صفحات الثقافة

الانتقامُ بالتسامح

دارا عبدالله

إلى أكرم قطريب

«مكتبة الأسد»

التئامُ شقِّ السيف واستقامة تقوُّسهِ شرطٌ لغرسهِ أمام دار الأوبرا في «ساحة الأمويين»، انظرْ إلى يسارك وتأمَّل الشبَّاك، تبدو الكتب مصطفَّةً على الرفّ بحذرٍ مثل جنودٍ في «الفرقة الرابعة»، الحريَّة لتلك الكُتب المسجونة في «مكتبة الأسد».

«بحيرة الأسد»

حالة وحيدةٌ تتمنَّى فيها الخليقة أن تصبح فريسة، الأسماكُ التي تعيش في «بحيرة الأسد»؟

رفعت الأسد

عندما سألهُ المذيع عن عدد الضحايا في مجزرة حماة، أغمض عينَيه ورفع رأسه واستغرقَ في التفكير، كأنَّه يحصي عدد الطيور في سربٍ رآه في الحلم، لم يكنْ متأكِّداً بالضبط من الرقم، ولكنَّه بين 30 ألفاً و40 ألفاً، ليس 32 ألفاً ولا 33 ألفاً ولا 34 ألفاً… إلخ.

إبقاءُ العددِ غير محدَّد، هو في العمق استفهامٌ عن هُويَّة المرتكِب. العدد الأكيد تشخيصٌ نهائيٌّ لملامح القاتل.

«كلّية الأسد»

في كلّية الطب في جامعة دمشق، ثمَّة فرعٌ لـ«حزب البعث» في بناء المخابر، الشعب أكبر مُختبر لـ«البعث»، الضبَّاط بثيابهم العسكريَّة إلى جانب الطلَّاب بمراييلهم البيضاء، وما المانع أليس «الطبيب الأوَّل» هو «القائد العام للجيش والقوات المسلّحة»؟! صورة حافظ الأسد المعلَّقة تتلذَّذ بسماعِ حشرجات الضفادع في جلسات التشريح.

 دهشة المفاجأة

القَدَرُ الذي ينتظركَ، هل يعرفُ أنَّه ينتظركَ؟ إنْ لم يكن يعرف؟ فهو ضحيَّة صدفةٍ أكثر بؤساً منك. قدِّسِ الجهلَ؛ العارف بالغيب يفقدُ دهشة المفاجأة.

«أغلب»

الاستثناءُ الغامض لتلك القلَّة في عباراتٍ مثل «أغلب الكُرد انفصاليّون» – «أغلب العلويين مع النظام» غيرُ مفهومٍ، تحايلٌ ربَّما على سذاجة التعميم. كلُّ شخصٍ يشعرُ أنّه «الناجي» الوحيد المقصود.

كلمة «أغلب» سندُ الرغبة الخفيَّة في خوض حرب أهليَّة.

الأمل بالموت

تلكَ الآمال المعقودة على الموت، تثيرُ لديَّ فضولاً بمعرفة الشعب الذي سيبدأ عند نهاية الشعب السوري.

طيّار

الطيَّارُ يرى البشرَ نملاً ينغلون حول بئرٍ، البئرُ فجوةٌ تُفضي إلى الموت.

دعم خارجي

كلُّ الأطراف في سوريا أجزاءٌ من أجسادٍ خارج سوريا، لم يعد «الحلُّ» في دمشق، متروكٌ للسوريين ما يُترَكُ للأدوات، والمساحة المتوافرة هي تهريجٌ مضحكٌ على وتر «الحوار الوطني»، والحوار الحقيقي ليس إلّا بين ممثلين للمتفاوضين بالدم السوري. لم يشهد انهيارُ بلدٍ وبشر مثل هذا «الدعم» في التاريخ.

الانتقام بالتسامح

أبشعُ انتقامٍ تقومُ به الضحيَّة بعدَ الانتصار، ألَّا تعطي الجلَّاد شرفَ أن يكونَ ضحيَّة.

مُنافسة

قاتلان يتنافسان على الضحيَّة ذاتها، يفوزُ مَن شعورهُ بالذنْب أقل.

جنود

الصوتُ يرعبُ أكثر من الفعل، أكثر الجنود شجاعة أقلّهم تأثُّراً بالصوت.

فوارق ثقافية

الحافلة كلّها نظرت إليَّ بتقزُّزٍ وريبةٍ بعد دعسي بدون قصدٍ على ذنب كلبٍ، سأضطرُّ أن أدفع فاتورة الاختلاف بين الثقافات. الدعس على ذنب كلب في ألمانيا، كإشعال سيجارةٍ بفحمة الأركيلة في دمشق، كالتحرُّش الجنسي في أفغانستان، وكشتم الرئيس في فرع «المخابرات الجوية».

بزوريَّة

إنَّها دولة «عُظمى» ولكنَّها لا تحتوي على «بزوريَّة»، مدنٌ بدون «بزوريَّة» مدنٌ بلا رائحة.

اللغة

منذُ البدء كانَ الصوتُ مادَّة اللغة، يتمايزُ الصوت الخام بتدرُّج تاريخي بطيء إلى الحرف المنطوق المُشخَّص. في بلاد العجم حيث أنتَ جاهلٌ باللغة، عليكَ بالنكوصِ إلى الصوت الخام، اللغة الكونية المشتركة، أم اللغات جميعاً. مثلاً: «ولاه» نطقٌ صوتي مخابراتي سيفيدك في نداء أصغر عنصرٍ من قبيلة إفريقية مهملة إلى أهمِّ موظَّف في شركة «مايكروسفت».

«سِيْدي»

تشويشٌ في وصف الشعور بالضَّبط إزاءَ المكان الجديد، صعبٌ تفهُّم الانتقال فجأةً من دمشق حيث العسكرةُ نالت من القطط، إلى ألمانيا حيث حقوق المثليين أرَّقت المشرِّعين. البارحة اقترب منّي رجلُ شرطة، باغتتني المصافحة وراقبت تلعثمي عندما قلت له: «سِيْدي».

تحريرٌ من الخارج

الحدثُ السوريّ من أوروبا أشبه بمباراة كرة قدم، المعارك بين الجيش الحر والجيش النظامي من شاشات البلازما في محطَّات القطار الفخمة، تبدو كأنَّها لعبة «بلاي ستايشن»، دقة الشاشات تُجمِّل الفجيعة، تتلاشى فجأةً كلُّ التعقيدات. الانحيازُ يصبح حماسةً، والتشجيع يزيحُ التحليل. على الأريكة المريحة وأنتَ تشرب البيرا اللذيذة الطازجة، ما المانع إذا طلبتَ «تحرير دمشق» مثلاً، أو تحدَّثتَ عن دماء الشهداء بحزنٍ دامغٍ عند ضرب مؤخرة الكأس على حافة الطاولة؟

أنقذوا العُري

هنا في ألمانيا أنا أتمرَّن في نادي مُختلط، اليوم في غرفة تغيير الملابس تعرَّت فتاة بشكل كامل أمامي، كانت متعجِّبة من «بحلقة» عيوني الجائعة، نظراتي كانت قريبةً من نظرات العمال السوريين في لبنان إلى فتيات «التيار الوطني الحر»، شبق منهك يتطاير منها، سألتني إن كان جسدها جميلاً؟ قلت لها: «yes»، ابتسمت بلطفٍ وأدارت ظهرها، دقائق وأصبح عريها بحكم العادة، خفتُ من تعوُّد عيني على عريها، أنقذوا العري يا شباب، العري الكامل المحض هو نقيضُ النقاب الكالح، كلامها يفقد لذَّة التلصُّص، أليس الأبيضُ هو المكافئ المعاكس للأسود؟!

«الغاوون»، العدد 55، 1 أيار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى