صفحات الناس

لاجئون سوريون في سلوفينيا: هل بدأ التّرحيل؟/ سعيد خطيبي

 

 

أحمد الشّامي (47 سنة) لاجئ سوري، في ليوبليانا، صار، في الأيّام الماضية، أشهر لاجئ في سلوفينيا، فقد وصلت قضيته إلى البرلمان، وتدخّل رئيس الوزراء ميروسلاف سيرار ـ في سابقة هي الأوّلى من نوعها ـ لحمايته من التّرحيل، وتوفير إطار قانوني استثنائي له، للبقاء في سلوفينيا.

حين بدأت الأحداث في سوريا(2011) كان أحمد الشّامي يُقيم في مدينة منشأه داريا، يعمل حلاقاً، ويعيش مع زوجته وأبنائه: أربع بنات وابن. لكن الأمر لن يطول، بسبب تردي الوضع الأمني، سيضطر للنّزوح إلى بلدة قدسيّة، ثم إلى دمشق، مع عائلته، ويترك خلفه بيته وشغله، ثم، بعد فترة قصيرة، سيبدأ في التّفكير، على غرار ابنه وابنته، في الهجرة إلى الخارج. آب/أغسطس 2015 سيشرع أحمد في رحلة قاسية إلى أوروبا، بدءاً من تركيا، وصولا إلى اليونان. «وصلت إلى اليونان في قارب صغير. استقلبونا كلاجئين. تجمّعنا، في وقت لاحق، وكنّا حوالي ألف لاجئ. لم تعترض الشّرطة طريقنا. ثم واصلنا التّقدم، نحو الحدود الغربية» يقول. مع الوقت، كان «الألف لاجئ» الذين عبروا اليونان ينقص عددهم. «كنّا نقطع الحدود في الحافلات تارة، وتارة أخرى مشياً على الأقدام» يضيف. قطع أحمد أربع دول، وصل إلى صربيا ـ التي كانت عتبته الأولى صوب دول الاتّحاد الأوروبي الغربية- ثم كرواتيا، ليصل، العام الماضي، في شباط/فبراير2016 إلى سلوفينيا، لأوّل مرّة، طلب فيها اللجوء، لكنه لم يستقرّ فيها، فقد واصل الطّريق إلى النّمسا، وهناك ستبدأ المتاعب.

«في النّمسا، وظّفت الشّرطة مترجماً عربياً، كان وسيطاً بين اللاجئين والأمن. لم يكن ينقل كلامنا بأمانة. لست أعرف ماذا قال لهم، مما اضطرهم لدفعي إلى التّراجع إلى سلوفينيا» يُخبرنا. في سلوفينيا، سيجد الشّرطة ـ مجدداً ـ في استقباله، ينقل في الأيّام الأولى للسّجن، ثم يوقّع على ملف اللجوء ثانيّة. في ذلك الوقت، كان ابنه ما يزال عالقاً في تركيا، وابنته قد وصلت إلى ألمانيا، ثم تزوّجت، وبناته الثّلاث الأخريات وزوجته في دمشق. هكذا صارت عائلة أحمد الشّامي مقسّمة بين ثلاث دول، في شتات مستديم. وهو ربّ العائلة بلا أفق ولا يعرف أي بلد سيقبله. مشاكل أحمد لم تتوقّف هنا، فقبل عام تحديدا، وبعد ثمانية أشهر من المنفى، وصل رفض بقبول اللجوء في سلوفينيا، قدّم طعناً، ورُفض، ثم قدّم طعناً ثانيا، وصل إلى المحكمة الأوروبية في لوكسمبورغ، لاقى الردّ نفسه، وقبل أيام قليلة، كان قد صدر أمر بترحيله، إلى كرواتيا، حيث كان يجب ـ حسب المحكمة ـ أن يطلب اللجوء، «تمهيداً لإعادته من حيث آتى» حسب ما يقول البعض.

كان القرار يقضي أن تقوم الشّرطة، بدءاً من الخامسة صباحاً، باعتقاله، ثم نقله إلى الحدود الشّرقية من البلد، لكن حركة احتجاجية واسعة، تشكّلت، في السّاعات الأولى، التي تلت صدور القرار، وتجمّع عدد من النّاشطين الحقوقيين، من مدنيين، وصحافيين، أمام مركز اللاجئين، ومنعوا الشّرطة من اعتقال أحمد الشّامي، ثم تطوّرت الحركة، ونشطت في مواقع التّواصل الاجتماعي، ووصلت في اليوم نفسه إلى البرلمان، وصارت قضية أحمد الشّامي قضية رأي عام في سلوفينيا، مــا دفع برئـــيـــس الوزراء شخصياً للتّدخل، وحماية أحمد. حيث ذكـــرت رئاسة الوزراء في بيـــان لها أنها ستــفــكّر في حلّ استثنائي، وفــي إيـجــاد طــريقة تمكّن أحمد الشّامي من الحصول على إقامة مؤقتة، إلى غاية النّظر في قضيته وحلّها.

«رئيس الوزراء يقول أنني سأعيش هنا» يقول أحمد الشّامي. «لحدّ السّاعة لا توجد أشياء ملموسة، هي وعود، لكنني أنتظر» يُواصل. التقينا أحمد الشّامي، الأسبوع الماضي، مباشرة عقب صدور قرار بترحيله، في مركز «روغ»(وهي جمعية غير حكومية تهتمّ برعاية اللاجئين) وسط ليوبليانا، حيث يتجمّع ـ يومياً ـ عدد من اللاجئين، من سوريين وعراقيين وآريتيريين وغيرهم. كان بصدد أكل وجبة باردة، وهو يصرّح: «لا أريد العودة إلى سوريا! ماذا سأفعل هناك؟ الحرب خرّبت البلد، حتى وإن انتهت الحرب غداً، سيلزم سنوات طويلة لإعادة البناء. حياتي الآن في سلوفينيا وأوّد الاستقرار هنا». تعلّم أحمد الكلام ـ قليلاً ـ بالسلوفينية، وصار يتعامل بها. يحمل معه، أينما ذهب، حقيبة يد فيها أدوات الحلاقة، ويعمل حلاقاً في أمكنة مغلقة أو مفتوحة، كمتطوّع أو بأجرة. «لقد استطاع أحمد الشّامي أن يظهر سلوكا حسنا ويندمج في المجتمع» قال رئيس الوزراء السلوفيني. قضيته أعادت النّقاش مجدداً، في سلوفينيا، حول وضع اللاجئين، وحرّكت حملة تعاطف واسعة معه. وبعدما كانت الحكومة تتوجّس، في وقت سابق، من موضوع اللاجئين، تجنباً لإثارة ردود اليمينيين، ها هي ـ لأوّل مرّة ـ تتدخّل لصالح لاجئ، مع العلم أن حالة أحمد الشّامي ليست سوى الشّجرة التي تغطي الغابة، فقد تمّت، في الأسابيع الماضية، عمليات ترحيل، وقد وجد بعض اللاجئين العراقيين أنفسهم أيضاً يُرحّلون ـ عنوة ـ من النّمسا إلى كرواتيا، هذه الأخيرة التي تفـرض شــروطاً جدّ قاسية للموافقة على اللجوء فيها.

منذ 2015، تعرف دولة سلوفينيا (2 مليون نسمة) توافداً للاجئين، هي في الغالب ليست أرض استقرار بالنّسبة لهم، لكنها مركز عبور. حسب إحصائيات رسمية، أكثر من 500 ألف لاجئ عبروا البلد، في سنة واحدة، في رحتلهم صوب ألمانيا أو واحدة من الدّول الاسكندنافية. الحكومة تفرض عليهم التوّقيع على طلبات اللجوء، بمجرد وصولهم إليها، لدراستها وقبولها أو رفضها، والمجتمع السلوفيني، من الدّاخل، ما يزال منقسما إزاء هذا الموضوع، فقد نشطت، في الفترة الماضية، حركات احتجاجية، في ليوبليانا وباقي مدن البلد، بين مُساند ومُعارض لمساعدة اللاجئين. غالبية المعارضين للاجئين في سلوفينيا يبنون أحكامهم من نظرة شمولية، تفيد أن اللاجئين لا يمتلكون مؤهلات مهنية ولا شهادات، ولا قدرة لهم على الاندماج في سوق العمل، بينما يردّ عليهم الدّاعمون للاجئين، كلّ مرّة، بتقديم نماذج من لاجئين، نجحوا في إيجاد مكان لهم في سوق العمل في البلد. في الوقت الحالي، يستمر الوضع على حاله، تواصل الحكومة تقديم بعض المساعدات للاجئين، لكن صورتهم الاجتماعية، في أذهان النّاس العاديين، تحتاج جهداً طويلاً لتغييرها.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى