صفحات العالم

في وقائع غير منتظرة/ حسام عيتاني

درَجَت مجلة “ذي إيكونوميست” أواخر كل سنة، على إصدار عدد خاص تدرج فيه توقعات كتّابها للأحداث الرئيسة ولتطورات العام المقبل. في الأعوام القليلة الماضية، ظهر أن الأحداث تتحدى أكثر الكتّاب تبصراً واطلاعاً.

وغالباً ما تتأسس التوقعات والتحليلات المستقبلية على قراءة “خطيّة” ( من الرياضيات والجبر “الخطيين”) لأحداث الماضي قبل البناء عليها للمستقبل. تفترض هذه القراءة أن حدثاً ما وقع في العام المنصرم، سيتطور في السنة المقبلة في اتجاهات قد لا تختلف جذرياً أو نوعاً عما شهدته الأعوام الماضية. تقيم القراءات تلك في فضاء ثنائي البعد وتفترض أنها تحتاط من المفاجآت باللجوء إلى درجة عالية من التأني في التحليل وعدم الانجراف إلى التكهنات الجامحة.

النوع هذا من القراءات غالباً ما يفاجأ أصحابه بسرعة التغيرات في الواقع وبتطورات لم تكن لتخطر على البال، وتأتي على الأعم نتيجة تطور معطيات أهملها الكتّاب واعتبروها غير جديرة بالحساب، أو لم يمنحوها الدرجة التي تستحق من الأهمية. الأمثلة على المفاجآت أكثر من أن تحصى، ومن آخرها صدمة الأزمة المالية العالمية في 2008 والثورات العربية ابتداء من ديسمبر (كانون الأول) 2010 وسقوط الأنظمة الاستبدادية العربية، ثم اتضاح عمق المعضلات التي تواجهها بلدان “الربيع العربي”.

بيد أن الأقرب إلى واقعنا كان ثلاثة تطورات كان من العسير توقع حصولها قبل عام. التطور الأول كان صمود النظام السوري والثاني الاتفاق النووي الايراني –الغربي والثالث سقوط الرئيس المصري محمد مرسي.

وبعد الخسائر الميدانية التي منيت قوات بشار الأسد بها في الأشهر الأخيرة من العام الماضي، والتي دشنها استيلاء المعارضة على ما يقارب من نصف أحياء العاصمة الاقتصادية حلب، إضافة إلى انحسار مناطق سيطرة النظام إلى ما يوازي ثلث مساحة البلاد، وانتشار توقعات بقرب سقوط الأسد في النصف الأول من العام 2013، تمكن النظام من استعادة المبادرة الاستراتيجية واستعادة مناطق مفصلية كالقصير وقسم من ريف حلب ونواحٍ في درعا وغيرها.

ومن العناصر الأهم لمكاسب النظام، كان انكشاف التخبط والارباك الكبيرين في صفوف المعارضين بعد انتقال تنظيمي “الدولة الاسلامية في العراق والشام- داعش” و”جبهة النصرة” من الانتقال من كونهما قوتين هامشيتين في الثورة إلى احتلال مكان الصدارة بين القوى المسلحة التي تعلن العداء للنظام. أدى ذلك إلى فوضى عارمة، سياسية وعسكرية الحقت أذى لا يمكن اصلاحه في صورة الثورة وسمعتها. وتجلى الأذى أكثر ما تجلى في امتناع المجتمع الدولي عن التدخل ضد بشار الأسد بعد مجزرة الهجوم الكيماوي في الغوطة الشرقية في أغسطس (آب) الماضي بذريعة أن توجيه ضربة للنظام ستؤدي إلى استيلاء “المتطرفين” على السلطة في دمشق.

من جهة ثانية، لو قيل قبل عام أن الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين سيتوصلون إلى اتفاق تاريخي مع إيران في شأن برنامجها النووي، لاعتبر هذا الكلام هرطقة بعد التوتر الشديد الذي أفضت سياسة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد قصيرة النظر في تحدي العالم. بعد انتخاب الرئيس حسن روحاني وحصوله على تفويض المرشد على خامنئي، أمكن للمفاوضات التي كانت تجري بعيداً عن الأضواء في سلطنة عُمان أن تحقق تقدماً لتنتقل بعدها إلى جنيف على مستوى وزراء الخارجية ويُعلن الاتفاق الشهير.

لعل العامل الأهم وراء التطور- المفاجأة كان اشتداد وطأة الحصار والعقوبات الغربية على إيران إلى الحد الذي جعلها “أمام الحرب أو الاستسلام” على ما صرح الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني بعد أسابيع قليلة من الاتفاق. قد يتعارض هذا القول ما الحملات الدعائية التي تتابع السلطات الايرانية اطلاقها، مباشرة أو بالواسطة والتي تُظهر بلادها كقوة عظمى لا يقف أمام إرادتها أي شيء. في حين أن الواقع أمر مختلف يلحظه المراقبون للشأن الاقتصادي الإيراني السائر من مأزق إلى آخر.

أما سقوط مرسي في مصر، فكان غريباً في سرعته. ذلك أن نهاية حكم “الإخوان المسلمين” بعد عام واحد، رغم الطبيعة الكارثية والفضائحية التي تميز بها، كان مما يصعب انتظاره. ولا مجال للإنكار أن العديد من الكتّاب توقعوا انهيار حكومة محمد مرسي في ظل الهزال الشديد الذي ميز إدارتها حتى لشؤون التسيير اليومي للبلاد، إلا أن الهبة الشعبية التي أنزلت عشرات الملايين من المصريين إلى الشوارع في 30 يونيو (حزيران) كانت غير منتظرة.

الأحداث التي تلت التظاهرات المليونية، من تقدم للجيش لأبعاد مرسي وإعلان “خريطة الطريق” وصولاً إلى أحداث محيط مسجد رابعة العدوية وسواها، كانت أقرب إلى ما يجوز التكهن به وسط توازنات القوى المحلية والمزاج الذي ساد الشارع المصري في الأيام الأخيرة لحكم مرسي.

يبقى أن العام 2014، سيحمل مفاجآته وصواعقه بعد عام صعب في كل نواحيه. التأني والتحليلات “الخطية” لن تفيد، مرة ثانية.

موقع 24

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى