صفحات الناس

ما بعد الثورة.. حكاية ناشط سوري اختار “الحلم الأوروبي”

 

 

كان أحمد قادر (اسم مستعار)، الذي يبلغ من العمر 31 عاماً، قد عمل مع منظمة “أطباء بلا حدود” في سورية، قبل أن يضطر إلى مغادرة البلاد بعد تلقيه تهديدات بالقتل، لينضم إلى قوافل اللاجئين التي تصبو للوصول إلى برّ الأمان عبر البحر الأبيض المتوسط. وصل إلى هولندا بعد رحلة طويلة وشاقة، وقد خصّ “العربي الجديد” بتجربته هذه، بالإضافة إلى حلمه بمستقبل أفضل.

في سورية، شهد تدهور الوضع من سيئ إلى أسوأ، ولم يبد أن هناك نهاية لما يجري. “بدأت الثورة بشكل سلمي عام 2011 وكانت تحمل أفكاراً جديدة، لكنها سرعان ما تحولت إلى نزاع عنيف. أدت الفوضى إلى ظهور جماعات متمردة عدة، كان أبرزها ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي سيطر على أجزاء واسعة من البلاد، بما فيها الرقة (شمال البلاد)، وهي مسقط رأسي”.

يتابع أنه انضم إلى منظمة “أطباء بلا حدود” عام 2014، وعمل بداية كمساعد إداري في الرقة، ثم أصبح مساعد منسق مشروع، وساهم في إطلاق مشروع جديد في تل أبيض. لكن تقديم المساعدات صار أكثر صعوبة مع استمرار الحرب وسيطرة الدولة الإسلامية على مزيد من المناطق. “صُدمت كثيراً وأنا أرى أشخاصاً أعرفهم ينضمون إلى هذا التنظيم، كما أن أحد قادة المنطقة كان من جيران عائلتي، وقد عشناً معاً نحو عشرين عاماً. أما الآن، فعلينا التفاوض معه ليسمح لنا بالقيام بعملنا الإغاثي”.

نجح هذا الأمر لبعض الوقت. لكن موقف “داعش” من منظمة أطباء بلا حدود وغيرها من المنظمات الإغاثية كان يزداد عدائية. “تقلصت المشاريع حتى وصلنا إلى درجة لم يعد معها العمل في المنطقة ممكناً. بعد تعليق مشاريع المنظمة بيوم واحد، تلقيت اتصالاً من أصدقاء سابقين كانوا قد انضموا إلى التنظيم، وأخبروني أنه عليّ مغادرة المنطقة لأن إسمي وضع على اللائحة السوداء، فغادرت الرقة في تلك الليلة. كانت مغادرة بلدي بتلك الطريقة أمرأ صعباً ولم يكن خياراً اتخذته لكنني أجبرت عليه”.

يروي: “سافرتُ مع إخوتي وبعض الأصدقاء إلى حلب، ثم كيليس عبر الحدود التركية. بقينا في تركيا لبعض الوقت وعملت هناك مع منظمة إغاثية أخرى، لكن اتضح أن علينا مواصلة التنقل لأن قوانين الهجرة التركية تجعل بناء حياة مستقرة هناك أمراً مستحيلاً. لذلك قررنا التوجه إلى أوروبا من أجل إخوتي بالدرجة الأولى. ركبنا الحافلة إلى إزمير، وهي مدينة ساحلية غرب تركيا. هناك تواصلنا مع أحد المهربين الذي أمّن رحلتنا إلى اليونان. دفعنا له نقوداً كثيرة لكنه كان سبيلنا الوحيد. لا أحد يستطيع الوصول بمفرده. ركبنا القارب، وكنا 52 شخصاً، بيننا رجال ونساء وأطفال تجمعنا الآمال والأحلام ذاتها. الناس في أميركا الجنوبية يتطلعون إلى الولايات المتحدة ويطمحون إلى عيش الحلم الأميركي، والعديد منا ينظر إلى أوروبا بالطريقة نفسها. حلم الأمان والحرية، حيث يمكننا أن نبني حياتنا”.

يتابع قادر: “انحرف القارب عن مسار الرحلة الأصلي، ولم نعرف على أي جزيرة نزلنا. كنا عالقين على الشاطئ ومنهكين من السباحة ودفع القارب. ولم يكن هناك أي بشر. كان علينا أن نتسلق الجبل ونسير لمسافة خمسة كيلومترات إلى أقرب بلدة. هناك توجهنا إلى مركز الشرطة ونحن منهارون تماماً. فعلنا كما أخبرنا من وصلوا في رحلات سابقة، لنحصل على الأوراق التي قد تساعدنا على إكمال رحلتنا. لكن للأسف، لم يستطع أحد مساعدتنا في ذلك اليوم. وطلب منا الانتظار لنقضي ليلتنا الأولى في أوروبا في الشارع”.

لم تنته القصة. يقول: “أتمّت معاملاتنا في اليوم التالي، وصرنا قادرين على بدء الرحلة إلى أوروبا. اكتشفنا أننا وصلنا إلى جزيرة ساموس. من هناك، نظمنا الرحلة إلى أثينا ومنها إلى الحدود اليونانية المقدونية، وقد عدنا للبحث عن رجال الشرطة المحليين لنحصل على الأوراق التي تمكننا من العبور. قطعنا مقدونيا ثم صربيا وصولاً إلى هنغاريا بعد رحلة ركبنا فيها الحافلات والقطارات وسرنا على سكك الحديد وفي حقول الذرة. خلالها، كنا نتنقل في مجموعات كبيرة تضم عائلات وأطفالاً صغاراً. وعلى الرغم من الألم الذي شعرت به في قدمي، وإصابة يدي، كانت معاناتي أقل من معاناتهم. كان على البقية رعاية أطفالهم وإطعامهم. عثرنا في طريقنا على منظمتين إغاثيتين تساعدان اللاجئين، وهما منظمة أطباء بلا حدود والصليب الأحمر الدولي”.

يكمل قادر روايته: “فهمنا بوضوح من سلطات الدول المختلفة أنه غير مرحب بنا على الرغم من أنهم كانوا متعاونين معنا. صار هذا الأمر أكثر وضوحاً في ألمانيا التي وصلنا إليها بالقطار من العاصمة النمساوية فيينا، وقد أوقفتنا الشرطة فور نزولنا في محطة ميونيخ التي كنا ننوي الانطلاق منها إلى هولندا. وحين عرفوا أننا سوريون ولا نملك وثائق سفر رسمية، احتجزونا ووضعونا في مستودع فارغ وأقفلوا الأبواب علينا. فشعرنا كأننا مجرمون على الرغم من أننا لم نقترف أي خطأ”.

في اليوم التالي، “جمعونا وأرسلونا إلى دورتموند في القطار، حيث اعتقلنا من جديد. استطعت الخروج من هناك بالحظ، أو بالأحرى بمساعدة أحد الغرباء اللطفاء. التقيتُ بمترجم يعمل في مركز الاعتقال ويتحدث لهجتي نفسها، وعرفت أنه من منطقتي في سورية. قرر مساعدتي إما لأننا من المنطقة نفسها، أو لأنه تأثّر بما مررت به. كان الموظفون يحملون شارات كبيرة تخولهم الدخول والخروج، وقد أعطاني المترجم واحدة وضعتها على صدري حتى يستطيع الجميع رؤيتها، وخرجت وأنا أشعر بامتنان كبير لهذا الرجل الذي ساعدني”.

يختم قادر: “تفرقت عائلتي. بعضنا يعيش في فرانكفورت، فيما ما زال أبي في الرقة يعتني بالمنزل، وهو بأمان نسبياً بسبب سنّه الكبيرة. أفتقد عائلتي بالتأكيد ولكن الوضع هكذا أفضل. نحن بأمان وما زال المستقبل أمامنا. كانت رحلتي سهلة مقارنة مع الآخرين الذين يهربون طلباً للأمان. استطعت عبور اليونان ومقدونيا وصربيا في يوم واحد. وكنت أتلقى المساعدة طيلة الطريق. لديّ أصدقاء في هولندا أستطيع الإقامة عندهم. هدفي التالي هو الحصول على الإقامة وتعلم اللغة والدراسة، ولدي أمل ببناء مهنة جديدة وقد أعود للعمل مع منظمة أطباء بلا حدود. وآمل أن أعيش الحلم الأوروبي”.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى