صفحات سورية

سفَّاح الشَّام!


جواد البشيتي

بشَّار هو الآن، ومن الآن وصاعداً، مُنْفَصِلٌ تماماً عن “السياسة”، بفكرها، ومفاهيمها، ومصطلحاتها، ولغتها؛، وبعالَمها الواقعي؛ نَبَذَها ونَبَذَتْه، ضادَّها وضادَّتْه؛ وما عاد ممكناً فَهْمُه وتفسيره سياسياً؛ وإذا كان المفكِّر الألماني كلاوزفيتس قد فَهِمَ “الحرب” على أنَّها شيء لا يمكن تمييزه من “السياسة (نفسها)” إلاَّ من حيث “الوسيلة”، والتي هي “الحديد والنار”، فإنَّ سَفَّاح الشَّام بشَّار أبى إلاَّ أنْ يُعَدِّل، أيْ يَمْسَخ، هذا الفَهْم، فشَرَع يُمارِس “السياسة” بما يقيم الدليل على أنَّه يَفْهَم “الجريمة (لا الحرب)” على أنَّها شيء لا يمكن تمييزه من “السياسة”، أيْ من سياسته هو، وعصابة المجرمين القتلة التي يتزعَّم.

بشَّار الآن على حقيقته العارية تماماً من الأوهام السياسية والقومية التي لبسها وازدان بها، بعدما نُقِلَت إليه (من والده) السلطة المُغْتَصَبَة؛ وها هو نفسه، وبلسانه الحقيقي، والذي هو كناية عن أفعاله وأعماله، يقول للعالَم بأسره، ولأقرب المقرَّبين إليه، وحتى لزوجته ولأولاده، “أنا مُجْرِمٌ، قاتِلٌ، سَفَّاحٌ؛ فانظروا إليَّ، وافهَموني، وعاملوني، على حقيقتي هذه”؛ وإنِّي لأقول، بَعْد هذا القول الفَصْل لبشَّار، إنَّ كل من يَقِف مع بشَّار، ويحامي عنه، ويُزيِّن له، ويُبرِّر، أفعاله، لا يمكن إلاَّ أنْ يكون عديم الأخلاق، ساقط أخلاقياً؛ فالوقوف مع هذا السَّفاح المُجْرِم، المُخْتص بقتل الأطفال بالسكاكين، واغتصاب النساء على مرأى من أهاليهنَّ، وحَرْق الناس وهُم أحياء، والتَّمثيل والتنكيل بالأحياء والأموات من المدنيين، ما عاد بالأمر الذي يمكن نَسْبُه إلى “السياسة”، أو فَهْمُه على أنَّه “وجهة نظر سياسية أخرى”، أو وَصْفُه بأنَّه “خطأ سياسي”. إنَّه أمْرٌ أخلاقي صرف؛ فالانحياز إلى بشَّار الآن، حيث يراه العالَم أجمع في صورته الحقيقية من خلال رؤية المجزرة التي ارتكبها في حمص في حقِّ الأطفال والنساء، هو انحياز إلى ما هو أسوأ من النازية والفاشية؛ وليس في مقدوري أنْ أفْهَم كل منحازٍ إلى هذا السفَّاح إلاَّ على أنَّه “وحشٌ في هيئة إنسان”، و”إنسان ساقِطٌ أخلاقياً”، لو فاضَلْتُ بينه وبين “بائعة جسدها”، لفضَّلْتُها عليه ألف مرَّة؛ ولن يشفع له تزيين وزركشة موقفه هذا بمفردات وعبارات “قومية” و”ثورية” و”يسارية” و”ماركسية” و”علمانية”..؛ فهو بانحيازه إلى هذا السَّفاح إنَّما يَزْني بالقومية والثورية واليسارية والماركسية والعلمانية..

بشَّار سيُحاكَم حتماً في “محكمة التاريخ” قبل أنْ يَدْخُل التاريخ؛ ولسوف يَدْخله؛ لكن ليس باسم “بشَّار حافظ الأسد”؛ وإنَّما بالصِّفَة التي أكسَبَتْه إيَّاها “مجزرة حمص”؛ إنَّه سيَدْخُل التاريخ بصفة كونه “قاتِل الأطفال” في حيِّ كرم الزيتون في حمص.

وإنِّي لأرى في كل الجرائم التي ارتكبها بشَّار في حقِّ الشعب السوري، وفي المجزرة التي ارتكبها في حقِّ الأطفال والنساء في حيِّ كرم الزيتون، إسرائيل وهي تُناصِب الثورة السورية هذه العداوة الشديدة؛ فالحقيقة التي تفقأ العيون، ولا تَشُقُّ رؤيتها إلاَّ على كل أعمى بصر وبصيرة، إنَّها هي انتصار إسرائيل لسفَّاح الشَّام؛ فهذه الدولة التي فيها، وبها، أصبح للجريمة دولة، هي التي يعود إليها الفضل الأوَّل والأكبر في حماية بشَّار دولياً، ليس حُبَّاً به، أو بنظام حكمه، ولا لكونها تؤيِّد سياسته الإقليمية؛ وإنَّما لإدراكها أنَّ بشَّار لا يملك من وسائل وأدوات وأساليب الصراع من أجل البقاء إلاَّ ما يجعله أقصر طريق إلى تدمير سورية من الداخل، وتمزيق وحدتها، والقضاء على جيشها، وإشعال فتيل صراعٍ وحشي بين الأكثرية السنية من أبنائها والأقلية العلوية؛ فبشَّار (وعصابته التي تسمِّي نفسها “نظام حكم”) يخوض الآن صراعه من أجل البقاء بما يسمح له (على ما يتوقَّع، أو على ما يتوهَّم على ما أتمنى) بجعل الطائفة العلوية (والتي هي جزء لا يتجزَّأ من النسيج القومي العربي) دِرْعاً له، تحميه، وتدرأ عنه المخاطر، وتقيه شرَّ السقوط؛ فليَقفْ كل السوريين (من عرب وأكراد، من سِنَّة وعلويين ودروز، من مسلمين ومسيحيين) ضدَّ هذه المؤامَرة الحقيقية، وليَردُّوا كَيْد بشَّار إلى نحره.

الآن، ومن الآن وصاعداً، ما عاد “السكوت” جائزاً أو مبرَّراً؛ فلو كان لي أنْ أُعَرِّف “الخيانة” و”الغدر” و”الجريمة” و”النذالة” و”الدعارة السياسية”..، لقُلْتُ إنَّها “الوقوف مع بشَّار”، أو “السكوت عمَّا يقترفه من جرائم ومجازِر في حقِّ الشعب السوري (الذي لم يَعْرِف قط، ولن يَعْرِف أبداً، احتلالاً أجنبياً، أيْ غريباً، كاحتلال الأسديين، أيْ المتأسِّدين على الأطفال والنساء، وسائر المدنيين العزَّل)”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى