صفحات العالم

اتصالات كلينتون: سوريّة لا لبنانية


إعادة تنشيط حركة الاتصالات الأميركية مع لبنان، بعد انعقاد طاولة الحوار، تعدّت مفهوم الدعوة إلى استتباب التهدئة لتعيد تذكير حلفاء سوريا ومعارضيها في لبنان بالأولويات الأميركية

هيام القصيفي

شهدت الأيام العشرة الأخيرة تدهوراً ملحوظاً في الوضع السوري الذي راح في اتجاه تصاعدي خطير، فيما اتضح أن المباحثات الأميركية ــــ الروسية تكثفت بشأن الملف السوري كله، وتتخذ أبعاداً أخرى حول الملف الإيراني النووي ولبنان والعراق. إلا أن التفاوض الذي يجري على نار حامية، بدا متعثراً في بعض مراحله، ولا سيما في ضوء الرسائل الإعلامية المتبادلة بين موسكو وواشنطن اللتين تتراشقان الاتهامات بتسليح النظام السوري بطائرات، والمعارضة بالسلاح، ومن ثم سحب هذه الاتهامات. فيما يبدو البريطانيون جادين، ومعهم الألمان، في توجيه رسائل رسمية عن تحاشي أي عمل عسكري في سوريا.

وذهاب الوضع السوري نحو التأزم، وجنوحه نحو حرب أهلية شاملة وكبيرة، واحتمال اقتراب العنف أكثر من دمشق، والفرز المناطقي والمذهبي الحاصل تدريجاً، كما تدل خريطة المناطق التي تقع فيها الاشتباكات، تشير إلى أن لبنان سائر إلى مزيد من التأزم الذي يثقل كاهل الأمنيين والسياسيين المعنيين مباشرة. وبحسب أوساط سياسية مطلعة، إن تقاطع حدة العنف في سوريا مع المفاوضات الروسية ــــ الأميركية عالق بين الدعوة الروسية إلى عقد مؤتمر حول سوريا، في حضور عدد من دول الجوار، ترفض واشنطن حتى الآن ضم إيران إليه، والدعوة إلى مؤتمر أصدقاء سوريا. وهذا يعني أن انعكاسه على لبنان لم يعد أمراً قابلاً للنقاش، واستعيض عن سياسة النأي بالنفس واحتيل عليها بالعودة إلى الحوار. فالمؤتمر الذي شارك فيه جميع الأفرقاء، ولو بغياب القوات اللبنانية، جاء نتيجة شعورهم بأنه لم يعد ثمة مجال لإنقاذ لبنان من الترددات السورية، إلا من خلال طاولة الحوار، ولو اقتضى الأمر الاكتفاء بالصورة فحسب.

والحوار الذي استؤنف بموافقة أميركية وأوروبية ودولية، هدف إلى تقليص رقعة الأزمات في المنطقة والتخفيف من جدول الأعمال الدولي الذي يولي الاهتمام اليوم للوضع السوري. لذا، لم يجئ اتصال وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بكل من الرئيس نجيب ميقاتي، بوصفه رئيساً للحكومة فحسب، بل أيضاً بصفته الجهة التي يمكن أن تكلَّف نقلَ الرسائل إلى حلفاء النظام السوري في لبنان، من «الجبهة الروسية» الذين لا تحاورهم واشنطن. والرسالة ـــ بحسب العارفين ـــ متشعبة في ما يعني اتجاه الأمور المستقبلية في المنطقة، بما يتعدى العناوين الكلاسيكية من دعم الجيش ووضع المصارف التي أصبحت لازمة التحذيرات الأميركية، وسبق أن شدد عليها مساعد كلينتون سابقاً السفير جيفري فيلتمان في زيارته الوداعية الأخيرة لبيروت.

كذلك تحدثت وزيرة الخارجية الأميركية مع الرئيس سعد الحريري، لا من باب تعويم زعيم المستقبل، بل بصفته طرف النزاع السوري الآخر في لبنان، في رغبة أميركية واضحة لتحييد لبنان عن أزمة سوريا في هذا الوقت، من خلال التشديد على ضرورة مشاركة الجميع في الحوار وأهميته. ويعكس توقيت الاتصالات التي أجرتها السباق بين المفاوضات الدولية ومع روسيا تحديداً حول سوريا، والوضع الأمني المتفجر فيها، وخطورة ارتداده على لبنان، وهو ما بات هماً أميركياً نتيجة سلسلة تقارير أمنية تتحدث بإسهاب عن جملة أحداث أمنية وعمليات تسلح وبيع أسلحة في الشمال والبقاع لا تزال تشكل ناراً تحت الرماد، ويتحدث عنها أمنيون وسياسيون بإسهاب في مجالسهم الخاصة.

وبحسب هذه الأوساط، بدا الخوف جلياً في أكثر من وسط سياسي وأمني ودبلوماسي من أن يذهب أكثر الوضع السوري في وقت سريع نحو الانهيار وتصيبنا شظاياه أكثر فأكثر. لذا، جاء الحوار بعد استنفاد كلمة النأي بالنفس؛ لأنه لا يمكن أن تبقى الحكومة في نأيها إذا انفجر الوضع في الشمال والبقاع وتصاعدت حدة الخطف المذهبي واستمر تدفق اللاجئين من طوائف معينة إلى لبنان، كما يحصل يومياً نتيجة العنف المذهبي في سوريا.

وتشير إلى أن الدعوة الروسية للبنان إلى حضور المؤتمر، من شأنها في مجال آخر أن تحرج لبنان وتدفعه إلى الخروج من حالة النأي بالنفس، ولا سيما أن بيروت سبق أن رفضت المشاركة في مؤتمر أصدقاء سوريا نتيجة دعمه للمعارضة السورية. فكيف يمكن مثلاً أن يلبي دعوة موسكو في حال حصولها، بما يعني أنه يتجاوب مع طرف مؤيد للنظام السوري، ولو في حضور دولي وعربي كبير، ويخرج تالياً من حالة الحياد التي شدد عليها عدد من المشاركين في طاولة الحوار؟ وهذا يفتح مجالاً جديداً للاجتهادات السياسية والسجالات حول موقع لبنان، لكنه سيبقى تحت سقف طاولة الحوار التي كتب لها أن تستمر بفعل إرادة غربية، لا إرادة محلية صرف.

الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى