صفحات العالم

ما قاله البطريرك وما قاله الرئيس الفـرنسي


نقولا ناصيف

                      لوقت آخر سيظلّ الجدل يحوط المواقف التي أطلقها البطريرك الماروني في فرنسا. البعض لم يحب انتخابه، ولن يحب أكثر ما يصدر عنه، فكيف بما لم يعتد سماعه من بكركي؟ وبعض آخر تهيّب انتخابه، ويخشى على نفسه من حاجته إلى بكركي.

انحسرت تماماً الانتقادات التي قوبلت بها مواقف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في فرنسا. انكفأ أصحابها بعدما أكد البطريرك مضمون ما أطلقه هناك، ودخل هؤلاء في عباءته مجدّداً، بعد ساعات قليلة من عودته إلى بيروت الأحد الماضي.

لكن الكثير ممّا حملته الزيارة التقليدية الأولى للبطريرك الماروني بعد انتخابه، انطوى على أحاديث مهمة بينه والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمسؤولين الفرنسيين الآخرين الذين التقاهم، لم يُفصح عنها. كما وضع ساركوزي أوراقه على الطاولة، كذلك فعل الراعي. كلاهما استعدّ للمحادثات الرسمية، حاملاً ملفاته إليها. كلاهما كان يرغب، في أول مقابلة مع الآخر، أن لا يكتفي بمحادثته، وإنما أيضاً تحميله هواجسه. وشأن الرئيس الفرنسي، أظهر البطريرك الماروني الذي تحدّث إلى المسؤولين الفرنسيين جميعاً بلغة واحدة، مخاوفه. ذهب كي يقول لهم إنه قلق على الوجود المسيحي في لبنان والمنطقة، ويسألهم عن ضمانات جدّية تبدّد قلقه هذا.

أعدّ البطريرك جدول أعمال محادثاته كالآتي: يعطي رأيه في ما يقوله محدّثه، يعرض المشكلة ويطرح اقتراحاته. أجوبة غير مشوّشة ولا غامضة، مباشرة وغير عمومية. سرّه أيضاً أن المسؤولين الفرنسيين جميعاً، بلا استثناء، سألوه عن سلفه البطريرك مار نصر الله بطرس صفير. ردّ أنه في صحة جيّدة ويستمر في نشاطه.

الرئيس الفرنسي

بادر ساركوزي إلى افتتاح المحادثات الرسمية، مشدّداً على محاور ثلاثة: القوة الدولية في جنوب لبنان، ولا سيما الكتيبة الفرنسية، حزب الله وسوريا.

استحوذ كلامه على القوة الدولية قسطاً وافراً من الوقت. كان الرئيس الفرنسي يعود إلى هذا الشقّ في المحادثات كلما شعر بأن حديثه عنه لم يستنفد تماماً كل ما يريد قوله، فأولاه أهمية قصوى.

1 ــ أدان الاعتداء الأخير الذي تعرّضت له الكتيبة الفرنسية في القوة الدولية، وأكد أن حكومته ستعيد النظر في موقفها من وجود هذه القوة في الجنوب «إن عمدت طائفة أو حزب إلى السيطرة على لبنان»، وخصوصاً ممّن وصفهم ساركوزي بالمتشدّدين.

أضاف أيضاً أن فرنسا «ستعيد النظر في موقفها من الوضع في لبنان برمته، وليس فقط الجنود الدوليين».

قال بنبرة لم تخلُ من الامتعاض: «أنتم بلد صديق، ونحن ذهبنا لمساعدة بلد صديق. ليس مقبولاً تالياً أن نُعامل على نحو ما حدث. يجعلنا ذلك مستعدون للرحيل».

وخلافاً للرئيس الفرنسي، قال وزير الخارجية آلان جوبيه في محادثاته مع البطريرك، عندما تطرّق بدوره إلى القوة الدولية والاعتداء على الكتيبة الفرنسية: «انسحاب القوة الدولية من لبنان سيكون بمثابة كارثة».

2 ــ حمّل الرئيس الفرنسي حزب الله ـــــ وتحدّث عنه بسلبية باستمرار ـــــ مسؤولية مباشرة عمّا حدث للكتيبة الفرنسية. وقال: «عندما يتخلى هذا الحزب عن السلاح ننفتح عليه».

3 ــ قال ساركوزي أيضاً: «نحن مع جميع اللبنانيين، ولسنا متعلقين بشخص واحد. اللبنانيون، وليس فرنسا، هم الذين يختارون رئيس وزراء حكومتهم».

قال عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي: «لقد أدلى في الفترة الأخيرة بتصريحات إيجابية جداً، ولكننا ننتظر منه إقران القول بالفعل. نحن مستعدون لدعوته إلى زيارة فرنسا».

4 ــ قال الرئيس الفرنسي عن الرئيس السوري بشّار الأسد إنه لم يصدق معه، وأخلّ بوعوده وتعهّداته له، من غير أن يفصح عنها.

أضاف: «من أجل ذلك قطعت علاقتي به كلياً. لن يدوم هذا النظام. إنها الحقيقة».

رأى أن «المناهضين للأسد والمحتجين والمتظاهرين ضده لم يطالبوا بتهجير المسيحيين، بل إن الأنظمة الديكتاتورية هي التي اضطهدت المسيحيين».

وخاطب ساركوزي الراعي: «نحن نحمي المسيحيين والأقليات».

… والبطريرك

بدوره البطريرك الماروني، رداً على الرئيس الفرنسي، أبرَزَ المواقف الآتية:

1 ــ جواباً عن كلام ساركوزي على الرئيس سعد الحريري، قال الراعي إنه ينظر بإيجابية إلى علاقته بالحريري، متمنياً عودته إلى لبنان «في أقرب فرصة ممكنة للمشاركة في الحكم». ووصف الحريري بالسياسي المعتدل، وقال: «نحن نحبه».

2 ــ قال البطريرك: «ليس صحيحاً أن هناك حزباً واحداً يسيطر على الحكومة اللبنانية الحالية. ليس صحيحاً أبداً أن حزب الله يسيطر عليها. وليس صحيحاً كذلك أنه يمثل كل الطائفة الشيعية. هناك فيها حركة أمل ومستقلون ومعارضون لحزب الله».

3 ــ قال إنه ينظر بتقدير إلى ميقاتي، واصفاً إياه بالسياسي المعتدل والمحبوب.

4 ــ عرض ما عدّه «ذرائع» يتمسّك بها حزب الله للاحتفاظ بسلاحه، هي: «ضعف الجيش اللبناني، الوجود الفلسطيني في لبنان وخطر التوطين، استمرار احتلال إسرائيل جزءاً من الأراضي اللبنانية في مزارع شبعا».

ومن دون أن يتخذ موقفاً من هذه الذرائع، فلم يقل إنه يؤيدها، مكتفياً بعرضها على محاوريه، خاطب البطريرك الرئيس الفرنسي بدعوته إياه والمجتمع الدولي إلى إسقاط هذه الذرائع، بالحضّ على مساعدة الجيش وتسليحه، ومؤازرة لبنان على استعادته سيادته الوطنية عبر تنفيذ قرارات مجلس الأمن، وحمل إسرائيل على الانسحاب من جنوب لبنان.

قال لساركوزي: «هناك القرار 194، فلماذا لا تساعدون مع المجتمع الدولي على تنفيذه».

خلص إلى القول في هذا الجانب: «ساعدونا على نزع الذرائع من حزب الله».

5 ــ لم يأتِ البطريرك في حديثه على ذكر سوريا والأسد، ولا دافع عن نظامه. بعدما أصغى إلى ساركوزي الذي بادر إلى الخوض في الوضع السوري، قال الراعي:

«هناك ثلاثة أخطار مرتبطة بأحداث سوريا:

ــ حرب أهلية بين السنّة والعلويين.

ــ تفتيت سوريا والمنطقة إلى دويلات طائفية.

ــ وصول نظام أكثر تشدّداً إلى السلطة في سوريا».

الواضح من عبارته هذه أنه كان يتخوّف من «نظام أكثر تشدّداً»، من دون أن يتجاهل تشدّد النظام الحالي في سوريا.

خلص إلى القول في هذا الشقّ من المحادثات، إن ما يتوقعه من تطور الأوضاع في سوريا «أن أياً من الأخطار الثلاثة هذه سيفضي حكماً إلى ضحية، وأن هذه الضحية هي المسيحيون السوريون. إنهم الضحية الوحيدة في الأخطار الثلاثة». وأسند البطريرك اعتقاده هذا إلى ما تعرّض له المسيحيون في العراق، وما يتعرّضون له في مصر «من قتل وتهجير وتدمير كنائسهم». استشهد مراراً بذلك.

6 ــ حمله دقّ ناقوس الخطر على المنطقة من تنامي التطرّف والمذهبية، على مخاطبة محاوريه في الخارجية الفرنسية بالقول: «إن المجتمعات التعدّدية هي شرط الأمن والاستقرار في المنطقة. والحلّ الذي نقترحه هو مواجهة الانحرافات المذهبية من خلال نموذج الدولة المدنية التي تفصل بين الدين والدولة، وتعترف بحرية المعتقد، وتؤمن حياة آمنة وكريمة لكل الأقليات».

أضاف، متوجهاً إلى جوبيه: «نحن نطلب مساعدتكم لتحقيق ذلك. بالنسبة إلينا، نحن اللبنانيين ومسيحيي الشرق، نرفض كل ميل إلى تقسيم الشرق الأوسط دولاً مذهبية نتيجة للصراع المستتر والمعلن بين السنّة والشيعة، لأننا نؤمن بأن التعدّدية التي تندمج فيها الأقليات بتناغم وتوافق، هي ضامن حضورنا وكرامتنا وحريتنا».

قال له كذلك: «تشهد الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط تحوّلات تثير نتائجها وتداعياتها القلق والحيرة لدينا. نحن ندرك أن قوى عميقة داخلية ومشروعة تحرّك هذه المجتمعات الساعية إلى التغيير، ونحن نؤيد سعيها إلى الحرية والديموقراطية واحترام حقوق الإنسان والعدالة. لكن في المقابل ينبغي عدم إغفال مصالح الدول والتدخلات الخارجية في هذه المجتمعات».

7 ــ قال البطريرك للرئيس الفرنسي: «نؤيد بقوة قيام دولة فلسطينية، ولكننا نخاف من توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بحكم الأمر الواقع، رغم الرفض القاطع للبنانيين جميعاً للتوطين. نحن نصرّ على حقهم في العودة إلى أرضهم. وفي انتظار تسوية نهائية وعادلة للمسألة الفلسطينية، لا يمكن الفلسطينيين إلا أن يحتفظوا بصفتهم كلاجئين تتولى منظمة الأونروا الإشراف عليهم ومساعدتهم؛ لأن المسؤولية دولية، وليست مسؤولية لبنانية حصراً».

8 ــ في موضوع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، قال الراعي لساركوزي: «في لبنان جدل واسع حيالها بين فريق يقول إنها مسيّسة وآخر ينكر هذا التسييس. أنا أصرّ على أن تقوم المحكمة الدولية بعملها كاملاً لكشف الحقيقة وإحقاق العدالة؛ لأن ذلك يساعد على وقف الاغتيالات السياسية عندنا».

9 ــ قال أيضاً: «نحن في لبنان مجتمع نموذجي. تعيش الطوائف في عيش مشترك، وهناك تزاوج ومصاهرة واعتدال. إنه مجتمع تعدّدي ونموذجي لكل الشرق الأوسط. كذلك فإن نظامه السياسي فريدٌ يعكس صورة مجتمعنا بتعدّديته. في السنوات الأخيرة، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، حصل تباين وتجاذب في الآراء والمواقف من جراء التطورات التي نجمت عن هذا الاغتيال، إلا أن لبنان يبقى، بتكوينه، نموذجياً. لقد أعددت لقمّة مسيحية ـــــ إسلامية في بكركي بطلب إسلامي، وأنا بصدد الإعداد لقمّة روحية، مسيحية ـــ إسلامية، على صعيد المنطقة، لا لبنان فقط»

الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى