صفحات الناس

طبيب مجزرة الكيماوي يروي قصة “تهريبه” من الغوطة الشرقية؟/ سعاد خبية

 

”تخيلي ما حدا عم برضى حتى يستقبلني؟!

هكذا بدأ الطبيب “ماجد أبو علي” التعبير عن صدمته من كل شيء بعد خروجه مؤخرا من الغوطة الشرقية عن طريق (التهريب ) ناجيا بنفسه وعائلته وصولا إلى عقردار ” الدولة السورية الجديدة ” في تركيا ليضعها كما يقول أمام مسؤولياتها بعد أن بات الوضع الداخلي خارج كل أطر التحمل والمعقولية .

ماجد أبو علي – مسؤول العلاقات العامة والخارجية في المكتب الطبي الموحد في مدينة دوما ، استطاع أن يكون مع أطباء آخرين المعادل الموضوعي لضعف الإعلام في الغوطة الشرقية إبان استخدام النظام للسلاح الكيماوي في تلك المنطقة وقتله لأكثر من ألف وستمئة شخص في لحظة واحدة تحت جنح الليل ، كان أول صوت طبي يخرج من الغوطة الشرقية قبل ثلاث سنوات ونصف بالصوت والصورة من داخل نقطة طبية ميدانية فضح خلالها ممارسات النظام تجاه المتظاهرين والمصابين .

سلك طريق الموت والمغامرة قبل شهرين ليخرج من الغوطة الشرقية المحاصرة قاطعا طريقا خطرا ووعرا يتربص الموت بسالكه الذي تساوت عنده الحياة والموت في كل خطوة ،ليصل بعد مايقرب الشهر إلى تركيا ، مطلقا صوته مجددا من خارج الغوطة في نداء مدوي انقذوا من تبقى فيها ولكنه وبعد كل تلك المخاطر والانجازات يتلقى صدمة حياته كما يقول .

كان لــ” كلنا شركاء” حديث مع الطبيب الناشط “ماجد أبو علي” يلخص فيه الوضع الطبي في الداخل وارتداداته وطريقة التعاطي معه في الخارج وعن دوره في الثورة ومغامرة خروجه من الغوطة وكيف كان التعاطي معه في مؤسسات الدولة الجديدة في الخارج عندما احتك بهم وجها لوجه .

ماذا تركت خلفك ؟

تركت خلفي وضعا يوشك على الانهيار بكل تفاصيله ، منطقة محاصرة ممنوعة من الغذاء والدواء وكل مقومات الحياة و طاقم طبي فريد يبذل جهودا فوق اعتيادية بكثير على مستوى طب الحروب عبر التاريخ كله ، متطور علميا و عمليا وتنظيميا لكنه يعمل في وضع مزري من ناحية المخزون المالي و مخزون المواد واتساع مستويات الحاجة المستمرة جراء القصف والجوع وانتشار الأمراض المختلفة وديون للمكتب الطبي في منطقتي دوما وحدها تصل إلى أربعمئة ألف دولار في ظل عدم وجود دعم ثابت .

يصف حال الأطباء العاملين منذ مايقرب من أربع سنوات دون أي توقف ” تحملنا كأطباء الجوع و القصف والاعتقال و كل جرائم النظام الخاصة والعامة ، أضف إليه ما استجد مؤخرا من واقع مأساوي جديد في الغوطة الشرقية وخصوصا الاغتيالات و الخطف والتهديدات من جهات داخلية (اختطاف الطبيب أحمد الحر في الغوطة وغيره – اغتيالات كثيرة دون تحديد الفاعل – تهديدات لبعض الأطباء من جهات محسوبة على المعارضة ) يضاف له النقص الخاص بالدعم المالي و العيني وصعوبات ليس لها حصر .

يرى – أبو علي – أن تقدير النظام لقيمة عمل الأطباء في مناطق الحصار يفوق بشكل كبير تقدير من تسمي نفسها مؤسسات الثورة من حيث ردود أفعاله وعداءه واستهدافه لهم ، فهو يعتبر أن المشافي و الكادر الطبي هم العدو الرئيسي لما لهم من دور كبير في تأمين استمرارية الثورة وصمود المحاصرين حتى الآن .

من هو ماجد ابو علي ؟

ماجد أبو علي اسم حركي عمل به منذ بداية الثورة هو طبيب أسنان من مدينة دوما عمل منذ بداية الثورة في النشاط الطبي من حيث تأمين اللوازم الطبية والإسعافية في ريف دمشق ومناطق سورية أخرى كما عمل في المجال الإسعافي والطب العام جراء نقص الكوادر في فترات مختلفة ، أدار الملف الكيماوي إعلاميا عبر التواصل مع محطات تلفزيونية عديدة وخاطب من خلالها العالم والرأي العام بشكل تخصصي بشأن جريمة استخدام هذا السلاح المحرم دوليا باللغتين العربية والإنكليزية وبحكم عمله مع شعبة الهلال الأحمر وكونه مسؤول العلاقات العامة في المكتب الطبي الموحد أدار عملية التواصل مع المنظمات الدولية وكان في استقبال فريق الأمم المتحدة ، غادر الغوطة الشرقية مؤخرا وعزى سبب خروجه إلى التعب وإلى سوء الوضع الأمني داخل الغوطة الشرقية “المحررة ” وانتشار عمليات الخطف والاغتيالات وعوامل شخصية أخرى تتعلق بزوجته وطفله اللذان كانا يعيشان معه في ظروف الحصار داخل مدينة دوما ، وإلى رغبته بإطلاق الصوت خارجا وبشكل مباشر بالحديث عن واقع الغوطة الشرقية عندما وجد كل هذا “التطنيش ” كما يقول لكارثتها .

كيف وجد مؤسسات الدولة الجديدة وكيف تعاملت معه كملامس مباشر للحدث من الداخل ؟

بعد سلسلة طويلة من اللقاءات و(محاولات لقاءات ) لم تتم مع شخصيات مسؤولة معارضة من الائتلاف والحكومة المؤقتة بذلها كما يقول خلال أكثر من شهر ونصف لعرض تقارير عليهم حول واقع الغوطة الشرقية وحجم الحاجة فيها وجد في النهاية بأنه كمن يصرخ في واد .. فمن الواضح تماما بحسب قوله أن من يمسكون بزمام الأمور في الخارج لاعلاقة لهم بشيء اسمه ثورة أو إدارة وقد أسقطوا الغوطة من حساباتهم ، و إن كوادرهم و قدراتهم مبنية على وساطات وولاءات كما لمس بشكل شخصي من خلال زياراته واحتكاكه ” لحد هلا ما شفت غير الخلل التاريخي … مافي تطبيق لقاعدة الشخص المناسب بالمكان المناسب الكل كما أرى يريدون مريدين وأتباع وليس موظفي دولة ” .

يصف المؤسسات الراعية للعمل الطبي كما لمسها بأنها ليست سوى ” بازار “

تحدث عن حادثة شخصية جرت معه أثناء اجتماعه مع أحد ممثلي الطبية لريف دمشق في الائتلاف   ضمن جلسة رسمية ” فلان عم يحكي (المسؤول) و قاعدين عم نسمع لما طلع شوي خارج القاعة قلي أحد الجالسين وهو موظف بنفس المكتب ليش ما عم تبدي اعجابك بكلامه ! ….. قلتلو بشو ؟ قلي بحكي فلان ( يقصد المسؤول ) هيك ما بيمشي شغلك … ” فسر أبو علي الحادثة أنه من المحتم عليه أن يبدي اعجابه ويتملق لهذا المسؤول ليرضى عنه ويقبل أن يعتبره من رعيته ويتعاون معه ؟! مردفا ” كلامه ليس فيه شيء عاقل وهو اقرب للجنون فلم أسمع في حديث إلا بطولاته ومآثره “

ابن الغوطة المحاصرة الذي تشبع بمشاهد الموت والدمار والتضحيات والجوع والصمود يقف أمام من يقود الثورة مذهولا ويبدي تساؤله : كيف غرقت الثورة هكذا ببحر المصالح وكيف اختلف الأشخاص عليه وتغيروا إلى هذا الحد ؟ يحكي قصة أخرى عن طبيبة عمل معها في الداخل منذ بداية الثورة في عدة مشاريع كانت من الأصدقاء والزملاء المقربين وهي اليوم شخصية معارضة معروفة تقطن في تركيا وأحد المهمين في المجال الطبي ” كنا معها من المؤسسين للعمل الطبي بريف دمشق اشتغلنا معا لحمص و بانياس و برزة و القابون و كفر بطنا وعندما حاولت زيارتها والتواصل معها اليوم ولعدة مرات في إطار إيصال رسالة من الداخل حول الوضع الطبي رفضت استقبالي وقالت بأن لاوقت لديها .

ترتفع حدة الذهول والصدمة عند الطبيب الغوطاني كلما أوغل في معرفة حال مؤسسات الثورة وشخوصها في الخارج ” تخيلي في واحد حكالي انو قدم مشروع تنموي خاص بالغوطة الشرقية لأحد الجهات فكانت الإجابة ” الغوطة رح تسقط فحرام نعمل فيها مشاريع ضخمة ” ؟!!

تحدث عن زيارته لوزير الصحة ” الذي اختصرله تصوير الحالة كلها بعبارة واحدة ” إن العربة أسرع من الحصان” أي أنه يعلم تمام العلم بضعف مؤسسات الثورة قياسا بالواقع والداخل .

صدمة يتلقاها من لازال يعيش في مناطق الثورة والحصار بمجرد مغادرته لها تشي بعالم مختلف عن ذاك العالم الذي لازال النشطاء والأهالي عموما يشعرون بوجوده ممنين أنفسهم بأن مايدفعونه من فاتورة هو قربان لثورة هم وحدهم وقودها فيما آخرون بعيدون كل البعد عما يجري ، تلك الأفكار كانت ملخص ما أراد الطبيب قوله ” لما بتحاول تحكي للناس بالمغترب عن واقع الغوطة بتحس أنو ملوا من هالحكي و ما بدهم يسمعوا شيء عن الأمر، الأسوأ من هيك أنوالبعض (والحديث طبعا عن طبقة المستفيدين )ما بيعودوا بدهم حتى يستقبلوك خوفاً من شعورهم بالذنب أو خوفاً من أنك لربما تضيع وقتهم الثمين ” أما تفسيره للسبب فهو ” ما بدهم واحد طالع من الداخل جديد يوجعلهم قلبهم بقصص الحصار و الجوع و المعاناة و الخوف و الخذلان يلي عم تشعر في الناس جوا ..الثورة صارت مهنة عند أغلب يلي هون ……. بيفيق الصبح و بيرش مي و بيفتح الدكان و يا رزاق يا كريم “

مفارقات ..

يتحدث الطبيب بوجع عن مفارقات مؤلمة لمسها

“اليوم سألني أحد الأطباء الأصدقاء عبر التشات من دوما أنو شو ردود الأفعال عن يلي صار مبارح بدوما ؟؟؟؟ (يقصد حادثة تفجير السيارة المفخخة وقتل العشرات )

احترت شو قلو ؟؟؟أكذب عليه و قلو أنو الناس مهتمة كتير و خايفة عليكن ؟و لا خبره أنو الناس ما بتعرف أصلا شو صار بدوما ؟”وفي نهاية حديثه يقول الطبيب ماجد أبو علي سأبقى أوجع رؤسهم وآذانهم بالحديث والمطالبات وأرجوا أن لا أدخل في النفق الذي دخلوا فيه مع الوقت والبعد.

كلنا شركاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى