صفحات العالم

مسؤولية الغرب عن دماء السوريين

 

الياس حرفوش

عن حق أعلنت المعارضة السورية خيبة أملها من المواقف الغربية التي تتفرج على مأساة الشعب السوري ولا تفعل سوى توجيه النصائح: مرة بضرورة فك الارتباط مع المتطرفين والإرهابيين، ومرة أخرى بضرورة الحفاظ على وحدة الدولة والشعب السوري، أو بضرورة إعلان الالتزام بالأسس والقواعد الديموقراطية للحكم بعد سقوط نظام بشار الأسد.

والحقيقة أن هذه الذرائع الغربية، التي أصبحت نتيجتها العملية هي التلكؤ عن المساعدة العسكرية لمقاتلي المعارضة، باتت ورقة في يد النظام، يستفيد منها ليستمر في عملية القتل، وهو مطمئن إلى أن اكثر ما سيصدر عن عواصم الغرب لن يتجاوز بيان إدانة، ولن يصل حتى إلى مستوى قرار في مجلس الأمن، في ظل الغطاء الروسي – الصيني المتوافر لنظام دمشق هناك.

يجب أن تدرك العواصم الغربية أن موقفها المتفرج على ما يصيب الشعب السوري هو الذي سيدفع فئات واسعة من هذا الشعب إلى الاستنجاد بـ «الإرهاب» كشيطان لا بد منه، في سبيل حماية أطفال سورية ونسائها من الهجوم المروع الذي يشنه نظامهم على مدنهم وقراهم وبيوتهم. وهذا فعلاً ما حصل، وما أدى إلى تقدم «جبهة النصرة» على جبهات القتال، وما يمكن أن يتبعها من «جبهات نصرة» أخرى، أشد خطراً وأكثر تطرفاً، ما سوف يهدد وحدة المجتمع السوري ويقضي على الحد الأدنى من قبول الطوائف لبعضها بعضاً، الذي كان معروفاً عن هذا المجتمع. كما انه بالذات ما سيهدد إمكان الالتزام بالقيم الديموقراطية في سورية، التي يدعو إليها الغرب بعد سقوط الأسد.

اكثر من ذلك. فالصورة التي يريد الغرب أن يقدمها عن نفسه، من خلال مواقفه المناهضة لأنظمة الحكم التوتاليتارية والدكتاتورية، ومن خلال استعداده للتخلي عن حماية الأنظمة الحليفة التي سقطت بفعل انتفاضات العامين الماضيين، هذه الصورة لا تستقيم مع التردد والتأرجح الذي نشهده اليوم حيال اتخاذ موقف واضح من ضرورة سقوط النظام السوري رحمة بشعبه. إذ لم نشهد هذا التردد، لا حيال نظام حسني مبارك ولا زين العابدين بن علي. ولم يتردد الغرب عسكرياً في دعم الليبيين، عندما واجهوا آلة قمع القذافي الذي وصفهم بـ «الجرذان». فلماذا التردد اليوم بعد مضي سنتين على انتفاضة السوريين على بشار الأسد، التي أدت إلى الآن إلى قتل 70 ألف شخص على الأقل من خيرة أبنائهم؟

لا شك في أن صورة الغرب سيئة في عالمنا العربي وبين المسلمين حول العالم بما فيه الكفاية. فهذا الغرب الذي يتغاضى عن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين، منذ عقود، يحتاج إلى اكثر من براءة ذمة لإثبات صدقه حيال دعم قضايا العدالة وحق الشعوب في الحرية. ويزيد من بشاعة صورة الغرب هذه ما يقال من أن التردد حيال دعم إسقاط النظام السوري يعود، من بين أسباب أخرى، إلى تخوف إسرائيل من البديل الذي يمكن أن يقوم في دمشق لنظام لم يقلق حدودها الشمالية الشرقية طوال أربعين سنة.

لقد عانى اللبنانيون طويلاً من سكوت الغرب المزمن عما ارتكبه النظام السوري في بلدهم، من قتل وتهجير وتفكيك لبنية المجتمع اللبناني الطائفية والاقتصادية، وتدخل مباشر في أدق تفاصيل حياته السياسية. وعانوا طويلاً كذلك من اعتبار بلدهم «ورقة» في صفقة المقايضة المعيبة بين دمشق وعواصم الغرب على حسابهم. فهل جاء الآن دور السوريين ليدفعوا ثمن هذه الصفقة أيضاً؟

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى