صفحات العالم

تورط “حزب الله” في سوريا

حسام عيتاني

بات تشييع “حزب الله” لعناصره الذين يسقطون في سوريا خبراً شبه يومي في لبنان. ربما خسر الخبر كثيراً من الاهتمام الإعلامي الذي أحاط بالجنازات الأولى “لشهداء الواجب الجهادي”، لكن الإعلام يأتي متأخراً أحياناً.

ثمة من يعتقد أن عودة جثامين مقاتلي الحزب على هذا النحو ستؤدي في نهاية المطاف إلى تحريك بيئته ودفعها إلى الاحتجاج على إرسال أبنائها إلى قتال خارج أرضهم التي انضموا الى الحزب للدفاع عنها، في المقام الأول. ويقول البعض هذا أن جمهور “حزب الله” لا يريد، في العمق، التورط في فتنة سنية – شيعية لا تبقي ولا تذر لإدراكه أن التعايش بين الطوائف في هذه المنطقة قدر وليس خياراً وأن الحزب في نهاية الأمر سيضطر إلى أخذ هذه الحقيقة في عين الاعتبار.

يستند اصحاب هذه المقولة الى أجواء النقاشات التي تدور وراء الأبواب الموصدة منذ بداية الثورة السورية في شأن التدخل الميداني في سوريا الذي يقال ان الحزب قاوم طويلاً الضغوط التي مارسها نظام بشار الأسد لجر أنصاره في لبنان، وليس فقط “حزب الله”، إليها. ويشيرون إلى أن حدة النقاشات حول الموضوع السوري والعلاقات السنية – الشيعية عموماً هي التي أرجأت المؤتمر الحزبي الذي كان مقررا في العام الماضي الى أجل غير مسمى.

الحجة الثانية التي يرفعها القائلون بقرب تغيير “حزب الله” موقفه من نظام الأسد مبنية على تجارب الحروب الخارجية التي خاضتها دول عدة وأدى ارتفاع كلفتها البشرية إلى إلحاق الهزيمة بالمتدخل الاجنبي. تمتد الأمثلة على هذه الحروب من فيتنام والولايات المتحدة إلى افغانستان والاتحاد السوفياتي وصولاً إلى الجزائر وفرنسا ولبنان وإسرائيل. فالخسائر البشرية في حروب مفتقرة الى التأييد الشعبي، غالبا ما تنقلب هزائم بعد ارتفاع أعداد القتلى.

لا تصمد هذه التفسيرات أمام فحص أعمق قليلاً للوقائع. فـ”حزب الله” في نهاية المطاف، جماعة أهلية تحركها هواجس الهوية والاعتبارات الذاتية أكثر مما تعنيها حسابات استراتيجية تتركها الجماعة لغيرها يقرر فيها عنها. ومقابل الحديث عن اعتراضات على زج الحزب في القتال الى جانب نظام صار مؤيدوه يعترفون ببطشه وقمعه لشعبه، تتصاعد نغمة التخويف من الجماعات الإسلامية المسلحة وتتعدد الدعوات الى الدفاع عن مراقد آل بيت الرسول في سوريا خصوصاً مقام السيدة زينب قرب دمشق. ويتعين الاعتراف ان الاستعصاء الذي تمر فيه الثورة السورية اتاح للمسلحين الإسلاميين اخذ موقع ودور أكبر من حجمهم بكثير ما يثير قلق كثيرين ليس آخرهم شيعة لبنان.

من ناحية ثانية، لا تصح كثيرا مقارنة الحروب الخارجية بتورط “حزب الله” في الحرب السورية. علّة بطلان المقارنة ان الحزب يتصرف على خلفيتين تمسان مساً مباشراً تكوينه و”مهمته” التي نشأ من أجلها. الخلفية الأولى هي تمثيله للهوية الشيعية ببعدها المذهبي الأعمق تميزاً عن باقي المكونات الطائفية والدينية المحيطة به، وبذلك يكون القتال ضد اسرائيل “عارضاً وليس جوهراً” في عقيدة الحزب وعمله، وقد ينقلب “العارض” هذا الى قتال غيرها إذا دعا الداعي الايديولوجي. الخلفية الثانية تقول أن الحزب قد بات مرتبطا ارتباطا وثيقا بمهمة ودور محددين ضمن الاستراتيجية الإيرانية وأن طهران التي تساند الحكم السوري ضد شعبه، تريد في الوقت ذاته بقاء “حزب الله” جاهزاً لأي طارئ في اطار الصراع على البرنامج النووي والتهديدات الاميركية والاسرائيلية باللجوء الى العمل العسكري إذا أصرت إيران على الاستمرار في رفع درجات تخصيب اليورانيوم.

لا تتعارض هذه المهمة مع الصورة التي يضع الحزب نفسه ضمنها خصوصا أن قيادة الحزب تفخر بارتباطها بولاية الفقيه وبالتالي بمندرجات هذا الارتباط ومتطلباته. بيد أن استمرار تقهقر قوات الأسد على أكثر من جبهة، قد يضع القيادة الايرانية و”حزب الله” تالياً أمام سؤال صعب: كيف التوفيق بين زيادة دعم النظام السوري وبين الحفاظ على الكتلة الرئيسة من قوة الحزب الضاربة في حالة الجهوزية القتالية والنفسية؟ هذا على افتراض أن الاعتراض على ارسال المقاتلين إلى سوريا لن يتجاوز قدرة جسم الحزب على التحمل والاستيعاب.

قد لا تبدو كبيرة الأهمية هنا الكلمات التي قالها الأمين العام للحزب في خطابات سابقة عن عدم حاجة النظام السوري إلى المزيد من المقاتلين وأن أي مساندة خارجية لن تغير في مسار الأمور شيئاً يذكر، لكنها ربما تشير إلى المسار التصاعدي في خط تورط الحزب في الحرب السورية مع ما لذلك من آثار على تعميق الانقسام اللبناني، وتبرر بالتالي تورط الجماعات الطائفية المسلحة الأخرى وتشجعه.

موقع 24

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى