صفحات المستقبل

أحدٌ أسود، غد أحمر


تشير الدلائل إلى أنّ حماة قد عاشت أمس إحدى أبشع المجازر في تاريخ سوريا نتيجة الاقتحام العنيف الذي تعرّضت له أحياؤها منذ ساعات الفجر الأولى، ورغم عدم وجود رقم واضح ونهائي لعدد الشهداء الإجمالي إﻻ أن المصادر المختلفة تتحدّث عن تجاوز هذا العدد حاجز المئة وعشرون شهيداً في حماة وحدها، يُضاف إليه عددٌ غير واضح بدوره من الشهداء الذّين سقطوا في مناطق أخرى من الجغرافيا الوطنية كدير الزّور ودرعا وغيرها.

يُقلق احتمال التهويل في أعداد الشهداء راحة وفرحة وانتشاء بروباغندا السلطة ومريديها، ويبدو هذا واضحاً عندما يوجّهون جهودهم نحو دحض العدد ومناقشته، وكأن نصف العدد المذكور من الشهداء أو ربعه مقبولٌ وﻻ غبار عليه. ربما يرى بعضهم العدد قليلاً ويحتج ﻷنه يريد أضعافه! صفحات أجهزة البروباغندا طافحة بـ “مطالبات” قصف بعض المدن والأحياء بالطيران الحربي ومسحها من الوجود. هذه مطالبات قد تكون ظريفة في تطرّفها وحماسها لدى من يعتبر نفسه معتدلاً في جوقة “الدبك” على دماء السوريين، لكن ﻻ ضرر من وجودها في خضم مصطلحات وطنيّة إصلاحية أخرى من قبيل العفس والفرم والمسح والسلخ والذبح. يتناسى هؤﻻء القلقون من “التهويل” أن ﻻ وجود لوسائل الإعلام المستقل وﻻ لمراقبين من خارج عباءة السلطة وما حولها ﻷن السلطة بنفسها تمنع وجودهم بحجج محمومة في حقدها على مفهوم الإعلام ككل (ما عدا تطويرات النظريات الغوبلزية التي يسمّونها “إعلاماً وطنياً”) وإمعانها في إرساء عقلية “القلعة المحاصَرة” الهستيريّة، والتي تجعل من الجميع يرى في الجميع عدواً متآمراً، وبالتالي يسمح المناخ المتشكّل عنها بتبرير أي حدثٍ مهما كان دموياً أو إجرامياً، أو ربما ﻻ حاجة للتبرير.. فقط يجب اﻻحتفال.

إن فرض الصمت الإعلامي، عدا عن فكرة أن من يسبّبه هو المستفيد منه، يجعلنا نرى أيضاً وجهاً آخراً من وجوه احتقار هذه السلطة لشعبها، فهي تمنعه من حقّه بمعرفة ما يجري على أرض بلاده وتفرض عليه، بابتزازٍ حاقد، أن يسمع ويطيع ويهتف كي ﻻ يُطعن في وطنيته وإنسانيته ويصبح خائناً عميلاً. هذه السلطة تريد المواطن خائفاً مرعوباً كي يتشبّث بها كـ “رعب معروف” في وجه “مجهول سيكون حتماً أكثر إرعاباً”. ﻻ يجدي الحديث اﻻلتفافي المجتر والمستهلك حول “قنوات مغرضة” وغيرها لدحض هاتين النقطتين، بل أن ثباتهما يزداد بعد كل “محلل سياسي” يخرج على الإعلام ليبلطج ويرغي ويزبد.

ﻻ شكّ أن يوم أمس، الأحد الأسود، يشكّل نقطة ﻻ عودة جديدة في مسيرة اﻻحتجاجات الشعبيّة المستمرّة منذ أكثر من أربعة أشهر، ويمكن اعتباره منصّة إطلاق لمنسوب أعلى وأشد من العنف السلطوي، ما يفتح احتمالات كثيرة، تسعُ أعشارها مخيف، وهذا بالضبط هو الهدف من رفع منسوب العنف.

لكلّ شخصٍ منّا أن يعتقد ويفكّر ويعمل ويقول ويصمت كما يشاء ويهوى، لكن أرجو من التاريخ أﻻ يكون رحيماً مع أحدٍ منّا يوم يحاكمنا، إن حاكمنا.. أرجو ذلك.

http://www.syriangavroche.com/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى