك لاسباب كثيرة، منها انعدام الأمن والخدمات، بالاضافه الى الذل الذي سيواجهه هناك، كون المالكي كان لاجئاً في ضيافتهم الكريمة الحاتمية لأكثر من عشرين عاما، وبواب الخليفة يمنعه من مقابلة الشبل البشاري ولامقابلة ابوه الأسد، بل حظي محسودا بمقابلة “ابو وائل” فقط، وما ادراك من هو أبو وائل؟ إنه موئل الفارين من الظالمين، رئيس جهاز المخابرات السوري والمسؤل عن تجنيد العراقيين، والذي ان اشفق على احدٍ منهم، تكرم بمنحه نصف ساعه من وقته الثمين. ولشهور عديدة يسهب كل من التقى بـ”ـأبو وائل” المغوار وغيره، في الحديث عن تلك النصف ساعة الرائعة وكأنها اسبوع السعد المبارك، وكيف أرتشف شاياً لذيذاً يتصاعد بخاره المعطر بالهيل وقدمه بيده الكريمة.

 بقي احتمال واحد لا ثاني له، ألا وهو احتمال إلتجائه الى ايران حاميته الكبرى! وهذا أمر وارد في الحسبان جداً، سوى بعض المصاعب والمتاعب التي ستواحه السيدة حرمه المثقفة ذات الوجه الصبوح من نظام الحجاب الصارم هناك، ولكنها على ما نظن ستعتاد عليه مع مرور الزمن والزمن كفيل بمداواة الجراح. هذا بالاضافه الى البروتوكولات الكثيرة هناك والتي عليهم الالتزام بها، مثل “دعاء الندبة” في الصباح الباكر من كل جمعة، و”دعاء السمات” في مساء الجمعة، و”دعاء كُميل” في مساء كل خميس، وصلاة الجمعة، وشهري محرم وصفر بالسبايا والحسينيات، ومناسبات الروزنامه الايرانية التي قد تصل الى مائه وثمانين يوما في السنة !! والمُطلعون على الحياة الغنية بالتقاليد في ايران يعرفون ذلك جيداً.

 ولعمري سوف لن يتمكن من تشنيف أذنيه القائمتين هناك بسماع أغاني الكفار الاجنبية التي يعشقها، بقدر ما سوف تقرع سمعه “مواعظ الاعتبار والتأنيب”، مثل:

 ١ – “يعز من يشاء ويذل من يشاء”،

٢- “يعطي الملك من يشاء ويأخذ الملك ممن يشاء”،

٣- “يهلك ملوكاً ويستخلف آخرين”

٤- “قاصم الجبارين”،

٥- “مدرك الهاربين”،

٦ – “الملك له وحده”

7- “دولة الظلم ساعة”. وحكم ومواعظ مشابهه لاحصر لها، سواء من القرآن الكريم الذي لم لم تكتحل عيناه بقرأه آياته المحكمات ولوم كل جبار عنيد، او كتب الادعية والمواعظ والاعتبار. و”لا يبقى سوى وجه ربك ذي الجلال”، “صدق الله العظيم”.

 لندن

ايلاف

الثلاثاء

ضربات قوية لنظام الأسد

عبد الباري عطوان

لا نعتقد ان الرئيس السوري بشار الاسد سينعم بنوم هادئ في الايام القليلة المقبلة بعد انشقاق رئيس وزرائه رياض حجاب وهروبه الى الاردن للانضمام الى رهط من المنشقين السياسيين والعسكريين، يتوزعون في عواصم عربية واجنبية عديدة ويشاركون المعارضة في التخطيط لاطاحة نظامه.

المتحدثون باسم النظام كانوا يتباهون، وحتى الامس القريب بان النظام قوي ومتماسك، بدليل مؤشرين اساسيين: الاول هو عدم حدوث انشقاقات كبرى في صفوف المؤسستين السياسية والعسكرية، والثاني استمرار العاصمتين السياسية (دمشق) والتجارية (حلب) في الولاء للنظام، ولكن توالي انشقاقات السفراء واخيرا رئيس الوزراء، ووصول هجمات الجيش السوري الحر وقوات المعارضة الى قلب المدينتين الكبريين، حرم هؤلاء المتحدثين من هاتين الورقتين الاساسيتين.

انشقاق الدكتور حجاب يختلف كثيرا عن كل الانشقاقات السابقة لسبب بسيط وهو ان الرجل جرى اختياره في منصبه الجديد بعد انتخابات برلمانية من المفترض ان تعكس اصلاحات سياسية تؤسس لمرحلة جديدة في سورية، وكأن الرئيس بشار يريد ان يقول للشعب السوري الموالي منه والمعارض، انه اختار رئيس وزراء مختلفا من حيث كونه من التكنوقراط نظيف اليد واللسان، يتمتع بخلفية عشائرية قوية (دير الزور) وشعبية كونها من خلال توليه مناصب عديدة كمحافظ للقنيطرة وبعدها اللاذقية، اي انه يؤرخ لمرحلة جديدة.

الدكتور حجاب كان اختيار الرئيس بشار نفسه وليس الاجهزة الامنية، ليكون الواجهة السياسية الجديدة والحضارية للنظام، ولكنها واجهة لم تعمر الا شهرين وانهارت بكاملها بانشقاقه.

انه اختراق كبير، اختراق مزدوج، سياسي وامني في الوقت نفسه، كشف عن اتساع الشروخ في الدائرة الضيقة للنظام، مثلما كشف عن اختراقات امنية اكبر من المفترض ان لا تتم بعد انشقاق حيتان عسكرية وسياسية كبيرة، مثل العميد مناف طلاس، والسفير نواف الفارس، واغتيال اربعة من ابرز اعضاء الخلية الامنية قبل اسبوعين، وهم وزير الدفاع ونائبه (صهر الرئيس) ورئيس الامن القومي وخلية الازمة.

‘ ‘ ‘

هذا الاختراق المزدوج الامني والسياسي ربما يكون ناجما عن اربعة امور رئيسية:

الاول: ان تكون المؤسسة الامنية قد ارهقت، وبالتالي ترهلت، وفقدت هيبتها وحماسها، ولم تعد قادرة على ممارسة دورها الترهيبي الذي عرفت به.

الثاني: انفضاض بعض العشائر والمخزون السياسي البعثي والمدني الذي كان يستند اليه النظام، وخاصة الطبقة الوسطى ومكوناتها الاقتصادية والاكاديمية والحزبية.

الثالث: نجاح خطاب المعارضة السياسي والدعائي المدعوم بآلة اعلامية فضائية جبارة في هز الثقة بالنظام من خلال الطرق المتواصل بقرب نهايته.

الرابع: الاغراءات الهائلة بالمناصب المستقبلية، وكثافة العمل الاستخباري الاجنبي، ووصول المعدات الامريكية التقنية المتقدمة في مجال الاتصالات خاصة (هواتف ذكية) يصعب رصدها او مراقبتها، الى اطراف في المعارضة سهلت عمليات الانشقاق هذه.

الامر المؤكد ان الخناق يضيق على نظام الرئيس الاسد وان الهجمة لاطاحته بدأت تعطي بعض ثمارها من حيث تقويضه من الداخل، وقصقصة اجنحته السياسية بالدرجة الاولى والعسكرية بالدرجة الثانية.

ولكننا قد نختلف مع التقويمات السابقة لاوانها، والامريكية خاصة، التي تعتبر انشقاق الدكتور حجاب كمؤشر على فقدان النظام سيطرته.

النظام السوري نظام عسكري امني بالدرجة الاولى، يستمد شرعيته ويدين بوجوده الى شراسة المؤسستين الامنية والعسكرية، بينما توفر المؤسسة السياسية غطاء شفافا وخفيفا للغاية ليس له اي قيمة. فحزب البعث كان مجرد ديكور هش ليس له اي علاقة بالحكم ومفاصله الرئيسية.

مجلس الوزراء كان وما زال عبارة عن ‘مجلس بلدي’ مكبر يتولى ادارة شؤون الخدمات، وتنفيذ الاملاءات الامنية والعسكرية. اما الوزارة الحقيقية الموازية التي تدير شؤون البلاد، وترسم السياسات الاقتصادية والامنية فموجودة في القصر الجمهوري ومؤسسته الامنية على وجه الخصوص.

وبهذا المعنى فان انشقاق وزير او سفير او حتى رئيس وزراء سيكون تأثيره معنويا ونفسيا، وان كان هذا التأثير بالغ الاهمية ولا يمكن، بل لا يجب التقليل من شأنه، فالحرب النفسية التي يتسيدها الاعلام حاليا هي نصف الحرب في مجملها ان لم يكن اكثر.

من المؤكد ان انشقاق الدكتور حجاب وبعد نجاحه في تأمين خروج سبعة من اخوته وشقيقتيه وعوائلهم جميعا الى الاردن، ودون علم النظام هو الضربة النفسية شبه القاضية للمؤسسة الامنية السورية، والغريب اننا لم نسمع مطلقا عن تشكيل لجنة تحقيق حول كيفية حدوث هذا الانشقاق، او الاطاحة برؤوس كبيرة في هذه المؤسسة. فاما ان يكون النظام اضعف من اجراء مثل هذا التحقيق، او انه يخشى تبعاته ويميل الى تجنب المزيد من الانشقاقات او حتى الانهيارات.

‘ ‘ ‘

سبحة الانشقاقات قد كرت، ليس هناك ادنى شك، وبات السؤال المطروح هو حول الشخصية او الشخصيات الاخرى التي ستظهر على الفضائيات معلنة انشقاقها، لكن الاختبار الحقيقي الذي يمكن من خلاله الحكم على قوة النظام او ضعفه هو معركة حلب، فنجاحه في استعادة الاحياء التي سيطرت عليها قوات الجيش السوري الحر سيحيل ملف الانشقاقات الى عالم النسيان، اما خسارته فتعني بدء العد العكسي والسريع لنهاية حكم الرئيس بشار الاسد.

النظام السوري سيحاول تعويض هذه الخسارة الكبرى من خلال التغول في القتال في حلب ومناطق اخرى في محاولة شرسة لاستعادة هيبته، او بالاحرى ما تبقى منها، وعلينا ان نتوقع، خسائر بشرية ضخمة في الايام المقبلة.

اما ما يمكن توقعه ايضا، فهو التخلي عن فكرة تولي بعض الواجهات السياسية غير الموثوقة مناصب هامة في الوزارة ورئاستها لتجنب انشقاقها في اسابيع او اشهر من توليها للمسؤولية الشكلية على اي حال.

الرئيس بشار الاسد يعيش حاليا وبعد هذه الاختراقات الامنية والسياسية المرعبة، ظروفا مشابهة لتلك التي كان يعيشها الرئيس العراقي صدام حسين بعد غزوه للكويت وقصف القوات الامريكية لعاصمته، فلم يعد يتحرك بثقة وعلانية، ولم يعد ينام في قصوره، ويتنقل من بيت الى آخر، فعندما تصل يد المخابرات الاجنبية الى خلية الازمة وتغتال اربعة من رؤوسها الاساسية، فان رأسه هو الذي بات مطلوبا، خاصة بعد ان اكدت الولايات المتحدة انها لن تكرر خطأها في العراق، وستعمل على الحفاظ على النظام وهياكله ومؤسساته، اي انها لن تمارس الاقصاء ضد البعثيين ولن تحل الجيش.

رأس الرئيس الاسد هو المطلوب الآن وربما رؤوس صغيرة حوله ايضا، وطالما بقي هذا الرأس مرفوعا فان الازمة في سورية ستستمر وقد تطول اكثر مما توقعه الكثيرون.

القدس العربي

الثلاثاء

انشقاق الرأس السياسي للأسد

سمير الحجاوي

تلقى بشار الأسد ثاني أقوى ضربة منذ اندلاع الثورة السورية قبل 18 شهرا، بعد تفجير مكتب الأمن القومي، بانشقاق رئيس الوزراء رياض حجاب، وذلك بعد اقتلاع الرأس الأمني للنظام بتفجير مكتب الأمن القومي والذي قتل فيه أربعة من قادة الأجهزة الأمنية الإجرامية. الرئيس المنشق ليس رجلا طارئا على نظام البعث، فهو ركن من أركانه، فقد ترأس فرع الاتحاد الوطني لطلبة سوريا بدير الزور منذ عام 1989 ولمدة عقد من الزمان، حتى تسلمه قيادة حزب البعث بدير الزور فأمينا لفرع الحزب هناك في السنوات العشر التالية، ثم محافظا للقنيطرة حتى عام 2011، فوزيرا للزراعة منذ أبريل العام الماضي وحتى تعيينه رئيسا للوزراء منذ 6 يونيو الماضي، وهذا يكشف أهمية رياض حجاب كجزء من الحلقات الضيقة للنظام المحيط ببشار الأسد والمقربين منه، مما يجعل منه كنزا إستراتيجيا للثورة السورية، فهو “نظريا على الأقل” الرجل الثاني في النظام السياسي وهو الرجل الأول في السلطة التنفيذية، وانشقاقه بهذه الطريقة العاصفة تعني هز أركان النظام بعمق وشدة، مما يؤشر على بداية الانهيار النهائي للنظام البعثي الإرهابي في سوريا، ودليل واضح على أن هذا النظام فقد كل الشرعية داخليا وخارجيا ويعيش في لحظاته الأخيرة. انشقاق الرأس السياسي لنظام الأسد يدشن ملامح المشهد الجديد على الساحة السورية، وبداية انتهاء الحقبة السوداء لعائلة الأسد ومخلوف وشاليش المسيطرة على سوريا منذ أكثر من أربعين عاما، وتحرير سوريا من عصابة الأسد التي تسلطت على البلاد والعباد ونهبت ثرواتها وأذلت شعبها، فانشقاق رجل بحجم رئيس الوزراء يعني وصول السكين إلى عنق الأسد، وفقدانه الغطاء الذي كان ينعم به لحكم عائلته، وهو تتويج لسلسلة من الانشقاقات الكبيرة بين ضباط الجيش السوري وعدد من الدبلوماسيين، فهذه الانشقاقات تظهر الوجه القبيح لنظام الأسد، وتعريه أمام الرأي العام الداخلي والعالمي

ففي الآونة الأخيرة انشق عن النظام رموز من الوزن الثقيل مثل العقيد يعرب محمد الشرع رئيس فرع المعلومات بالأمن السياسي في دمشق وهو ابن عم نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، مع شقيقه الملازم أول كنان محمد الشرع والعقيد ياسر الحاج علي من الفرع نفسه، وكذلك انشقاق العميد مناف طلاس نجل وزير الدفاع السوري الأسبق مصطفى طلاس ومحمد أحمد فارس أول رائد فضاء سوري. هذه الانشقاقات الكبيرة تعطي دفعة كبيرة للشعب السوري الثائر ولثوار الجيش السوري الحر الذين يقاتلون ببسالة ضد كتائب الأسد وشبيحته، وربما يشكل انشقاق رياض حجاب بداية القفز الجماعي من مركب الأسد الغارق، مما يطيح بحجج روسيا والصين وإيران الداعمة لنظام الأسد الدموي الفاقد للشرعية. سوريا دخلت مرحلة جديدة تحتاج إلى مقاربات أخرى تشجع الانشقاقات السياسية والعسكرية خاصة من كوادر حزب البعث، إلى جانب تسليح الجيش السوري الحر بأسلحة نوعية قادرة على حسم المعركة في وقت أقصر مما يحدث تغييرا نوعيا في مسار الثورة السورية يجبر الأسد على إدراك “أن اللعبة انتهت”، وأن لا خيار أمامه إلا التسليم، لأنه يخوض معركة سينتصر فيها الشعب السوري.

كما أن هذه “المرحلة الحرجة” تحتاج إلى شن حرب نفسية سياسية ضد الصين وروسيا لإقناعهما بضرورة الحد من خسائرهما في العالم العربي بسبب دعمهما لنظام يمارس الإجرام وينتهك حقوق الإنسان، وإنهما لا يستطيعان إنقاذه مهما بذلا من جهد ومهما أرسلا من سلاح ومال. تبقى المشكلة الحقيقة هي إيران التي ستحارب حتى آخر جندي في كتائب الأسد دفاعا عن طموحاتها الشيعية الفارسية للسيطرة على المنطقة ونشر أيديولوجيتها لتحقيق طموحاتها الإقليمية، وهذا يتطلب موقفا عربيا موحدا وقويا من إيران، وإفهامها أنها تخاطر بحرب مع كل العرب إذا واصلت دعمها للنظام العلوي البعثي الأسدي في دمشق.إضافة إلى المعضلة الإيرانية هناك مشكلة أخرى تحتاج إلى حل هي المعارضة السورية “التافهة” والمتشظية والمفككة، وعديمة الوزن الإستراتيجي، وهي معارضة تعاني من “الخراب” الذي لا يمكن إصلاحه، وهذا يتطلب التعامل المباشر مع الفاعلين الحقيقيين على الأرض، من الجيش الحر والتنسيقيات في المدن والقرى السورية التي تقاتل الآلة الإجرامية لنظام الأسد الإرهابي بأسنانها. المعركة في سوريا دخلت مرحلة الحسم، مما يتطلب حيوية وسرعة في الحركة لدعم الشعب السوري والثوار بشكل إستراتيجي يعجل بسقوط الأسد وعصابته الإجرامية

الشرق القطرية

الثلاثاء

سورية.. يا فضيحتنا بين الثورات !

  أحمد ابوخليل

 يوم أمس، في الأردن كما في غيره، ومع خبر انشقاق رئيس الوزراء السوري، انقسم الناس في مشاعرهم إلى فريقين: الأول يضم مبتهجين بالحدث والثاني يضم قلقين من الحدث نفسه.

المبتهجون أصناف وهم يتراوحون بين مجرد كارهين للنظام السوري وبين مَن يرى فيما يجري ثورة شعبية تهدف إلى التغيير. وبالمقابل، القلقون كذلك أصناف، ويتراوحون بدورهم بين مجرد محبين للنظام وبين مَن لا يرى فيما يجري ثورة بل عدواناً على سورية الدولة والحضارة والدور والتاريخ والشعب.

إن مشاعر مجموعة الكارهين فقط والمحبين فقط، تعالج في مواقع أخرى بعيدة عن السياسة والثقافة وبناء الدول والمجتمعات وبالأساس بعيداً عن الثورات، والأفضل هنا أن نناقش أموراً أخرى.

دعونا نسأل مثلاً: هل سيشكل سقوط النظام (لو حصل) دليلاً كافياً على أن ما يجرى أمامنا هو ثورة؟ لنتأمل جيداً المكونات المؤثرة والفاعلة في هذا الطيف الواسع الذي يطلق على نفسه تسمية “ثورة” و”ثوار”، أقصد المؤثرة والفاعلة في المال والسلاح والإعلام والقرار السياسي. هل يعقل أن يكون هؤلاء هم قادة التغيير والثورة الحقيقية في بلد مثل سورية؟ وأي صباح ذلك الذي قد تجعلنا “الثورة” الناجحة نستيقظ فيه على مشايخ الخليج وقد دخلوا الشام “فاتحين”؟

أعرف أن القراء يفضلون أن يعبر الكاتب عن موقفه بكلمات واضحة، ولهذا قد يصنفون مقالي في سياق الكلام المموه، واستجابة لرغبة القراء المفترضة أقول أنني لا أتمنى النجاح لهذا الذي يسمونه “ثورة”، وهي إذا نجحت فإن نجاحها حتى لو كان باهراً، لن يجعل منها ثورة .

العرب اليوم

الثلاثاء

الخائفون في دمشق؟

علي إبراهيم

عندما ينشق رئيس حكومة نظام ما بعد تقريبا شهرين من تعيينه وتتسرب معلومات عن أنه كان يتفاوض منذ فترة قد تكون سبقت حتى قرار تعيينه، على الهروب من البلاد – يصبح السؤال مستحقا عما تبقى من النظام، ومن الذي يديره في الوقت الذي تتصاعد وتيرة الانشقاقات بين أركانه وكبار مسؤوليه، وكذلك عن حجم الاختراق الموجود داخله الذي لا يقتصر على الانشقاقات ولكن على الوصول حتى إلى أهم معاقله الأمنية، مثل ذلك التفجير الذي حدث قبل أسابيع وقتل فيه أركان القيادات الأمنية.

منذ بداية الانتفاضة في سوريا واللجوء إلى الحل الأمني في مواجهة مظاهرات كانت سلمية في البداية، كان يطرح السؤال في مواجهة عبثية هذا الحل الذي يدرك أي عاقل أنه يقود إلى طريق مسدود: من صاحب القرار، وهل الأسد نفسه هو صاحب القرار أم هو رهنية آخرين؟ وثبت مع مرور الأيام والتطورات الدامية في سوريا، والتسريبات من هنا وهناك أنه المسؤول الأول، وأن دائرة ضيقة موثوقا بها وتربطها مصالح مشتركة ربما عائلية هي التي تدير الأزمة، بينما ينفض الجميع من حولها ويقفزون من السفينة التي توشك على الغرق.

وربما يكون أدق تعبير عن انشقاق رئيس الحكومة السورية ومعه وزيران وقيادات عسكرية – هو الذي أطلقه وزير خارجية ألمانيا أمس عن أن النظام يتأكل بسرعة، وليس معروفا ما إذا كانت هناك بوادر انشقاقات أخرى بين مسؤولين رفيعين مثل وزير الدفاع كما تردد، لكن مسار الأحداث يشير إلى أنه ربما هناك كثيرون يرغبون في القفز من السفينة من داخل النظام وينتظرون اللحظة أو الظروف المناسبة، وقد يكون ذلك مرتبطا بتأمين عائلاتهم، فالملاحظ أن كثيرين من المنشقين لا يفعلون ذلك إلا بعد تأمين عائلاتهم والخروج معهم خوفا من بطش النظام الذي يقال إنه يبطش بعائلات الذين ينقلبون عليه.

المحير أن المجموعة الضيقة التي تدير النظام حاليا، وعلى رأسها الرئيس الأسد نفسه، يبدو أنها مصابة بما يشبه العمى عن رؤية حقيقة أن السفينة تغرق بهم، وأنه مع تصاعد وتيرة الانشقاقات بين كبار المسؤولين التنفيذيين والقيادات العسكرية وخروج أجزاء كبيرة من الأراضي السورية عن سيطرتهم – فإن النظام دخل مرحلة أشبه بالمرحلة الأخيرة للقذافي في ليبيا. وقد تكون حالة ما تبقى من النظام في سوريا مختلفة عن القذافي من حيث وجود داعمين خارجيين إقليميين ودوليين، لكن حتى هؤلاء سيتخلون عنهم في مرحلة ما أو يساومون عليه عندما يشعرون بأنه لم تعد هناك فائدة.

المؤكد الآن أن هذه المجموعة الضيقة تتأكل يوميا لتصبح أضيق من ذي قبل يوما بعد يوم، والمرجح أن هناك الكثير من الخائفين في دمشق الذين يريدون أو يستعدون للقفز من السفينة بشرط تأمين أنفسهم، وهؤلاء يجب تشجيعهم على التخلي عن النظام في أسرع وقت، فلن يجدي القفز بعد أن تغرق السفينة، ولم يعد هناك ما يمكن الدفاع عنه بعدما لاحت علامات الانهيار، وقد تخطى النظام أو أصحاب القرار الحقيقي نقطة العودة بعد كل هذا الدم، والأوقع تركهم لمصيرهم بدلا من الارتباط بهم.

الشرق  الأوسط

تفتّت النظام الأمني الأسدي “بداية لبناء نظام جديد

أسعد حيدر

تتسارع وتيرة تفتت النظام الأسدي. بعد تفجير دمشق ومقتل آصف شوكت والآخرين، انشق رئيس الوزراء رياض حجاب، ونجح بالهرب إلى الأردن مع عائلته. قبل 24 ساعة اختطف الإيرانيون على طريق المطار في دمشق. هذه العملية لا تقل أهمية عن باقي العمليات، لأن طريق مطار دمشق مفصل أمني حساس على مستوى سوريا وليس دمشق، كون النظام الأسدي نظاماً أمنياً مئة في المئة، فإن هذه النجاحات تؤكد تفتته. منذ الآن ستتسارع العمليات التي تؤكد أن قبضة النظام الحديدية قد ضعفت.

رئيس الوزراء رياض حجاب أعلن انشقاقه عن “نظام القتل والارهاب”، وهو خطط لهذا الانشقاق منذ اليوم الأول لتسلمه رئاسة الوزراء التي لا يملك التصرف فيها إلى درجة تغييبه الكامل عن السياسة في سوريا. هذا هو الإصلاح الذي أراد الرئيس بشار الأسد تنفيذه، فبقي الحال على حاله. بشار الأسد ولا أحد. رجب اختصر في بيانه الوضع بقوله: “ليس هذا نهاية النظام انما بداية نظام جديد”. ما يؤكد أيضاً أن الانشقاقات ستتوالى بغزارة تأكيد بيان حجاب “أن كل الوزراء يريدون ان ينشقوا لكن المسدس في رؤوسهم”، يستطيع مثل هكذا نظام أن يطيل عمره أشهراً لكن من المؤكد ليس إلى الأبد. وضع المسدس في رؤوس المسؤولين يضمن بقاءهم أسرى للخوف، لكن لا يمنع طلبهم للحرية.

قصف دير الزور بوحشية أثار رياض حجاب خصوصاً وأنه أحد أبناء عشيرة “السخنة”، أيضاً أهل حلب وهم حوالى خمسة ملايين نسمة الذين حيدوا أنفسهم وأموالهم ومتاجرهم عن الثورة، وجدوا أنفسهم أمام فوهة البندقية، لا يمكن للحلبيين مهما كان وطنهم في جيوبهم أن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام تدمير مدينتهم بطريقة مدروسة. أمام نظام يفاخر بأن القصف المستمر منذ أكثر من عشرة أيام هو “مقبلات” بانتظار “الوجبة الرئيسية”، لا يدع لأحد مجال الوقوف على الحياد، انخراط أهل حلب ولو متأخرين جداً في الثورة ينزع من الأسد الورقة الأخيرة من يده والتي كان يفاخر بها من أن سنّة حلب وتجارها وصناعييها تحديداً معه ومع نظامه مثلهم مثل سنّة دمشق وتجارها.

الرئيس بشار الأسد يثبت يوماً بعد يوم، أنه أكبر مصدر للارهاب في المنطقة، لقد سبق له أن قذف كرة الارهاب النارية إلى أحضان العراقيين باسم المقاومة فقتلت من المدنيين الآلاف ولم يصيبوا أميركياً إلا بالخطأ، الآن يعود الذين “صدّرهم” في حركة هجرة مضادة من العراق إلى سوريا.

أيضاً قام الأسد بتسليم المنطقة الكردية كلها المحاذية لتركيا للفرع السوري من حزب العمال الكردستاني. الأسد غير معني بوحدة سوريا. المهم أنه قذف بكرة النار إلى أحضان تركيا ورئيس الوزراء طيب رجب أردوغان. أخيراً ما كان يقال إن “فتح الإسلام” صناعة سورية مئة في المئة، يتأكد اليوم أكثر من السابق، وصول أسامة الشهابي ورفاقه إلى مخيم عين الحلوة يؤكد ذلك. بهذه العودة لقادة من “فتح الإسلام” إلى لبنان يوجه النظام الأسدي رسالة نارية للبنانيين مختصرها إشعال حرب مخيمات جديدة. بهذه العملية يعاقب الفلسطينيين من حماس وفتح لانهم لم يقفوا معه في عمليات القتل والتدمير، وفي الوقت نفسه يدفع باتجاه تفجير لبنان وإحراقه. منطق “عليّ وعلى أعدائي” يتحكم بكل تصرفات الأسد.

مهما يكن، كل هذه السياسة الارهابية للنظام الأسدي لم تعد تخيف أحدا، بالعكس ستسرع التفاهمات الإقليمية والدولية لاقتلاعه وتسريع عملية بناء نظام جديد في سوريا.

تركيا ستنخرط أكثر فأكثر في كل العمليات المؤدية إلى إسقاط النظام، لدى تركيا التحالفات والوسائل الكافية لجعل الأسد يدفع ثمن محاولته إشعال الحدود معها.

أيضاً الولايات المتحدة الأميركية التي كانت مترددة أو الأصح غير مستعجلة تبدو وكأنها قد سرعت خطواتها للمساهمة في توجيه ضربات قاتلة للنظام الأسد، بعد قرار الرئيس باراك أوباما السري بالمساهمة في دعم المعارضة السورية، سمح ترخيص صادر عن وزارة المالية الأميركية لمجموعة الدعم السوري بجمع التبرعات للمعارضة المسلحة، أيضاً الأردن الذي يراعي دائماً طبيعة علاقاته الحساسة مع سوريا، يخرج تدريجياً من قيوده ويتقدم في دعمه للمعارضة السورية وبطبيعة الحال فإن الدعم العربي خصوصاً السعودي القطري يتصاعد يومياً على جميع الأطر والمستويات والساحات.

حتى روسيا بدأت تشعر بأنها خسرت المعركة في سوريا، كل ما تستطيع ان تفعله هو تخفيف منسوب خسائرها. كلما أسرعت في ذلك بالاتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية كان ذلك أفضل، مشكلة موسكو أن عليها أن تقرر قبل أن تعبر الجسر بسرعة أم تستمر في تصلبها فينهار الجسر ومعها كل طموحاتها في المنطقة وليس سوريا فقط.

لم يعد من الممكن العودة إلى الوراء كل ما يجري الآن، له هدف واحد هو التحضير لمرحلة ما بعد الأسد.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى