صفحات العالم

مثققون كأنهم كتيبة إبادة/ إبراهيم غرايبة

 

لا مجال لك مع النخب المصرية الا ان تمدح الفريق عبد الفتاح السيسي و/أو تشتم الإخوان، او انك ساذج. فالنخبة المصرية المثقفة العائدة أو الصاعدة في المرحلة السيسوية مثل كتيبة إبادة لا ترى لها وظيفة سوى إطلاق النار على الإخوان؛ تبدو أكثر شراسة وتعصباً من الشرطة والعسكر أنفسهم، لا تحتمل في النقاش والتعقيب (أتحدث عن معارضي الإخوان ومنتقديهم) سوى شتم الإخوان، ولا تطيق سماع أي سؤال أو انتقاد عن وجهة مصر وعواقب هذا «الهولوكوست» والهوس الإعلامي والثقافي، ولا ترى في من يشارك في هذا «الزار» سوى خلية إخوانية نائمة!

والحال أن النخبة العائدة إلى مواقعها وفرصها التي فقدتها فترة من الزمن أو جاءت إليها بفعل الموجة الجديدة، تبدو تحت تأثير هاجس البقاء «نكون أو لا نكون» ولا يكاد يكون في وعيها أو لا وعيها مجال سوى البقاء المستمد من الإجهاز على الخصم، ولما كان الخصم لشديد الأسف ليس واضحاً أو محدداً كما نشاهد في أفلام «ناشيونل جيوغرافيك» فلا يضاهي الحالة سوى مشهد الضبع الجريح الغاضب والمستفز والخائف، يقاتل بالشراسة نفسها التي يقاتل بها لبوة اختلس طريدتها نملة تدب على الأرض، أو عشبة أرضية، ويستفزه طنين بعوضة مثل زئير الأسد، ووفق قانون الطبيعة فإنه سيجهد نفسه حتى الموت! تقتله بعوضة بالفعل، وتتحول أوهامه الى حقيقة، ليس لأنه على صواب، ولكن لأنه قاتل النمل والعشب والطيور واستفزته كل الأصوات حتى لم يعد قادراً على الراحة واستنزفت قواه ومناعته!

ثمة فئتان عربيتان تختلفان مع الإخوان بالدرجة نفسها (هكذا يفترض) التي يختلف فيها النظام السياسي الجديد في مصر وشركاؤه من المثقفين، وتأملان بتحالف يمضي بالمشهد المصري ومعه العربي إلى حالة سياسية وثقافية جديدة تؤسس للتنمية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي. أولهما السياسيون المحافظون الذين يفكرون في مواجهة الأخطار والتغيرات واستيعابها على نحو يحقق الاستقرار المستمد من حماية الأوضاع القائمة و/أو إصلاحها من دون تغيير جوهري في بنيتها وآلياتها، والمثقفون الذين يتطلعون إلى نظام سياسي اجتماعي إذا لم يكن الدين فيه مستقلاً عن الدولة فإنه لا يؤدي دوراً سلطوياً كبيراً يلحق الضرر بالثقافة والفنون والحريات الفكرية والشخصية والاجتماعية. لكن هاتين الفئتين المعتبرتين حليفتين للنظام السياسي الجديد في مصر، وهما على نحو واقعي الأنظمة السياسية المحافظة والمعتدلة والنخبة الثقافية والاجتماعية بتأثيرها العام والإعلامي في بعض الدول العربية يجب أن تشعرا بالقلق والخوف الكبير، لأن النخبة المصرية تمضي بنفسها وبالمنطقة إلى مزيد من التطرف وتؤسس لـ «كربلائيات» جديدة ممتدة، وتستعيد بلا أدنى محاولة لفهم العبرة والدرس النموذج الناصري في مواجهة الإخوان على نحو اكثر شراسة ورعونة.

لقد أسس إعدام سيد قطب لمتوالية من الجماعات القتالية المتطرفة والتي حولت إعدامه إلى ملحمة تشبه قصة الحسين بن علي وتأسست على «معالم في الطريق» جماعات الجهاد والقاعدة والتعبئة اليائسة في مواجهة العالم، حتى الجماعات السلفية التي كانت معتدلة سياسياً ومحافظة أو متشددة دينياً واجتماعياً تحولت إلى كتائب مقاتلة. وبالمعنى نفسه فإن المحاكمات الميدانية التي تجري اليوم والإغراق الثقافي والإعلامي الفج المصاحب للعملية السياسية، وإسقاط المصالحة والحوار، بل العجز الفيزيائي عن الاستماع حتى بالأذن، يفتح المجال واسعاً للجماعات المقاتلة، والتي تؤيدها قطاعات واسعة من الناس المهمشين والغاضبين، كي تأكل الأخضر واليابس! ونضحك على أنفسنا إذا اعتقدنا أنها جماعات معزولة، بل على العكس فإنها أبدعت تحالفات اجتماعية وفئوية واسعة صلبة ومتماسكة، ولم تعد تقتصر على المؤيدين الأيديولوجيين. وماذا تتوقع النخبة المصرية المهيمنة من ملايين العاطلين وسكان المقابر والفقراء والمهمشين؟

التصنيف المصري النخبوي الذي لا يملك من سعة الصدر إلا أن يراك تشتم الإخوان، يُفقد التحالف السياسي والثقافي القائم محتواه وجدواه، فالنظام السياسي المصري الجديد ليس لديه برنامج أو مشروع سوى محاربة الإخوان، ولذلك فهو يحتاج أن يظل الإخوان اقوياء وناشطين… وهو يتوهم ان مصلحته المستمدة من العداء للإخوان تؤسس لشراكة تستقطب التمويل والدعم المالي والسياسي، ولكنها شراكة حبلها قصير. فالدول المحافظة ليست معنية بمحاربة الإخوان لأنهم الإخوان، ولكنها معنيبة بمنظومة سياسية استراتيجية تحقق الاستقرار وتحمي المنطقة من التهديدات والتغيرات غير المرغوبة. فماذا إذا عجزت النخبة المصرية عن الوفاء بهذه المشاركة، ومن المؤكد أنها سوف تعجز في ظل النخبة المهيمنة لأنها مجموعات آيلة الى السقوط؟

يا متعلمين يا بتوع المدارس! إنها حرب أفكار وليست عمليات مطاردة.

* كاتب أردني

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى