صفحات العالم

ديموقراطية عربية!


محمد ابرهيم

في معرض ردّه على الموقف الاميركي الداعي الى تنحّي الرئيس السوري شرطا للحل السياسي في سوريا، حذّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من ان جلّ ما سيؤدي اليه ذلك هو انقلاب الادوار بين “الاكثرية” و”المعارضة”.

مصطلحات الديموقراطية عندما تطبّق في المنطقة العربية هذه الايام تعني طبعا: الاكثريات الثابتة والاقليات الثابتة. وبذلك كان بوتين يشير الى قدرته على ادارة اللعبة المضادة للعبة الاميركية، في حال عجز الاسد عن السيطرة على مناطق “الاكثرية”. وفي الانتظار يمنح الرئيس الروسي الرئيس السوري كل ما يحتاج اليه من وقت لتكرار ما يفعله منذ سنة ونصف: حسم المعركة في موقع، وحشد القوات لحسمها في آخر، في دائرة مفرغة لم يتغير فيها سوى اتساع مسرح العمليات. لكن ذلك لايقلل من تصميم النظام ولا من اصرار حليفه الروسي على الاستمرار في “اللعبة” نفسها في انتظار ان يدبّ الملل لدى الطرف الآخر.

لكن ما هي الكلفة التي يدفعها “التحالف الدولي” المناهض للنظام السوري حتى يملّ؟ “اطنان” من البيانات والتصريحات والمؤتمرات، الشاجبة. حتى الكلفة المادية لتسليح المعارضة تقتصر، كما يعلن الغربيون دائما، على مساهمتهم في “وسائل الاتصال”.

اما التنبيه المتكرر الى ان الغرب يدفع من الدم السوري كلفة استمرار معركته، فلم يكن بالفاعلية التي توقعها اصحابه. فالسوريون “المعارضون” مستعدون، كما يبدو، للدفع بدون حدود، وخشيتهم ليست من اتساع التضحيات وانما من فوات الفرصة الدولية لتغيير المعادلة الطائفية في سوريا. فبعد افول عصر الاقليات الحاكمة، مع اسقاط نظام صدام حسين في بغداد، لا تبدو اكثرية سوريا في وارد التدقيق في حجم “الانفاق” المطلوب للالتحاق بركب عصر الاكثريات.

بهذا المعنى يصبح مصير النظام في سوريا محسوما، فلا الغرب في وارد العودة عن قرار يشمل المنطقة، وبات في مراحله الاخيرة، ولا السنّة في سوريا في وارد التردد امام ما ينتظرهم من اكلاف اضافية. هنا يطرح موضوع التقسيم الذي ينظر اليه كثيرون وكأنه خصوصية سورية في “الربيع العربي”.

جناحا الادارة الدولية الوثيقة للمعركة في سوريا مسؤولان ولا شك عن فكفكة النظام. ومن ينتظر بعد ذلك سوريا واحدة واهم ولا شك، مثلما هو واهم من ينتظر ان يبقى الخوف على وحدة سوريا اساسا لاستمرار النظام.

لكن سوريا ليست استثناء في “الربيع العربي”. فالقرار الدولي كان، وما زال، المحافظة على الكيانات العربية بحدودها المعروفة. وجلّ ما في الامر رعاية دولية، مطوّلة، لخصوصية “الديموقراطية العربية” في التفاوض الحامي بين الطوائف، والذي كان العراق سباقا اليه.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى