صفحات العالم

خيارات المستقبل للثورة السورية


جورج مالبرونو

بعد أربعة عشر شهرا من بدء الثورة ضد نظام بشار الأسد، تتدافع ثلاث احتمالات متوقعة لإنهاء الصراع الدموي القائم في سوريا.

أولا: الخيار اليمني: بأن يترك الرئيس الأسد السلطة تحضيرا لفترة انتقالية متفقا عليها، كما حدث ذلك مع الرئيس اليمني عبد الله صالح في نوفمبر الماضي في صنعاء، ما أدى إلى إنهاء الأزمة اليمنية مؤقتا. ويبدو أنه “السيناريو” الذي تراهن عليه خطة الوسيط الأممي والعربي كوفي أنان، فهو من جهة الأقل تكلفة في الأرواح البشرية (بعد أكثر من أحد عشر ألف قتيل من المدنيين والعسكريين)، ومن جهة أخرى الأكثر صعوبة تنفيذا في الميدان.

ويعمل حاليا الفريق المساعد للأمين العام السابق للأمم المتحدة على هذا الملف في الوقت الذي تم فيه إرسال المئات من المراقبين الدوليين للتحقق من وقف إطلاق النار بين قوات الأمن الحكومية ومعارضيها.

وينبغي أن يتعزز وقف الأعمال العدائية والمواجهات المسلحة بضمانات دولية المنصوص عليها من قبل المملكة العربية السعودية وقطر، حيث تدعمان الجماعات المسلحة في الميدان، ومن قبل الروس أيضا، باعتبارهم المساند الرئيس للنظام السوري. ويشكل هذا التحدي الحقيقي حاليا بالنظر لمواقف الأطراف المؤثرة في الأزمة السورية حتى الآن.

هذا الخيار ينطوي في الواقع على ثلاثة مستويات من التسوية: دوليا مع الأمريكيين والروس الذين يواصلون دعم خطة أنان رغم التحفظات الكثيرة عليها، وإقليميا بين تركيا وإيران ودول الخليج، السعودية وقطر في الصدارة، وداخليا بين القوى السورية المعارضة والنظام نفسه، لأنه يتطلب حدا أدنى من موافقة السلطة في دمشق، وهذا أبعد من أن يتحقق، لأن دخول هذا الاحتمال حيز التطبيق قد يؤدي في نظر بعض النقاد إلى تهميش العديد من الأسماء الأمنية الكبيرة من عائلة الأسد.

“سيبقى بشار بصلاحيات محدودة خلال الفترة الانتقالية، ولكن يجب قبل كل شيء تجريده من بعض سلطاته لمنعه من أن يقودنا بقاربه خلال هذه الفترة الانتقالية للسلطة”، يقول أحد المعارضين على اتصال مع فريق كوفي أنان.

ونظرا لاستشعارها الخطر، اعترض قسم من القيادة السورية على خطة انان، في حين أن السياسيين الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء لن يعارضوا مثل هذا الحل للخروج من الأزمة.

أما القيادة السعودية والقطرية تنظران بريبة وشك إلى خطة أنان، وتشعران بالقلق من أن مثل هذه الخطة يمكن أن تعطي مهلة لأعدائهم في السلطة في دمشق لاسترجاع أنفاسهم: “في الرياض والدوحة، هناك قلق من أن السلطة السورية قد تستغل الخطة لصالحها وتأخذ بالثأر عن طريق اغتيال مسؤولين سعوديين وقطريين في الخارج”، كما يقر بذلك مسؤول في المعارضة السورية.

ثانيا: السيناريو الليبي: …وأخيرا، فإن المجتمع الدولي تغلب على خلافاته وشكل ائتلاف عسكري أطاح ببشار الأسد من السلطة. وهذا التحالف سيقاد من قبل منظمة حلف شمال الأطلسي. وبعد هجمات متكررة من الجيش السوري النظامي ضد المتمردين السوريين اللاجئين في تركيا، مما يستدعي التحالف الأطلسي وفق الفقرة 4 من ميثاق المنظمة للدفاع عن النفس. وللمرة الأولى، أشارت أنقرة علنا إلى هذه الفرضية، بعد إطلاق النار الأخير للقوات السورية ضد أهداف في تركيا.

وهذا هو الشرط الذي لا غنى عنه – أي دعم حلف الناتو – لجنرالات تركيا حتى يتم الموافقة على التدخل ضد جارهم السوري. الهدف: إنشاء منطقة عازلة، الأمر الذي سيسمح للمتمردين بالمضي قدما إلى الأمام، وللفارين من الجيش السوري الذين لا يزالون مترددين في اتخاذ قرار الانسحاب من الجيش. أو إنشاء هذه المنطقة الآمنة، التي طالب بها المتمردون منذ ما يقرب من عام؟ وترغب الحكومة السعودية أن يتم إنشاء هذه المنطقة الآمنة حول مدينة جسر الشغور، في محافظة إدلب، ليتم إسقاط في نهاية المطاف حلب، ثاني أكبر مدينة في سوريا. لكن الأتراك يرونها، بدلا من ذلك، بين مدينة الرقة وحلب، حيث لا يتواجد بشكل كبير الأكراد. وتخشى أنقرة من أن يؤدي الوضع في حالة التقدم نحو الأراضي السورية، أي قيام المتمردين الأكراد “الموجهين” من قبل النظام السوري من الرد والتسلل إلى الجانب التركي.

وكان مرشد الثورة الإسلامية، آية الله علي خامنئي قد حذر، رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي التقاه الشهر الماضي في مدينة مشهد قائلا: “إنكم تتدخلون في شؤون سوريا، ونحن نراقب الوضع عن كثب ونتدخل أيضا لكن بموافقة سورية ونمضي قدما في هذا الاتجاه. سوريا وإيران مرتبطين باتفاقات تعاون عسكري… ويتابع خامنئي: سوريا ليست البحرين. في البحرين، كل العالم قبل نشر قوات من الخليج لمساعدة النظام الملكي “السني” لقمع الثوار من الشيعة. لكن في سوريا، تتيح لنا الاتفاقات الثنائية بين البلدين الفرصة لمساعدة نظام الأسد”، ختم خامنئي بذلك حديثه أمام استغراب أردوغان، الذي لم يكن راضيا مما سمعه، وفقا لما جاء في بعض التقارير الصحفية.

السيناريو الثالث والأخير: عراق صدام حسين بين عامي 1990 و2003:

أن يطول عهد بشار الأسد سنوات أخرى. ويتحول النظام السوري إلى نظام منبوذ. حيث لا يمكن للرئيس وعائلته وعشيرته الخروج من سوريا، مثلما كان الحال مع صدام حسين ومعظم رجالاته، خلال سنوات الحصار المفروض من قبل الأمم المتحدة على بغداد.

وبعد أن سالت أنهار من الدماء وما زالت، قد يسعى النظام السوري إلى إعادة ربط وإحياء علاقاته مع السكان، بما في ذلك العشائر السنية في الجزء الغربي من البلاد، التي كانت نسبيا بعيدة عن حالات التمرد والمواجهات. لكن، عدم الاستقرار واستمرار أعمال العنف، سيدفع بالنظام البعثي المدان عالميا إلى التشبث بالسلطة أكثر من أي وقت مضى، وكما كان الحال في العراق، فإن العذاب يمكن أن يستمر لسنوات عديدة أخرى. وعلى عكس العراق في عهد صدام حسين، كما يقر بذلك الدبلوماسيون، سيكون من الصعب إقامة “حزام صحي” حول سوريا، المدعومة الآن من قبل إيران، وعراق ما بعد صدام حسين، أو حتى من قبل لبنان

لوفيغارو

(Georges Malbrunot)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى