صفحات مميزة

أزمة اللاجئين السوريين ومصير الأسد –مقالات مختارة-

فصاحة البرميل وتأتأة الضمير/ صبحي حديدي

مايكل سبيني، المحلل السابق في وزارة الدفاع الأمريكية، يختصر أسباب موجات اللجوء الواسعة الأخيرة في هذه المعادلة: «الدولة الإسلامية» و»جبهة النصرة» هي المسؤولة أولاً، ضمن «مخطط ستراتيجي كبير»، «قد تكون سرّعت في تنفيذه مزاعم عن هجمات عشوائية، ربما نفّذها نظام الأسد ضد المدنيين». لاحظوا نبرة الإطلاق الجازمة في حديث سبيني عن مسؤولية الجهاديين، مقابل نبرة الترجيح الركيكة (في استخدام «قد» و»مزاعم» و»ربما») بصدد مسؤولية النظام؛ وكأنّ المحلل العسكري الجهبذ لم يسمع عن مئات البراميل المتفجرة التي تسقط على المدنيين كل يوم، أو يقرأ التقارير الموثقة عن لجوء النظام السوري إلى استخدام مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة، المدفعية والصاروخية والكيميائية، والطيران الحربي، وصواريخ الـ»سكود» في قصف سوريا، دولاً وعرضاً.

نموذج سبيني ليس شائعاً، في صحافة اليسار واليمين والوسط، على امتداد أطراف «المجتمع الدولي»، وفي الولايات المتحدة وأوروبا خاصة، فحسب؛ بل يبدو هذا الانحطاط في حسّ العدالة والإنصاف مجرّد واجهة لباطن أسوأ، أشدّ إسفافاً وهبوطاً، لأنه يختزل مأساة اللجوء الراهنة إلى مستويات تبسيطية وتسطيحية فاضحة: «الحرب الأهلية»، «الصراع الطائفي»، «لعبة الأمم»، و… «البحث عن مستقبل أفضل»! وحين يُشار إلى النظام السوري ـ المسؤول، الأول والثاني والثالث والعاشر…، عن واحدة من أبشع الجرائم بحقّ الإنسانية، على امتداد التاريخ المدوّن ـ فإنّ التوصيف يتخذ وجهة التلعثم والغمغمة، حول الـ»قد» والـ»ربما» والـ»مزاعم». للبرميل فصاحة وحشية، وللضمير تاتأة خائنة!

معطيات اللجوء السورية لم تعد خافية على أحد؛ حتى في إحصائياتها الدنيا، ومعدّلاتها وأرقامها، التي توافقت عليها منظمات دولية رسمية محايدة (وهي، بالطبع، أقلّ مما تشير معطيات الأرض التي توصلت إليها استبيانات أخرى، محايدة بدورها لكنها أكثر اتكاءً على المؤشرات الميدانية). ثمة ملايين هُجّروا، خارج بيوتهم وقراهم وبلداتهم ومدنهم، داخل سوريا؛ مقابل ملايين لجأوا خارج سوريا، في أربع رياح الأرض، وحتى قبل أن يسمع أحد بـ»جبهة النصرة» و»داعش»؛ وثمة ملايين ينتظرون، مكتوفي الأيدي وعاجزين عن القيام بأيّ من طرازَي اللجوء، ينتظرون مصائرهم تحت رحمة البرتميل المتفجرة أو القذائف الصاروخية أو الأسلحة الكيميائية. فهل الخروج إلى عرض البحر وقيعانه؛ أو الاختباء في شاحنة تبريد، أو مغامرة التيه في جغرافيا اغتراب لا تستثني القطب المتجمد… أهذا، كله، خيار إرادي، أم إجبار وقسر؟

وفي المقابل، إذا صحّ أنّ هذه الدفعات الهائلة من أمواج اللجوء الأخيرة تخلق، بالفعل، مشكلة معقدة الحلول؛ أفليس صحيحاً، في المقابل، أنّ تفاقم معدّلات اللجوء، خلال الأسابيع والأشهر القليلة الماضية، كان نتيجة مباشرة لترابط عنصرَين متلازمين في المشهد السوري: 1) استقواء النظام على المدنيين العزّل، واستخدام المزيد من البراميل والقذائف، وتشديد القصف على التجمعات السكانية أساساً؛ و2) انحدار «المجتمع الدولي» إلى حضيض غير مسبوق من الصمت إزاء جرائم النظام، بل التواطؤ معه أيضاً، تحت ذريعة أنّ محاربة «داعش» اكتسبت أولوية قصوى؟

أليس الارتباط وثيقاً بين «الخطّ الأحمر» ـ الذي رسمه الرئيس الأمريكي باراك أوباما ذات يوم، واتضح أنه ليس خطاً وهمياً فقط، بل هو خطّ أخضر لارتكاب جرائم أبشع بحقّ الإنسانية في سوريا ـ  وبين مساخر «سياسة» البيت الأبيض حول الملفّ السوري، ثمّ المنطقة بأسرها، بما في ذلك التخبط في العراق، واليمن، وفلسطين، ولبنان؟ أليس بين آخر هذه المساخر قرار أوباما بقبول عشرة آلاف لاجىء سوري، في بلد قام أساساً على مبدأ الهجرة والنزوح واللجوء؟

وبالتالي، لماذا يُلام محلل مسطح العقل، مثل مايكل سبيني؛ إذا كان رئيس القوّة الكونية الأعظم، سليل محتد أفريقي، يعتمد المقاربة ذاتها؟

القدس العربي

 

 

 

 

 

 

سفينة أوروبا وشاطئ الأسد/ غازي دحمان

أما أن تعلن دول أوروبا عن مقاربة جديدة للحدث السوري، تعطّل فيها البند الأبرز في تشخيص الأزمة، وهو مصير نظام الأسد، بل وتعمل على تفعيل موقعه في التسويات المقبلة، فذلك بلا شك تطور خطير، وانعطافة سيكون لها أثر في مترتبات الصراع في المنطقة، ومسارات تشكّله التي لا تزال في حالة سيولة واندفاع، خصوصاً أنه يتزامن مع تطور على السويّة نفسها من الخطورة، يتمثل بالانخراط الروسي المباشر في تعقيدات الصراع.

المنطق الطبيعي أن ملامسة أوروبا النار السورية عبر أحد إفرازاتها، ومن خلال طوفان موجات اللاجئين علي حدودها، كان من المتوقع أن يحدث صدمة في الوجدان الأوروبي، وهي حصلت بالفعل، وكان متوقعاً على أساسها أن تنعكس تلك الصدمة الوجدانية جرأة في الفعل وعقلانية في المخرجات، كأن تعلن أوروبا أن الملك عار، وأن اللعبة يجب ألا تستمر وفق قواعد الاشتباك الحالية، وتذهب إلى اتخاذ إجراءات ملموسة وواضحة، في طريق إنهاء الفضيحة العارية التي تلم بشعبٍ يهيم على وجهه، لأن حاكمه قرر أن يحرق البلد ليبقى. لكن، من مكر التاريخ أن ذلك لم يحصل، بل حصل العكس، لماذا؟

ثمة توليفة “خلطة عجيبة” تقف وراء تصدير هذه الاستجابة الأوروبية، وتكشف صورة المشهد الحقيقية: أولها السحر الإيراني: الملاحظة اللافتة أن أوروبا في الغالب إما أنها تعلن عن مواقفها الجديدة من على منابر طهران، أو بعد فترة وجيزة من زيارة أحد مسؤوليها طهران، وبعد فترة اختمار يتم الإعلان عن هذا الاجتراح الأوروبي. كل الذين زاروا طهران مسّهم السحر الإيراني، وللمصادفة، على أجندة استقبالات طهران، حتى نهاية العام، غالبية مسؤولي أوروبا، فهل سنجد أنفسنا، في نهاية الموسم، أمام صياغة جديدة للقضية السورية؟ ماذا يجري في إيران، وما الذي تطرحه على الأوروبيين في كواليس لقاءاتها بهم، حتى يُصار إلى تغيير مواقفهم بشكل كامل؟ هنا ثمة ملحوظة من الناحية التقنية، يتوجب الالتفات إليها، هي أن غالبية دول أوروبا حصلت من العرب، في السنة الأخيرة، على صفقاتٍ تفوق قدرة إيران على تقديمها بعقود من السنوات، لكن الفارق أن إيران تحوّل معطياتها الاستراتيجية إلى قيم مضافة، ما يجعلها تستفيد من عناصر ثرواتها بشكل أكبر، فهي تجعل المعطى الجغرافي وموقعها بين أوروبا وآسيا الوسطى ميزة استراتيجية وبديلاً محتملاً للطاقة، وتستثمر المعطى الديمغرافي “عدد سكانها” ميزة تسويقية، وتطرح مليشياتها وأذرعها بنية أمنية لتحقيق الاستقرار ومحاربة داعش، في حين أن العالم العربي يتبع مبدأ الصفقات الآنية التي ينتهي مفعولها عند لحظة قبض المستحقات وتوريد المنتجات.

الأمر الثاني، فتونة بوتين وخنوع أوباما: نجحت سياسات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين،

“تحاول أوروبا التلفع برداء العقلانية، لتستر عجزها، لأنّها تدرك أنّها باتت وحيدة بعد تخلي أوباما وخنوعه” المغامرة في الموضوع السوري بدب الرعب في قلب أوروبا وإقناعها بالانعطاف نحو مواقف جديدة، خصوصاً بعدما أثبت للقارّة العجوز أنه مستعد للذهاب إلى أبعد الحدود، حتى لو أدى ذلك إلى التدخل المباشر، وهذا يعني، في الحسابات الأوروبية، زيادة منسوب تداعيات الأزمة، بما فيها دفع ملايين السوريين إلى الهجرة. وأمام ذلك، تحاول أوروبا التلفع برداء العقلانية، لتستر عجزها، خصوصاً أنّها تدرك أنّها باتت وحيدة بعد تخلي أوباما وخنوعه أمام الممارسات الروسية والإيرانية.

وهناك في الخلطة العجيبة، التذبذب العربي: عاينت أوروبا، أخيراً، الموقف العربي بدقة وتمعن، باستثناء دولة أو اثنتين. لا يوجد دولة عربية يعنيها رحيل نظام الأسد، وما يقال في جامعة الدول العربية، وعلى منابرها، مختلف عمّا يجري في أقنية العلاقات الثنائية، وما يتم إبلاغ أوروبا به، بل كثيراً ما يبدي الدبلوماسيون العرب استعداد أنظمتهم لإعادة تأهيل بشار الأسد واحتضانه، بذريعة الحفاظ على مؤسسات الدولة، بل ويذهبون إلى اتهام الثورة “التي لا يعترف أغلبهم بها” بأنها مسبب كل الويلات والمصائب، بما فيها النزوح والتهجير والدمار، ربما من سوء حظ السوريين وزيادة لتعاستهم نجاح الثورات المضادة في غالبية دول الربيع، ونهوض الدول المعادية للثورات، وتصدّرها الحراك العربي. وتبعاً لذلك، لن يكون الأوروبيون ملوكاً أكثر من الملوك أنفسهم.

ليست أوروبا جاهلة بحقيقة الوضع في سورية، ولا هي معصوبة العينين، وموقفها بالتالي ليس نتيجة قراءة خاطئة، ولا تقديرات غير دقيقة للأوضاع في سورية، بقدر ما هو قراءة واقعية للمواقف الانتهازية والمتذبذبة للإدارة الأميركية والدول العربية من جهة، والنزوع الفوضوي الإجرامي لدى روسيا وإيران، وكأن أوروبا تنزع إلى توليف معادلة جديدة، تستطيع فيها التخفيف من تداعيات الأزمة، ووقف احتمالاتها السيئة على حساب ما تعرف أنّه حقيقة، وما تؤمن به من قيم.

لكن، لا يعني ذلك أن هذه الانعطافة قد تغيّر ديناميكية الصراع، بحيث تحقق شرط خضوع السوريين لشروط نظام الأسد. سيكتشف الأوروبيون، بأنفسهم، أن الأسد نفسه لن يقبل شرط الخضوع الذي سيعتبره نوعاً من التقية، كما لن يقبل مقاسمة السلطة وإجراء انتخابات برلمانية، على ما يقول حليفه بوتين، ما يريده هو إفراغ كل المنطقة الداخلة في إطار تنظيم دولته الطائفية من العرب السنّة، فهذه المساحة، حسب قناعته وقناعة مشغّليه، صرفت من أجلها ثروات، وأنهار من الدماء، وأصبحت خارج المناقشات. وما يمكن النقاش بشأنه هو نسبة التفريغ المحتملة في المناطق الحيوية المجاورة لتلك الدولة، والموافقة على تأسيس كيان بداخلها، ما يعني أن على أوروبا تجهيز نفسها لاستقبال ملايين، وليس مئات ألوف، طالما أن إيران تمد وبوتين يسد وأوباما لا يرد.

العربي الجديد

 

 

 

 

اللجوء إلى أوروبا وانعدام الأمل بحل الأزمة في سورية

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

ازدادت وتيرة هجرة السوريين الذين يعبرون البحر إلى أوروبا، طلبًا للجوء في الأشهر الأخيرة، وتوقعت الأمم المتحدة أن يصل عددهم إلى 850 ألف شخص في نهاية سنة 2015. وكانت موجات اللجوء خارج سورية قد بدأت منذ منتصف عام 2012، بعد انتقال الثورة السورية إلى طور العمل المسلح، واعتماد النظام سياسات العقاب الجماعي ضدّ السكان في المناطق والمدن الخارجة عن سيطرته. وتزايدت الوتيرة على نحوٍ مضطرد، مع قصف النظام العشوائي المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية المسلحة، ما زاد من إخفاقها في إدارة المناطق المحررة، وعجزها عن إيجاد مقومات البقاء الأساسيّة لسكانها، إضافةً إلى انتشار جماعات جهاديّة، سعت إلى فرض أفكارها وتصوراتها على المجتمعات المحلية، وارتكبت انتهاكات في حقها.

البدايات

اقتصرت الهجرة إلى أوروبا، في الفترة الأولى، على الأغنياء والميسورين، والناشطين المدنيين، وكذلك العاملين مع منظمات الإغاثة الدولية ومنظمات المجتمع المدني. وانضمّ السوريون المقيمون في أوروبا بهدف العمل، أو الدراسة، إلى هؤلاء، فحصلوا على وثائق لجوء رسمية، وأُدرجوا ضمن لوائح اللاجئين السوريين في أوروبا، في حين استقرت أغلبيّة اللاجئين في دول الجوار (تركيا، والأردن، ولبنان) في انتظار حلّ ينهي الأزمة، ويسمح بعودتهم إلى بلادهم. كما جذبت مصر، في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، عشرات آلاف السوريين من أبناء الطبقة الوسطى، نظرًا إلى عدّة أسباب؛ أبرزها مساواتهم بالمصريين في التعليم والصحة، وتسهيلات الإقامة، والسماح لهم بالعمل ونقل أنشطتهم التجارية والصناعية، وانخفاض تكلفة المعيشة في مصر مقارنةً بدول جوارٍ سورية. لذلك، لم تكن أوروبا وِجهةً رئيسةً بالنسبة إلى اللاجئين السوريين. وبحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، استقبلت دول الاتحاد الأوروبي، منذ اندلاع الأزمة حتى نهاية عام 2013، نحو 50 ألف لاجئ سوري، وهو عدد محدود مقارنة بدول اللجوء المجاورة.

“جذبت مصر، في عهد محمد مرسي، عشرات آلاف السوريين من أبناء الطبقة الوسطى”

ما لبث هذا العدد أن تضاعف في عام 2014؛ نتيجةً لعوامل مختلفة، في صدارتها إخفاق مؤتمر جنيف 2، وتراجع فرص الحلّ، وارتفاع مستويات العنف، وانتشار القتال في معظم الأراضي السورية، والتضييق على اللاجئين السوريين في مصر ولبنان والأردن. كما ساهم توسع تنظيم الدولة في المناطق الخاضعة لنفوذ المعارضة المسلحة، وسيطرته على مساحات واسعة من سورية، وكذلك هجومه على المناطق الكرديّة، في زيادة عدد اللاجئين إلى أوروبا؛ إذ فضّل آلاف السوريين من الأكراد من سكان منطقة عين العرب (كوباني) التوجه إلى ألمانيا مثلًا، لوجود جالية كردية كبيرة فيها، وعدم رغبتهم في العيش في مخيمات اللجوء التركيّة.

وقد برزت ألمانيا نقطة جذب للمهاجرين الجدُد، نتيجة التسهيلات المقدَّمة من الحكومة الألمانية في ما يتعلق بالإقامة، ولمِّ الشمل، والمعونة الاجتماعية، وكذلك تجاهلها “بصمة دبلن” التي تفرض على اللاجئ تقديم طلبه في أوّل دولة أوروبية يطأها، ما حفز سوريين كثيرين على اعتماد خيار اللجوء إليها. وقد أعلنت المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين أنّ عدد طلبات اللجوء المقدَّمة إلى دول الاتحاد الأوروبي من السوريين بلغ 210 آلاف طلبٍ من يوليو/تموز 2014، إلى يوليو/تموز 2015.

غير أنّ ما سلّط الأضواء على مسألة الهجرة، وأكسبها بعدًا سياسيًّا وأخلاقيًّا على الصعيد الدولي، أخيراً، التدفق غير المسبوق للاجئين السوريين؛ إذ قدرت المفوضية الأوروبية أعداد المهاجرين السوريين الواصلين إلى أوروبا بأكثر من 28 ألف مهاجر في يونيو/حزيران 2015، وأكثر من 32 ألف مهاجر في الشهر الذي تلاه، مع توقعات تضاعف الأرقام السابقة في إحصائيات شهر أغسطس/آب، وسبتمبر/أيلول 2015، لتستقبل أوروبا ما بين 4 آلاف و5 آلاف لاجئ سوري يوميًّا.

“قدرت المفوضية الأوروبية أعداد المهاجرين السوريين الواصلين إلى أوروبا بأكثر من 28 ألف مهاجر في يونيو/حزيران 2015، وأكثر من 32 ألف مهاجر في الشهر الذي تلاه”

أسباب موجة اللجوء أخيراً

يُعزى الارتفاع الأخير في معدلات اللجوء إلى مجموعة عوامل، أهمها:

  • تضاؤل فرص الحل: شهدت الساحة السورية تطورات مهمةً في النصف الأول من عام 2015، فالانتصارات العسكرية التي حقّقتها المعارضة المسلحة استنزفت النظام، وأظهرت عجزه عن الدفاع عن مواقعه، ومناطق مؤيّديه. ونتيجةً لتوسع تنظيم الدولة في مناطق النظام، أيضًا، عاد الحديث عن ضرورة الحلّ السياسي للأزمة السورية، وشرعت القوى الدولية والإقليمية في جهد دبلوماسي كبير، مثّل بارقة أمل لحلّ الأزمة السورية، ولا سيما بعد تزايد الحديث عن تقارب سعودي – روسي؛ بهدف تجاوز خلافاتهما، ووضع بيان جنيف 1 موضع التنفيذ.

لكنّ تمسك موسكو ببقاء الأسد، وتنامي وتيرة الدعم العسكري المقدم له، بدَّدَا الآمال بقرب التوصّل إلى حلّ؛ ما دفع سوريين كثيرين باحثين عن استقرار دائم إلى ركوب البحر، بدلًا من انتظار حلّ لا يبدو أنه سيأتي قريبًا. ثمّ إنّ انسداد الأفق، وتوقّع استمرار الأزمة سنوات عديدةً، فضلًا عن حاجة سورية عقوداً حتى تتمكن من تجاوز آثار الأزمة وإعادة الإعمار، دفع حتى ببعض السوريين المقيمين في دول الخليج العربية إلى طلب اللجوء إلى أوروبا، بحثًا عن استقرار نهائي لهم ولأسرهم.

  • ظروف اللجوء القاسية: ألحقت سنوات الحرب الطويلة الضرر بحياة ملايين السوريين ومصالحهم. كما استنزف اللجوء مقدراتهم ومدّخراتهم، وأفقدهم فرص تحسين أوضاعهم الاقتصادية، أو تعليم أبنائهم. فدول اللجوء الرئيسة (ما عدا تركيا) تعاني مشكلات اقتصادية، واجتماعية، وتنتشر فيها البطالة، إضافةً إلى غلاء المعيشة فيها. وجاء خفْض الأمم المتحدة مساعداتها، ولا سيما في ما يتعلق بالصحة، ودعم التعليم، ليضاعف معاناتهم، ويعرضهم للعوز الشديد، ويهدّد مستقبل أبنائهم. وفي المقابل، شكّل ترحيب ألمانيا التي أعلنت نيتها استقبال 800 ألف لاجئ خلال عام 2015 حافزًا قويًا دفع كثيرين من طالبي اللجوء السوريين إلى إعادة النظر في خططهم المستقبلية، وشدّ الرحال إلى أوروبا، هربًا من أوضاع اللجوء القاسية.
  • اختلاف أوضاع تركيا: وفقًا لإحصائية المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، تحتض تركيا 1.8 مليون لاجئ سوري؛ أي نحو 45% من إجمالي اللاجئين السوريين في الخارج المسجلين لدى الأمم المتحدة البالغ عددهم أكثر من 4 ملايين. وفي السنوات الأربع الماضية، كانت تركيا الوجهة المفضَّلة للاجئين والمهجّرين السوريين لأسباب عديدة؛ منها قربها الجغرافي، واقتصادها القوي، والحكومة الداعمة، وتوفر إمكان العودة، وسهولة التنقل من سورية وإليها. لكنّ الأوضاع تغيرت كثيرًا خلال الأشهر الماضية، إذ شدّدت الحكومة التركية إجراءاتها الأمنية، وأغلقت حدودها أمام الخارجين من سورية، بسبب التهديدات الأمنية في ولايتها الجنوبية.

“تحتض تركيا 1.8 مليون لاجئ سوري؛ أي نحو 45% من إجمالي اللاجئين السوريين في الخارج المسجلين لدى الأمم المتحدة البالغ عددهم أكثر من 4 ملايين”

من جهة أخرى، أثارت نتائج الانتخابات البرلمانية، ودخول تركيا مرحلةً من عدم الاستقرار السياسي والأمني قلق سوريين كثيرين، ودفعتهم إلى البحث عن بدائل، إذ يخشى هؤلاء إخفاق حزب العدالة والتنمية في الحصول على أغلبية في الانتخابات المبكرة المقبلة، تمكنه من تشكيل الحكومة منفردًا، واضطراره إلى تقديم تنازلات لأحزاب معارضة تناصب اللاجئين السوريين العداء، وتدعو إلى ترحيلهم، وإلى التحالف مع بشار الأسد في مواجهة “الإرهاب”.

بناءً على ذلك، أضحت السواحل التركيّة، بالنسبة إلى المهاجرين السوريين، نقطة انطلاق رئيسة في اتجاه الجزر اليونانية القريبة، خصوصًا أنّ السلطات التركية أخذت تتوانى، في الآونة الأخيرة، في ملاحقة شبكات التهريب، وضبط مراكب المهاجرين، وكأنّ الأمر، في ما يبدو، توجهًا تركيًّا جديدًا لمعاقبة أوروبا، بتقاعسها في البحث عن حلّ للأزمة السورية، واكتفائها بموقف المتفرج على المعاناة الإنسانية، في ظلّ تحمّل دول الجوار، خصوصاً تركيا، أعباء اللجوء.

  • المناخ الجغرافي الملائم: تكررت الأحداث المأساوية خلال شتاء 2015؛ إذ قضى مئات اللاجئين، ومعظمهم من السوريين، غرقًا في مياه البحر المتوسط من دون الوصول إلى إيطاليا أو اليونان، بسبب سوء الأحوال الجويّة. وعلى الرغم من أنّ حركة الهجرة لم تتوقف، فإنّ أعدادًا كثيرةً من المهاجرين، خصوصًا العائلات منها، فضّلت تأجيل رحلاتها البحرية إلى أشهر فصل الصيف.

التداعيات

يشكّل اللجوء إلى أوروبا بالنسبة إلى أغلبيّة المهجرين حلًّا لمعاناتهم المستمرّة منذ سنوات؛ إذ يُؤمّن لهم الوصول إليها الاستقرار المادي والنفسي، والتعليم، وفرص العمل، وغير ذلك من المنافع على الصعيد الفردي. وفي المقابل، تبرز آثار سلبية عديدة على المستوى الوطنيّ. فعلى خلاف دول اللجوء المجاورة أو الدول العربية الأخرى، تدمج الدول الأوروبية المهاجرين وتوطنهم، وتمنحهم جنسيتها بعد مضيّ فترة زمنية محددة، ما يعوق عودتهم مستقبلًا.

من أجل ذلك، من المرجح أن تفقد سورية، في حال استمرار وتيرة الهجرة على ما هي عليه أو زيادتها، مئات الآلاف من مواطنيها سنويًّا. وتعزّز تصريحات المسؤولين الغربيين، وبرامجهم الهادفة إلى تنظيم استقبال المهاجرين السوريين في السنوات الخمس المقبلة، مخاوفَ من وجود توجُّه غربي لإطالة عمر الأزمة، وحصرها في أحد جوانبها (اللجوء). فمن شأن ذلك أن يُحدث خللًا في التركيبة السكانية والديمغرافية لسورية، لا يقلّ أثره عن سياسات التجهير الممنهجة التي يتبعها النظام وحلفائه.

“يُعدّ فقدان عنصر الشباب أحد أبرز الآثار السلبية للهجرة الحالية؛ لأنه عنصر ضروري ومهمّ في عمليّة إعادة الإعمار”

وتساهم الهجرة الحالية في اضمحلال الطبقة الوسطى في سورية؛ إذ تفيد عدّة دلائل بأنّ المهاجرين إلى أوروبا ليسوا من المعدمين داخل المخيمات أو الفقراء العاجزين عن تأمين تكاليف الهجرة المقدرة بنحو ثلاثة آلاف يورو للشخص، بل إنهم من أبناء الطبقة الوسطى الباحثين عن استقرار دائمٍ وأوضاع معيشية أفضل (منهم المثقفون، والجامعيون، والمهنيون، والحرفيين).

وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى دراسة أجراها التلفزيون السويدي، متعلّقة بمستويات تعليم الوافدين حديثًا إلى السويد خلال عام 2014، استنادًا إلى إحصائيات مكتب العمل السويدي ومجلس الهجرة، فقد خلصت إلى أنّ اللاجئين السوريين هم الأكثر تعليمًا من بين اللاجئين الحاصلين على إقامة دائمة في هذا البلد، وأنّ 37 % منهم حاصل على شهادات جامعية، أو شهادات فوق الثانوية.

فضلًا عن ذلك، يُعدّ فقدان عنصر الشباب أحد أبرز الآثار السلبية للهجرة الحالية؛ لأنه عنصر ضروري ومهمّ في عمليّة إعادة الإعمار. ومن المرجح أن تخسر سورية، أيضًا، أعدادًا كبيرة من الجيل الجديد الذي سوف ينشأ في بلاد بعيدة على ثقافة مختلفة، تسلخه بالتدريج عن وطنه الأصليّ، وتغيّر اهتماماته وأولوياته.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

 

مقولة نظام الأسد… خسارة النازحين لا تعد نزفاً/ حازم الامين

كتب «مثقف» النظام السوري: «معظم اللاجئين السوريين خارج وطنهم هم من الفئات غير القادرة على التعايش مع التعددية… وهكذا فإن خساراتهم لا تعد نزفاً ديموغرافياً»!، وذلك قبل أن تبادر صحيفة «الأقلوية الممانعة» إلى سحب مقاله من موقعها الإلكتروني والاعتذار. وسبق هذه الواقعة أن أقدمت مصورة في تلفزيون يميني مجري على ركل نازح سوري يحمل ابنه ويحاول الإفلات من عناصر الشرطة التي تحاصره. وأيضاً أقدم التلفزيون اليميني على إنهاء عقد عمل المصورة لديه.

والحال أن سحب المقال من الصحيفة اللبنانية وإنهاء عمل المصورة التلفزيونية المجرية لا يلغيان حقيقة أن فعلتي الكاتب والمصورة صادرتان عن وعي وتصميم هما وليدا ثقافة نزق وطني عنصري لطالما شاب الوعي الأقلوي، ودفعه نحو مستويات هذيانية.

وإذا كانت فعلة المصورة المجرية شأناً أوروبياً تتولى مجتمعات القارة العجوز نقاشه ومحاسبة نفسها وثقافتها عليه، فإن فعلة كاتب النظام في سورية ليست سقطة عابرة، إنما هي جزء من لغة ومن أفعال ومن أداء أنظمة ودول لا تقتصر على النظام في سورية. وقد ابتكرت لهذه اللغة مفاتيح تمكنت من حجز مكان لها في قاموس ما هو مقبول في لغتنا السياسية. فعبارة «سورية المفيدة» تنطوي ضمناً على قناعة بأن ثمة «سورية غير مفيدة». وهذه العبارة مهدت من دون شك لمقولة كاتب النظام، إذ إن وجود «سورية غير مفيدة» يعني أيضاً وجود «سوريين غير مفيدين»، وهم من باشرت آلة النظام عملية ترحيلهم على نحو منهجي.

وهنا علينا أن لا نهمل جهداً بدأ يُبذل لإنتاج رواية تتخلص فيها الأقليات من الإرث الثقافي الجماعي للمنطقة، وتنسب إلى نفسها فضائل «التعددية» في مقابل الأحادية، فيُنتج تلفزيون «المنار» مثلاً برنامجاً عن الإمام الثاني عشر، يشير فيه إلى أن والدته «رومية مسيحية»، في إشارة إلى «قابلية ثقافية» للاختلاط بالأقليات، ويهمل التلفزيون في برنامجه هذا أن والدة الإمام في هذه الرواية غير المحققة أصلاً، كانت سبية.

النقاش يجب أن يتركز هنا على مدى صحة مقولة أن ثمة ترحيلاً منهجياً يرقى لأن يُسمى ترانسفير في سورية. ذاك أن وجود «سوريين غير مفيدين» عبارة موازية للعبارة الصهيونية التي استعملت في وصف سكان الجليل عندما باشرت المنظمات الصهيونية عملية ترحيلهم وتوطين يهود أوروبيين في مدنهم وقراهم. فهم وِفقها «بدو لا يصلحون للبقاء في هذه الأرض الخصبة». وبعد ثلاثة عقود من هذه العملية ظهر في اسرائيل من يعترف بأن دولته أقدمت على ترانسفير.

وبغض النظر عن حقيقة أن عبارة كاتب النظام كشفت عن مدى إعجابه بالنجاح «غير الأخلاقي» للترانسفير الإسرائيلي، على حد تعبير المؤرخ الاسرائيلي بيني موريس، فإن ثمة وقائع تؤكد أن ثمة تمهيداً حقيقياً لعملية ترانسفير سورية أنجزت فيها مهام محددة، فيما تنتظرها خطوات لاحقة يبدو أن النظام وحلفاءه في طريقهم إلى مباشرتها. والوقائع المنجزة يُمكن بسهولة إدراجها في سياق خطة منهجية تهدف إلى تغيير ديموغرافي واضح.

المهمة هي تأمين بيئة تساعد على تحقيق «سورية المفيدة». المهمة شاقة وصعبة، لكنّ النظام وحلفاءه الإقليميين والدوليين سائرون فيها على ما يبدو. «سورية المفيدة» التي تمتد من دمشق وريفها إلى الساحل السوري مروراً بحمص وريفها، يجب أن تتخلص من «السوريين غير المفيدين»، وهؤلاء يشكلون أكثر من 60 في المئة من سكان هذه المناطق.

المهمة بدأ تنفيذها منذ سنوات. وثمة وقائع كثيرة أصبحت وراءنا في سياقها. فالطريق من دمشق إلى حمص، تم ترحيل الكتل السكانية الرئيسة منها. ومدن القصير ويبرود وأحياء حمص القديمة، جميعها صارت مناطق غير مأهولة تقريباً. مدينة الزبداني في طريقها الى الالتحاق أيضاً بسلسلة المدن السورية الخالية من السكان. ثمة أكثر من مليون لاجئ سوري في لبنان جميعهم من هذه المناطق. وإذا كان الترانسفير يحتاج لكي يتحقق إلى أكثر من ربط الوقائع بالنوايا، أي إلى إعلان واضح عن موقع السكان من مشروع الدولة المستجدة، فإن كاتب النظام كشف عن موقع هؤلاء المرحلين في ثقافة النظام. فهم «لا يخدمون التعددية»، وهم «شعب القاعدة وداعش». علماً أن النظام يملك ثقافة احتقارية لهؤلاء السكان سبقت انتفاضهم عليه، وما عبارات كاتب النظام سوى صدى مباشر لهذه الثقافة.

لكن، وعلى رغم وجود النوايا وضعف الوازع الأخلاقي، تبقى المهمة شبه مستحيلة. صمت العالم عما يجري للسوريين لا يُشبه صمته حيال ما حل بالفلسطينيين في 1948. في ذلك الوقت، قرر العالم أن ليهود أوروبا الناجين من المحرقة دولة في الشرق يجب عدم اعتراضهم في مهمة تأسيسها. أما في سورية، فالعالم مستهدف أيضاً في هذا الترانسفير، وأوروبا منقسمة حيال مصير مئات الآلاف من السوريين العالقين بين حدود دولها. والكتل السكانية التي استهدفت بقرار الترانسفير كانت أقل انسجاماً وتماسكاً من الكتل المستهدفة بالترانسفير السوري. الأعداد أيضاً كانت أقل، والمجتمعات المجاورة التي استقبلت اللاجئين الفلسطينيين في حينه لم تكن مضطربة على نحو ما هي مضطربة اليوم. وتبقى المشكلة الأكبر في وجه الترانسفير السوري والتي تتمثل بهوية المستوطنين الذين يُفترض إحلالهم في الأرض التي اقتلع سكانها. فحتى الآن لا يبدو أن ثمة تصوراً لدى النظام عن آلية نقل للسكان، وما زالت الأخبار عن توطين ايرانيين ولبنانيين وعراقيين ضعيفة وغير واقعية.

هذا كله لا يُضعف حقيقة أن السوريين يتعرضون لنوع جديد من الترانسفير، مع فارق أنه ترانسفير بعثي لا صهيوني، أي أنه يحمل من هوية أصحابه انعدام وجهة واضحة وخطة واقعية، ويبدو أن التجريب هو وسيلته في «الإنجاز». وهذا يعني ارتفاعاً في طاقته العنفية والتدميرية، وترافقه مع نزعة استئصالية.

يبقى أن دراسة مقارنة بين الترانسفيرين السوري والفلسطيني لا تساعد على استبعاد وصف ما يجري في سورية بأنه عملية ترحيل منهجية. فالعالم اعترف بأن اسرائيل أقدمت على اقتلاع سكان من أرضهم وإحلال غيرهم محلهم بعد عقود من وقوع الكارثة. والعالم اليوم يُمارس نكراناً مشابهاً.

 

 

 

 

ناهض حتر وبشار الأسد/ حـازم صـاغيـّة

“إن معظم اللاجئين السوريين خارج وطنهم هم من الفئات غير القادرة على التعايش مع التعددية والنمط الحضاري الخاص بسوريا. وهكذا، فإن خسارتهم لا تُعد نزيفاً ديموغرافياً، في حين ينبغي إيقاف نزيف الكتلة الوطنية المدنية، التي تئن من الهاونات وانقطاع الكهرباء والماء والغلاء وانخفاض المستوى المعيشي حتى اليأس”.

هذه الفقرة أنهى بها السيّد ناهض حتر مقاله الأخير في جريدة “الأخبار”، الذي اعتذرت عنه الأخيرة وسحبته من التداول الإلكترونيّ.

والحقّ أنّني حين قرأتها للمرّة الأولى، أعدت القراءة بهدف التأكّد! وغنيّ عن القول إنّ الأمر لا يرجع إلى صعوبة أو تعقيد في الفقرة، بل إلى سهولة بالغة. غير أنّها ليست السهولة التي تُنسب إلى القول العفويّ، بل تلك المنسوبة إلى القول الغريزيّ. فحتر يقول ما يقمعه التمدّن عند من يؤمنون بالتمدّن. إنّه يفعل ما فعله ذاك العونيّ المهووس على حسابه الفيسبوكيّ، حين علّق على صورة الطفل آلان كردي التي هزّت العالم، فاكتفى باعتباره عبرة لمن اعتبر ولم يجد في صورته ما يثير أدنى التعاطف!

بالطبع ليس ناهض حتر الوحيد، في مجال الصحافة والتعبير، الذي يؤيّد النظام السوريّ. لكنّه يمثّل أكثر كوكتيلات التأييد تفجّراً وسُمّيّةً وبذاءة وتقديماً للخدمات.

ولإيضاح المقصود بالكوكتيل، يمكن الاستشهاد بعيّنات عن كوكتيلات أخرى:

فهناك مثلاً كوكتيل يتألّف من الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين ورشّةٌ ماركسيّة وأخرى فوضويّة وثالثة سعيديّة، وهو ما يجسّده مثلاً السيّد أسعد أبو خليل. هذا الكوكتيل ينتقد النظام السوريّ من موقع أكثر راديكاليّة بقياسات “التحرّر الوطنيّ” والعداء لإسرائيل والإمبرياليّة. إلاّ أنّه في جميع المواقف الأساسيّة والفاصلة يحشر نفسه في معطف بشّار الأسد.

وهناك كوكتيل يجمع بين الناصريّة وحبّ حزب الله، عبّر عنه مؤخّراً الصحافيّ المصريّ العامل في “المنار” السيّد عمرو عبد الهادي ناصف. وهذا إنّما يسلك إلى تأييد الجزّار السوريّ طريقاً أقصر من طريق أبو خليل، وإن كانت أطول قليلاً من طريق حتر.

وهناك بالطبع الكوكتيلات الكثيرة لأنماط من اليسار الشيوعيّ، العربيّ منه وغير العربيّ، حيث تتفاوت مقادير العداء لأميركا والعداء للرأسماليّة والنوستالجيا السوفياتيّة.

وأصحاب هذا الكوكتيل يتجرّأون “نظريّاً” على بشّار، معتبرين أنّ خطيئته الأساسيّة نيو ليبراليّته وخيانته اشتراكيّة أبيه. بيد أنّهم، “في الممارسة”، لا يجدون بديلاً عنه وعن “تصدّيه”!

أمّا حتّر، وهو صحافيّ أردنيّ ومسيحيّ نما وترعرع في الحزب الشيوعيّ الأردنيّ، فتشخيصٌ لكوكتيل غريب واستثنائيّ. ففيه يجتمع الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ واليساريّة الشعبويّة وعدد من التعصبات الأهلية التي يفترض أن لا صلة لها بأي يسار. وهو، في هذا، يمثّل أقلّ الكوكتيلات حرجاً في تأييد القاتل السوريّ لشعب ليس قوميّاً سوريّاً ولا يساريّاً ولا علمانيّاً، بل هو مسلم ويشبه الفلسطينيّين.

وإذا كان الكوكتيل الأوّل دونكيشوتيّاً في هجاء “الرجل الأبيض”، فهو دونكيشوتيّ في طلب “العملقة” التي تستوحي “الرجل الأبيض”.

وإذا كانت بقيّة الكوكتيلات تدبّج فذلكات نظريّة لكي توصل تحفّظاتها التي لا يُعتدّ بها، فالكوكتيل الحتريّ لا يفكّر في أمور كثيرة، بل يدرك أنّ المطلوب واحد.

هذا المسمّى ناهض حتر يدلّ إلى الأفق الوحيد المنسجم، بل الطبيعيّ، للوقوف “بحضاريّة” تحت نعل الأسد. هذا أصدق الكوكتيلات.

 

 

ناهض حتر بصحيفة الاخبار:يشتم اللاجئين السوريين ويقول رحيلهم ليس خسارة !!؟؟

أعلنت الناطقة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ميليسا فليمنغ، أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين لديها، كالتالي: (1950000) في تركيا، (1113000) في لبنان، و(630000) في الأردن، (250000) في العراق، وأعداد أخرى، أقل، في مصر وشمال أفريقيا، ليصل العدد الإجمالي إلى ما يزيد على أربعة ملايين لاجئ سوري في دول الجوار.

الأرقام أعلاه لا تشمل، بالطبع، المقيمين غير المسجلين كلاجئين.

وتقول الحكومة الأردنية ان عددهم في المملكة يزيد على المليون. وإذا كان من الصعب التحقق من هذا الرقم، فإن المرء يستطيع أن يلمس كثافة سورية في استثمارات جديدة، وخصوصا المطاعم وقطاع الغذاء وقطاع المنسوجات، بالإضافة إلى العاملين الفنيين في قطاعي الإنشاءات والتجارة. والغالبية العظمى من غير المسجلين لاجئين، ليسوا معادين للدولة السورية.

وأظن أن هذا الوضع ينطبق على لبنان. وكان الإقبال اللافت للنظر، في عمان وخصوصا في بيروت، على الانتخابات الرئاسية السورية، عام 2014، دليلا على أن اللجوء ـ المسجّل، وبدرجة أكبر بكثير، غير المسجّل ـ ليس لجوءا «معارضا»، أو هاربا من بطش النظام…الخ، وإنما هو لجوء للبحث عن الأمان، هربا من مناطق سيطرة الإرهابيين، أو للبحث عن فرص استثمار وعمل ودراسة الخ.

هناك ثلاثة عوامل رئيسية، دفعت باللاجئين السوريين، من النوعين أعلاه، للبحث عن مهجر دائم في وطن ثان في أوروبا؛

العامل الأول يتعلق بالفرص التي تمنحها الدول الصناعية في مجالات التعليم والعمل والترقي ومستوى الحياة الخ.وهذه عناصر جذب بحدّ ذاتها؛ فلو كان الباب مفتوحا للمواطنين العرب، كما هو مفتوح، الآن، للسوريين، لتدفق عشرات الملايين منهم، هربا من فقر أو تعلقا بأهداب أمل يكشف الهيمنة الثقافية الغربية على شعوبنا، بما فيها الفئات الأشدّ تدينا.

العامل الثاني يتعلق باليأس الناجم عن استمرار الحرب للسنة الخامسة، من دون نتيجة حاسمة.هذا اليأس، يدفع بجمهوري الصراع في سوريا، إلى طلب الهجرة، لكن جمهور ما كان يسمى « الثورة» هو الأكبر بين اللاجئين إلى الدول الغربية، ومن بينهم هاربون من المسلحين والإرهابيين، كانوا، حتى الأمس القريب، على الجبهات. ويأتي هؤلاء، خصوصا، من تركيا. ونُشرَتْ، في هذا الصدد، تقارير تتحدث عن تسرّب ما يزيد على أربعة آلاف داعشي بين اللاجئين إلى أوروبا، بل إن « وكالة أوقات الشام»، نشرت صورا لإرهابيين، قبل وبعد اللجوء إلى ألمانيا.

العامل الثالث يتعلّق، ويا للمفارقة، باقتراب التوصّل إلى حل سياسي في سوريا، والشروع في حرب إقليمية ضد الإرهاب؛ حفّزت تركيا أردوغان، وسهّلت موجات الهجرة السورية إلى أوروبا، سعيا لتحقيق عدّة أهداف في وقت واحد هي

(1) ممارسة الضغط الإعلامي والسياسي على الولايات المتحدة للسماح لها بإقامة منطقة عازلة في شمال تركيا،

(2) التخلّص من إقامة قسم كبير من اللاجئين السوريين لديها،

(3) التخلّص من الآلاف من عملائها الإرهابيين، ومنحهم فرصة للفرار وبدء حياة جديدة في الغرب.

على رغم التهويل، بلغ عدد اللاجئين السوريين إلى أوروبا منذ 2011 وحتى الآن، أقل من 400000 مهاجر؛ حوالي 25000 منهم اتوا من تركيا، عبر اليونان. ويمكن أن يرتفع هذا الرقم بمعدلات كبيرة في الأشهر المقبلة، بعدما تبنت دول عديدة، ولأسباب مختلفة، سياسة استقبال اللاجئين السوريين. وفي طليعة هذه الدول، ألمانيا. وهي أغنى الدول الأوروبية، من جهة، وتحتاج، من جهة أخرى، إلى سدّ ثغرة تناقص الأيدي العاملة الشابة لديها. وتبدي برلين استعدادها لاستقبال نصف مليون لاجئ. ومما يدلّ على أن هذه السياسة لها طابع استراتيجي، بالنسبة لأوروبا، فقد انضمت كل من ايطاليا واسبانيا وبلجيكا وفرنسا وبريطانيا والنرويج والسويد وتشيكيا وصربيا، إلى ألمانيا، في فتح باب هجرة السوريين إليها.

وفي سياق انساني مختلف، أعلنت دولتان حليفتان لدمشق، هما البرازيل وفنزويلا، انضمامهما إلى الركب. انتهت فترة التهريب والابحار اللاقانوني المرعب، بالنسبة للاجئين السوريين؛ فاليوم، تقوم الأمم المتحدة، بالإشراف على نقل حوالي عشرة آلاف لاجئ سوري، يوميا، إلى أوروبا، برحلات جوية وبحرية منظمة ـ ومخفّضة الكلفة ـ انطلاقا من تركيا والأردن ولبنان.

وهكذا، يبدو واضحا ـ خلافا للتصريحات التركية الحامية والدموع الألمانية ـ أن عملية ترحيل اللاجئين السوريين إلى أوروبا، تهدف إلى تصفية ظاهرة اللجوء السوري، واستحقاقاتها السياسية والاقتصادية، في دول الجوار، ونقل القسم الأكبر من اللاجئين إلى دول تحتاج إلى قوة عمل الملايين من العبيد الجدد للرأسمالية، ووسط هؤلاء، سينتقل القسم الأعظم من «المجاهدين السوريين»، للعيش في ديار الكفّار، مستعدين، دائما، للانخراط في التجييش الأميركي في حرب جديدة، «دفاعا عن الإسلام»! كان الانفجار السكاني في سوريا، أحد أهم عوامل الانفجار السياسي والأمني فيها.

وقد كانت الهجرة منها، تحدث، وستحدث ـ بغض النظر عن الحرب ـ بصورة تلقائية، وأقل مأساوية وكثافة. كذلك، فإذا استثنينا المضامين فعلا من الاضطهاد الإرهابي لأبناء المكونات السورية غير الوهابية، فإنه يمكننا القول إن معظم اللاجئين السوريين خارج وطنهم هم من الفئات غير القادرة على التعايش مع التعددية والنمط الحضاري الخاص بسوريا. وهكذا، فإن خساراتهم لا تعد نزفا ديموغرافيا، فيما ينبغي إيقاف نزف الكتلة الوطنية المدنية، التي تئن من الهاونات وانقطاع الكهرباء والماء والغلاء وانخفاض المستوى المعيشي حتى اليأس.

 

…………………………………………………………………………..

وبعد وصول الاف الاحتجاجات من السوريين وحتى من الموالين اضطرت صحيفة الاخبار لحذف المقال ونشر الاعتذار التالي :-

«الأخبار» تعتذر من الشعب السوري-

مقال الزميل ناهض حتر في عدد الأربعاء 9 أيلول 2015 تعدّى على مبادىء الصحيفة ولم يكن ليُنشر في «الأخبار» لولا خطأ تحريري فادح.

«الأخبار» تعتذر الى قرائها، والى الذين مسّهم محتوى المادة وأهانهم، لنشرها كلاماً ليس مكانه صفحاتها.

وقد أزالت من على موقعها المقال الذي يتعارض مع مبادئها وروحها

عن كلنا شركاء

 

 

 

 

الهجرة ليست حلم السوري/ عمار ديوب

استفاقوا على اقتلاع جماعي، لم يكونوا قد فكروا فيه من قبل. هو ليس كاقتلاع أشجار معمّرة خوفاً من عبادتها كما فعل أصحاب الرايات السوداء في مدينة إدلب. وليس خروجاً لشبابٍ طامح إلى بلاد المغترب لغاية معلنة وهي تحسين الأحوال، وربما لغايات خافية لا يعملها إلا هم والراسخون في العلم. وليس بسبب فقدان المعيل الوحيد لأطفال صغارٍ ويحتاجون الكثير ليصبحوا راشدين كما يحصل في الأعوام الخمسة المنصرمة وبشكل يومي.

لا. لا. الاقتلاع هذه المرة، يشمل أشكالاً عديدة من التهجير والهجرة؛ وقد تمّ بفعل خيار الموت والقتل والدمار المتستر بالعلمانية والوطنية، الذي طال الملايين من البشر. أولئك الذين ينجبون أطفالاً كي يرثوهم، ويحققوا للأهل أحلام رؤية الأحفاد. إنهم الذين يلقنوننا درساً عجيباً، فرغم إيداع العشرات من بني أرحامهم في عالم الله، نجدهم يعيدون الكَرّة تلو الأخرى. هؤلاء لا ينجبون الحياة فقط بل والأمل كذلك.

فرضَ الخيار العدمي هذا، على من لم يمت وما زال يلفظ أنفاسه، التهجير؛ فأفرغت بلدات وقرى من أهلها في كل سورية، وبقي أهل المناطق التي يسيّطر عليها من يعتقد أن لا شيء تغيّر تحت ضوء الشمس، وكل ما يقال هنا وهناك مجرد إشاعات مُغرضةٍ من أناس لطالما تربّصوا به، ولطالما أعدّوا له العِدّد، والمسألة تتطلّب عدّة شهور وسيتم تطهير “السرطان” من الجسد وسيتعافى. الشهور تلك أصبحت سنوات خمس وما زال الأفق حَبٍلاً بسنواتٍ إضافية. وهناك رحيل آخر تمّ بفعل جماعاتٍ تدّعي صلةً بالله ونسباً إليه في كل أفعالها البغيضة، وبدورها نهبت البيوت وقتلت وهجّرت، وفي أماكن تواجدها فرضت قيوداً أشدّ ممّا يُحكى عن حدود الله ذاتها.

ولأن الناس تحب الله وتحب الحياة، اختارت الهجرة مجدداً إلى بلاد استبداد سياسي آخر وعدم العيش ببلاد الاستبداد الديني. حدث ذلك لأهالي حلب فكانت وجهتهم مدينة طرطوس، واللاذقية ودمشق والسويداء، هذه المدن بدورها تملأ حاراتها صور لشهداء الحفاظ على النظام. وقد قَدِمَت إليها أعداد كثيرة من أهالي حمص أو حماه أو درعا، وهناك من اختار تركيا، والأردن ولبنان وإلى أية بقاع وطئتها أقدام البشر ولو في أقاصي الأرض، وتم ذلك بفعل الموت المتربّص بهم في كل دقيقة وثانية، في أرض المعارك.

التهجير، قطيعة مع المكان، والتاريخ، والذكريات، والحب، والحزن، والمقابر، والأرض، والشجر، والهواء، قطيعة مع كل شيء. تهجير عن آلاف التفاصيل اليومية التي تشكل ذاكرة المقتلعين. الهجرة أخف وطأة، فهي تتم على مهلٍ، يوضّب من أجلها المسافر حقائبه، وثيابه ويودّع أصدقاءه، وربما يسير في شوارع مدينته ويتصل بأصدقائه وقد يجمعهم بسهرة لطيفة كليلة وداعٍ، ويمكن أن يزور مقبرة أجداده وذويه. أما المهجّر، فليس له من هذا الترف شيء أبداً. فقد يخرج بثياب النوم، أو بما يرتديه وربما دون حذاء وربما ينسى طفلاً له نائمًا. هو يترك خلفه حياة كاملة، حيّه، بلدته، مدينته، حكاياه، وربما جزءاً من عائلته.

هناك هجرة الخوف من الموت والبحث عن الأمان، ومنها لزيادة الأرباح في بلاد آمنة، وهناك من كان بالأصل يحلم بالهجرة، فجاء تطور الأحداث ليسمح له بتحقيق الأمنيات “المريضة”. الأوهام عند هذا البعض تدفعه للظنّ أنه أهم من أهله وحياته السابقة وبلده، ومكانه الطبيعي في بلاد الحضارة.

الهجرة ليست نزهة إلا للمؤثّرين وأصحاب الأموال. بقية الناس تبيع منازلها وأراضيها وتستقيل من العمل، وقد تموت في البحار أو بطلقات لحراس الحدود، أو قد يكون الموت بأيدي عصابات إجرامية تقوم بالنقل ولكنها تستبقي بعض الفتيات للاستمتاع.

التهجير أو الهجرة يتمان من دون توقف، وبإصرار بالغ، وهناك من سبق الآخرين إلى السويد أو النمسا أو هولندا وسواها، ويسخر من الذين بقوا، متسائلاً ماذا بقي في البلاد لتعاندوا طلب اللجوء؟ أليست هذه بلاد أصلاً؟ كثيرة هذه الأسئلة التي تبدو كأنها طبيعية، فالحرب أصبحت سيدة الحضور بلا منازع.

فعلاً فماذا سيفعل المدنيون في الصراع المسلح، وماذا سيفعلون أمام مئات الجماعات المسلحة. ثم إن الحريات تتقلّص بشكل هستيري، ويكاد المرء ببلاد الجهاديات يُحاسب على مقدار الهواء الذي يستنشقه، وفي مناطق النظام على أي رأي، عدا الفقر وغياب الأمن واحتمال حدوث الاعتقال لأتفه الأسباب، والموت بطلقة طائشة من أحد المسلحين.

هذه ليست تفاصيل تُقرأ في نص، هذا جزء من حياة السوريين، جزء من حكاياهم اليومية. مقابل ذلك هناك من يُصرّ على البقاء، ولكنه بدوره وأمام أي امتحان من قوى القتل العلمانية أو من أصحاب الرايات السوداء، يفكر جدياً في الرحيل. خيارات الموت كارثية وتحيق بالسوريين أينما ولّوا وجوههم.

في بلاد الهناء والسعادة، يصعب أن تجد ممّن تجاوز الثلاثين ومتوافق مع الحياة الجديدة. فهم يطلقون الشكوى والحنين اليومي. راغبون بالعودة، وكلامهم ليس كذباً حالما تهدأ الأوضاع. تتحطم الأحلام يومياً أمام هؤلاء، وإذا لا يشكون من الأمان، ولكنهم يشكون من الحياة ذاتها. أرواحهم تقول: لا حياة خارج أماكن العقود الثلاثة أو الأربعة أو أزيد التي عاشها المرء. فامرأة تقول سأؤمّن مستقبل الأولاد وأعود، وأخرى تقول أمضي الوقت بأكمله أقلّب صور الأمس، وثالث يؤكد الحياة لا تطاق هنا، ورابع نعيش ونأكل، وقد أصحبنا كبغال معلوفة، ورابع يجلس متذكراً من غادر الحياة إلى الأبدية، وهكذا يتتالى الألم.

في المدن التي انتقل إليها ملايين الناس من مدنهم المدمرة، ورغم الاختلاف في العادات والدين والعيش في منازل سيئة والعيش على أغذية وفرش المساعدات الرديئة، فإن الجميع يحاول التغلّب على المصاعب، يحاولون تجاوز صغائرٍ يقوم بها أفراد المجتمع المحلي. هنا تجد امرأة تحاول التعلّم، وأولاد يكسبون نقوداً إضافية لإعالة الأسر. وأسر يعيلها أطفال. ويصادفك رجل يسمح لزوجته وبناته بترك الحجاب. هذا الانتقال، ورغم كارثية سببه، يقول البعض أنار عقولنا على حياة مختلفة في مدينة أخرى، قد لا تكون أفضل ولكنها جديدة تماماً.

ومن مصاعب المهجرين للمدن المجاورة، ما يتعلق منها باعتبارات الدين. هذه تسمّم الحياة فوراً، فقد تندفع مجموعات للتهجّم عليهم باسم الدين أو تشويه النقاء المحلي “الطائفي”! أو إفساد الحياة “المتحضّرة”، وقبالة ذلك هناك بشر يعملون كالنحل من أجل تأمين حاجات الملايين الوافدة. ولو أنّ أغلبية الناس لا تبدي موقفاً ما، ولكنها أيضاً لا تتدخل بشؤونهم الخاصة. بروز سلبيات معيّنة ولأسباب متعددة، يؤكد كثيرون أنها ليست حقيقة، وهي طارئة على حياتهم، وربما هم مجبرون عليها لأسباب متعلقة بالخوف أو فقدان أحد الأقارب أو الزعرنة أو الوعي المشوّه.

المهجرون بالإكراه، والخارجون من الحصار، من حمص ودير الزور ومخيم اليرموك والمعضمية وداريا، ومئات البلدات والقرى، هؤلاء لا يمكن للكتب وأفلام السينما والمسرح والروايات أن تدوّن معاناتهم، ولا أن تشرح تفاصيل الحياة اليومية التي عاشوها، كالخوف من الموت والجوع والاغتصاب ومن رؤية أخٍ يتألم، وابن يطلب حليباً. وما قد يترك آثاراً لا تندمل أن تطلب سيدة الحماية فلا يتمكّن رجلها أو ابنها من ذلك. وهناك هزال الجسد التدريجي، وأمراضه، وصراخ الألم المستمر.

قصص كثيرة لا يجدون أية طريقة لتفاديها، فيكون الموت البطيء بكل بساطة وتعاسة وألم. نقصان الأغذية تحايل عليه الناس بما توفر، فتناولوا كل شيء يؤكل حتى وصولوا إلى أغصان الشجر، ولحوم القطط والكلاب والحمير. وصلوا إلى ما لم يفعله السوريون أبداً في حياتهم إلا في المحن. ما الذي عاشه هؤلاء حينها، كيف فسّروا الحصار؟ ماذا قالوا لكل البشرية؟ وهل كرروا ما قال يسوع مرة لأبيه في السموات؟ وكيف خاطبوا الأنبياء وكيف كانت صلواتهم؟ هناك ما ستكتب عنه الأساطير، فلكل فرد تجربته الخاصة، تفاصيل ألمه.

وحين يخرج أحدهم، هناك مئات الأحاديث ستسمعها ولن تنتهي أبداً، وربما من أغربها الشعور بالشبع، وهناك ابتزاز الذين وظيفتهم تشويه كل جميل وسعيد وفرح؛ وفي حالات كثيرة لا يعود الخارجون بتسوية كما جرى في حمص والمعضمية مثلاً حينما يذهبون للاستجواب القاتل. حينها يعود التفكير: لو لم نخرج، لو متنا قبل أن يختفي أو يموت، أي امتحانات هذه يا الله. وينفتح الباب لأسئلة لا يستطيع بشري الإجابة عليها.

ليست هذه القصص ممّا حلمنا به. لم نتخيّلها أصلاً، ربما قرأنا عنها هنا وهناك، وربما سمعنا عنها عمّا عاشه الفلسطينيون والعراقيون واللبنانيون والصوماليون وشعوب أخرى. لقد تجاوزت حياتنا كل ما قرأنا، وما سمعنا وما عاشه الآخرون.

حياتنا الآن بين هجرةٍ دائمة أو هجرة لاحقة وبقاءٍ أقرب للانتحار الاختياري.

العربي الجديد

 

 

 

 

سورية وقد عُلّقت على خشبة/ ديمة الشكر

أصحيح أن القادة سيجتمعون من أجل إيجاد حلّ للناس؟ أصحيح أن الأوروبيين سيجدون حلاًّ من أجل “اللاجئين”؟. تشير أسئلة في صيغة مماثلة إلى نوع بعينه من التهجير الذي يتعرّض له السوريون؛ التهجير خارج سورية وصوب أوروبا. ورغم أنه ليس النوع الوحيد من التهجير السوري، إلا أنه كان الأكثر “حظّاً” على ما يبدو، في جعل السياسيين يفكّرون مرتين لا مرة واحدة، كما في كل مرة.

فكّر السياسيون مرتين بسبب صورة الطفل السوري، عيلان عبد الله، مُسجّىً على شاطئ البحر، ثم عادوا إلى مهنتهم الأثيرة : إطلاق التصريحات وفقًا لمصالحهم وموقعهم في رقعة الشطرنج العالمية، وسعدوا بوصفهم “لاعبين إقليميين”، إذ من شأن وصف مماثل تسهيل تمرير وصف آخر : حرب أهلية أو إرهاب، كما من شأنه الترفّع عن المساعدة بوسائل شتّى، فأن تكون لاعبًا إقليميًا يعني أن المسؤولية ليست عليك وحدك. هكذا يبرّر السياسيون بجنسياتهم المختلفة، لكن وفقًا للعبهم الإقليمي، هروب السوريين برّاً وبحرًا صوب أوروبا.

وفي غمرة تبادل الاتهامات عمّا يجب عمله، وما لا يجب عمله قياسًا إلى النتائج، ما كان ممكنًا البتة السؤال عن أنواع أخرى من التهجير السوري ولا عن أسبابها بالطبع. إذ ثمة أيضًا التهجير الداخلي البراميلي، والتهجير الداخلي التعذيبي، والتهجير الداخلي التدميري، والتهجير الداخلي الداعشي، فضلًا عن النزف السوري الذي “ظهر” في مخيمات الدول المجاورة لسورية. كل نوع من التهجير أدّى إلى إفراغ مناطق برّمتها من السوريين. قرى ومدن صارت أثرًا بعد عين. لكن، يبدو أنه لم يكن من عين ترى، قبل صورة الطفل عيلان.

لكلّ أنواع التهجير السوري سبب واحدٌ وحيد يعرفه جميع أعضاء نادي “اللعب الإقليمي”، لكن، لا أحد منهم يرغب حقًا في الإشارة إليه. يغضون الطرف عنه، إذ إن إشارة مماثلة لن تكون هذه المرّة كما في السابق “اجتهاداً لغويّاً” أمام وسائل الإعلام فحسب نتيجةً لصور أخرى وبثٍّ مباشر لقصف وقتل وتهديم وتعذيب وتهجير، لم تحرك أيٌّ منها شيئًا، وكذلك الأرقام المفزعة لعدد السوريين القتلى والمنزَّحين والمعذبين والمهجَّرين. الإشارة المماثلة في حسابات اليوم، أي بعد خمس سنوات تقريبًا من المأساة السورية، أضحت عالية التكلفة.

وكان ينقص المشهد القيامي تغريدة رجل الأعمال ساويرس، بشراء جزيرة في البحر الأبيض المتوسط، لوضع اللاجئين السوريين”البحريين” فيها، كذا تكتمل عناصر المشهد القيامي الذي لا نهاية له في الأفق على ما يبدو. جزيرة إغريقية لتناسب التراجيديا السورية. لكأن السوريين محض أرقام في حسابات الجميع، إذ لا ريب في أن رجل الأعمال “الشاطر” فكّر ربّما مرّات عدة بتكلفة أمرٍ مماثل فهو رجل أموال أولًا وأخيرًا؛ سعر الجزيرة، وعدد اللاجئين، وماذا سيعملون هناك. أو لعلّ الفكرة هبطت إليه، فأعجبته بلاغتها ورأى أنها تناسب السلوك الجديد : الهرع صوب وسائل التواصل الاجتماعي. هرع رجل الأعمال إلى تويتر ليعلن تغريدته على الملأ، ومثلما فكّر بتكلفة الجزيرة، فكّر كذلك بعدد التغريدات المصاحبة لتغريدته. عدد التغريدات يعني أنه “الشاطر” وسيكون الأوّل في الـ Trafic والـ Trends على مواقع التواصل الاجتماعي. وهذا جيد، فكلّما زاد الرقم وارتفع، زادت حظوظ التغريدة في أن تكون مادّة في وسائل الإعلام. الأمر غير مكلف البتة، تغريدة واحدة من رجل الأعمال، ربّما يرغب هو بدوره في أن ينتسب إلى النادي؛ نادي اللعب الإقليمي. فلو كان جادًا في “المساعدة” أو في تقديم عون أو حلّ من أي نوع، لما هرع إلى التغريد أصلًا.

تهجيرٌ سوري بأنواع لا تحصى، وفي مكان المهجّرين والمنزّحين والمهرّبين، يستعد “مهاجرون” غير سوريين للذهاب والسكنى. للذهاب إليها، إلى تلك البلاد الصغيرة الممزقة والمدمّرة والنازفة منذ خمس سنوات. لعلّها مع صورة الطفل عيلان الذي لفظه البحر على الشاطئ، لُفظت هي بدورها، وصعدت من بحر دمائها لبرهة، ففوجئت، إذ وجدت نفسها الأولى في الـ Trafic والـ Trends، على مواقع التواصل الاجتماعي، والأولى في وسائل الإعلام، والأولى في تصريحات القادة وأعضاء نادي اللعب الإقليمي. الأولى لدى الجميع، كل الجميع، أي وفقًا للتعبير اللبناني الجديد “كلّن يعني كلّن”.

فوجئت لبرهة فحسب، فقد خبرت هذا العالم الذي أدار ظهره لأبنائها القتلى، وأبنائها المعذّبين، وأبنائها المنزّحين، وأبنائها المهجّرين، وأبنائها المهرَّبين. هي الأولى لبرهة قد تسفر عن أمل وقد لا تسفر عن أي شيء. هي سورية وقد عُلِّقت على خشبة.

العربي الجديد

 

 

 

قوافل المهاجرين نذير استمرار النزاعات/ عبد الوهاب بدرخان

عاد إيلان الكردي إلى عين العرب ليوارى مع شقيقه ووالدته، خسر أمله في أرض آمنة، فاته مستقبل كندي كان يجهله، وفقد حياته في تلك المغامرة التي قاده إليها والداه. لكنه لا يزال هناك، على شاطئ «بودروم» التركي، حيث شوهد «نائماً» بعدما تقاذفته الأمواج، وسيبقى هناك حيث طبعته الصورة في الأذهان، كما لو أنه ابن لا أحد وولد كل أحد. فالأطفال في عمره يتشابهون. شعره، رأسه، جسده، قميصه الأحمر، بنطاله الكحلي، وحذاؤه الأسود، تذكّر بأولادنا وأولاد الجيران، وبالألوان التي يختارها الأطفال للخربشة على رسوم أترابهم في دفاتر التلوين. كان يمكن تلك «الجثة» أن تكون لدمية سقطت من يد إيلان خلال التزاحم للصعود إلى قارب الهلاك، ولعله بكى دموعاً حارة للفراق عنها، بل لعلنا كلنا تمنينا أن تكون دمية فعلاً، لكنها كانت هو نفسه، ولا أحد يعلم ما إذا كان إيلان وجد وقتاً للصراخ والاستغاثة قبل أن تبتلعه المياه التي استقبلت قبله مئات الأطفال والأمهات في رحلات مماثلة.

قدر إيلان أن يصبح رمزاً لحقبة إنسانية بائسة، وأن يكشف ضعف القوى الكبرى وجبروت الطغاة الصغار. فالنازحون، اللاجئون، المهاجرون، سلعة تتهافت عليها «دولة المهرّبين»، التي تبدو اليوم كأنها قلبت المعايير والقيم: فهل تكمن المشكلة في أن هؤلاء البشر المنسيين في مدنهم وبلداتهم هبّوا فجأة راغبين في الهجرة أم في أن هناك مَن اضطهدهم وسفك دماءهم واقتلعهم من بيوتهم، وهل المشكلة في البلدان التي استقبلتهم مرغمة بحكم الجيرة ولم تعد قادرة على استيعاب المزيد أم في بلدان جهدت منذ البداية لاستبعاد امتحان «إنسانيتها» بالترحيب بهم، وبالتالي هل المشكلة في أن هؤلاء الهاربين يرغبون في الانتقال إلى أي برّ آمن أم في أن هناك مَن يتربّحون من تهريبهم؟ أصبحوا مشكلة أوروبية، أو تركية وأردنية ولبنانية… وليسوا مشكلة سورية أو عراقية أو ليبية أو أفغانية أو أفريقية.

تصرّفت بلدان «المصدر» كأنها معنية فقط بطردهم وتصديرهم، فالاعتبار الإنساني عندها مات منذ زمن، ولم يكن تكوين دولها وجيناتها، إذا وُجدت فيها دولٌ أصلاً. هم عبء سكاني يضايق السلطة، وسنحت لها فرصة للتخلّص منه. اعتاد العالم، من دون وجه حق، على التعايش مع بلدان طاردة لأبنائها، وما عاد يستغرب هروب الأفغان والأفارقة، مثلاً، إذ يرى حكامهم غارقين في الاستبداد والفساد، ولذا فالغرابة في أن يبقوا في مواطنهم يمارسون عيشاً لم يكن له يوماً طعم الحياة، ويعاملون ككمّ مهمل من الشباب والعجّز. كانت النظرة مختلفة إلى سوريا، لأن المظهر كان خدّاعاً، ولأن معادلة «الاستبداد- الاستقرار» كانت كذبة مصيرها الانكشاف الكارثي عند أول منعطف. وهي ذاتها المعادلة التي سادت عراق العهد السابق، وقد بدّدها منعطفا الاحتلال الأميركي ثم الهيمنة الإيرانية. قوافل الهاربين من بطش النظام ومجازره في سوريا تعرّضت لكل أنواع التنكيل والإهانات. طوابير الفارين من إرهاب «داعش» في الرمادي أوقفت عند مداخل بغداد، وعومل أفرادها كأجانب وافدين لا مكان لهم ولا ملاذ. تلك مجرّد عيّنة من التغيير الذي طرأ على العقول والنفوس.

كانت هجرة عرب المتوسّط بدأت قبل قرنين تحت وطأة الاضطهاد العثماني، وما لبثت أن تعاظمت بفعل المجاعات. ومنذ اصطُنعت إسرائيل وزرعت كبؤرة ممثلة للاستعمار القديم في قلب المشرق تعرّف العرب إلى ما بات يسمّى «الشتات». أُخرج الفلسطينيون أولاً من بيوتهم وقراهم، ثم من أرضهم إلى أرض اللجوء في بلدان الجوار، ومنها إلى العالم الذي لم يبدِ ترحيباً بهم، إلى أن أصبح يتقبّلهم، لا بدافع إنساني وإنما لأن الدول الكبرى شجّعت على استقبالهم كمساهمة منها في دعم إسرائيل التي استولت على أرضهم وأملاكهم وماضيهم، ورفضت أن تكون عودتهم جزءاً من مستقبلهم… يُخشى أن يكون هذا النموذج الإسرائيلي هو ما استوحاه النظام السوري وحليفه الإيراني في التعامل مع شعب سوريا.

لم ينقسم الاتحاد الأوروبي سابقاً كما هو اليوم بانشغاله في توزيع حصص المهاجرين على أعضائه مواجَهاً رفضاً شديداً من دوله الشرقية الشيوعية سابقاً، أو في محاولته شراء تعاون الدول الحدودية (اليونان والبلقان) التي أصبحت ممرات مفتوحة لـ«الغزو الإسلامي» و«الخلايا النائمة» كما وصفها مسؤولون مجريون وسلوفاكيون وهولنديون. ووسط هذا الانقسام ينذر الرئيس أوباما، كما فعل بالنسبة إلى إرهاب «داعش»، بأن مشاكل المهاجرين ستستمر لعقود مقبلة. لا يعني ذلك سوى أن الدول الكبرى تفتقد الإرادة لحل النزاعات التي تدفع بموجات المهاجرين إليها. وهذه بشرى سارة للطغاة وأنظمتهم.

كاتب ومحلل سياسي – لندن

الاتحاد

 

 

 

 

يوم حشر سوري عالمي!/ د. طيب تيزيني

جاء في الأخبار وعلى لسان مصدر أممي، أنه في نهاية هذا العام 2015 ستكون قد هاجرت من سوريا جموع أخرى جديدة من سكانها يصل عددها مليوناً جديداً. وحتى ذلك الحين، قد يحدث من الصراعات العسكرية الدموية ما يضيف إلى هذا من أحداث التدمير والتفكيك ما يتجاوز إتفايقة سايكس- بيكو الاستعمارية بأضعاف. وفي يوم تاريخ هذا الخبر، أضافة قناة ” العربية”، بأن مدير وكالة الاستخبارات الأميركية «سي أي إيه» أعلن أن المفهوم الوطني في المنطقة العربية سيسقط، لصالح مفهوم طائفي أو عشائري أو ديني! وبالطبع، فإن المفهوم القومي (العربي) سيتعين عليه أن يتلاشى، مُفسحاً الطريق أمام تلك المفاهيم الأخيرة (الطائفي والعشائري والديني.. إلخ) ومن ثمّ، فإن تحولاً جذرياً وعميقاً سيجتاح الخريطة الديموغرافية التاريخية للعالم العربي بأنساقه الوطنية المتعددة. وحيث يكون الأمر كذلك، فإن واقعة هجرة السوريين من وطنهم السوري بعر إخلائه لغيرهم ستكون في مقدمة مثيلاتها، التي تنتهي مع انتهاء «إعادة التأسيس» للعالم العربي الجديد! وبحسب الثقل الديني الراهن كما التاريخي، فإنه قد يظهر أن الهوية الطائفية المتوترة قد تصبح هي المهيمنة على مثيلاتها الأخرى.

وها هنا، ستبرز دول «شيعية» وأخرى زيدية وثالثة سنية وغيرها علوية وإسماعيلية، مع احتمال بروز كيانات أخرى ذات هويات عرقية وغيرها مثل الآشورية على سبيل المثال لا الحصر.

وذلك كله يمثل ما يراد له، كما يظهر، أن يكون «شرقاً أوسط جديداً» ليس بعيداً عن مشاريع أخرى يُسوَّق لها في الغرب كما في الشرق. إن إيران التي تحدثت عن وضع يدها على ثلاث أو أربع عواصم عربية، في وقت ما سابق، وضعت فيه اعتبارها أن هذه العواصم – وهي دمشق وبغداد وصنعاء وبيروت- ستصبح أو -أو هي أصبحت- مدناً ملحقة بإيران الفارسية، المتقنعة بمذهب ديني هو المذهب الشيعي. إن هذا الأمر وغيره صارا مطروحين ضمن الخريطة الشرق أوسطية الجديدة، مما يشي بمخططات أخرى سابقة وراهنة ربما تكون ما زالت مطروحة على بساط البحث. وتضاف إلى ذلك الجهود التي تبذلها قوى غربية، في ضوء التحولات الكبرى التي يعيشها الغرب منذ بروز الخطاب العولمي مع نشأة العولمة الاقتصادية خصوصاً. فإذا كانت الجهود الأولى المذكورة آنفاً، التي واجهناها مرتبطة بمفاهيم تتصل بهويات دينية أو إثنية أو عرقية قديمة، فإن تحولات الغرب المذكورة في إطار العولمة أنتجت نمطاً آخر من الهويات الأكثر إثارة للقلق.

وفي ذلك المفصل الجديد الهائل في تأثيراته، يبرز «السوق» واقعاً اقتصادياً استهلاكياً، ومنهجاً فكرياً ثقافياً، بمثابته الركن الركين للمجتمع برمته.

فمع بروزه بهذه الصيغة، يُقصي كل ما دونه، بالاعتبار الوجودي والإنساني الماهوي. وها هنا، نجد أنفسنا، بكل امتلاء وجودي وأخلاقي وإنساني، أمام تعريف العولمة الذي وضعه باحث أميركي في كتاب «أميركا التوتاليتارية»، فهو يقوم على أن هذه إنما هي «السوق المطلقة». وهذه تقوم على عنصرين اثنين يجبّان كل شيء دونهما، وهما «المال والسلعة». ونحن هنا لا نرى أن المسألة المتصلة بالعالم العربي تخضع للتحليل العولمي، وإن كانت جزءاً لا ينفصل عن المادة التي تعمل السوق العولمية على سحقها. وهي مسألة مقترنة بهويات ترتد إلى الماضي ويُراد لها أن تصبح سيدة المفاهيم والعلاقات والضوابط في المجتمعات العربية الشرقية الإسلامية، وما دونهما في قاع السلم التاريخي الشرقي.

ومن هنا فإن الإعلان عن اكتمال خروج مليون من السوريين إلى أوروبا وغيرها حتى نهاية هذا العام من حقنا أن نقرأ فيه فصلين اثنين، واحد يتمثل في تقديم أنفسهم وتاريخ وجودهم للآخرين، وآخر للتبشير بالعودة إلى سوريا لإعادة بنائها.

الاتحاد

 

 

 

الشرطي السويدي والشرطي المجري… والطفل اللاجئ/ ناصر السهلي

لعلك حين ترى المشهد، وتشتم رائحة اليأس، والموت المؤجل محمولاً على نظرات في الفراغ، ستعرف ما معنى أن يكون يوم الحشر نوماً مسيفاً… جسد ملقى على بلاط جامد وعامل المحطة يرفع ساقه ليسقطها حيث الفراغ عند قدم يبدو باطنها بلون غير لون الوجه الحنطي، أو عند وجه طفل أو طفلة إن شئت، ما يزال شعرها يحمل علامة لفراشة صامتة صنعت أمها لها “جدولة صغيرة” في رحلة الكذب عند سكة القطار في مشوار طويل وهي تسأل لاهثة: متى نصل…

ستعرف بأنه عليك ألا تبكي، ولا ترفع هامتك أمام المطرقين نظرهم في خيم تفترش المساحات… إنه مشهد من عوالم أخرى… حيادي… مهني… وصنعة ألا تقترب من قدم أحدهم فتفزعه كما يفعل ذلك الكاره لذاته، حين يلقي بمفرقعة كراهية على آلاف تتكدس أسفل جسر يفصل الشارع عن محطة قطار… ينهض بتثاقل البعض، بينما يفزع على أربعته آخرون… أطفال يبحثون عن حضن قريب منهم ليخفف عنهم فزعهم، وذلك الكريه يقهقه ويتلو عليهم من الأعلى بضع كلمات أن: ارحلوا… والشرطي المجري في درج المحطة لا يهمه من كل المشهد سوى إياه…

قال لي ذلك العربي: الشرطي المجري فيه إنسان… ما أن ينزع حلته الرسمية حتى يكون إنساناً ويتصرف كإنسان… ربما، وما أعرفه هو التالي: الشرطي، وإن كان يرتدي حلته الرسمية ويضع نجمات على كتفه هو شرطي يتواضع إذا ما كان طفل قد مد يده ليعطيه ما بيده… لكن أن يتصرف كالأبله فيفرد يديه رفضاً لطفل يدرك أنه المانع له من العبور فذلك ليس بشرطي… بل آلة صماء في معبد الكراهية المتأصل.

ذلك شرطي إنسان… رغم كل ما لا تشتهيه سياسة الظل في بلده، قرفص الشرطي الدنماركي يداعب طفلة صغيرة على شارع سريع في بلده… فأسر القلوب دون أن يدري أن أحداً يلتقط له صورته… لم أكن هناك، بل هنا حيث التجهم عنوان الكراهية المعلن عنها في ركلة “زميلة”، وأخرى أكثر سطحية في استشراقها تبحث عن مقايضة قصة بتذكرة سفر إلى ألمانيا…

في السويد، شرطي آخر… صباح الأحد كتب على الصفحة الرسمية لشرطة لوند جنوب السويد: بحق الجحيم ما الذي نفعله؟ ونال حوالي مئة ألف إعجاب على مواقع التواصل الاجتماعي خلال ساعات قليلة.

هنا وهناك… اللاجئ محور حديث يطول… لكن الفارق هو بين أن نكون بشراً أو آلات صماء… لا يأبه شرطي من زمن أصم أن يسقط بالقرب منه شخص مصاب بمرض قلب… بينما الشرطي السويدي “توبي” يسأل بحرقة: ما الذي نفعله بحق الجحيم؟ يسأل بعد أن أنقذ طفلاً لاجئاً في السادسة عشرة من محاولة انتحار في بلده السويد… طفلاً حاول فجر الأحد 13 سبتمبر/ أيلول وضع حد لحياته في السويد… ليس السؤال الآن عمن أرسله وحيداً بوهم أن “الطفل رجل” سيأتي لأهله بإقامة… ولا سؤال الأغبياء في حزب “ديمقراطيي السويد” حين يصف الأطفال بـ”من يسمون أطفالاً لاجئين”… ولا حتى عن دوافع طفل بسيط مدفوع بغريزة البقاء لتقليد الكبار بطريقة الهجرة من أتون دمار بلد كامل من أجل حاكم واحد يحيطه معاتيه.

لم يخبرنا الشرطي كيف سمحت له “قيادته غير الحكيمة”، بأن يسرد بكل أريحية قصته مع غضبه على البشر، وهو يحاول في سيارة الإسعاف أن ينقذ مراهقاً نحيلاً جاء يطلب اللجوء في بلده… يصف الشرطي توبي كيف تم اكتشاف المراهق مصادفة من زميل له في الغرفة، وكيف أنه أصيب بنوبات ذعر في سيارة الإسعاف وقد وجد نفسه محاطاً بشرطي يثبته لتلقي الإسعافات الأولية ريثما يصلون به إلى المستشفى. ويضيف:” كم أنت مسكين أيها الصغير، أي رعب عشته في حياتك؟ ما الذي مررت به حتى أوصلك إلى هذه المحاولة. لا بد أن ماضيك مليء بالفظاعات”.

قال ما قاله عن طفل وهو يوجه كلامه بالتأكيد لغير الكارهين، متسائلاً: “ألا تخجلون؟ ألا تشعرون بالعار”؟… يوجه الشرطي توبي نقده لكل الذين يحملون مواقف مسبقة من اللاجئين ويقول: “لو أنك أنت الذي كنت مناوباً ورأيت ما رأيت… ربما كنت ستغير رأيك وشعرت بخجل كبير…”

هل تردد الشرطي في بلده أن طالب الناس بمساعدة اللاجئين؟ هو من المفترض أنه حيادي، مهني وبارد الأعصاب… لكنه لم يجد سوى القول: ساعدوا هؤلاء اللاجئين الهاربين من جحيم حرب طاحنة في سورية… ولو لم يجد ذلك الشرطي صداه الإنساني في أكثر من مئة ألف إعجاب ومشارك لما كتبه لكنا بالتأكيد أمام سؤال حقيقي عن “كيف سمحت له قيادته الحكيمة”… أن يعبر عن إنسانيته على صفحتها الرسمية؟

العربي الجديد

 

 

 

 

 

الموقف التركي من قضية اللاجئين السوريين/ محمد زاهد جول

تركيا هي الدولة الأولى الأكثر تأثراً بأزمة اللاجئين السوريين منذ الأشهر الأولى للاحتجاجات الشعبية في سوريا، وقد أصبحت قضية اللاجئين قضية خلافية بين الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في الأشهر الأولى من انطلاق الثورة السورية بتاريخ 15 أذار /مارس 2011، لأن تدفق اللاجئين السوريين أول ما بدأ كان إلى تركيا. حاول الأسد أن يستغل صداقته مع أردوغان لمطالبة حكومتها بعدم استقبال اللاجئين السوريين ولا فتح مخيمات اللجوء لهم، وعدم إثارة القضية في وسائل الإعلام التركية، ولا السماح للإعلاميين العالميين بزيارة مخيمات اللجوء السورية في تركيا، وعدم اتخاذها وسيلة لفضح عنف النظام وبطشه للمتظاهرين بدرجة قاسية، حيث كان يقتل في اليوم الواحد أكثر من مئة متظاهر، بهدف أن يدخل الرعب والخوف في قلوب الشعب، الذي ظن الأسد وشبيحته انهم لا يزالون على عهدهم القديم في الخوف منه ومن شبيحته ومعتقلاته وقتله وإرهابه.

وقد كان جواب الحكومة التركية واضحاً وقوياً بانها إن لم تقف إلى جانب الشعب السوري وحمايته من بطش النظام فإنها لن تكون إلى جانب النظام السوري، وانها لن تغلق الحدود ولن تمنع السوريين من الفرار إلى تركيا، وأعلنت انها سوف تستقبلهم وتعاملهم معاملة الضيوف وليس اللاجئين ولا المشردين ولا النازحين. نقول ذلك للتذكير، لأن الحلول التي يتحدث عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم بان الأسد على استعداد لقبول حكومة وطنية منتخبة من الشعب السوري أن تشاركه في الحكم جاء متأخرا جداً، بل جاء بعد أوانه أيضاً، فالعرض الذي يتقدم به الأسد للشعب السوري جاء بعد خمس سنوات من القتل والتشريد، قتل فيها نصف مليون مواطن واعتقل وشرد أكثر من نصف الشعب السوري، ثم يأتي بعد ذلك ليقدم عرضاً تقدمت به الحكومة التركية له في الأشهر الأولى من انطلاق الثورة، لأنه تجاهل أنها ثورة شعب، وتجاهل مطالبها وتجاهل احترامها وتجاهل إرادتها، كما عوده أبوه حافظ الأسد، وكما طالبته الدول الدكتاتورية الايديولوجية التي طالبته بعدم الاستماع إلى النصائح التركية، وطالبته بالأخذ بيد من حديد لقمع الثورة وضرب طلائعها والمقربين منها، فكانت هذه النصائح الروسية هي طريق الدمار لسوريا وشعبها، وقد أيدت هذه النصائح الدولة الأكثر ايديولوجية في قمع شعبها، أقصد الدولة الإيرانية الطائفية. وقد أخذ بشار الأسد بالأوامر الروسية والإيرانية وقام بكل ما يملك من عمليات القتل والإرهاب والمحاربة للشعب السوري، وهو يتوقع أن مجازره وجرائمه سوف تؤتي اوكلها قريباً، حتى انتهت الستة أشهر الأولى من القمع والقتل والإرهاب والمطاردة للمتظاهرين دون ان تحقق نجاحا كان يرجوه، وعندها بلغت القناعة التركية بأن الأسد كذاب ولا أمل منه، ولن يستطيع إيجاد حل سياسي سلمي للمصالحة مع الشعب السوري، أعلن اردوغان فقدان ثقته بالأسد والحكومة السورية التي تتبع لأوامره.

لقد كانت الأشهر الستة الأولى دليلاً كافياً لبشار الأسد وحزبه على ان قمع الثورة الشعبية مستحيلاً، ولكن القيادة الروسية رأت خلاف ذلك وهي التي لا تستسلم أمام الإرادات الشعبية، وتقمع ثوراتها بالحديد والنار، فطالبت بشار الأسد أن يدخل الجيش السوري في قمع الثورة الشعبية، فأدخل بشار الجيش السوري لقمع الثورة وكانت النتائج عكسية مئة في المئة أيضاً، حيث أخذت عناصر الجيش السوري تفر إلى تركيا والأردن مثل باقي الشعب السوري الأعزل، وأخذت تركيا تستقبل ضباط الجيش المنشقين عن الجيش السوري، وسمحت لهم القيام بما يرونه ممكنا لتقديم الدعم إلى شعبهم وحمايته من القتل والتدمير والتعذيب. ولكن البطولة الأكبر ظهرت من شجاعة الشعب السوري في الداخل فقد أوشك أن يأخذ مبادرة المعركة من النظام السوري وشبيحته وجيشه مع نهاية عام 2012، بالرغم من اعداد اللاجئين إلى الدول المجاورة بما فيها تركيا قد بلغ مئات الألوف، وعشرات المخيمات في دول الجوار، مع تحمل تركيا لكل أعباء الإيواء داخل تركيا دون طلب مساعدة من أحد، لأن إمكانيات الدولة التركية تسمح بذلك أولاً، وهي تستقبل اللاجئين السوريين على أساس مفهوم المهاجرين والأنصار الإسلامي كما أكد ذلك رئيس الوزراء التركي أردوغان ذلك في أكثر من مناسبة، وعلى أساس ان تاريخ العودة أصبح قريباً لأن أيام النظام أصبحت قريبة النهاية. مع نهاية عام 2012، بعد الانتصارات التي حققتها فصائل الثورة السورية، ودعم الشعب السوري لها بكل أطيافه وقومياته ومكوناته الفكرية والسياسية. لقد كان مرور عامين من القمع والقتل والتشريد والتدمير كافياً ليصل بشار الأسد لقناعة بان قمع الثورة مستحيل، ولم يبق أمامه شيء إلا ان يبحث عن خلاص له، بالنفي إلى موسكو أو إيران أو غيرها من الدول، ولكنه بدل ذلك خضع للنصائح والأوامر الروسية والإيرانية الجديدة، والتي توصلت إلى ان عجز القوات الأمنية والجيش السوري على قمع الثورة الشعبية لا يعني بالضرورة أنه لا يوجد طرق أخرى لقمع الثورة الشعبية، فالدول التي تنقصها بضائع معينة يمكن استيرادها من الدول الأخرى، وطالما ان النظام السوري فقد الأمن والحرس والجيش السوري الذي يحميه فالحل باستيراد مقاتلين من الخارج، فكان الحل ان يستورد الأسد المقاتلين الإيرانيين المشبعين بالعداء الطائفي للعرب والمسلمين، وتم توريط مقاتلي «حزب الله» اللبناني بأمر من فلاديمير بوتين. لم ينته عام 2014 إلا وكانت أجزاء كبيرة من سوريا تحت سيطرة فصائل الثورة السورية، وأجزاء أخرى تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية بينما كان اللاجئون السوريون قد بلغوا الملايين داخل سوريا وخارجها.

وقد واكبت الدول الأوروبية وأمريكا كل هذه التطورات، وكانت الاستراتيجية الأمريكية ترى بان متطلبات تغيير خرائط الشرق الأوسط تحتاج إلى نشوء فوضى وحروب في هذه الدول، وقد وجدت في قمع بعض الرؤساء العرب مثل القذافي وعلي عبدالله صالح وبشار الأسد فرصة لتطبيق نظرياتها في الفوضى الخلاقة، بل والحروب الأهلية المدمرة، التي تفتح قريحة الذهنية الأمريكية للخرائط السياسية المستقبلية للشرق الأوسط، ولتحريك الاقتصاد الأمريكي الراكد، ولذلك كانت السياسة الأمريكية غير جادة في منع محاربة بشار الأسد لشعبه بالدبابات والطائرات بل والأسلحة الكيميائية حتى فضح أمرها، واتخذت تحذيراتها له بعدم استخدام الأسلحة الكيميائية ذريعة لتدمير هذه الأسلحة وليس لتدمير نظامه. ولم تكن أمريكا تلتفت إلى صرخات أطفال اللاجئين ولا أنين امهاتهم في الليل البارد شتاء، ولا النهار الحار صيفاً، وكانت تماطل بإرسال المبعوثين الدوليين واحدا بعد الآخر وهي تعلم انها تؤخر نهاية الصراع في سوريا، وكذلك تابعت المؤتمرات الدولية، وخلقت العراقيل أمام المعارضة السورية ومجالسها الثورية وائتلافاتها السياسية وهي تعلم انها تكسب الوقت في تفاهماتها النووية مع إيران وتمنيها بالنفوذ السياسي مقابل التنازل عن المشروع النووي، وهو ما تم لها في النهاية في اتفاق فيينا. في كل هذه السنوات لم تقف التنديدات التركية من أهمال أمريكا والغرب بمسألة اللاجئين، بدأت من نقد رئيس الوزراء التركي ومن وزراء الخارجية الأتراك متهمة الغرب الأوروبي والأمريكي بإهمال وتجاهل قضية اللاجئين، ولكن دون التفات من الدول الأوروبية ولا من أمريكا، وكثيرا ما ندد الرئيس التركي بالمواقف السلبية الأوروبية التي تتناقض مع ما تنادي به أوروبا من دفاع عن الحقوق الإنسانية. فخلال السنوات الأربع الأولى لم يكن عدد اللاجئين السوريين الذين دخلوا البلاد الأوروبية يزيد عن مئتي ألف (200000) لاجئ، في حين كانت تركيا تستضيف في بعض الأوقات أكثر من مليوني لاجئ، وكذلك الأردن ولبنان.

ولكن فشل الحرس الثوري وتوابعه الطائفية المتشيعة في قمع الثورة السورية أو القضاء على فصائل المقاتلين الذين جاؤوا من كل أنحاء العالم قد فرض على العالم أزمة لا يمكن مواصلتها. تغيرت معادلات الصراع في سوريا، فأصبحت المعركة داخل سوريا بين فصائل معارضة من الشعب السوري، وأخرى تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، وأخرى تابعة لقوات الحرس الثوري الإيراني وتوابعه من «حزب الله» اللبناني، وأخرى من وحدات حماية الشعب الكردي التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، وقلة قليلة من بقايا نظام بشار الأسد، التي لا تسيطر على أكثر من 20٪ من أراضي الدولة السورية، ولكل قوة عسكرية منها سيطرة على بقعة جغرافية أو أكثر، في شماله أو جنوبه، وفي شرقه أو غربه، وهكذا أصبح نصف الشعب السوري مشردا داخل بلاده وخارجها، وأصبحت الحلول السياسية المقبلة لا بد ان تأخذ بعين الاعتبار توزيعة القوات العسكرية المسلحة على الأراضي السورية، وانسجامها مع التركيبة الطائفية التي تنتمي إليها.

وهكذا وجدت الاستراتيجية الأمريكية ان الوقت قد حان لتقسيم سوريا على أسس طائفية وعرقية، كما فعلت في العراق وصياغة دستوره الطائفي عام 2003، ولكن أمريكا لا تستطيع ان تفرض هذا التقسيم ولا يوجد لها جندي أمريكي واحد على الأرض السورية، وقد فشل الجيش الإيراني في إحكام السيطرة على سوريا مهما قام من جرائم ومجازر خلال سنتين وأكثر، وبالتالي فقد جاء الدور الروسي لتثبيت التقسيم في سوريا على أسس طائفية وعرقية، وروسيا التي خسرت معركتها الأولى على يد بشار الأسد في السنتين الأوليتين 2011 و2012، وخسرت معركتها في سوريا على يد الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني في السنتين التاليتين 2013 و2014، فإنها تامل ان تستطيع من خلال قواتها المسلحة وجيشها وطيرانها العسكري ان تحفظ مصالحها ووجودها في سوريا، من خلال صناعة كيان سياسي لبشار الأسد أو النظام السوري الذي يرثه، والذي يتبع لإيران المتشيعة في تشيعه وطائفيته، بينما يمكن التقارب مع الكيان الكردي والتصالح معه، ليكون صديقاً للكيان السوري العلوي التابع لروسيا سياسياً، أو لا يكون عدوا له على أقل تقدير، وتحاول روسيا تسويق ذلك على دول مجلس التعاون الخليجي وحفظ مصالحها الجزئية، مقابل كف يد إيران في اليمن، وإلا فإن الخيارات الأخرى ستكون أصعب.

وأما باقي السكان السوريين وهم من السنة وهم الأغلبية السكانية فإن معظمهم اليوم في مخيمات اللجوء في تركيا والأردن ولبنان وبعض الدول العربية، وقلة منهم في الدول الأوروبية، وهؤلاء لا يوجد تصور لعودتهم إلى سوريا المقسمة، وبالتالي لا بد من فتح مجال بيعهم للدول التي تحتاجهم لتغذية مجتمعاتها واقتصادها بالشباب الفتي والأسر صغيرة العمر والأيدي العاملة القوية، ولذلك ارتأت بعض الدول الأوروبية أن تستقبل بعضاً منهم، وأعربت عن رغبتها باستقبال أعداد من اللاجئين السوريين على أراضيها، فاعلنت ذلك في إعلامها قبل أسابيع، لرفع الحرج عن نفسها وقد تناقضت مواقفها الإنسانية مع أزمة اللاجئين منذ أربع سنوات.

وهكذا نشأت أزمة اللاجئين بفعل التقصير الدولي في معالجة الصراع في سوريا منذ بدايته، وتم ترك سوريا والشعب السوري فريسة لبشار الأسد وشبيحته لأكثر من سنتين وهو يقتل شعبه دون حسيب ولا رقيب، ثم تم ترك الشعب السوري لأكثر من سنتين أخريين للحرس الثوري الإيراني وميليشيات «حزب الله» اللبناني تقتل به طائفياً، وتشرده إلى خارج بلاده. وأخيرا جاءت الرأفة الدولية عند الدول الأوروبية لاستقبال عشرات الألوف من اللاجئين على أراضيها لذر الرماد في العيون، فأقامت الدنيا بضجة إعلامية كبيرة لتبرير أخذ ضحايا بشار الأسد وضحايا خامنئي وضحايا فلاديمير بوتين إلى سوق النخاسة الأوروبية، وكل دولة تريد ان تمن على الشعب السوري وعلى العرب وعلى المسلمين وعلى الإنسانية بانها تستقبل اللاجئين وتساعدهم في عمليات تزوير للحقيقة، وسرقة للبشر ومتاجرة بهم، وهم الذين يبحثون عن مأوى يلجؤون إليه ولو كان في معتقلات أوروبا وسجونها.

لقد جاء الرد التركي على هذه المشاهد المؤلمة على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فقد انتقد جهود الدول الغربية قائلا «إن إدعاءات سعي الغرب لجلب الحرية إلى كل من العراق وسوريا وليبيا، بدأت تفقد مصداقيتها، حين نرى تلك الدول الغربية لا تحتمل وجود بعض اللاجئين على أبوابها».

ثم جاء التنديد التركي على لسان رئيس الوزراء التركي أحمد داود اوغلو ، فقد انتقد تقصير المجتمع الدولي لحل مشكلة اللاجئين التي لاقت صدا عالميا في الأيام الأخيرة، واصفا جهود تلك الدول بـ «المحدودة والهزلية.

وطوال المرحلة السابقة ولأكثر من أربع سنوات وتركيا تطالب بإيجاد منطقة آمنة في شمال سوريا بهدف تأمين أراض آمنة للاجئين في سوريا نفسها، سواء في شمالها على الحدود التركية السورية، أو في جنوبها على الحدود الأردنية السورية، طالما أن الحدود الشرقية مع العراق والغربية مع لبنان طائفية، فالمنطقة الآمنة تهدف إلى أن يجد الفارون من القتل الطائفي، ومن البراميل المتفجرة مكاناً يأوون إليه داخل بلادهم، وقد كانت أمريكا والدول الأوروبية تستطيع تأمين ذلك المكان لو كانت جادة في معالجة أزمة اللاجئين السوريين، ولكن الأجندة الأمريكية والأوروبية لم تكن تفكر في مساعدة الشعب السوري ونازحيه، وإنما بتأمين مصالح العقلية الاستعمارية وسيطرتها وهيمنتها على منطقة الشرق الأوسط، ولو بحجة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية الذي وجد كنتيجة لفشل الحرس الثوري الإيراني في مهمته القذرة في سوريا.

ولم تستطع الحكومة التركية فرض منطقة آمنة صغيرة في شمال سوريا بمفردها، لأن أمريكا كانت ترفض ذلك، ولكن الحكومة التركية فرضت على أمريكا قبول المنطقة الآمنة عملياً ولو وصفتها بالمصطلح الأمريكي منطقة «خالية من الأخطار»، وقد ذلك للحكومة التركية بعد أن ربطت الحكومة التركية بين استخدام أمريكا لقواعدها العسكرية التركية من قبل قوات التحالف الدولي وأمريكا تحديداً وبالذات قاعدة إنجيرليك بموافقة أمريكا على هذه المنطقة، مهما كان حجمها، فالمهم أن تكون هناك منطقة آمنة يلجأ إليها الشعب السوري هرباً من القتل ومن البراميل المتفجرة والغازات السامة، وهكذا تأخرت أمريكا والمجتمع الدولي أربع سنوات لإقامة المنطقة الآمنة بحسب الرؤية التركية لمساعدة اللاجئين السوريين، بينما كان الحل بين أيديهم لو كانوا صادقين.

 

 

 

أوروبا واللاجئون: من المسؤول عن «الخروج» السوري العظيم؟/ إبراهيم درويش

كشف الخروج السوري (إكسودس) باتجاه أوروبا عن ملمح مهم في الحياة السياسية الأوروبية وهو التناقض بين الحكام والمحكومين. فالحكام كما قالت صحيفة «أوبزيرفر» يوم الأحد الماضي غلبوا مصالح وطنية ضيقة وتناسوا الفكرة الأساسية التي قامت عليها فكرة أوروبا الموحدة. ولم يفهم الظرف التاريخي الذي فرض على القارة سوى المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي واجهت المخاوف من اللاجئين بسياسة الكرامة وهو ما لم يفهمه العالم بشكل عام.

لعبة تلاوم

فقد عشنا خلال الأيام الماضية لعبة تلاوم دارت بين ساسة أوروبا الذين رفضوا التعاون واستقبال المهاجرين. ولعل موقف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون كان واضحا حيث ظل متمسكا بفكرة مساعدة اللاجئين في البلدان التي لجأوا إليها ورفض استقبالهم في بلاده. ولكن التعاطف الشعبي مع الطفل الكردي إيلان الذي غرق عند السواحل التركية أجبره على تغيير موقفه والقبول بعشرات الألوف من السوريين. ويوم 10/9/2015 أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عن قبول 10.000 لاجئ سوري. وعلى خلاف بريطانيا التي أعلنت عن خطط لتوسيع حملتها العسكرية لتشمل سوريا، تقود الولايات المتحدة حربا ضد تنظيم الدولة الإسلامية. واتسمت سياستها تجاه سوريا بالتردد. وهذا نابع من مخاوف الرئيس باراك أوباما من التورط مرة أخرى في الشرق الأوسط. فقد تحدث مارك لينتش المحاضر في جامعة جورج تاون في مقال نشرته مجلة «فورين أفيرز» (عدد سبتمبر/أكتوبر 2015) عن رؤية أوباما للشرق الأوسط وسوريا أيضا وقال إنها تعبير عن محاولة من أوباما لتحديد الدور الأمريكي وبطريقة صحيحة. واعترف الكاتب أن فكرة أوباما صحيحة لكنها لم تكن ناجحة بالتطبيق. ومن هنا فتردده إزاء سوريا التي ظل يقول إنه لم «يطور استراتيجية واضحة» لها يجعله مسؤولا عن كارثة اللاجئين الحالية. وهو ما أشار إليه روجر كوهين بمقال له في «نيويورك تايمز» «كابوس أوباما» (9/9/2015) وقال فيه إن عدم التدخل الأمريكي في سوريا والتدخل ثمنه فادح. فقد أدى موقف الإدارة المتردد لخلق فراغ يشبه نفس ما حدث في افغانستان بعد خروج الإتحاد السوفييتي منها نهاية الثمانينات من القرن الماضي. وها نحن اليوم أمام سيناريو مماثل يملأ فيه الجهاديون الفراغ في سوريا. وعليه ففرار المدنيين سواء من تنظيم الدولة أو رعب نظام بشار الأسد كان كما يقول كوهين وقائع رواية معلنة. وسيعقد التدخل الروسي الحالي في سوريا من مهمة أوباما، فالمسألة لم تعد مرتبطة بتدريب معارضة سورية بعينها ولكن التصدي لموجات اللاجئين. ومن هنا رأت «واشنطن بوست» (9/9/2015) أن عدم تناسق سياسة الولايات المتحدة كانت سببا في دخول روسا الحلبة، فقد اعترف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالحقيقة التي رفض أوباما التفكير بها وهي أن أي تسوية في سوريا يجب أن تقرن بقوة على الأرض. ولا بد من الإشارة إلى مسؤولية روسيا الأخلاقية عن أزمة اللاجئين، فقد عملت المستحيل في الأمم المتحدة لمنع أي تحرك دولي ضد نظام الأسد الذي ظلت توفر له الدعم العسكري واللوجيستي طوال الأزمة.

الواقع الفظيع

هذا عن دور الدول الكبرى في الأزمة، لكن إذا مضينا في لعبة الإتهام فالقائمة ستطول، فهناك دول الخليج التي لم تستقبل اللاجئين السوريين والإتحاد الأوروبي وهناك من حمل والد إيلان المسؤولية. لكن المسألة لا تقرأ بهذه الطريقة فلم يكن اللاجئ كما يقول كوهين ليلجأ للهجرة لو لم تعد الحياة صعبة ولا تطاق في مخيمات اللجوء. وهو نفس ما أشار إليه كينيث روث، المدير التنفيذي لهيومان رايتش ووتس بـ «الواقع الفظيع» فلو لم تكن هناك براميل متفجرة لما هرب السوريون بهذه الأعداد وهذا يقودنا إلى المسؤول الأول عن كارثة سوريا وهو الرئيس الأسد الذي حول انتفاضة سلمية مدنية عام 2011 إلى ثورة وتمرد قمعها بالحديد والنار ودمر خلالها عموم سوريا وقتل أكثر من 250.000 شخص من بينهم 10.000 طفل وشرد الملايين. وطبعا يجب أن لا ننسى الدور الذي لعبه تنظيم الدولة الإسلامية. وفي الوقت الذي يتم فيه التركيز على الجهاديين كان الأسد وميليشياته يواصلون حملاتهم ضد المدنيين. وقتل بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان خلال شهر آب/أغسطس 1.205 مدني سوري. ومن هنا فمن أجل حماية السوريين ومنع تدفقهم على أبواب أوروبا يجب أولا وقف البراميل المتفجرة ووقف الحرب. وهذا يحتاج إلى توافق دولي وإقليمي حول مستقبل سوريا والأسد بالضرورة وإنهاء خطر التنظيم. وحتى يتم هذا فاللاجئون سيواصلون عبورهم باتجاه أوروبا التي أصبحت بمثابة «أرض الحليب والعسل» و «الأرض الموعودة». وهو ما يطرح تحديات كثيرة على القارة التي تواجه أزمة هوية. فبحسب سبستيان مالابي وبول فولكر(مجلس العلاقات الخارجية 10/9/2015) ففوضى الحدود التي تعيشها أوروبا هي الأزمة الثانية التي تواجهها بعد أزمة منطقة اليورو. وبهذه المثابة سيكون اجتماع وزراء الداخلية والعدل في الإتحاد الأوروبي اليوم الاحد لمناقشة أزمة اللاجئين مناسبة قد تقود لتقوية أوروبا أو تؤكد انقسامها.

قوتان

ولعل التخبط الأوروبي نابع من حقيقة مهمة وهي تعاملها مع الأزمة منذ البداية. فقد أغمضت أوروبا عيونها للحرب الدموية في سوريا وحاولت آن تبعد المعاناة ذات الوجوه المتعددة عن أبوابها. لكن سوريا البعيدة القريبة أصبحت فجأة في قلب الإهتمام الأوروبي وأجبرت القارة على فتح أبوابها مدفوعة بقوتين الأولى أخلاقية نابعة من التعاطف العالمي مع الطفل الكردي إيلان أما الثانية فهي الجرأة السياسية للمستشارة ميركل التي أقنعت شعبها بالتخلي عن مخاوفه من المهاجرين وإظهار الرحمة والتعاطف مع المحتاجين. ونتيجة لذلك تدفق عشرات الألوف نحو ألمانيا، بالحافلات والسيارات والقطارات وهم يهتفون «ألمانيا.. ألمانيا» وسط ترحيب الجماهير بهم. فقد أظهرت ألمانيا أن أوروبا القديمة قادرة على استقبال المتعبين والفقراء المشتاقين لتنشق عبق الحرية. وقالت ألمانيا إنها تستطيع استيعاب مئات الألوف من المهاجرين. وكما تقول مجلة «إيكونوميست» (12/9/2015) فموقف كهذا سيثير الكثير من المخاوف والمشاعر العنصرية وسيتحدث البعض عن اختلاف الثقافات وهو ما سمعناه صراحة في الأيام الماضية من دعوات لقبول المهاجرين المسيحيين فقط، كما دعا الأسقف السابق للكنيسة الإنكليزية لورد كيري، وكما عبرت جمهورية التشيك وبولندا وقبرص وتحدثت المجر عن هذا. وفي أمريكا تحدث السياسيون عن إقامة جدار لمنع المهاجرين من التدفق نحو حدود الولايات المتحدة. ومن هنا ترى المجلة أن النزعة التي ترى في المهاجرين عبئا يؤثرون على الاقتصاد والخدمات الاجتماعية يعبر عن فهم خاطئ. والجواب لا يكون من خلال بناء أسيجة جديدة ولكن عبر إدارة الضغوط والمخاطر والتأكد من تغيير تجربة الهجرة حياة المهاجرين والدول المضيفة لهم. ومن هنا تستطيع أوروبا الغنية والمستقرة التعامل مع أعداد اللاجئين والمهاجرين القادمين إليها الباحثين عن حياة فضلى. فهناك 4 ملايين لاجئ سوري مقارنة مع 1.5 مليون لاجئ من حروب البلقان في التسعينات و 15 مليون بعد الحرب العالمية الثانية. وتقدر المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة أعداد اللاجئين في العالم بحوالي 59.9 مليون نسمة. ومن الناحية الواقعية لا تستطيع أوروبا استيعاب هذا العدد بالكامل.

مخاوف

ورغم ما يصاحب موجات الهجرة من مخاوف ومشاعر عنصرية مبالغ فيها إلا أن المهاجرين عادة ما يغنون ويثرون البلد المضيف، وقصص نجاح اليهود والأرمن والفيتناميين والأسيويين من يوغندا واضحة. وفي هذا السياق كان شعار «الترحيب بالثقافة» (ويلكومينزكولتور) صحيحا أخلاقيا واقتصاديا وسياسيا وقدم مثالا يحتذى به لقادة العالم.

ثلاث مجموعات

وتقول «إيكونوميست» إن الترحيب بالقادمين الجدد يقتضي من صناع القرار في البلدان الأوروبية التفكير في ثلاث مجموعات: اللاجئون والمهاجرون الاقتصاديون والناخبون. فاللاجئون ومعظمهم سوريون هاربون من براميل بشار الأسد المتفجرة يحق لهم التقدم بطلب اللجوء السياسي وبناء على ميثاق الأمم المتحدة للاجئين الصادر عام 1951. ومن هنا فمساعدة السوريين يعتبر واجبا أخلاقيا لا يمكن لأحد الجدال فيه. لكن مساعدتهم ليست مسؤولية أوروبا وحدها بل تقع على كاهل المجتمع الدولي بشكل عام. وتحتاج الأزمة السورية في جانبها الإنساني لتنسيق بين الدول وعمل جماعي لاحتواء الحرب ومنع تدفق أعداد جديدة من اللاجئين. والحل يبدأ من إنشاء مناطق محمية للاجئين في بلادهم. ولم تعد وكالات الأمم المتحدة تستطيع حمل وحدها تحمل العبء وسط نقص في الأموال والمصادر المتوفرة لها. وحذر المفوض السامي للاجئين أنطونيو غاتريز من «إفلاس مالي» رغم المناشدات المتكررة للحصول على الدعك. وكما أشارت صحيفة «نيويورك تايمز» (8/9/2015) فالسبب الذي يدفع اللاجئين السوريين للمخاطرة بحياتهم والسفر إلى أوروبا هو أن حياتهم في مناطق اللجوء التي هربوا إليها أولا لم تعد تحتمل. فمن بين 12 مليون سوري شردتهم الحرب فر 4 ملايين لدول الجوار: لبنان والأردن وتركيا. ولم تعد دول الجوار قادرة على توفير المساعدات للاجئين السوريين. ودعت الصحيفة الدول الغنية في الخليج لزيادة تبرعاتها. ويجب على أمريكا والدول الغربية الأخرى ودول الخليج أيضا استيعاب أعداد من اللاجئين السوريين، تماما كما تم استيعاب اللاجئين من الهند الصينية في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. كما ويجب على الدول التي يمر منها اللاجئون استيعاب أعداد منهم. وهناك حاجة لتحرير اللاجئين من قبضة المهربين وفتح الباب أمامهم للتقدم بطلبات لجوء في أوروبا بدون تعريض حياتهم للخطر. ويجب على دول أوروبا التشارك في العبء وجعل مسار اللاجئين في دول البلقان آمنا. وعادة ما تتداخل مسألة اللجوء بالمهاجرين الاقتصاديين وفي هذه الحالة يجب على الدول الأوروبية زيادة تأشيرات العمل من أجل منع المهاجرين غير الشرعيين. فحاجة أوروبا للمهاجرين الاقتصاديين حقيقة واقعة. وهناك من يرى بقرار المستشارة ميركل محاولة للحد من تراجع نسبة النسل عند الألمان وتعزيز الاقتصاد. ورغم كل ما يمنحه المهاجرون واللاجئون البلدان المضيفة من منافع اقتصادية وثقافية إلا أن الناخبين يجدون صعوبة في تقبل ضيوفا جددا يشاركونهم الخدمات الصحية والمدارس والجامعات. وبعيدا عن تقبل الناخبين لفكرة السوق المرن والمفتوح كمقابل لفكرة أوروبا المغلقة إلا أن الناخبين يخشون من عدم قدرة المهاجرين على التكيف مع الفكرة القديمة عن عالم المسيحية والتي شاهدنا بعض ملامحها في تصريحات الساسة الأوروبيين وقادة دينيين. فقد أعطت أزمة اللاجئين الفرصة للمحافظين الجدد في أوروبا والليبراليين الداعين للتدخل العسكري في سوريا فرصة للحديث كما أشار المعلق شيموس ميلين في الغارديان (10/9/2015). فمنذ هجمات إيلول/سبتمبر 2001 والهجمات على أوروبا توترت العلاقة مع الأقليات المسلمة في القارة. لكن التعاطف مع المحتاجين والهاربين من الموت قد يكون بديلا عن الجهاديين الكاريين لأوروبا. وكما تقول «إيكونوميست» فترك اللاجئين السوريين ليعيشوا على هامش أوروبا وبأوضاع مزرية لن يؤدي إلا إلى التطرف.

 

 

 

 

التوزيع الديموغرافي للمهاجرين إلى أوروبا/ ريما شري

لندن ـ «القدس العربي»: تخطى عدد المهاجرين عبر البحر المتوسط خلال هذا العام الـ300  ألف مهاجر، بحسب ما ذكرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ويمثل هذا الرقم  إرتفاعا كبيرا مقارنة بالعام الماضي، الذي شهد عبور نحو 219 ألف شخص المتوسط.  وقالت وكالة «فرونتيكس»، ومقرها العاصمة البولندية وارسو، إن عدد المهاجرين نحو أوروبا تعدى حاجز المئة ألف خلال شهر واحد لأول مرة منذ بدأت تسجيل أعداد المهاجرين عام 2008.

وبحسب بيل فريليك، مدير برنامج اللاجئين في «هيومن رايتس ووتش» فإن من بين ما يقدر بـ 103 ألف شخص وصلوا إلى شواطئ الاتحاد الأوروبي حتى منتصف حزيران/يونيو كان 60 في المئة قد جاءوا من أفغانستان وإريتريا والصومال وسوريا ـ وهي بلدان يجتاحها النزاع المسلح أو الانتهاكات الحقوقية الجسيمة.

وتعد اليونان البوابة الرئيسية إلى أوروبا ودول الاتحاد الأوروبي، خصوصاً للمغادرين من سوريا، الذين يشكلون 59 في المئة من نسبة المهاجرين فيما تشكل أفغانستان 25 في المئة، وباكستان 5 في المئة.  وشكل السوريون غالبية المهاجرين الواصلين إلى أوروبا هذا العام  مع اشتداد المصاعب التي تواجههم، ويلجأ الآف منهم للمهربين لشحنهم عبر المتوسط إلى أوروبا عبر قوارب مطاطية أو خشبية أو سفن صغيرة تحمل أعداداً من المهاجرين فوق طاقتها ما يتسبب في غرق آلاف المهاجرين. ويعتمد السوريون واللاجئون من وسط آسيا ودول شرق المتوسط على البوابة التركية  بشكل أساسي وذلك لسهولة دخول تركيا من دون تأشيرة أو التسلل إليها عبر الحدود البرية. ومن اليونان يمر اللاجئون عبر مقدونيا وصربيا للتوجه شمالا نحو المجر والنمسا حيث تبدأ رحلة التهريب إما براً أو بحراً أو جوا.  ووفقاً للإحصاءات، يغادر من سوريا وأفغانستان وباكستان قرابة 132،240 مهاجر ولاجئ متجهين إلى تركيا ومنها يتوجهون نحو اليونان أو رومانيا أو بلغاريا. ويبلع عدد المهاجرين الأفارقة من (إريتريا، نيجيريا، أفريقيا جنوب الصحراء ودول أخرى) 91،302 لاجئ.  وفي أرقام نشرتها مجلة «إيكونوميست» البريطانية، ذكرت أن 102،342 مهاجر يتجهون نحو المجر ودول البلقان الغربية.

ويعد الطريق من السواحل الليبية إلى جنوب إيطاليا واحدا من أكثر الطرق التي يسلكها المهاجرون غير القانونيين وأخطرها. ويصل المهاجرون إلى ليبيا تسللاً من البلدان المجاورة أو عن طريق مطاري معيتيقة ومصراتة. بعد الوصول إلى ليبيا تبدأ رحلة التهريب بالقوارب نحو السواحل الإيطالية.

وفي الشهر الماضي  إنقلب قاربان اثنان، كانا في طريقهم إلى أوروبا، وعلى متنهما قرابة 500 لاجئ قبالة السواحل الليبية. وتقول مراسلة «بي بي سي» لشؤون شمال أفريقيا، رنا جواد، إن ليبيا غير مؤهلة للتعامل مع مثل هذه الكوارث وإتمام عمليات الإغاثة بســبب صغر زوارق خفر السواحل.

كما ويواصل مئات المهاجرين مسيرتهم عبر النمسا إلى ألمانيا، بعدما قررت المجر السماح لهم بعبور أراضيها. وأفاد نائب المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بأن ألمانيا استقبلت منذ بداية العام الجاري 450 ألف مهاجر من بينهم 105 آلاف وصلوا خلال شهرأغسطس الماضي و37 ألف في الأسبوع الأول من الشهر الحالي. وتتوقع ألمانيا استقبال 800 ألف طالب لجوء في العام 2015 أي أربع مرات أكثر من السنة السابقة فيما يسجل رقما قياسيا في أوروبا. وتدافع ألمانيا، مدعومة بالمفوضية الأووربية، على فكرة فرض حصص لتوزيع المهاجرين على الدول الأوروبية، ولكن العديد من دول أوروبا الشرقية تعترض على الفكرة.

وتعتبر إيطاليا الوجهة الأولى للهجرة غير الشرعية للقادمين من أفريقيا، حيث تبلغ نسبة القادمين من إريتريا 26في المئة، فيما يشكل النيجيريون نسبة 12 في المئة، أما نسبة الهجرة من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ودول إفريقية أخرى فتبلغ 11 في المئة . بينما ينظر إلى إسبانيا باعتبارها وجهة أولية لكل من القادمين من الشرق الأوسط وأفريقيا أيضا، حيث تبلغ نسبة اللاجئين السوريين إليها 57 في المئة، وغينيا 10 في المئة، وكوت ديفوار 5 في المئة. ويشكل المهاجرون من  قطاع غزة والسودان ومالي ونيجيريا نسبة كبيرة.

وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فإنه في بعض الأيام يصل عدد الذين يجتازون الحدود اليونانية المقدونية براً إلى ألف شخص يومياً. تقدر المفوضية  أن نحو 2500 لاجئ ومهاجر فقدوا هذا العام، في محاولة للوصول إلى أوروبا. وفي العام الماضي لقي نحو 3500 شخص حتفهم أو فقدوا في البحر الأبيض المتوسط. وعلى الرغم من الجهود المتضافرة للعملية الأوروبية المشتركة للبحث والإنقاذ في إطار ما يعرف بعملية فرونتكس، والتي أنقذت عشرات الآلاف من الأرواح هذا العام، ما زال البحر الأبيض المتوسط من أكثر الطرق المهلكة للاجئين والمهاجرين.

نظام اللجوء في الاتحاد الأوروبي

توجد تفاوتات كبيرة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بتوفير ظروف الاستقبال ومعدلات الاعتراف وتدابير الاندماج، وفقاً للأمم المتحدة. وتصارع دول الاتحاد الأوروبي للتوصل إلى اتفاق بشأن سبل التعامل الزيادة غير المسبوقة في أعداد المهاجرين الساعين للجوء إلى دول الاتحاد الأوروبي. وتواجه المفوضية الأوروبية ضغوطات لتكثيف الجهود لرصد وإنفاذ المعايير، بما في ذلك متابعة وضمان الاحترام الكامل لحقوق طالبي اللجوء والمهاجرين.

وقالت جوديث ساندرلاند المديرة المساعدة لأوروبا وآسيا الوسطى في هيومن رايتس ووتش: «أهدر الاتحاد الأوروبي كثيراً من الوقت بسبب الخلافات الداخلية. حان الوقت لكل حكومة في الاتحاد الأوروبي لتقييم مسؤولياتها تجاه مئات آلاف الناس المحتاجين إلى الحماية، والوقوف على الجانب الصحيح من التاريخ.»  وقال وليام سبيندلر متحدثا باسم مفوضية اللاجئين «لدينا أزمة لاجئين على أبواب أوروبا. معظم من يعبرون المتوسط يفرون من الحرب أو الاضطهاد، ليس هؤلاء مهاجرون لأسباب اقتصادية».

وأضاف ان «سبب حصول أزمة ليس عدد اللاجئين بل عدم قدرة أوروبا على التعامل مع هذا الأمر بشـكـل منـــسـق». وتابع سبيندلر ان «على الدول الأوروبية ان تعمل معا لا ان تتبادل توجيه الاتهامات».

 

 

 

هل تهدد حركة اللاجئين حرية التنقل داخل أوروبا؟/ علاء جمعة

برلين ـ «القدس العربي»: إعلان النمسا إيقافها حركة القطارات مع المجر بشكل مؤقت على خلفية تزايد أعداد اللاجئين القادمين بواسطتها، سبقه إيقاف آخر لحركة القطارات بين ألمانيا والدنمارك، حيث سعت الأخيرة لمنع انتقال المزيد من اللاجئين إلى أراضيها، ومع إعلان مقدونيا أنها تفكر في إقامة سياج حدودي بري على أرضها للحد من حرية التنقل إليها، يرى مراقبون أن هذه الخطوات قد تكون بداية لإغلاق الحدود البرية بين الدول الأوروبية بعد أعوام طويلة من نجاحهم في إلغاء الحدود وإقامة ما يسمى بالحدود المفتوحة.

ومع توافد آلاف اللاجئين على الدول الأوروبية وتنقلهم بين الحدود المفتوحة التي ضمنتها إتفاقية شنغن، الأمر الذي جعل الدول الأوروبية في حالة من الترقب، خوفا من الموجات الكبرى للاجئين وتركزهم في مناطق دون أخرى. وهو ما يعني تحمل دول بعينها عبء اللجوء دون الأخرى بالإضافة إلى كسر اللاجئين لاتفاقية دبلن السارية داخل دول الاتحاد الأوروبي والقاضية بتسليم اللاجئ نفسه لدولة أوروبية واحدة لتبت في أمره والتي عادة ما تكون هي دولة الوجهة الأولى.

وعادة ما تعرف منطقة الشينغن بأنها تضم 26 دولة أوروبية، وهي اثنين وعشرين من الثماني وعشرين دولة أعضاء الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى الدول الأربعة الأعضاء في رابطة التجارة الحرة الأوروبية هم أعضاء مشاركون في منطقة شنغن والتي ألغت جواز السفر وضوابط الهجرة على الحدود المشتركة الداخلية في ما بينها. وهي بمثابة دولة واحدة لأغراض السفر الدولي، مع وجود سياسة تأشيرات مشتركة. وبعد الاتفاق ألغت الدول الأعضاء في منطقة شنغن الرقابة على الحدود الداخلية مع أعضاء دول شنغن الأخرى، وتعزيز الرقابة على الحدود الخارجية مع الدول غير الأعضاء في شنغن.

وكان وزير خارجية مقدونيا نيكولا بوبوسكي قد صرح أن حكومته تبحث إقامة سياج حدودي على غرار ما تشيده المجر لوقف تدفق المهاجرين. وقال بوبوسكي في مقابلة مع مجلة «فيغيلو» الأسبوعية الاقتصادية المجرية إن مقدونيا ربما تحتاج أيضا «إلى نوع من أنواع الدفاع الملموس» على الرغم من أن هذا الأمر لن يكون حلا طويل الأمد وأضاف بوبوسكي «لكن إذا أخذنا ما تطلبه منا أوروبا على محمل الجد سنحتاج إلى ذلك أيضا.. إما نشر جنود أو (إقامة) سياج أو مزيج من الاثنين.»

وانتقدت ألمانيا مرارا استمرار المجر لإقامتها سياج بطول بطول 175 كيلومترا وارتفاع 3.5 متر على طول حدودها مع صربيا بهدف توجيه المهاجرين إلى المعابر الشرعية ليمكنهم تسجيل أسمائهم. حيث أكد وزير الدولة الألماني لشؤون أوروبا مايكل روث «إن بلاده تتوقع من الدول المعنية تسجيل اللاجئين الذين يدخلون إلى الاتحاد الأوروبي عبر حدودها لكن إقامة الأسيجة ليس الحل الصحيح» وقال روث «علينا أن نبني أوروبا نحمي فيها الحرية ونضمن الأمن ولا يوجد مكان لا للأسيجة ولا للجدران».

صحيفة «دي فيلت» الألمانية نشرت على موقعها الالكتروني عن حيرة الشرطة في التعامل مع حركة اللاجئين، فوفقا للصحيفة فإن الشرطة الألمانية وصلتها معلومات بأن عشرات اللاجئين استقلوا القطار السريع (ICE) المتوجه نحو العاصمة الدنماركية كوبنهاغن. وفور توقف القطار في مدينة «كيل» دخل رجال الشرطة القطار عثروا على حوالي 200 لاجئ أخبروهم أنهم يريدون الوصول إلى السويد. وتابعت الصحيفة أن الشرطة طلبت من اللاجئين النزول فورا من القطار وتسليم أنفسهم في ألمانيا، إلا أن اللاجئين رفضوا. وبعد توقف طويل لحركة القطارات قررت الشرطة في «كيل» السماح للاجئين بمواصلة الرحلة. وعلق متحدث باسم الشرطة على الحادثة للصحيفة الألمانية بالقول «كان أمام الشرطة الألمانية خياران إما السماح لهم بمواصلة الرحلة أو إجبارهم على النزول بالقوة وهو ما أردنا تجنبه. لأن آخر ما نريده أن نمارس القوة مع أناس هاربين من ممارسة البطش ضدهم». وذلك بحسب المتحدث باسم الشرطة.

ودخل أكثر من 160 ألف مهاجر المجر من جهة الجنوب هذا العام بعد أن مروا باليونان ومقدونيا وصربيا هاربين من دول تنهشها الحروب الأهلية أو الفقر في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا. ويسعى الجميع تقريبا إلى الوصول إلى الدول الغربية الأكثر ثراء في شمال الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا والسويد.

وأعلنت ألمانيا أنها سجلت قدوم 450 ألف لاجئ جديد منذ بداية العام بينهم 37 ألفا في الأسبوع الأول من أيلول/سبتمبر.

وقال نائب المستشارة الألمانية سيغمار غابريل «هذا يظهر صراحة أن تقسيم 160 ألف لاجئ في أوروبا ليس سوى خطوة أولى إذا أردنا استخدام تعبير ودي. يمكن أيضا أن نقول أنها نقطة في بحر». وتريد هذه الدولة، التي تملك أكبر اقتصاد في أوروبا، وضع آلية توزيع ملزمة وطويلة الأمد للاتحاد الأوروبي من دون قيود على الأرقام . ولكن آلية التوزيع الملزمة تواجه مقاومة شرسة من الأعضاء الشرقيين في الاتحاد الأوروبي، حيث قال رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو أن بلاده لن «تخضع» لبرلين». وأضاف «نحن نقول لا للتوزيع الملزم، لا أريد أن استيقظ في يوم واجد 50 ألف شخص هنا لا نعرف عنهم شيئا».

ولا يلوح في الأفق أن التدفق المتواصل للاجئين خصوصا من سوريا والعراق في طريقه للنضوب. وفي هذا الإطار تم تسجيل 22500 لاجئ ومهاجر حلال أيام فقط في جزيرة ليسبوس اليونانية التي يقطنها 86 ألف نسمة.

 

 

 

 

بريطانيا تتحمل «مسؤولياتها الأخلاقية» بشأن أزمة اللاجئين : «تقاسم العبء» بين ألمانيا والمملكة المتحدة يثير تساؤلات حول الخلط بين الهجرة واللجوء/ ريما شري

لندن ـ «القدس العربي:» تضاعفت الضغوطات على المملكة المتحدة يوم الخميس بعد أن كشفت صورة الطفل السوري الذي جرفته الأمواج على شاطئ في تركيا عن حجم التكلفة البشرية لأزمة اللاجئين. لكن موقف رئيس الوزراء البريطاني بقي على حاله، على الرغم من تصريحه أن بلاده على إستعداد لإستقبال عدد أكبر من اللاجئين بسبب ”تضخم الأزمة” التي وصفها البعض بأنها أسوأ أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية. لكن كاميرون، الذي وصف المهاجرين في كاليه بـ«السرب العابر» في شهر تموز/يوليو، لا يزال حريصا على إعلان موقفه المتشدد من أزمة اللاجئين عبر تأكيده أن الحل الأمثل لمشكلتهم يكمن في إيجاد حل سياسي يعيد الإستقرار والسلام إلى الدول التي يفرون منها. لكن السؤال الملح يبقى: لماذا يتعارض الحل السياسي مع امكانية المملكة إستقبال عدد أكبر من المهاجرين؟ فخطة كاميرون هذه التي وصفها البعض بالإيجابية، تشير إلى أن الأعداد الإضافية التي ستستقبلها بريطانيا ستأتي من مخيمات الأمم المتحدة في المناطق المجاورة لسوريا وليست من هؤلاء الذين وصلوا إلى أوروبا، وهذا ليس بجديد خاصة أن كاميرون كان صرح منذ إسبوع فقط أن إستقبال المزيد من اللاجئين ليس هو الحل للأزمة. إلا أن التماسا موجها إليه بقبول مزيد من اللاجئين حصل مؤخرا على توقيع أكثر من ثلاثة أضعاف عدد المؤيدين، وهو 100 ألف، اللازم لاحتمال طرح القضية في البرلمان، إستلزم موقفا جديدا للتعامل مع الأزمة. ووسط كل الضغوطات التي يتعرض لها من قبل دول الإتحاد الأوروبي والجمعيات لقبول المزيد من اللاجئين، أكد كاميرون أن حكومته لا تريد الانضمام إلى أي برنامج يهدف إلى إعادة توطين اللاجئين في أوروبا، معتبرا أنه إذا كان على المملكة المتحدة الانخراط في مخطط واسع النطاق، فإنه سيكون بمثابة نقطة جذب لمهاجرين آخرين، وأنه سيكون من المستحيل التمييز بين المهاجرين لأسباب اقتصادية واللاجئين بسبب الحرب والإضطهاد.

ويرى بعض كبار نواب حزب المحافظين أن من الصعب أن يكون كاميرون قد غير موقفه المتشدد من هذه القضية فقط بسبب الصور المؤلمة للطفل الذي مات غرقا على شواطئ تركيا. انما أتى إعلانه الخميس عقب ضغوطات سياسية وإنسانية استلزمت إعلان موقف جديد «لم يأت بجديد» في مضمونه العملي.

ومن الجدير بالذكر أن مصدرا في «داوننغ ستريت» كان قد أكد لـ «بي بي سي» هذا الإسبوع أن المملكة المتحدة لن تستقبل المزيد من اللاجئين. وقال المصدر أنه منذ العام الماضي كانت بريطانيا قد قبلت 216 شخصا في إطار خطة لنقل اللاجئين«الأكثر ضعفا»، وكانت قد منحت ما يقرب من 5000 من السوريين اللجوء في السنوات الأربع الماضية. وقال وزير الهجرة جيمس بروكنشاير أن المملكة المتحدة ساهمت في تقديم أكثر من 900 مليون جنيه من المساعدات الإنسانية للأزمة السورية.

وتجسد هذا الموقف في رفض «داوننغ ستريت» المشاركة في نظام الحصص الجديد الذي اقترحته برلين، والذي دعا إلى توزيع عادل للاجئين بين جميع الدول الاتحاد الأوروبي. وفي مقال لصحيفة «صنداي تايمز» قالت تيريزا ماي، وزير الداخلية، أن بلادها ستتخذ نهجا جديدا أكثر تشددا حول الهجرة من دون أن تستخدم مرة واحدة كلمة «لاجئ».

وأضافت أن من المستبعد جدا أن تعتمد الحكومة نهجا أكثر انفتاحا بشأن هذا الموضوع بل أنها تشعر بالقلق من أن تحذو حذو ألمانيا، حيث يتم التمييز بشكل واضح بين الهجرة واللجوء في حين يقول متابعون ان الحكومة تخلط عمدا بين فئتين منفصلتين: اللاجئون والمهاجرون . وفي كلمة ألقتها هذا الأسبوع حول الأزمة، استخدمت كوبر كلمة لاجئين 28 مرة، متهمة الحكومة بالخلط بين اللجوء والهجرة على الرغم من انهما» مختلفان تماما».

وأضافت أن المملكة المتحدة اتخذت فقط 114 لاجئا لكل مليون من السكان وهو- ثلث متوسط دول الاتحاد الأوروبي. في حين أن المانيا اتخذت أكثر من 905 من هذا المعدل.

وبين حزيران/ يونيو 2014 وحزيران/يونيو 2015، استقبلت المملكة المتحدة 166 لاجئا سوريا، تم توطينهم من مخيمات في الأردن وغيرها من البلدان المجاورة في إطار خطة الحكومة الجديدة. وتقول وزارة الداخلية أنه منذ 2011 استقبلت المملكة المتحدة 5000 سوري منهم من تم منحهم حق اللجوء في إطار الإجراءات العادية. ومع ذلك، فإن الرقم يشمل العديد من السوريين الذين كانوا يعيشون في المملكة المتحدة، والذين لم يتمكنوا من العودة إلى ديارهم بسبب الحرب.

ضغوطات وتوتر سياسي

بسبب تفاقم الأزمة الإنسانية لللاجئين، تزايدت الضغوطات على المملكة المتحدة لإستقبال المزيد من المهاجرين، أتى أبرزها من خلال رسالة بعثت بها رئيسة وزراء إقليم اسكتلندا نيكولا ستورجين دعت فيها كاميرون إلى بذل جهود إضافية للمساهمة في حل الأزمة. إضافة إلى ذلك، واجه كاميرون ضغوطا كبيرة من الكنيسة الكاثوليكية واثنين من المتنافسين على زعامة حزب العمال. كما دعا روث ديفيدسون، زعيم حزب المحافظين الاسكتلندي، المملكة المتحدة لتقديم المزيد من المساعدة للاجئين، موضحا أن «هذه ليست قضية هجرة، انما قضية إنسانية».

وقال الكاردينال فنسنت نيكولز، رئيس الكنيسة الكاثوليكية في إنكلترا وويلز: «ما يجري هو وصمة عار. أننا نترك الناس تموت ونرى الجثث على الشواطئ. يجب أن نكون قادرين على إيجاد حل على المدى القصير، ما يصرخ هو المأساة الإنسانية لهذه المشكلة ليس شيئا آخر».

واتهمت إيفيت كوبر، المرشحة لرئاسة حزب العمال، كاميرون بتجاهل أسوأ أزمة هجرة منذ الحرب العالمية الثانية. وقالت: ”عندما نرى الأمهات في محاولة يائسة لحماية أطفالهن من الغرق، وعندما يخنق الناس على ظهر الشاحنات، وعندما يموت الأطفال على الشاطئ، يجب على بريطانيا التحرك». وأضافت: «إذا أخذت كل منطقة في المملكة المتحدة 10 أسر فقط، يمكن لنا أن نوفر ملاذا آمنا إلى 10،000 لاجئ. ومن المتوقع أن يعقد مؤتمر لقادة المجالس التي يقودها حزب المحافظين، لدراسة عدد اللاجئين الذين يمكن انقاذهم من قبل المملكة. ووجهت كوبر، الدعوة إلى بريطانيا لقبول 10 آلاف لاجئ جديد على الأقل من سوريا ومن دول أخرى مزقها الصراع.

وقال نيل جيمسون، المدير التنفيذي للحملة: «نحن سعداء بمبادرة كوبر، ولكن لا ينبغي أن تكون هذه القضية قضية حزب سياسي. نعتقد أن المجتمع المدني يمكن أن يكون له دور كبير في المساهمة، إضافة إلى الكنائس والمساجد والمعابد التي يمكن أن تحدد خاصية لضم بعض اللاجئين.

ألمانيا: لغة المثل الأوروبية المشتركة

لم تقدم المملكة المتحدة فرص لجوء كبيرة مقارنة مع بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى مثل المانيا. وكانت المحادثات السياسية في ألمانيا مختلفة بشكل ملحوظ. فقد استخدمت ميركل هذا الأسبوع لغة المثل الأوروبية المشتركة، وقالت أن على القارة الأوروبية ككل التعامل مع هذه المشكلة.

وأضافت «اذا فشلت أوروبا بشأن مسألة اللاجئين، سيتم تدمير ارتباطها الوثيق بالحقوق المدنية العامة». فقد اقترحت برلين نظام الحصص، وقد تطوع الآلاف من الألمان لمساعدة اللاجئين، وكانت التغطية الصحافية أكثر توازنا مع القضية. وقالت ميركل يوم الاثنين أن ألمانيا تتوقع إستقبال ما لا يقل عن 800،000 طالبي لجوء هذا العام وأن الرقم مرجح أن يرتفع، ليصل إلى مليون. بالنسبة لليساريين، فإن قبول ألمانيا للاجئين يرتبط بضرورة التضامن مع الناس الذين يفرون من الاضطهاد والحروب. أما بالنسبة للمحافظين فهناك زخم عملي جدا: عدد المسنين في أوروبا بوتيرة أسرع من أي منطقة أخرى في العالم، وتحتاج القارة بشدة إلى المهاجرين، ويقول خبراء في الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ان «القارة المسنة» قد تتمكن من تفادي ان تدب الشيخوخة في أوصال قطاع القوى العاملة حتى عام 2020 تقريبا، من خلال الاستفادة من المهاجرين.

وقد تطوع الآلاف من الألمان لمساعدة اللاجئين القادمين من سوريا ودول أخرى. وعرض آخرون الدروس الألمانية والترجمة كما ضم النائب عن حزب الاتحاد الديمقراطي بزعامة ميركل، اثنين من اللاجئين في منزله في براندنبورغ.

وكانت استجابة المواطنين الألمان لأزمة اللاجئين لافتة جدا ما إستدعى الشرطة في محطة ميونيخ إلى مطالبة المواطنين التوقف عن جلب التبرعات، كما إستقبل عدد منهم اللاجئين في بيوتهم وقدموا لهم مساعدات متنوعة.

التغطية الإعلامية

بين ألمانيا والمملكة المتحدة

كشفت صحيفتان بارزتان في ألمانيا والمملكة المتحدة عن الاختلاف في موقف البلدين حول أزمة اللاجئين. ففي صحيفة «ذي صن» البريطانية وصفت كيتي هوبكنز اللاجئين الذين يعبرون البحر المتوسط بالصراصير. في المقابل، عنونت صحيفة «بيلد» الأكثر مبيعا في ألمانيا، خبرا على صفحتها الاولى بعبارة «نحن نساعد» فوق صورة لطفلين لاجئين.

فيما تميزت لهجة التغطية الصحيفة في بريطانيا بإسلوب سلبي وساخر. ففي أيار/مايو نشرت صحيفة «دايلي ميل» عنوان «كم من اللاجئين يمكن لكوس أن تحتمل؟» موضحة في الخبر أن «الآلاف من لاجئي القوارب من سوريا وأفغانستان أقاموا ”معسكر المهاجرين» على الجزيرة اليونانية ووجد السياح البريطانيون الوضع «مثيرا للاشمئزاز».

وفي الأسبوع الماضي تناولت صحيفة «ذي ميل» ارتفاع عدد المهاجرين إلى المملكة المتحدة ونشرت صورة للاجئين يعبرون الأسلاك الشائكة على الحدود المجرية- الصربية قائلة ان العديد من «المهاجرين سيحاولون التسلل” إلى بريطانيا.

ولكن كان من اللافت تحول ملحوظ يوم الخميس في صحيفة «ذي صن» التي حثت كاميرون لإنقاذ أشخاص من مأساة «ليست من صنع أيديهم» محذرة رئيس الوزراء، من أن فصل الصيف قد إنتهى والوقت الآن للتعامل مع أكبر أزمة تواجه أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

وفي بريطانيا، هناك دلائل أيضا، ولكن من المواطنين العاديين الراغبين في المساهمة. ومن المقرر مسيرة مؤيدة للاجئين في وسط لندن 12 ايلول/سبتمبر، قبل قمة بروكسل. وقال منظمو الحملة أن على الحكومة أن تعي بأن الشعب البريطاني مستعد هو أيضاً لمساعدة اللاجئين.

كرة القدم في ألمانيا تدعم اللاجئين

في الأشهر الأخيرة الماضية ظهرت لافتات على مدرجات جماهيرية موجهة من قبل فرق كرة قدم ألمانية بعنوان: «مرحبا باللاجئين».

حتى في دريسدن، التي شهدت مسيرات مناهضة للهجرة، وزع النادي المحلي «دينامو درسدن» تذاكر مجانية لـ300 لاجئ وصدر شريط فيديو للفريق يعبر فيه عن التضامن مع اللاجئين، مع الهاشتاغ #StandUpIfYouAreHuman. نمت معظم هذه المبادرات عضويا من مجموعات المشجعين المحلية. في المقابل لم تكن هنــاك أي سجلات عن مبــادرات تحــركها مجموعات في المملكة المتحدة. بل أن ما هو مثير للسخرية أن شعار مرحبا باللاجئين تم عرضه لأول مرة في ملعب لكرة القدم في غلاسكو. وفي عام 2007 كشف أن اللافتة كانت أصلاً من إنشاء المهاجرين.

هجمات على اللاجئين

على الرغم من أن ألمانيا تستقبل عددا كبيرا من طالبي اللجوء مقارنة مع بريطانيا، إلا أنها شهدت عددا أكبر بكثير من حوادث العنف التي تستهدف هذه الفئة.

وبحلول نهاية الأسبوع الماضي، كانت وزارة الداخلية الألمانية سجلت 336 حالة اعتداء على منازل اللاجئين منذ بداية العام كانت في غالبيتها موجهة من أشخاص يمينيين.

في المقابل، لا تنشر وزارة الداخلية البريطـانية إحــصــاءات قابلة للمقارنة. لكن جمــعية خيرية تعنى بشؤون اللاجئين كشفت عن اعتداءات متفرقة على الأفراد.

الإطار القانوني الإعلان

سوف يناقش نظام الحصص الذي اقترحته ألمانيا في 14 ايلول/سبتمبر في قمة طارئة في بروكسل. وقالت ميركل ان بعض الدول ترفض تقاسم العبء وأن دولا مثل بريطانيا وشرق أوروبا بما في ذلك المجر وسلوفاكيا وبولندا وجمهورية التشيك قاومت بشراسة الخطة. كما بينت أسبانيا موقفا متشددا. وأوضحت وزارة الداخلية أن بريطانيا لن تشارك في أي مخطط إعادة التوطين في الاتحاد الأوروبي الإلزامي أو الالتزام بأهداف كجزء من مخطط طوعي.

كما وضحت ميركل هذا الأسبوع، أن التزامات المملكة المتحدة تجاه اللاجئين السوريين الفارين من الحرب يجب أن تكون نابعة من الرأفة وليس القانون.

وقال مكتب الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند في بيان الخميس إن فرنسا وألمانيا ستقدمان مقترحات مشتركة بشأن كيفية استضافة اللاجئين وتوزيعهم بشكل عادل عبر أوروبا.

وأضاف البيان أن البلدين يريدان أن تتلاقى المعايير لتعزيز نظام اللجوء الأوروبي وضمان عودة المهاجرين بشكل غير مشروع إلى بلدانهم وتوفير الدعم اللازم للدول التي ينحدر منها المهاجرون أو يمرون عبرها.

ومنذ أن بدأت الحرب في سوريا، فر أكثر من 4 ملايين لاجئ سوري، ذهب ما يقرب من 1.8 مليون إلى تركيا، وأكثر من 600،000 إلى الأردن وحوالي مليون إلى لبنان، بحسب مصادر وكالة الأمم المتحدة للاجئين عن عام 2014. والسويد هي الدولة التي قبلت أكبر عدد من اللاجئين بالنسبة إلى عدد سكانها. وتستقبل المجر ومالطا وسويسرا و 13 دولة أخرى طلبات اللجوء أكثر من العدد الذي تمنحه المملكة المتحدة، وفقا ليوروستات.

ريما شري

القدس العربي

 

 

 

اللاجئون وفرنسا: “ما العمل؟/ باريس ــ أحمد عيساوي

في عدد بعيد عن الأدلجة والرومانسية وأقرب إلى التوثيق والإحصاء العلمي خصّصت أسبوعية “لو 1” (Le 1) صفحات عددها الـ 73 للاجئين والمهاجرين، وتساءلت في صفحتها الأولى “ما العمل؟” ودعت على لسان رئيس التحرير اريك فوتورينو إلى أوسع حملة للتعاضد الأوروبي الذي يكسر جدار الخوف ويعزّز إنسانية الشعوب الأوروبية.

في زاوية “صوت الشاعر” التي يديرها لويس شوفالييه اختار الأخير رائعة الشاعرة ايما لازاروس ( The New Colossus) المحفورة بالبرونز على تمثال الحرية في نيويورك؛ والتي أصبحت منذ العام 1883 دعوة لاحتضان اللاجئين والمحطمين في هذه الأرض. أضاف شوفالييه في قراءته للقصيدة “كانت لازاروس توجه الدعوة- بقولها أيها العرايا والمتعبون تعالوا إليّ- إلى المهاجرين الألمان الأشكيناز الذين فرّوا إلى العالم الجديد؛ وقصيدتها مستقاة من صلب الدعوة التي أطلقها عيسى المسيح لاحتضان الهاربين والجوعى والعراة”. لكن ما يثير الجدل في تلك القصيدة هو التوجّه إلى يهود العالم للهجرة نحو فلسطين وطنهم الأصلي؛ ما اعتبره عدد كبير من النقاد دعوة معاكسة لتهجير الفلسطينيين؛ وهذا ما أغفله شوفالييه في نصه عن لازاروس.

من جهته كتب ألكسندر نجار “المأساة كما نراها من لبنان”، وقال: “أنا من لبنان، واحدة من الدول التي خبرت الحروب ومأساة اللجوء والنزوح، بعد 25 سنة من توقف الحرب الأهلية هنالك نازحون غير قادرين على العودة إلى مكان سكنهم الأصلي”. . وسرد نجار كيف أنّ قاضي محكمة بيروت أصدر في يوم من الأيام قراراً، دعا فيه إلى طرد النازحين الذين احتلوا مرآباً تحت الأرض في إحدى مناطق بيروت، وقال نجار ساخرا “المضحك المبكي أنّ الدعوة أطلقها القاضي باسم الشعب اللبناني، تخيّلوا أنّ لبنانيين يطردون من بلادهم باسم شعب بلادهم!”. علماً أن نجار نفسه كان قد نشر رسمة له، تحتوي على مختلف أشكال العنصرية ضد الفلسطينيين والسوريين، قبل فترة قصيرة فقط.

“الحصة الملعونة من حرب الجزائر”، هكذا اختار الطاهر بن جلون، الشاعر والروائي الجزائري، عنوان مقاله الأسبوعي في “لو 1”. العنوان الذي يعبّر عن وجهة نظر الغالبية العظمى من الفرنسيين كما يقول بن جلون، يراه كثيرون أحد أبرز الجروح التي لم تندمل منذ اندلاع الحرب في الجزائر.

في المادة التي ضمّنها الكاتب قصة وصوله إلى فرنسا سنة 1971، تصوير للتشابك العنيف الذي ولد سنة 1973 إثر قيام أحد المختلين عقليا بقتل سائق باص محلي في مدينة مرسيليا، في ظلّ توافد المهاجرين إلى فرنسا، والتي سبقتها مشاغبات وحملات تحريض كبيرة قامت بها مجموعات اليمين الفرنسي، أبرزها مجموعة شارل مارتيل المتطرفة، التي أصدرت منشورا آنذاك يقول “لن يبق جزائري في فرنسا ما لم تبق أقدام سوداء في الجزائر”.

وختم بن جلون مقاله “أصبح كل شخص غير مرغوب به هنا، وقد ساعد الخطاب الديماغوجي لليمين الفرنسي على تغذية النعرات العنصرية، فأضاع الفرنسيون حس الإنسانية في طلب الطبابة والمسكن…عليهم أن يعوا جيداً أنّ المهاجرين ليسوا سببا للبطالة، ليسائلوا حكومتهم عن النظام السياسي وعن زيادة الضرائب وعن الـ 35 ساعة عمل. الهجرة كانت دائما مصحوبة بأوهام مرضية، وأحكام مسبقة كانت العنصرية في وجهها الوحشي العامل الراعي لها”.

العربي الجديد

 

 

 

 

البعد الاقتصادي لمأساة اللاجئين في أوروبا/ محمد العريان

في الرابع من أغسطس (آب) الماضي، قلت – بالنظر إلى العرض والطلب – إن تدفق اللاجئين إلى أوروبا هو مأساة «لن تنتهي في أي وقت قريب، ولسبب واحد بسيط ومحبط: يدعو الجانب الاقتصادي لهذا الموقف المأساوي إلى حل تعاوني شامل، لكن أفضل ما يمكن أن تتوصل إليه الجهود السياسية نهج تنسيق تدريجي ومحدود».

وقد تأكد هذا التشخيص للوضع على مدار الأسابيع الخمسة الماضية، بتبني عدة دول أوروبية استجابات وطنية محدودة للأزمة. وفي حين أن بعض تلك الاستجابات كانت مثيرة للإعجاب، منها قرار ألمانيا بفتح حدودها، واحتضان اللاجئين، واعتماد أموال لدعم إعادة توطينهم بشكل منظم ومثمر، فإن استجابات بعض الدول الأوروبية الأخرى كانت عشوائية أو قمعية وقاسية. والآن، تسعى القيادة السياسية للقارة إلى تبني استراتيجية موحدة بشكل أكبر، تركز على الحصص الإلزامية، وتهدف إلى توزيع العبء على الدول الأعضاء.

من الناحية النظرية، تعتبر هذه استجابة فعالة لاختلال التوازن بين العرض والطلب، الذي تفاقم بفعل إخفاقات التنسيق في البداية، والذي لا يمكن حله من خلال سياسات الوطنية ولا الاعتماد على آلية التوازن العادية للسوق.

ومع ذلك، سيواجه دخول هذه الاستراتيجية الجديدة حيز التنفيذ صعوبات، ولن تعالج الأسباب الكامنة وراء تدفق اللاجئين، ما لم يتم استكمالها بالكثير من السياسات الأخرى. وعلاوة على ذلك، وفي ظل غياب الحل الأكثر شمولية، قد تصبح الأزمة بمثابة اختبار آخر لالتزام أوروبا بقيمها المشتركة، التي لم تتعافَ بشكل تام من الأضرار التي ألحقها بها الانهيار الاقتصادي وأزمة الديون السيادية اليونانية. وهناك بالفعل مقترحات بتقليص التنقل بحرية داخل «منطقة شنغن» من دون الحاجة لإبراز جواز السفر – وهو إنجاز أوروبي ثبتت استحالة التراجع عنه منذ وقت ليس ببعيد.

وبصورة اقتصادية مبسطة، يمكن النظر إلى نظام الحصص الإلزامية المقترحة على أنه محاولة لتحقيق توازن أكبر، من خلال إجبار خلق العرض استجابة للطلب الزائد. وإذا تعززت هذه الخطوات بتوفير الموارد اللازمة لدعم وتطوير رأس المال البشري للاجئين – وهو ما تقول ألمانيا إنها ملتزمة بفعله على المستوى الوطني – يترتب على ذلك إمكانية توسيع القوى العاملة الأوروبية بشكل مثمر، التي ستضاهي الشيخوخة الكبيرة والتحديات الديموغرافية الأخرى.

ورغم أن هذه الخطوات جذابة، فإنه ليس من السهل تنفيذها.

ومن ناحية العرض، تعارض بعض الدول – مثل جمهورية التشيك وسلوفاكيا – نظام الحصص الإلزامية بشدة، فيما ستنضم دول أخرى لهما على الأرجح. ومن شأن الرفض أن يجعل من الصعب للغاية حصول المسؤولين الأوروبيين على الدعم السياسي الوطني اللازم لإنجاح الإجراءات، حتى لو أيدت ألمانيا – مركز النفوذ في المنطقة – بقوة هذه الخطة.

ويأتي التحدي في جانب العرض من اللاجئين أنفسهم؛ فبعد رحلاتهم الخطيرة من أوطانهم، وتحملهم صعوبات بالغة، من المحتمل أن يبدي المهاجرون آراءهم عن المكان الذي سيتم إعادة توطينهم فيه. وسيكون اختيارهم للمكان قائمًا على تصورهم للبيئة الاجتماعية والمالية للدولة المضيفة. وسيطالبون بإرسالهم إلى أماكن يرون إمكانية إقامة علاقات فيها بشكل أسهل (مع العائلة أو الأصدقاء أو جاليات المهاجرين من نفس الوطن).

وهذا هو حال بعض اللاجئين بالفعل في الدنمارك، الذين يسعون للوصول إلى ألمانيا أو السويد، وفي اليونان والمجر، حيث يقاوم الكثير من اللاجئين إجراءات تسجيلهم. وسيكون مبررا للقادة الأوروبيين أن يقولوا إن «المتسولين لا يمكنهم الاختيار»، لكن النزول على طلبات اللاجئين يمكن أن يساعد على تسهيل اندماج الوافدين الجدد على المدى الطويل.

وفي أحسن الأحوال، يوفر نظام الحصص سبيلاً لتخفيف المأساة الإنسانية تشتد الحاجة إليه – لكنه قصير الأجل. ويجب أن يتضمن الحل المستدام إجراءات من شأنها تقليص العرض من جانب اللاجئين عن طريق تحسين الظروف التي لا تطاق في الأراضي التي يفرون منها. كما أنه ينطوي من ناحية الطلب على القبول واسع النطاق في جميع أنحاء أوروبا باعتراف ألمانيا بأن الاستجابة الإنسانية المثيرة للإعجاب، يمكن أن تحقق مكاسب للاقتصادات المضيفة على المدى الطويل.

ولا تزال معظم أوروبا بعيدة عن الاتفاق بشأن هذه الحلول الدائمة لطرفي المعادلة.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»

أقتصادي مصري- أمريكي

 

 

 

الدياسبورا السورية/ د.خالص جلبي

إذا صحت المعلومات التي تسربت عن تقاسم حصص توزيع السوريين في أوروبا، فستكون حصة فرنسا 300 ألفاً، وألمانيا مليون لاجئ، وإيطاليا نصف مليون، والسويد نصف مليون، وتكون حصة كل من الدنمارك والنرويج نصف مليون، في حين تكون حصة إسبانيا 200 ألف والنمسا 300 ألف، في الوقت الذي تبلغ حصة كل من صربيا وبولندا والمجر وبلجيكا وأوكرانيا والتشيك مائة ألف؟ يقول التقرير إنه ستمنح العائلات السورية إقامة دائمة، تكلل بالجنسية بعد إقامة خمس سنين، فإذا أضفنا إلى هذه الأرقام من فر وشُرد إلى كندا وأميركا، كما اجتمعت أنا بعائلة صديقي في مونتريال مع أفراد عائلته الست، تكون سوريا قد فقدت خمسة ملايين نسمة من سكانها مشردين بين القارات، في أعظم هجرة تمت بعد الحرب العالمية الثانية.

أتذكر جيداً أخبار ألمانيا حينما ذهبت لها للتخصص الطبي بتاريخ 1975، قلت في نفسي في ليلة لا أنساها وأنا أدعو ربي في حي الشيخ محيي الدين العربي، الذي تحول إلى حي شعبي، دعوت ربي في جنح الظلام، فقلت كما قال موسى في مواجهة فرعون، ربنا لاتجعلنا فتنة للقوم الظالمين ونجنا برحمتك من القوم الكافرين. كان ذلك بعد الاعتقال الرابع الذي دام قرابة عام؟ بعدها بأيام تم اعتقالي مجدداً، فقلت هذه المرة ستكون عشر سنين أو إعدام؟ لحسن الحظ تم إلقاء القبض علي لأنني متخلف عن التجنيد الإلزامي. نجوت بفضل الدراسات العليا، (هي في الحقيقة سفلى فليس ثمة دراسات في سوريا، فضلاً عن عليا؟) بعدها- ما زلت أذكر نفسي- وأنا أرتب خروجي من سوريا، رميت نفسي يميناً وشمالاً للعمل في أي مصلحة؟ كانت شوارب رجال الأمن في انتظاري حيث أجريت مقابلة. أردت العمل في الطبقة حيث السد، فكانت كارثة يجب روايتها في قصة تراجيدية، حيث سافرت في شتاء بارد مظلم مثلج.

أرجع إلى «الدياسبورا» السورية إذا كانت سوريا قد فقدت نزوحاً خمسة ملايين من المعذبين، يضاف لها ستة ملايين أخرى، موزعين في تركيا والأردن ولبنان، حيث حزب إيران يتربص؟ والعراق حيث جنون الشيعة والسنة، فيكون من غادر سوريا 11 مليوناً، يضاف لهم ربع مليون قتيل، ومليون معاق ومشوه، ومصاب يمشي بساق خشبية، وآخر فقد بصره أو سمعه، أو طاش لبه وضاع عقله في زنازين التعذيب، فانحشر في زمرة المجانين. لاننسى أطفال الرعب فمعظم السوريين يحتاجون الآن إلى علاج نفسي.

أنا متيقن الآن أن بشار لو رشح نفسه لفترة جديدة فسوف ينتخب 99,99 بالمائة، فنصف من تبقى خائف، وربع منافق، وربع مجرم..

الآن أصبحت سوريا تذكرنا بحرب الأوراجواي حين باد معظم شعبها في حرب عام 1860 م ولكن من يعلم.. أو باتت مثل ألمانيا في حرب الثلاثين عاماً (1618 1648) حيث مات ستة ملايين ونصف من أصل 21 مليوناً من السكان وتدمرت 80 ألف قرية ومدينة.

الاتحاد

 

 

 

 

السوريون في لبنان: لا وظائف ومساعدات أقلّ/ أنّـا ماريـا لوكـا

أمام مكتب رئيس البلدية في برالياس، تلك البلدة الصغيرة المكتظّة غربي وادي البقاع، يمتدّ صف طويل. “الجميع يسألون الأسئلة نفسها مراراً وتكراراً. كل يوم الأمر نفسه يتكرّر”، تقول السكرتيرة فيما تدخل امرأتان تجريان دراسة حول المنظمات غير الحكومية والمساعدات للاجئين السوريين الى مكتب الرئيس.

بالنسبة إلى رئيس البلدية، سعد الدين ميتا، تبدو جميع الأجوبة جاهزة بعد ثلاث سنوات من طرح الأسئلة نفسها. “عدد اللاجئين يتزايد. هناك عبء ثقيل ملقى علينا، لا سيما لجهة البنى التحتية. البطالة في ارتفاع”، يقول على الفور. إذ تستضيف برالياس 49 مخيماً كبيراً للاجئين- المخيم الكبير فيه أكثر من 50 خيمة. أما المخيمات الصغرى فلم يتم إحصاؤها، ولكن موظفي البلدية يقولون إنها منتشرة في كل مكان.

على مدى السنوات الأربع الأخيرة، أنشأ أكثر من 70000 لاجئ مخيمات في برالياس- وهي بلدة تضم 40000 نسمة، معظم أهلها يعتاشون من الزراعة ومن القليل من السياحة والتجارة. “وحدها عرسال فيها عدد أكبر من السكان، ولكن هناك المنطقة أوسع لإيوائهم. هنا الأراضي أقل. ولذلك نشعر هنا بالضيق”، تقول ميتا.

بعض مالكي الأراضي اللبنانيين استفادوا من وجود اللاجئين. “معظم الملاكين توقفوا عن الزراعة لأنهم أجّروا أرضهم الى اللاجئين لتشييد مخيماتهم”، قال رئيس البلدية. يؤجّر مالكو الأراضي الخيمة بـ70$ للاجئين. بعض المخيمات فيها أكثر من 50 خيمة، والبعض الآخر أكثر من 100 خيمة. وبالتالي يؤمّن ذلك مداخيل ثابتة وفعلية للمزارعين في البقاع.

غير أنّ العديد من المزارعين المتبقين يعانون، كما يقول ميتا. “المزارعون الذين تقع أراضيهم على تخوم المخيمات لا يستطيعون زرعها، لأنهم يخشون بأن تتضرّر المحاصيل. كانوا يزرعون القمح في هذه المنطقة، ولكن اليوم لم يعودوا قادرين على فعل ذلك حول المخيمات، لأنه محصول حسّاس- يمكن أن تشتعل فيه النيران بسرعة. الكثير من الحرائق حصلت بهذه الطريقة”.

قوانين صارمة للهجرة

لا تنحصر المشكلة في اللاجئين الذين يعيشون في الأراضي الزراعية، ولكن كذلك في النقص في اليد العاملة وفقاً لاتحادات التجارة الزراعية في البقاع. حيث حثّت الاتحادات الحكومة اللبنانية على تسهيل دخول العمّال السوريين في الزراعة الى البلد في ظل غياب القوة العاملة اللبنانية في بداية العام، ولكنّ القوانين لم تتغيّر.

الشروط التي اعتّمدت عام 2015 تفرض على السوريين الذين يدخلون لبنان توفير إثبات بأنهم يدخلون لبنان للسياحة، او للعمل، أو للدراسة، أو لبقاء لفترة قصيرة أو للعلاج الطبي، وعليهم أيضاً أن يجدوا كفيلاً يغطّي تكلفة بقائهم هنا. وعلى أصحاب العمل أن يستحصلوا على إقامة لموظفيهم تكلّف 200$ في العام وتصريح عمل من وزارة العمل يكلّف 70$. “لا يستطيع المزارعون تحمّل تكلفة كل هذه الأموال من أجل عمالهم الموسميين”، يقول ميتا.

يعتمدون على الإعانات

بالنسبة إلى 100 سوري من حلب يعيشون في واحد من عدة مخيمات في برالياس، العمل ليس وارداً لديهم كما يقول مدير المخيم عبدالله، وهو رجل في الخمسينات من عمره. “لا نستطيع العمل. من المستحيل لنا إيجاد كفيل من أجل اتمام أوراقنا القانونية”، كما يقول. يبدو عبدالله متحمّساً لتغيير الموضوع. “مشكلتنا الكبرى اليوم هي بأنّ العديد من أهالي المخيم لا يستطيعون الحصول على اوراق الهوية التابعة للأمم المتحدة ولا يستطيعون مغادرة المخيم. من الناحية التقنية يعتبرون غير شرعيين”.

من بين كافة رجال المخيم، واحد فقط خارج البلدة، يحاول إيجاد عمل لدعم عائلته لأنّ مكتب المفوضية العليا للإغاثة رفض تجديد وضعه كلاجئ. لقد غادر المخيم منذ بضعة أشهر. وزوجته، وهي حامل في الشهر السابع، تبقى في المخيم مع أولاده السبعة وتنتظر عودة زوجها. تعيش على ما يقدّمه اليها باقي أهالي المخيم الذين يحصلون على مساعدات من الأمم المتحدة- 13$ في الشهر للفرد الواحد. حيث تتلقى العائلة التي تضم خمسة الى ستة أشخاص 70$ في الشهر، كما يقول عبدالله.

تطلب أمون، امرأة في الخمسينات من عمرها، المساعدة لابنها ذي الـ17 عاماً، المصاب بمشكلة رباط في قدمه ولا يستطيع الركض. تقول إنه يمكن ان تُجرى له عملية في أحد مستشفيات مجدل عنجر لو توفّر المال لدفع تكلفتها. فهل سيتمكّن حينها من الذهاب الى المدرسة مثل شقيقته ذات العشرة أعوام ومن ثم العمل لدعم والدته الأرملة؟ “لا”، تجيب على سؤالنا. “لديه نزيف في الأنف”.

أزمة مساعدات دولية دائمة

قلّص برنامج الأمم المتحدة للغذاء كمية المساعدات الشهرية للاجئين السوريين في بداية شهر آب من 30$ في الشهر للفرد الواحد الى 13$ في الشهر للفرد. وسوف يستمر هذا الرقم حتى شهر تشرين الأول، كما قالت أرثرين كازين، المديرة التنفيذية للبرنامج في مؤتمر صحافي في بيروت مؤخراً.

وقالت أيضاً إنّ الهدف الرئيس من زيارتها الى لبنان هو إقناع الحكومة بالحاجة الى فتح فرص عمل للسوريين في لبنان في المجالات الاقتصادية التي لا يوجد فيها يد عاملة لبنانية كما يجب. “من خلال ما شاهدناه في لبنان وفي الأردن، هناك وظائف يقوم بها العمال المهاجرون اليوم، سواء في مجال البناء أو المطاعم أو الزراعة يمكن ان يؤديها سوريون ولا يقوم بها اللبنانيون. هذه هي الوظائف التي نتحدث عنها والتي يجب فتحها أمام اللاجئين”، كما قالت. ولدى سؤال NOW عن ردة فعل الحكومة على ذلك، قالت إنّها أوصلت رسالتها وإن الجانب اللبناني لم يقدّم أي تعهدات في هذا المجال.

حتى هذا التاريخ، بقيت الحكومة اللبنانية ملتزمة بحل واحد- هو مساعدة السوريين على العودة الى سوريا. حيث قال مؤخراً وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس إنه “في حال كان لدى الحكومة السورية أي توجه للقبول بعودة من يريدون العودة، علينا ان نلعب دور المساعد والمسهّل”.

الجميع بحاجة الى مساعدة

يقول رئيس بلدية برالياس إنّ البلدة تستضيف اليوم عدداً كبيراً من الناس الذين يعتمدون على المساعدات. “هناك أشخاص يريدون أن يعملوا- بالطبع هناك مثل هؤلاء”، يقول. “ولكن إذا ما تعودوا الحصول على المساعدات طوال الوقت، سوف يتشجعون على البقاء في تلك المخيمات ولن يعملوا بعد ذلك”.

في الوضع الحالي، يقول إنّ البلدة بأسرها وليس اللاجئون فقط بحاجة الى مساعدة. “الرواتب في هذه المنطقة ليست مرتفعة جداً، ولكنّي اضطريت الى رفع الضرائب التي يدفعها اللبنانيون من اجل توفير الخدمات التي يجب أن نوصلها الى مخيمات اللاجئين. فكروا فقط بالزبالة، بما أنّ البلد في أزمة الآن. تكلفة التخلّص منها ارتفعت. تكلفة معالجة مياه الصرف الصحي ارتفعت، الطلب على الماء والكهرباء ارتفع. سرقة الكهرباء ازدادت. حال الطرقات في تدهور. لا أرى سوى حل وحيد، هو بان تساعد المنظمات الدولية البلدية أيضاً. إذا أمنوا المساعدة للاجئين فقط، سوف يقيمون في هذه الأرض والعبء سوف يقع على أكتاف المجتمع المضيف”.

آنا ماريا لوكا تغرّد على تويتر @aml1609

ألكس راول وأمين نصر ساهما في جمع المعلومات لإعداد هذا المقال

هذا المقال ترجمة للنص الأصلي بالإنكليزية

(ترجمة زينة أبو فاعور)

موقع لبنان ناو

 

 

 

بورصة اللجوء السوري/ جهاد الرنتيسي

آخر ما كان يدور في ذهن العقيد معمر القذافي قبل سقوط نظامه أن تهديداته بتحويل “المتوسط” إلى بحر من الفوضى، ستتحول إلى “قشة” تراهن عليها الحكومة التركية للنجاة من غرق محتمل.

رئيس الوزراء التركي أحمد داود اوغلو استلهم التهديد وحوله بدبلوماسية يعجز عنها القذافي إلى مقولة تجمع بين “التلويح” و”العتب” و”تذكير” لا يخلو من الخبث، وهو يشير إلى فضل بلاده في عزل أوروبا عن الفوضى بمبادرتها إلى استقبال أكثر من مليوني لاجئ سوري وعراقي.

حضور “العتب” و”التذكير” في تهديدات اوغلو المبطنة وهو يغرف من بورصة اللجوء السوري، أظهر نقاط لقاء أخرى مع جوهر منطق القذافي الذي كشف نجله سيف الإسلام خلال المحاولات المستميتة لمنع انهيار النظام السابق عن تمويل حملة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي.

التقاء اوغلو والقذافي عند استخدام ملف اللاجئين في مساومة القارة العجوز والشبه الذي يظهر في نمطي تفكيرهما لا يقللان من التباينات التي تمليها الظروف والسياقات والإمكانيات إضافة إلى قدرات النظامين على المناورة.

فقد عمل صاحب نظرية “تصفير المشاكل” التي تاهت بين أوهام استعادة أمجاد “الدولة العثمانية” والسعي المحموم لتوسيع “الدور الإقليمي” على استغلال موجات اللجوء السوري في محاسبة الغرب أخلاقياً على تقصيره في التعامل مع أزمة اللاجئين ومن خلال التقصير الذي أحدث شرخاً بين صناع القرار الأوروبيين وشارعهم السياسي، بحث اوغلو عن مداخل لفرض تركيا شريكاً للأوروبيين في البحث عن حلول.

حين يتعلق الأمر بالملف السوري تتجاوز رغبة الشراكة جزئية اللاجئين إلى ملفات أخرى ذات علاقة مباشرة أو غير مباشرة بذلك الملف أبرزها تمرير إقامة المنطقة العازلة في شمال سوريا وضمان الصمت الغربي عن استخدام القوة في فرض حلول سياسية على الكرد.

وقد يتجاوز الخيال التركي تشعبات الملف السوري وتقاطعاته مع إفرازات القضية الكردية إلى الحلم المستعصي على التحول الى حقيقة حيث وجد اوغلو في ملابسات أزمة اللاجئين السوريين ما يكفي لاستحضار مصطلح “القلعة المسيحية” الذي جرت العادة على استخدامه بعد فشل جولات محادثات الانضمام للنادي الأوروبي.

لكن المؤشرات المتوفرة لا توحي بنجاحات تركية في الضغط على دول القارة الأوروبية حيث انكشف الدور التركي في تسهيل عمليات اللجوء امام الراي العام العالمي مع طغيان ملف اللاجئين على جوهر الأزمة السورية.

وساعد الانكشاف التركي في تبرير ابتعاد مسؤولين اوروبيين عن السياسة الامريكية في سوريا ودعوتهم لتسويات تبقي على رأس النظام السوري شريكاً في الحل السياسي.

إفرازات ارتباك الأداء التركي في التعامل مع ملف اللاجئين السوريين لا تقف عند حدود السورية وتقاطعاتها ففي التفاصيل دلالات على إخفاق محاولة جديدة لتعويم الأزمات الداخلية التركية بتصديرها إلى الخارج، بدلاً من التفكير في إدخال تغييرات على الأداء السياسي تبدأ بإنهاء غموض العلاقة مع تنظيمات السلفية الجهادية، وتمر بالبحث عن توافقات لحل القضية الكردية، ولا تنتهي بمحاولة الإجابة على أسئلة الهوية العالقة.

موقع 24

 

 

 

إنهم اللاجئون السوريون/ عبده وازن

إنهم اللاجئون. مرة تلو مرة. المشهد الملحمي هذا لا خاتمة له في عالمنا. أرتال من رجال ونسوة وأطفال يرحلون تحت الشمس وفي كنف الليل، في العراء، لا يدرون إلى أين يذهبون ولا إن كانوا سيصلون. عبروا القرى والتلال والصحراء، متوجهين صوب البحر، هذا الأزرق الكبير. ركبوا القوارب الصغيرة غير آبهين للأخطار التي تتهددهم. هم لم يبق لديهم أصلاً ما يخسرونه بعدما فقدوا أغلى ما يملكون: الأمل. صدّقوا الكذبة وجعلوها حقيقة. وراء البحر والأمواج العاتية تنتظرهم حياة أخرى، بيت وسرير آمن ورغيف وكأس ماء ونافذة تطل على سماء لا تسقط منها شهب النار…

إنهم اللاجئون. يمكن أن تُطلق عليهم أسماء أخرى ما داموا بلا هويــات ولا وطـــن ولا أرض: الـــنازحون، المهجرون، الهاربون، التائهون، المنفيون… ليُسمّهم العالم كما يشاء، ما داموا قد عبروا حدود بلادهم التي لم تبق البلاد- الأم، البلاد التي لم ترحمهم، التي رمتهم مثل الغرباء في قلب القفر وعلى الشواطئ.

إنهم اللاجئون السوريون. مَن كان يتصور أن مئات السوريين، آلاف السوريين، سيستيقظون يوماً ليجدوا أنفسهم لاجئين، هنا وهناك وهنالك، تحت الخيم وفي الغابات والمغاور…؟ في بلادهم التي أضحت جحيماً مفتوحاً، تحت نيران نظام ظالم وجماعات إرهابية طالعة من سديم التاريخ، لم تبق لهم منازل ولا حقول ولا ساحات ولا أرصفة، لم يبق لهم ماض ولا حاضر، لم تبق لهم حياة ولا فتات حياة.

إنهم اللاجئون السوريون. سئموا الانتظار الطويل والمضني والذليل أمام أبواب السفارات في بيروت وعمان واسطنبول… سئموا الاصطفاف أمام محافل الجمعيات الدولية، جمعيات الشفقة والرأفة، لينالوا بطاقات تؤكد أنهم بشر ويحق لهم أن يعيشوا ولو شظفاً. سئموا أيضاً مهنة التسول على أدراج مقرات الامن والاستخبارات، ليتمّ التأكد من أنهم ليسوا عملاء ولا إرهابيين ولا…

إنهم اللاجئون السوريون. أبصرناهم يخوضون غمار البحر بلا هوادة. يركبون السفن الصغيرة غير عابئين بما ينتظرهم هناك، في المقلب الآخر. لم يخافوا الأمواج تتقاذفهم ولا هبوب الرياح في عرض المياه. لم يخشوا الغرق ولا دوامات الماء تــــقذفهـــم إلى الشـــواطئ جثـــثاً. لم تُخـــفهم صور الغرقى الذين ردّهم البحر أشلاء، أفراداً وجماعات. حتى منظر الطفل أيان لم يؤثر فيهم. أنظارهم إلى الأمام، إلى بلاد البرد والمطر، إلى المنفى المجهول الذي مهما بلغت قسوته يظل أرحم من بلادهم. قرروا ألا ينظروا إلى الوراء، قرروا أن ينسوا كل ما كان لهم، ماضيهم والذكريات. نحن بكينا الطفل إيان، بكينا كل الضحايا الذين ماتوا ميتاتهم الرهيبة، أما هم فقرروا ألا يبكوا بعد اليوم.

إنهم اللاجئون. أبصرناهم يغادرون سفنهم البائسة راكضين نحو شواطئ الرمل وكأنهم لا يصدقون أنهم وصلوا، وصلوا إلى الجنة التي وعدوا أنفسهم بها. إنها الجنة ولو بلا شجر ولا ثمار ولا أنهر. إنها الجنة ولو بحـــراس قساة، يحملون الهراوات، يعزلونهم ويهـــينونهم ويســوقونهم كالقطيع… وأياً يكن حالهم، أياً تكن مذلتهم… فلا بشار هنا، ولا داعش ولا النصرة ولا وحوش ولا… أما حملات الكراهية التي واجهتهم في أحيان، الحملات العنصرية والطائفية التي قامت ضدهم في مدن عدة، فهي تظل أشدّ رأفة من براميل البارود وسكاكين الذبح وأقفاص التعذيب. ومهما بدت الأيام المقبلة مجهولة فهي ستحمل إليهم قليلاً من أمل فقدوه تماماً هناك. هناك الذي أصبح بعيداً.

الحياة

 

 

 

 

 

الفائدة الاقتصادية للاجئين لأوروبا/ لوسي ب. ماركوس

استثناء وسط صمت للقطاع الخاص

فوائد واضحة بحاجة لتوظيف

لقد اختلفت ردود الأفعال والمقترحات المتعلقة بالسياسات من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه بشكل كبير في مواجهة أكبر تدفق للاجئين نحو أوروبا منذ عقود، ولقد أصبح الجدل القائم مسيساً بشكل كبير.

وشارك في ذلك الجدل أيضا المنظمات الدولية والوكالات غير الحكومية مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ولجنة الإنقاذ الدولية، وزعماء دينيون مثل البابا فرانشيسكو ورئيس أساقفة كانتربري، ولكن كان من الغريب ألا يُسمع صوت مجموعة معينة وهي أصحاب الأعمال.

وفي الوقت الذي تناقش فيه الحكومات والجمعيات الخيرية والمنظمات المانحة بهمة ونشاط كيفية اقتسام المسؤولية عن اللاجئين في كل خطوة من خطوات رحلتهم، من المخيمات في الأردن ولبنان وتركيا إلى رحلة العبور ثم الاستقرار، بقي رجال الأعمال الأوروبيون صامتين على نحو غريب.

ولكن في وقت يتمتع فيه قطاع الأعمال بالقوة أكثر من أي وقت مضى، ومع وجود الشركات متعددة الجنسيات حول العالم، يتوجب على هذا القطاع العمل مع الحكومات والمنظمات غير الحكومية من أجل المساعدة في التعامل مع التحديات قصيرة وطويلة المدى التي تفرزها الأفواج الكبيرة للاجئين.

ويتوجب على قادة الأعمال من جميع القطاعات أن يكونوا مشاركين منذ البداية، وفقط عندما يتم تحويل التحديات إلى فرص ستخفف من وطأة المخاطر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

استثناء وسط صمت للقطاع الخاص

لقد كان هناك استثناء واحد لحالة صمت القطاع الخاص، فكما كانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في الطليعة فيما يتعلق بأزمة الهجرة من الناحية السياسية، كان اتحاد الصناعات الألمانية في المقدمة، كذلك فيما يتعلق بقطاع الأعمال. لقد تحدث الاتحاد بشكل واضح وقاطع عن فوائد اللاجئين بالنسبة إلى قطاع الأعمال، واقترح تغييرات في قوانين وأنظمة العمل الألمانية، بما في ذلك التسريع في منح القادمين الجدد الحق في العمل.

ومن أجل جعل مشاركة قطاع الأعمال واستثماراته مستدامة، سعى اتحاد الصناعات الألمانية للحصول على ضمانات بأنه لن يتم إبعاد المهاجرين الذين يحصلون على وظائف.

لقد حان الوقت لأن نسمع ماذا تقوله اتحادات قطاع الأعمال في بلدان أخرى. إذ كيف ينوي اتحاد الصناعات البريطانية أو اتحاد أصحاب العمل في فرنسا (المعروف اختصارا بـ “ميديف”) التعامل مع الموضوع؟ وماذا عن دور الشركات متعددة الجنسيات؟ وما هي التغييرات التشريعية التي يعتقدون بأنهم في حاجة إليها من أجل مساعدة الحكومات والاتحاد الأوروبي في التعامل مع أزمة اللاجئين وضمان وجود استقرار طويل الأجل بأوروبا؟

إن الجميع متفق على أن التحدي لا يقتصر على التعامل مع التدفقات الكبيرة للاجئين ومعالجة طلبات اللجوء، ففي الأشهر والسنوات القادمة يتوجب على بلدان المقصد وضع أسس إدماج اللاجئين في سوق العمل. إن الانتظار فترة طويلة جدا يعني تفويت فرصة مهمة للانخراط في تطوير إستراتيجية تكون ناجحة بالنسبة لقطاع الأعمال والحكومات والمجتمعات على حد سواء.

وسيسمح الانخراط مبكرا في عملية التقييم والتعليم والاندماج للقطاع الخاص بالمساعدة في صياغة السياسات منذ البداية بدلا من التذمر من فشل الحكومة بعد فوات الأوان, وبإمكان قادة الأعمال المساعدة في تحديد المهارات والقدرات التي ستحقق أكبر فائدة لقطاعاتهم، فضلا عن وضع برامج التوجيه والتدريب والتعلم.

فوائد واضحة بحاجة لتوظيف

إن الفوائد واضحة، فاللاجئون الذين يصلون الشواطئ الأوروبية هم عادة من الشباب والمتعلمين والمهرة والمتلهفين للاندماج سريعا في المجتمع، فهم الحل لتزايد عدد كبار السن وانخفاض معدل المواليد في أوروبا، والعديد من اللاجئين يأتون وهم جاهزون للعمل، وبالتعاون مع القطاع الخاص بإمكان الشركات التحقق من تلقي الوافدين للتدريب والوظائف التي يحتاجونها.

ولقطاع الأعمال دور يقوم في الإسهام بتشكيل مواقف المجتمعات تجاه اللاجئين، وهذا ينطبق على وجه الخصوص على المؤسسات التي تتعامل مع الجمهور، فأندية كرة القدم على امتداد القارة الأوروبية وعرضها لا تتبرع فقط بالأموال، ولكنها تتخذ خطوات ملموسة من أجل تشجيع تكوين بيئة مرحبة، وذلك برفع لافتات الترحيب في الملاعب وإقامة معسكرات لتدريب اللاجئين، ويعد نادي بايرن ميونيخ نموذجا دالا في هذا الشأن.

لن يبقى كل هؤلاء اللاجئين في أوروبا بشكل دائم، ففي يوم ما قد يعود بعضهم إلى موطنه، وعندما يقومون بذلك فإنه ستكون لديهم المهارات اللازمة للمساعدة في إعادة بناء مجتمعاتهم واقتصاداتهم، بالإضافة إلى نسجهم علاقات قوية مع البلاد التي لجؤوا إليها.

إن أهمية هذا الاستثمار في بناء مستقبل الدول، إضافة إلى العلاقات مع قطاع الأعمال، لا يمكن الاستهانة بها. وبالرغم من أن النتائج الإيجابية قد تبدو بعيدة المنال، فإن الاستثمار في لاجئي اليوم قد يشكل فرقا كبيرا في بناء شركاء تجاريين أقوياء ومستقرين في المستقبل.

ما يزال يُنظر إلى أزمة اللاجئين إلى أوروبا فقط كمشكلة سياسية، وهذا يعود إلى حد ما لوسائل الإعلام التي تصورها بهذه الطريقة. إن التغطية الوحيدة المتعلقة بقطاع الأعمال تميل للتركيز فقط على التأثير المالي الذي يتسبب به اضطراب المواصلات مثل ميناء كاليه، ولكن أزمة اللاجئين هي مشكلة أيضا لقطاع الأعمال، والذي بإمكانه تحويلها إلى فرصة للجميع إذا قام تعامل معها اليوم.

ـــــــــــــ

*الرئيسة التنفيذية لشركة مشاريع ماركوس الاستشارية

 

 

 

 

السياسة الألمانية وأزمة اللاجئين/ غياث بلال

تعد جمهورية ألمانيا الاتحادية إحدى الوجهات الرئيسية لأغلب اللاجئين في العالم، فقد بلغ عدد طلبات اللجوء إليها حتى نهاية يونيو/حزيران الماضي نحو ٢٠٣ آلاف طلب، يشكل اللاجئون السوريون نحو الربع منهم، بينما تعود نصف الطلبات للاجئين من دول البلقان.

وفي حين تتوقع الدولة الألمانية أن تصل طلبات اللجوء هذا العام إلى ثمانمئة ألف طلب، لم تشمل الميزانية المرصودة للاجئين هذا العام أكثر من ثلاثمئة ألف لاجئ، الأمر الذي شكل ضغطا هائلا على موارد الدولة بكافة أشكالها، فمشهد اللاجئين النائمين في الحدائق العامة في برلين لم يكن مألوفا في ألمانيا قبل الآن، مما دفع الحكومة إلى تحويل العديد من ملاعب كرة القدم والمدارس إلى صالات استقبال لهم.

 

كما قام عدد من الشركات الألمانية بتقديم المساعدات العينية والمالية للاجئين، كشركة باير للأدوية ومجموعة شبرينغر، في حين وضعت شركة سيمنس مقراتها غير المأهولة في ميونخ تحت تصرف الحكومة من أجل إيواء اللاجئين، كما يجري النقاش الآن بشأن تحويل صالات معرض دوسلدورف الشهير إلى مقر مؤقت للاجئين.

كما أن اقتراب فصل الشتاء أجبر الحكومة الألمانية على اتخاذ إجراءات عاجلة، حيث لا يمكن للاجئين المبيت في الحدائق أو الخيام غير المعدة بشكل جيد عندما يبدأ شتاء ألمانيا البارد؛ فقد قامت الحكومة الألمانية هذا الأسبوع بتخصيص مبلغ مليار يورو كمساعدة عاجلة للاجئين من أجل بناء وتجهيز ١٥٠ ألف وحدة سكنية مناسبة للشتاء قبل نهاية العام الجاري.

كما تم تخصيص ستة مليارات يورو جرى رصدها من الميزانية الاتحادية لعام ٢٠١٦ إضافة إلى ثلاثة مليارات جرى تخصيصها سابقا، حيث سيتم صرف نصفها للولايات الألمانية والمجالس المحلية مباشرة من أجل تأمين الخدمات والمرافق اللازمة للاجئين.

ولعله من حسن حظ اللاجئين أن الاقتصاد الألماني يمر بحالة جيدة جدا مقارنة بالدول الأوروبية المحيطة، حيث تشهد ألمانيا هذا العام أقل نسبة عاطلين عن العمل خلال الـ25 سنة الماضية، الأمر الذي يسّر للحكومة مواجهة هذه المصاريف المالية الضخمة، فقد حاول وزير الاقتصاد الألماني سيغمار غابرييل بعث رسالة تطمين لدافعي الضرائب عندما صرح بأنه “لن تتم تغطية هذه المصاريف من ضرائب جديدة، فالاقتصاد الألماني قوي وقادر على تجاوز هذا التحدي”.

ولكن لماذا تساعد ألمانيا اللاجئين؟

قامت وزارة الهجرة الدانماركية بداية شهر سبتمبر/أيلول الجاري بنشر إعلانات في الصحف اللبنانية بعنوان “أيها اللاجئون السوريون لا تأتوا إلى بلادنا”، كما أصدرت مجموعة قوانين قلصت بموجبها المساعدات الاجتماعية المقدمة للاجئين إلى النصف.

وقبل ذلك، صرح وزير الداخلية السلوفاكي إيفان متيك بأن بلاده “لن تقبل المهاجرين المسلمين؛ لأنهم لن يشعروا بالاستقرار أو أنهم في وطنهم”. في حين اتبعت فرنسا وبريطانيا سياسة انتقائية في استقدام اللاجئين تسعى لاستقطاب النخب حصرا. وعلى النقيض من ذلك، أصدرت الحكومة الألمانية حزمة جديدة من القوانين تهدف إلى تيسير حياة اللاجئين الجدد وتسهيل اندماجهم في المجتمع الألماني وفي سوق العمل.

فابتداء من شهر أغسطس/آب ٢٠١٥، يمكن لكل لاجئ وصل إلى ألمانيا بعد عام ٢٠١١ الحصول على الإقامة الدائمة بعد مرور ثلاث سنوات على لجوئه بغض النظر عن الأوضاع السياسية في البلد الأصل، كما أنها غضت النظر عن العمل باتفاقية “دبلن” بالنسبة للاجئين السوريين، والتي تنص على إرجاع طالب اللجوء الذي وصل ألمانيا إلى أول دولة أوروبية دخل إليها.

الكثير من المتابعين لا يستطيعون تقبل فكرة أن ألمانيا تسهل إجراءات قبول اللاجئين لأسباب إنسانية بالدرجة الأولى؛ ففي فرنسا هاجمت زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبان السياسات الألمانية، وقالت إن ألمانيا تريد تحويل هؤلاء اللاجئين إلى عبيد وتشغلهم بأجور متدنية.

في حين تناقلت صفحات التواصل الاجتماعي العربية العديد من التفسيرات التي تتنوع بين الاعتقاد بوجود مؤامرة تستهدف إفراغ سوريا من معارضي الأسد، والاعتقاد بحاجة ألمانيا للمهاجرين من أجل تعويض التناقص الديموغرافي لديها. مع العلم أنه لو أن هدف استقبال اللاجئين اقتصر على سد العجز السكاني لكان من الممكن للحكومة الألمانية أن تفتح باب الهجرة المنتقاة وتختار أفضل الكفاءات من الصين والهند والدول العربية وأوروبا الشرقية. بالإضافة إلى ذلك فإن أوروبا كلها تعاني من الشيخوخة بما فيها الدول التي ترفض استقبال اللاجئين.

قد يحقق قرار تسهيل شؤون اللاجئين مصالح متعددة للدولة الألمانية، كما أن قرار عدم استقبالهم -كما تفعل الدانمارك أو بريطانيا- أو استقبال النخب منهم فقط يدرأ أيضا مخاطر عديدة؛ فهناك مخاطر أمنية واجتماعية ومصاريف مالية ضخمة ينطوي عليها قرار استقبال لاجئين من ثقافات وبيئات أخرى بأعداد كبيرة، فالنسبة الغالبة من اللاجئين تحمل معها أزماتها وصراعاتها، مما ينقل الصراع والخلاف للدول المضيفة.

والحقيقة أن دوافع الحكومة الألمانية متعددة ومتقاطعة؛ فهي تتعامل مع موضوع اللاجئين كأزمة داخلية بالدرجة الأولى، فبعد وصول مئات الآلاف من اللاجئين إلى أراضيها تسعى السياسات الألمانية للحيلولة دون تحول وجودهم في المستقبل إلى أزمة أكبر نتيجة عدم اندماجهم في المجتمع أو تشكيلهم مجتمعات موازية ومنغلقة، كما تسعى أيضا للتعامل مع اللاجئين على أنهم فرصة يمكن استثمارها من أجل دعم سوق العمل والحفاظ على المستوى الاقتصادي المتقدم في ألمانيا.

فعلى سبيل المثال، في مقابلة أجرتها صحيفة الشبيغل مع “يانينا كوغل” عضو مجلس إدارة شركة سيمنس الألمانية ومسؤولة شؤون العمال فيها الذين يبلغ عددهم ٣٤٠ ألف موظف، أجابت عن سؤال: “هل تحتاج ألمانيا مهاجرين؟” قائلة “حتى عام ٢٠٣٠ سيعاني سوق العمل الألماني من نقص في الكفاءات المؤهلة يقع بين مليونين وسبعة ملايين شخص مؤهل حسب طريقة ومنهجية تصنيف الكفاءة والتأهيل. في جميع الأحوال سينعكس ذلك على الاقتصاد الألماني بتناقص في الدخل القومي يقدر بعدة مئات المليارات”، و”ألمانيا بحاجة إلى حزمة تشريعات تسهل دخول الكفاءات إلى ألمانيا”.

وفي حالات الهجرة المرافقة للحروب، كما هي الحال في سوريا والعراق اليوم، تكون الهجرة مرتبطة بالطبقة الوسطى في المجتمع، فهي ليست هجرة الشرائح الفقيرة التي تبحث عن حياة أفضل، وإنما هي هجرة كفاءات وأصحاب مؤهلات علمية ومهنية تبحث عن بيئة آمنة كي تبدأ حياتها المنتجة من جديد.

قد تكون النتائج كارثية على البلد الأصل، حيث إنه سيفقد كفاءاته القادرة على إعادة إعماره، في حين أن البلاد التي ستستقبل هؤلاء اللاجئين يمكن لها الاستفادة منهم في حال أحسنت إدماجهم في المجتمع وفي سوق العمل. فألمانيا -على سبيل المثال- تؤمن للاجئ فترة تتراوح بين سنتين وثلاث سنوات من أجل تعلم اللغة واكتساب المؤهلات اللازمة للدخول في سوق العمل.

وحتى في حال عودتهم إلى بلادهم بعد انتهاء الحرب فإنهم سيشكلون جسرا للتواصل والتعاون الاقتصادي والثقافي بين بلادهم وألمانيا، فمن الطبيعي أن يستوردوا لبلادهم التكنولوجيا والآلات الألمانية التي تدربوا عليها.

من ناحية أخرى، فرغم تباين المواقف الحزبية تاريخيا من قضية اللاجئين، فإن التحالف الحزبي الحاكم -الحزب الديمقراطي المسيحي- الذي تنتمي له المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والحزب الديمقراطي الاشتراكي، لم يجد صعوبة في إيجاد صيغة تفاهم للتعامل مع أزمة اللاجئين، ربما دفعه إلى ذلك قلة الخيارات المتاحة أمامه لدى التعاطي مع الدفق البشري الواصل إلى بلادهم، وأيضا تقاطع المصالح في ما بينهما عندما يتم النظر إلى مسألة اللجوء على أنها فرصة يمكن استثمارها.

كما أنه لا يمكن إهمال دور منظمات المجتمع المدني ومجموعات العمل الأهلي التي شكلت ضغطا كبيرا على الحكومة الألمانية من أجل تسهيل شؤون اللاجئين. إلا أن هذا لم يمنع ظهور العديد من الأصوات المعارضة لسياسة الحكومة الحالية المتساهلة مع الأجانب، آخرها كان ماكس شتراوبينغر، وهو أحد السياسيين من حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي الذي يشارك في الحكومة الحالية عبر شراكته مع الحزب الديمقراطي المسيحي؛ فقد طالب شتراوبينغر بإعادة السوريين إلى بلادهم، في حين يعمل حزبه على إعداد خطط جديدة للتعامل مع اللاجئين بحزم أكبر، إلا أن هذه الأصوات ما زالت لا تشكل تيارا واسعا حتى الآن.

وفي الختام، لا بد من الإشارة إلى أن نسبة كبيرة من الشعب الألماني يرى في خدمة اللاجئين واجبا إنسانيا وضريبة رفاهية يجب أداؤها لمن لا يمتلك العيش في بلد آمن، خاصة أن الشعب الألماني تعرض لأزمة اللجوء والنزوح في ما مضى.

فقد أنتجت أزمة اللاجئين الحالية ظاهرة جديدة وجديرة بالانتباه، وهي المبادرة الشعبية العارمة لمساعدة الوافدين الجدد، حيث انتشرت في أغلب المدن الألمانية مبادرات محلية تقوم بتوزيع الطعام والشراب والملابس وحاجات الأطفال على اللاجئين الواصلين للمدن الحدودية أو مراكز اللجوء، كما تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي عشرات الصور لمواطنين ألمان يرفعون لافتات ترحب باللاجئين الجدد.

امتازت المبادرة الألمانية عن مثيلاتها في أوروبا بالانتشار الواسع والزخم العالي، حتى أن العديد من مراكز اللجوء اعتذرت عن تسلم المساعدات من الناشطين لعجزها عن إدارة الكميات الضخمة المرسلة إليها.

كما قامت أغلب الصحف المحلية بدعم هذه المبادرات والتشجيع عليها. فعلى سبيل المثال، قامت صحيفة “بيلد” الشهيرة بإطلاق مباردة “نحن نساعد”، كما قامت صحيفة “دي تسايت” بنشر بعض القصص من حياة اللاجئين باللغة العربية.

وحتى مع افتراض أن الحكومة الألمانية تسعى من خلال سياسات اللجوء المتساهلة لخدمة عجلة الاقتصاد على المدى البعيد، فإنه لا يمكن تفسير التعاطف الشعبي والمبادرات الأهلية والمدنية لدى عموم الألمان إلا بالدافع الإنساني المجرد، وهو ما يدفع للتفاؤل في مستقبل تتقارب فيه الشعوب وتتفاهم رغم اختلافاتها الثقافية والعرقية، ويطوي صفحة العداء التاريخي الذي يقسم العالم إلى دارين متحاربتين.

 

 

 

 

النظام الأسدي يقتل الأطفال والمجتمع الدولي يتقاعس/ سناء الجاك

اوردت صحيفة “الوطن” السورية على لسان أحد أبناء النظام الاسدي ان “تقاعساً دولياً يعرض أطفال سوريا لكل أنواع الخطر”. الاتهام في محله، ولكن مصدره له صفة المهزلة، ذلك ان الرجاء بأن يحمي النظام الاسدي أطفال سوريا كان وسيبقى من المستحيلات، ليس لأن “الدولة غير مقصرة في حقهم وغير قادرة على الوصول إليهم لأن معظم الأطفال يقطنون في مناطق ساخنة”، لكن لأن رصيدها وسجلها في قتل الاطفال غير مسبوقين.

فالثورة السورية اندلعت بسبب الاعتداء على أطفال درعا تحديداً. فالنظام الاسدي لم يتحمل شعاراتهم على جدران مدارسهم، بل خاف منهم فاعتقلهم وعذبهم وسحب أظفارهم بتوجيهات من رئيس المخابرات السياسية في درعا العميد عاطف نجيب. وعندما راجعه وفد من وجهاء درعا بما أصاب أطفالهم الذين تتراوح أعمارهم ما بين 8 و11 عاما، أجابهم بأن عليهم ان ينسوا أمرهم وينجبوا غيرهم، عارضاً فحولته لتخصيب نسائهم إن هم عجزوا عن ذلك، فغضبوا وتظاهروا وأخذوا يرددون “يا نجيب بدنا نسّيك الحليب”، واندلعت الثورة، فجاء رد النظام قاتل الاطفال بهجوم عسكري مدعم بطائرات مروحية. المزايدة في استعراض النظام الأسدي غيرته على الأطفال السوريين، هي في تسليط الضوء على “عدد من العصابات تعمل في الدول الأوروبية تستهدف الطفل السوري وتعتبره سلعة لبيع أعضائه وهذا لا يمكن السكوت عنه إطلاقاً”. والنظام، بهذه التهمة يبالغ لينفي عن نفسه الفظائع التي ارتكبها ولا يزال يرتكبها في حق شعب صرخ ذات يوم انه يريد الحرية.

اتهام المجتمع الدولي في محله لأنه يبيع ويشتري باللحم الحي السوري وصولاً الى أطفاله، في حين يملك هذا المجتمع القدرة على انقاذ هؤلاء الأطفال بتثبيتهم في وطنهم عوضا عن ردود فعل عاطفية تسهّل هجرتهم وتوطينهم في دول غربية، وعوضاً عن الانغماس في نهش النفوذ وتنازعه وبيع الاسلحة الى من يرغب وتغذية التطرف الذي يخدم في هذه المرحلة أغراض جميع الاقطاب الدوليين والاقليميين. لقد تناسى النظام الدولي، كما تناست الصحيفة ومن تنطق باسمه، ان رد النظام الاسدي على اندلاع الثورة السورية كان تنكيلاً بهؤلاء الاطفال. حينذاك، لم تكن الحاجة ملحة الى البراميل المتفجرة والاسلحة الكيميائية، لظن النظام ان الثورة التي اندلعت يمكن ان تخمد بتخويف المتظاهرين عبر التشفي بالاطفال، لإفهام الكبار ان لا شيء يمكن ان يردعه عن وأد التحرك في مهده، كما حصل مع الطفل حمزة الخطيب الذي لم يسلم اي عضو في جسده الطري من آلة التعذيب الجهنمية.

وفي تقرير صادر عن الأمم المتحدة يوثّق الانتهاكات المرتكبة في حق أطفال سوريا، ظهر أن قوات النظام مسؤولة إلى حد بعيد عن انتهاكات جسيمة ضد الأطفال في المراحل الأولى للصراع المستمر منذ قرابة ثلاثة أعوام، ثم مع اشتداد الصراع ارتكبت المعارضة بعد تمكّنها من زيادة تنظيم صفوفها، عدداً متزايداً من الانتهاكات ضد الأطفال. من بين ما تعرضوا له على يد النظام السوري وفق التقرير “الضرب بأسلاك معدنية وسياط وهراوات خشبية ومعدنية والصعق بالكهرباء، بما في ذلك صعق أعضائهم التناسلية وخلع أظفار اليدين والقدمين، والعنف الجنسي الذي يشمل الاغتصاب أو التهديد به والإيحاء بالإعدام والحرق بالسجائر والحرمان من النوم والحبس الانفرادي وتعذيب أقارب أمامهم”.

يقدَّر عدد الاطفال الذين قتلوا حتى تاريخه في سوريا وفق آخر الاحصاءات، بأكثر من 15 الف طفل. ولا يزال مشهد جثث الاطفال الذين حصدهم غاز الكلور في غوطة دمشق ماثلاً أمام أعين الضمير الدولي الأعمى وخطوط الرئيس الاميركي باراك اوباما الوهمية واستماتة النظام الروسي لحفظ موطئ قدم له في بلاد الشام خوفاً من قوطبة الود الايراني- الاميركي الذي لم يعد اخفاؤه مطلوباً في المرحلة الراهنة.

من هنا، ربما نفهم ان اي اتهام يوجَّه إلى المجتمع الدولي في شأن سوريا له موضوعيته. فالنظام لا أمل منه بإنسانية او بمراعاة حقوق الانسان بشكل عام، فكيف بحقوق الطفل. وكل طفل في سوريا قد يتحول الى مشروع ثائر ضده، لذا من الافضل ان يموت قبل ان يكبر ويشكل خطراً عليه.

وواضح ان إبادة الشعب السوري، هي الحل الوحيد في منطق هذا النظام لاستمراره على قيد الحياة، حتى اذا تطلب الامر التعايش مع دولة “داعشية” الى جواره.

المهزلة ان الحكومة السورية أدانت “التعامل المخزي لبعض الدول الأوروبية مع المهاجرين إليها ومخالفتها أبسط مبادئ حقوق الإنسان”. المهزلة ايضاً وايضاً ان يقول وزير الاقتصاد همام الجزائري إن “زيادة الطلب على الدولار بقصد السفر أدت إلى هبوط قيمة الليرة، حيث بلغت سحوبات السوريين من سوق العملات المحلية نحو 420 مليون دولار”.

هل يذكر وزير الاقتصاد الاسدي ان النظام الاسدي كان ولا يزال مستعداً للقضاء على الدولة ومؤسساتها ليبقى وإن انهارت سوريا كلها وليس فقط ليرتها؟ وان ابرهيم القاشوش، مغني الثورة وصاحب الشعار الشهير “سوريا بدها حرية و”يللا ارحل يا بشار”، نُزعت حنجرته ومن ثم قُتل ورُمي في النهر.

هذا كله، ولا يزال المجتمع الدولي يشدد على ان حل الأزمة السورية يجب ان يتم بانتقال سياسي فقط، في حين أن النهر لا يزال يتدفق بدماء أطفال سوريا القانية. اما الأيدي الملوثة بالدم فهي أسدية وعربية واقليمية ودولية لأنها ترفض عن سابق تصور وتصميم انقاذ هؤلاء الأطفال وذويهم من نظام يقتلهم من دون ان يرف له جفن، ما لم تحقق طموحها وتثمر مخططاتها.

النهار

 

 

لاجئ سوري يروي مغامرته في الطريق إلى ألمانيا: “لو كنت في سوريا لكنت ميتا لا محالة منذ زمن طويل”/ ديانا هودالي

كل يوم يغامر مئات السوريين بحياتهم لمواصلة رحلة النزوح باتجاه أوروبا غير مبالين بخطر الموت الذي يواجهونه في البر والبحر. علاء هود واحد ممن حالفهم الحظ ونجا من الموت، ويروي لـلصحفية ديانا هودالي تفاصيل مغامرته وكيف وصل إلى ألمانيا في قصته التالية.

لم يكن أمامي خيار آخر، فقد كنت أعرف أن مغادرة سوريا عن طريق التهريب مسألة حياة أوموت. لكن فرصة الوصول حيًّا إلى أوروبا واردة، بينما لو كنت قد بقيت في دمشق لكنت قد فارقت الحياة منذ مدة طويلة. كنت أودع عائلتي كل صباح لأنني لم أكن أعرف فيما إذا كنت سأعود في المساء إلى البيت أم لا. وفي طريقي إلى العمل كنت أمر عبر سبعة حواجز أمنية. بالهروب إلى ألمانيا كان لي لدي على الأقل أمل في البقاء حيّا. من دون مهربين كان الأمر مستحيلا. قمت ببيع منزلي مقابل 17 ألف دولار مع أن قيمته الحقيقية تفوق 80 ألف دولار، فيما ذهبت زوجتي ومعها ابني للعيش عند أهلها.

حصلت على تصريح للسفر إلى لبنان ليوم واحد فقط، ومن هناك بدأت رحلة الألف ميل. سافرت إلى تركيا وفي طريقي إلى مدينة إزمير الساحلية تعرفت على رجال سوريين فقررنا البقاء سويةً. ولم يكن من الصعب الوصول إلى المهربين والحصول على رقم هاتف أحدهم، فالكل يتحدث عن ذلك علنا، عليك فقط السؤال وهو ما فعلنا. وبعد مكالمة هاتفية مع أحدهم قضي الأمر.

يقول علاء هود: “أمضينا ثلاث ساعات سباحة نصارع الموت. وكنت قد وضعت كل ما أملكه في كيس من البلاستيك، وشددته حول خصري. وعند وصولنا إلى الساحل اليوناني، أمضيت ستة أيام في مركز لإيواء اللاجئين”.

زعيم شبكة المهربين لم نتعرف عليه إطلاقا، حيث كنا على اتصال دائم مع الوسيط، الذي أطلقنا عليه اسم المهرب. موعد الانطلاق كان يتغير دائما. كان يقول لنا دائما غدا، فبعد غد، وهكذا. لكنه في حقيقة الأمر انتظر طويلا حتى جمع أكبر عدد ممكن من اللاجئين. وقبل الموعد الرسمي كان عليّ أن أدفع مبلغ 1150 يورو لطرف ثالث يحتفظ بالمبلغ حتى تتم العملية، ولم يكن بمقدوره لا هو ولا أنا الوصول إلى المبلغ لمدة أسبوع كامل، بعد ذلك أستطيع استرجاع المبلغ إذا لم يحدث شيء، أو العكس بالنسبة للمهرب في حال تمت الرحلة. وكان الطرف الثالث عبارة عن مكتب لتبديل العملة يأخذ مبلغ 50 يورو ومقابل الاحتفاظ بالمبلغ.

كنت محظوظا، فبعد ثلاثة أيام انطلقت الرحلة. القارب كان كبيرا وآمنا، على الأقل حسب شهادة الوسيط. ولم أكن خائفا، أصلا لماذا أخاف ما دمت قادما من سوريا حيث رأيت كل شيء. لكن ما لم يقله الوسيط، هو أن على أحد الركاب قيادة القارب، وهو من دفع له أقل، وفعلا أوكلت له هذه المهمة. لكنه للأسف لم يكن هذا الرجل يفقه شيئا في قيادة القوارب. النصيحة الوحيدة التي أعطانا إياها الوسيط أن نوجه القارب باتجاه الضوء القادم من الجزيرة المقابلة، وهذا ما قمنا به بالحرف.

كاد أن يكشفنا رجال البحرية التركية التي كانت تقوم بمناورات بحرية قرب السواحل اليونانية. لكننا قفزنا من القارب، وأمضينا ثلاث ساعات سباحة نصارع الموت. وكنت قد وضعت كل ما أملكه في كيس من البلاستيك، وشددته حول خصري. وعند وصولنا إلى الساحل اليوناني، أمضيت ستة أيام في مركز لإيواء اللاجئين أنتظر تسجيل بياناتي. بعدها توجهت إلى العاصمة أثينا للبحث عن شبكة مهربين ثانية.

ذكرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة قد ذكرت على موقعها الإلكتروني أن أكثر من أربعة ملايين سوري، أي نحو سدس عدد السكان، قد فروا من الصراع الدائر في بلادهم إلى الخارج. وتشير إحصائيات الأمم للنصف الأول من العام 2015 أن تركيا تضم حاليا أكبر عدد من اللاجئين بواقع 1,9 مليون لاجئ سوري. وطبقا لبيانات المكتب الاتحادي الألماني للنصف الأول من العام 2015 فإن السوريين شكلوا النسبة الأكبر من عدد طالبي اللجوء في ألمانيا بنسبة 20,3 %، بواقع حوالي 32 ألف لاجئ، من أصل 160 ألفا من جميع الجنسيات.

جواز سفر مزور

كذلك في أثينا لم يكن صعبا الوصول إلى المهربين. مكانهم معروف وهو حي أومونايا في مقهى الباشا، بل حتى أن السلطات اليونانية تعرف ذلك ولا تحرك ساكنا. هناك قال لي أحدهم أن عليّ وضع مبلغ أربعة آلاف يورو عند مكتب لتبديل العملة مقابل تأمين تذكرة سفر بالطائرة إلى ألمانيا والأهم من ذلك جواز سفر مزور. نجحت في إقناعه بخفض السعر إلى 3800 يورو. هنا، تعرفت على زعيم الشبكة الذي كان أفغانيا. قال لي إن شكلي ملائم جدا، فقط بعض الروتوش الصغيرة كملابس أنيقة وسأظهر كيوناني أو تشيكي. بعد أيام قليلة وجدت نفسي في سيارة المهرب باتجاه مطار أثينا، وكان عليّ أخذ حقيبة يد فقط حتى لا أمر من مكتب التسجيل بالمطار. أعطاني المهرب جواز سفر تشيكي مزور، ورافقني إلى المدخل قبل أن يتركني ومصيري.

لدى وصولي إلى مطار فرانكفورت في ألمانيا رميت جواز السفر المزور وذهبت إلى أقرب مركز للشرطة لتسليم نفسي، كنت أعرف أن لا خيار آخر أمامي. فالألمان معروفون باكتشاف أي جواز مزور. أردت تجنب أي حرج أمام الناس بالمطار حين يقومون باقتيادي إذا ما علموا بالأمر.

أصدقائي في سوريا يسألونني عما إذا كان عليهم المجازفة أيضا، وأنا أخبرهم بما حدث معي، على أن يقوم كل شخص باتخاذ القرار المناسب له. وإذا قامت أوروبا أو العالم بمطاردة المهربين، فإن ذلك لن يمنع الناس من البحث عن ملاذ وطريق للهروب. وإذا أجبرت مرة أخرى فإنني سأقوم بذلك ثانية، لأنني في سوريا كنت ميتا لا محالة.

ترجمة: و.ب

حقوق النشر: دويتشه فيله 2015

 

 

 

 

سياسة الهجرة واللجوء الفرنسية بين فكي الإنسانية والقومية/ فرانسواز فريسّوز

من كاليه الى كوس، شغل تدفق اللاجئين الساعين في الحصول على إقامة في الإتحاد الأوروبي، قبل التنقل بين بلدانه، الصيف كله. ولكل يوم من أيام هذا الصيف المأسوي نصيبه من الغرقى، ومن مشاهد اليأس والضياع الأليمة. وعلى رغم هذا، ساد الصمت فرنسا الى حين إعلان فرنسوا هولاند وانغيلا ميركل في برلين، في 24 آب (أغسطس)، اتفاقهما على جواب أوروبي واحد. ودعا الرئيس والمستشارة الى «توحيد نظام حق اللجوء»، والى «سياسة هجرة مشتركة». واقتضى الإعلان تصدي المستشارة للمسألة، ثم إصرار رئيس المفوضية الاوروبية، جان كلود يونكير، على إيقاظ الضمائر، ومناشدته، في مقالة من منبر «لوفيغارو»، الأوروبيين مكافحة المخاوف، وحماية قيم أوروبا الانسانية والدفاع عنها.

وأجاب رأس السلطة التنفيذية الفرنسية المناشدة بعبارة موجزة وجامعة:» انسانية وحزم». وتكاد العبارة لا تتستر على عسر الموازنة بين القطبين. ففرنسا ناشطة على الصعيد الدولي في معالجة قضية المهاجرين، ولكنها شديدة التحفظ على الصعيد الوطني والداخلي، وتداري التهديدات والأخطار السياسية الكثيرة والمتناقضة. وتطرق السيد هولاند، في ندوة السفراء، الى الموضوع، فلمّح الى «تعرض الأسس التي تنهض عليها أوروبا الى توترات شديدة الخطورة». وأسف الرئيس لإخفاق المجلس الأوروبي المنعقد في 25 حزيران (يونيو) في صوغ حلول للموضوع الملح، ولرفض قمة رؤساء الدول والحكومات مبدأ الحصص ومشروع المفوضية إقرار قبول 40 ألف لاجئ، وأنحى باللوم على الأنانيات الوطنية.

ويقول أحد مساعدي وزير الداخلية، جان كازنوف، ان النشاط الديبلوماسي والدولي الذي تبديه فرنسا على الساحة الاوروبية مرده الى ان قضية الهجرة واللجوء مسرحها الاتحاد الاوروبي ودول حوض المتوسط. وصدق الملاحظة لا يتستر على سبات الداخل وعزوفه، فبلد حقوق الانسان يشهد اليوم لامبالاة اليسار الانساني. ويحاول أحد المستشارين الحكوميين (والاشتراكيين) شرح المشكلة: لن تتخلى الحكومة عن مد يد المساعدة الى من يستوفون شروط اللجوء، وأما من لا يستوفونها فلا بد من إبعادهم، وهذه السياسة معقدة وتحاول الجمع بين التضامن وبين القانون، وبين الانسانية وبين الحزم، ومن العسير فهمهما في هذه الحال. ويلاحظ أحد الوزراء ان الوقائع لا تسمّى بأسمائها، فيتناول الكلام الجاري المهاجرين بينما غالبية المتوافدين هم فعلاً لاجئون، وتفادي التسمية مرآة انتصار اليمين المتطرف في المسألة. وحمل رجحان كفة اليمين المسؤولين الاشتراكيين، وأولهم رئيس الجمهورية، على قبول تهمتهم بالتصلب والقمع وتجنب التهمة بـ»الملائكية». وهذا شأنهم في مسألة الامن. واختار البيئيون موضوعاً لمناقشاتهم الدراسية الصيفية في فيلنوف – داسك (الشمال)، في الثلث الاخير من آب (اغسطس)، الصحة البيئية، واستبعدوا الهجرة واللجوء. وانقسم البيئيون بين دعاة استقبال اللاجئين من غير تحفظ أو قيد، وبين أنصار تقييد الاستقبال بمعايير عملية وتفادي تغذية مخاوف الفرنسيين وقلقهم.

وقبل موعد الانتخابات المحلية القادمة بـ4 أشهر لا تغفل الاحزاب السياسية عن موقف الجبهة الوطنية وثقل حملتها الدعائية المتوقعة. وينبه جيروم فوركيه، مدير شعبة الرأي (العام) في هيئة استطلاعات كبيرة، ان مادة الاحتراق جاهزة، وما على مارين لوبين (رئيسة الجبهة) افتعال التحريض ولا المبالغة فيه. وبينما يعاني 10 في المئة من القوى العاملة البطالة، ويخيم تهديد الارهاب على البلد، يعارض ثلث الفرنسيين استقبال المهاجرين. ويقارن فوركيه بين رقم الثلثين الذي خلص اليه استطلاع اجري في نيسان (ابريل) وبين اقتصار معارضة استقبال اللاجئين من كوسوفو في نيسان 1999 على 46 في المئة من جمهور الاستطلاع يومها.

ويقول فوركيه ان الفرنسيين يدركون عبث الحلول المبتسرة والقاطعة وتفاهتها. فهم كانوا يدعون الى تشديد الرقابة على الحدود. وبلغ أنصار هذا الاجراء في نيسان المنصرم، 47 في المئة. وفي حزيران، تقلصت نسبة انصاره الى 36 في المئة، بينما كانت الازمة تتفاقم وتتعاظم. ويقر وزير داخلية نيكولا ساركوزي السابق، بريس هورتفو، بأن «الحل اوروبي»، ولا حل من طريق اجراءات وطنية أو محلية. ويخالفه الرأي بعض نواب حزبه «الجمهوريون»، مثل كزافييه برتران، النائب عن محافظة لين والمرشح الى رئاسة منطقة الشمال – با دو كاليه- بيكاديا في الانتخابات المحلية القادمة، أو إريك سيوتي، رئيس مجلس محافظة الألب البحرية. ويراقب هذان التوتر الذي يخيم على الحدود الفرنسية – الايطالية، بين مونتون وفانتيميليا، ويحسبان ان «قطع الطريق على بلوغ المهاجرين أوروبا ممكن».

* صحافية، عن «لوموند» الفرنسية، 27/8/2015،

إعداد منال نحاس

 

 

 

سياسة اللجوء والهجرة في الاتحاد الأوروبي: الأوروبيون في حاجة إلى المهاجرين

الهجرة الاقتصادية المنظمة إلى الاتحاد الأوروبي من خارجه ضرورية، وليس هذا لأن المهاجرين يستحقون التعاطف الأوروبي بل لأن الأوروبيين يحتاجون إليهم، كما يرى إيان بوروما أستاذ شؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والصحافة. ويذكر في مقاله التالي أن الألمان مثل غيرهم من مواطني البلدان الثرية لا ينجبون ما يكفي من الأطفال، ولذلك فإن بلدانهم تحتاج إلى المهاجرين الذين يتمتعون بطاقة الشباب والمهارات اللازمة لشغل الوظائف التي قد لا يتمكن المحليون من عملها أو لا يرغبون في شغلها.

إنه لشعور مبهج حقاً ذلك الذي يتملك المرء عندما يصل إلى ألمانيا، حيث يحمل مشجعو كرة القدم لافتات ترحب باللاجئين من الشرق الأوسط الذي مزقته الحرب. لقد أصبحت ألمانيا أرض الميعاد الجديدة لليائسين والمسحوقين، الناجين من الحرب والنهب والسلب.

وحتى الصحف الألمانية الشعبية، التي ليس من عادتها أن تتصرف وكأنها جهة خيرية، تشجع الرغبة في تقديم المساعدة. وفي حين يفتعل الساسة في المملكة المتحدة وغيرها من البلدان مشاعر الحزن والأسى ويشرحون للناس لماذا يشكل أقل تدفق من السوريين، أو الليبيين، أو العراقيين، أو الأريتيريين إلى أراضيهم خطراً مهلكاً يهدد النسيج الاجتماعي لمجتمعاتهم، وعدت “ماما ميركل” بأن ألمانيا لن ترفض أي لاجئ حقيقي.

ومن المتوقع أن يدخل ألمانيا هذا العام نحو 800 ألف لاجئ، في حين يثير رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ضجة حول أقل من 30 ألف طلب لجوء ويحذر بشدة من “أسراب من الناس” تعبر بحر الشمال. وعلى عكس ميركل، كان كاميرون مسؤولاً بشكل جزئي عن تأجيج واحدة من الحروب (في ليبيا) التي جعلت الحياة لا تطاق بالنسبة للملايين من البشر. ولا عجب في أن ميركل تريد من البلدان الأوروبية الأخرى أن تستقبل المزيد من اللاجئين في إطار نظام إلزامي للحصص.

من المتوقع أن يدخل ألمانيا هذا العام نحو 800 ألف لاجئ، في حين يثير رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ضجة حول أقل من 30 ألف طلب لجوء ويحذر بشدة من “أسراب من الناس” تعبر بحر الشمال. وعلى عكس ميركل، كان كاميرون مسؤولاً بشكل جزئي عن تأجيج واحدة من الحروب (في ليبيا) التي جعلت الحياة لا تطاق بالنسبة للملايين من البشر، ولا عجب في أن ميركل تريد من البلدان الأوروبية الأخرى أن تستقبل المزيد من اللاجئين في إطار نظام إلزامي للحصص، كما يكتب الكاتب والمفكر المعروف إيان بوروما.

الواقع أنه على الرغم من الخطاب المهموم من قِبَل ساستها فإن المملكة المتحدة تمثل مجتمعاً أكثر اختلاطاً على المستوى العِرقي، وربما أكثر انفتاحاً في بعض النواحي، من ألمانيا. فتتسم مدينة لندن بقدر من العالمية لا يقارن ببرلين أو فرانكفورت. وفي الإجمال، استفادت بريطانيا إلى حد كبير من الهجرة، بل إن هيئة الخدمات الصحية حذرت من أن قبول عدد أقل من اللاجئين قد يؤدي إلى كارثة، ومن شأنه أن يجعل المستشفيات في بريطانيا تعاني من نقص شديد في العاملين.

حاجة ألمانية إلى إثبات التعلم من التاريخ الألماني

ربما كان المزاج في ألمانيا المعاصرة استثنائيا. ذلك أن استقبال اللاجئين، أو أي مهاجرين، لم يكن قط بالمهمة السياسية السهلة. ففي ثلاثينيات القرن العشرين، عندما كان اليهود في ألمانيا والنمسا في خطر مميت، كانت قِلة من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة الثرية، على استعداد لاستقبال أكثر من حفنة من اللاجئين. وسمحت بريطانيا بقدوم نحو 10 آلاف طفل يهودي في عام 1939، في اللحظة الأخيرة، ولكن فقط شريطة أن يكونوا تحت رعاية كفلاء محليين وأن يتركوا آباءهم من ورائهم.

وأن نقول إن هذا المزاج السخي في ألمانيا اليوم يرتبط كثيراً بالسلوك الإجرامي من قِبَل الألمان في الماضي لا يعني الانتقاص منه أو الاستخفاف به. فاليابانيون أيضاً يحملون عبء جرائم تاريخية، ولكن سلوكهم في التعامل مع الأجانب في وقت المحنة أقل ترحيباً إلى حد كبير. وحتى برغم أن قِلة من الألمان ربما تكون لديهم أي ذكريات شخصية مرتبطة بالرايخ الثالث، فإن كثيرين منهم ما زالوا يشعرون بالحاجة إلى إثبات أنهم تعلموا من تاريخ بلادهم.

طالبو اللجوء والمهاجرون الاقتصاديون

بيد أن التركيز بشكل شبه كامل من قِبَل الساسة ووسائل الإعلام على أزمة اللاجئين الحالية يحجب قضايا أوسع نطاقاً تتعلق بالهجرة. ذلك أن صور أسر اللاجئين البائسين وهم ينجرفون في البحر تحت رحمة المهربين الجشعين ورجال العصابات من الممكن أن تلهم بسهولة مشاعر الشفقة والرحمة (وليس فقط في ألمانيا). ولكن أغلب الناس الذين يعبرون الحدود الأوروبية بحثاً عن عمل وبناء حياة جديدة لا ينتمون إلى فئة اللاجئين.

عندما قال مسؤولون بريطانيون إنه لمن “المخيب للآمال بوضوح” أن نحو 300 ألف شخص قدموا إلى بريطانيا زيادة على أولئك الذين رحلوا عنها في عام 2014، فإنهم كانوا في الأساس لا يتحدثون عن طالبي اللجوء. ذلك أن غالبية هؤلاء القادمين الجدد كانوا من بلدان أخرى في الاتحاد الأوروبي، مثل بولندا، ورومانيا، وبلغاريا.

وبعضهم يدخلون كطلاب، وبعضهم يبحثون عن وظيفة. أي أنهم لا يتركون ديارهم لإنقاذ حياتهم، بل لتحسينها. والجمع بين طالبي اللجوء والمهاجرين الاقتصاديين يؤدي إلى التشكيك في الفئة الأخيرة، وكأن أفرادها يحاولون إقحام أنفسهم على بلداننا بحجج واهية.

إيان بوروما أستاذ في شؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والصحافة في كلية بارد في نيويورك. وهو مؤلف العديد من الكتب، بما في ذلك كتاب “قتل في أمستردام: مقتل تيو فان جوخ وحدود التسامح”، وصدر له أيضا كتاب “السنة صفر: تأريخ لعام 1945”.

من المفترض على نطاق واسع أن المهاجرين من داخل أو خارج الاتحاد الأوروبي هم في الأساس فقراء تركوا ديارهم لكي يعيشوا على أموال الضرائب التي يدفعها أثرياء نسبيا. والواقع أن أغلبهم ليسوا متطفلين. فهم يريدون العمل ببساطة.

ومن السهل أن ندرك الفوائد التي قد تعود على البلدان المضيفة: فالمهاجرون الاقتصاديون يعملون عادة بقدر أعظم من الجدية في مقابل قدر أقل من المال مقارنة بالعاملين المحليين. وقد لا يصب هذا في مصلحة الجميع بكل تأكيد: فالإشارة إلى الفوائد المترتبة على العمالة الرخيصة لن تقنع الأشخاص الذين قد تتأثر أجورهم سلبا. والأسهل في كل الأحوال هو التماس الرحمة للاجئين من إبداء الاستعداد لقبول المهاجرين الاقتصاديين، حتى في ألمانيا.

حاجة أوروبية إلى المهاجرين

في عام 2000، كان المستشار الألماني غيرهارد شرودر راغباً في إصدار تأشيرات عمل لنحو عشرين ألف خبير في مجال التكنولوجيا الفائقة، وكان كثيرون منهم قادمين من الهند. وكانت ألمانيا في احتياج شديد إليهم، ولكن شرودر قوبِل بمعارضة سريعة ومفاجئة. حتى أن أحد الساسة صاغ شعاراً يقول “(إنجاب) الأطفال بدلاً من (استقدام) الهنود”.

ولكن الألمان، مثلهم في ذلك كمثل غيرهم من مواطني البلدان الثرية، لا ينجبون العدد الكافي من الأطفال. وتحتاج هذه البلدان إلى المهاجرين الذين يتمتعون بطاقة الشباب والمهارات اللازمة لشغل الوظائف التي قد لا يتمكن أو لا يرغب المحليون في شغلها لأي سبب كان. ولا يعني هذا أن كل الحدود لابد أن تكون مفتوحة للجميع. ولابد من تطبيق فكرة الحصص التي طرحتها ميركل على المهاجرين الاقتصاديين أيضا.

ولكن حتى الآن، لم يأت الاتحاد الأوروبي بسياسة متماسكة بشأن الهجرة. فبوسع مواطني الاتحاد الأوروبي أن ينتقلوا بحرية داخل الاتحاد (تريد بريطانيا أن توقف هذا أيضا، وإن كان من غير المرجح أن تنجح في ذلك). ولكن الهجرة الاقتصادية من البلدان خارج الاتحاد الأوروبي، في ظل ظروف تُدار بعناية ودقة، مشروعة وحتمية. وليس هذا لأن المهاجرين يستحقون التعاطف من قِبَل الأوروبيين، بل لأن الأوروبيين يحتاجون إليهم.

لن تكون المهمة سهلة. فيبدو أن استمالة أغلب الناس أسهل كثيراً من خلال استثارة العواطف ــ والتي قد تقودهم إلى القتل الجماعي أو الرحمة الدافئة، تبعاً للظروف ــ مقارنة بالحسابات الهادئة للمصلحة الذاتية العقلانية.

إيان بوروما

ترجمة: مايسة كامل

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت 2015

إيان بوروما أستاذ في شؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والصحافة في كلية بارد. وهو مؤلف العديد من الكتب، بما في ذلك كتاب “قتل في أمستردام: مقتل تيو فان جوخ وحدود التسامح”، وصدر له أيضا كتاب “السنة صفر: تأريخ لعام 1945”.

اقرأ أيضًا: موضوعات متعلقة من موقع قنطرة

 

 

 

بعد إعادة الرقابة على الحدود داخل الاتحاد الأوروبي: رقابة أوروبا على حدودها لن تغير من واقع اللجوء في شيء

ربما فات أوان إدراك الحكومات الأوروبية أنها من خلال إعادة الرقابة على الحدود داخل أوروبا لن تستطيع تغيير واقع النزوح واللجوء، لا بل أنها تثير بذلك تصدعات سياسية هائلة على امتداد القارة الأوروبية لن يكون رأبُها سهلاً، كما يرى الصحفي الألماني شتيفان بوخن في رؤيته التالية لموقع قنطرة.

“ألمانيا تغلق حدودها” أو “لم تعد ألمانيا تستقبل اللاجئين”، ربما من شأن وزير الداخلية الألماني أن يتمنى عناوين رئيسية من هذا القبيل. ولا يُنتظر أنْ تنتشر هذه العناوين في الصحافة وحسب، إنما أيضًا على شبكات التواصل الاجتماعي أيضًا. وربما كان الوزير توماس دي مزيير يأمل لدى دعوته للمؤتمر الصحفي في الثالث عشر من سبتمبر/أيلول 2015 بأن يتناقص عدد اللاجئين القادمين إلى ألمانيا.

لا تشكِّل هذه الحملة التواصلية حركة دوران للخلف في سياسة اللاجئين الألمانية بل إنها بالأحرى متابعةٌ نَشِطَةٌ للخطاب المزدوج المعهود. أما القطب التواصلي المعاكس للوزير دي ميزيير فيكمن كما هو معروف في رئيسته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي أكّدت على أنَّ حق اللجوء “ليس له حدّ أقصى”، وأضافت أنَّ هذا ينطبق أيضًا على الأشخاص الذين فروا من “جحيم حرب أهلية”.

لم تكُن ميركل تعني بهذا إطلاق دعوةٍ للاجئين لكي يأتوا إلى ألمانيا، إنما كانت هذه محاولة لتحويل واقعٍ لا مفرَّ منه إلى بادرةٍ إنسانيةٍ فعَّالة، فاللاجئون صاروا في الواقع في وسط أوروبا، ومعظمهم قادمٌ من سوريا، وبالتالي لا يمكن التخلُّص منهم. إذًا، المجال متاح لتسجيل النقاط باعتبار استقبالهم عملاً إنسانيًا.

هذه الاستجابة اتبعها قبلَ ميركل سياسيون ألمان بارزون آخرون، على سبيل المثال وزير الداخلية السابق هانز بيتر فريدريش، الذي صرَّح في مطلع سنة 2013 بأنَّ ألمانيا “مثالية في استقبالها للاجئين” فيما يخص طالبي اللجوء من سوريا. أما ما تكتم عليه كل من فريدريش وميركل في هذه اللحظات من الوعي الإنساني الأخلاقي، فهو أن هؤلاء الناس، الذين “نستقبلهم” بهذه المودّة، قد أتوا رغمًا عن إرادتنا، ورغمًا عن جميع قوانين وقواعد دخول الدول الأوروبية وبطرق منافية لقاعدة الاتحاد الأوروبي التي تنصّ على تقديم طلب اللجوء في أوَّل بلدٍ من الاتحاد يصل إليه اللاجئ.

يكتب شتيفان بوخن: “ما تكتم عليه كل من فريدريش وميركل في هذه اللحظات من الوعي الإنساني الأخلاقي، فهو أن هؤلاء الناس، الذين “نستقبلهم” بهذه المودّة، قد أتوا رغمًا عن إرادتنا، ورغمًا عن جميع قوانين وقواعد دخول الدول الأوروبية وبطرق منافية لقاعدة الاتحاد الأوروبي التي تنصّ على تقديم طلب اللجوء في أوَّل بلدٍ من الاتحاد يصل إليه اللاجئ”.

أية “إجراءات قانونية منظَّمة”؟

لم يعُد توماس دي ميزيير يرغب بمقابلة هذا الواقع بابتسامة ولا بالتأكيد بـ “صورة ملتقطة ذاتيًا [سِلْفِي] ترحِّب باللاجئين”، بل عليه إظهار دور “المتذمِّر البروسي”، حيث أكَّد أثناء المؤتمر الصحافي الخاص على أنَّ ألمانيا “غير مسؤولة عن هؤلاء اللاجئين”، وعلى أنَّ اللاجئين “لا يمكنهم ببساطة اختيار” بلدٍ معيَّنٍ في أوروبا؛ لكنه بالتأكيد لم يصرِّح بأنَّ “ألمانيا قد أغلقت حدودها”، بل الصحف من كتب ذلك في اليوم التالي، إذ أعلن وزير داخلية ميركل فقط أنَّ ألمانيا ستُعيد الرقابة على الحدود، وأنَّ هنالك إرادة لإعادة “الإجراءات القانونية المنظِّمة للسفر” إلى ألمانيا.

يمكن للمرء أنْ يتساءل عن” أيِّ إجراءات قانونية منظّمة” يجري الحديث؟. لن يتم رفض اللاجئين الذين لا يملكون وثائق، أي الذين وصلوا إلى وسط أوروبا بدون أيِّ تنظيمٍ وبمساعدة المهرّبين. وإذا تعرضوا لإحدى نقاط المراقبة التي أقيمت الآن مجددًا لإعادة فرض السيطرة على الحدود، فسوف تجلبهم الشرطة إلى أحد معسكرات التسجيل الأول على الأراضي الألمانية. أي أنَّ واقع دخول اللاجئين لم يتغيَّر على نحوٍ كبير.

الذي تغيَّر هو هيكلة الجغرافيا السياسية داخل الاتحاد الأوروبي: ألمانيا تودع مبدأ الحدود الداخلية المفتوحة بين دول الاتحاد الأوروبي، لأن بعض الدول الأوروبية الأخرى لا تستقبل اللاجئين بل تدفعهم للعبور وتعاملهم معاملةً سيئة. لم تفكِّر الحكومة الألمانية إطلاقًا بأنَّ بعض الأوروبيين يمضون إلى حدِّ تعمُّد معاملة الباحثين عن الحماية بأساليب لا تتوافق مع المعايير الدنيا بغية أنْ يتخلَّصوا من “عبء” استقبالهم. والمجر تذهب بهذه السياسة إلى الحد الأقصى عبر نصب الأسلاك الشائكة وممارساتٍ تذكِّر بـ “التطهير العرقي”.

أساليب لا تتوافق مع المعايير الدنيا

وطَّدت كلٌّ من المجر واليونان وإيطاليا منذ سنوات سياسة عدم الالتزام بالمعايير الدنيا، والمفارقة أنها استخدمت المحاكم الإدارية الألمانية كشريك، لأنه تبيَّن للقضاة الألمان منذ عام 2009 أنَّ هناك “احتمالاً كافيًا” لأنْ يصبح اللاجئون مشردين في اليونان وإيطاليا ولأنْ يتعرضوا للضرب من قبل الشرطة في المجر وبلغاريا، فأوقفوا على نحو متزايد “إعادة إحالتهم” [ترحيلهم] من ألمانيا إلى هذه الدول؛ التي استطاعت الوثوق باطراد بأنها لن ترى ثانيةً اللاجئين الذين تدفعهم للعبور وترميهم خارج حدودها.

لا نهاية لأزمة اللاجئين في الأفق: يتحرك آلاف البشر على ما يعرف بـ “خط البلقان”، جلهم فارون من الحرب الأهلية في سوريا باتجاه الشمال وغايتهم الوصول إلى الاتحاد الأوروبي.

إنَّ “عدم الالتزام بالحد الأدنى من المعايير” وكذلك أفكار التطهير العرقي هي من الأمور التي مارستها ألمانيا سابقًا في أوروبا. واستخلصت ألمانيا العبر من تاريخها الخاص فأرادت بعد الحرب العالمية الثانية أنْ تكون راعية مجتمع القَسَم على “القيم الأوروبية”. لكنَّ البعض ما عادوا يقبلون بهذا الدور لألمانيا.

مجتمع القَسَم يتحطم. إجراء إعادة الرقابة على الحدود الذي أقرته الحكومة الألمانية يؤدي إلى سلسلة من ردود الأفعال. النمسا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك تبعوها في ذلك. الدول الواقعة قبل ألمانيا على ما يعرف بـ “خط البلقان” خائفة بدورها من أن تتورط ببقاء اللاجئين عندها.

إشارة كارثية تدل على الضعف السياسي

يرسل الاتحاد الأوروبي للخارج إشارة كارثية تدل على الضعف السياسي. ويتمتَّع بهذا المشهد على وجه الخصوص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي كان دائمًا يعتبر الحديث عن “القيم الأوروبية” والاستناد إلى “حقوق الإنسان” مجرد نفاق.

يمكننا أن نتيقن من أنَّ بوتين سوف يقوم بكلِّ ما في وسعه لتعميق التصدعات السياسية في أوروبا. ولا بد من النظر إلى القوات الروسية الموجودة في سوريا لدعم نظام الأسد على أنها وسيلةٌ لإطالة الحرب، وسياسة بوتين الجيوسياسية تسهم في استمرار حركة اللاجئين من الشرق الأوسط نحو أوروبا، بينما تدفع أوروبا ثمن عدم تسوية علاقاتها مع روسيا بحكمة بعد سنة 1989.

ربما فات أوان أنْ تدرك الحكومات الأوروبية أنها لن تستطيع تغيير واقع النزوح والبحث عن الحماية من خلال إعادة الرقابة على الحدود داخل أوروبا، لا بل أنها تثير بذلك تصدعاتٍ سياسيةً هائلةً على امتداد القارة لن يكون رأبُها سهلاً.

شتيفان بوخن

ترجمة: يوسف حجازي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2015  ar.qantara.de

يعمل شتيفان بوخن صحفيًا للتلفزيون في برنامج بانوراما في القناة الألمانية الأولى.

اقرأ أيضًا: موضوعات متعلقة من موقع قنطرة

 

 

اليوم فقط أصبحت هناك أزمة سورية/ شريف أيمن

اندلعت ثورات الربيع العربي بشكل مفاجئ للجميع، مما أربك حسابات الأطراف النافذة في المنطقة وكذلك الحكومات المستبدة، فدعمها الغرب في مرحلتها الأولى، وساهم في إخضاعها بمعاونة أطراف عربية لا ترغب في وصول رياح التغيير إلى أرضها، وكانت إحدى عمليات الإخضاع باليمن والأخرى بسورية، لكن الذي حدث بسورية ومازال يحدث سيظل أوضح مؤشرات فساد النظم العالمية كلها، وترويجهم لقيم يرفعون من شأنها وقت حاجتهم إليها، لا وقت حاجة المضطهدين.

منذ أيام قلائل تفجرت أزمة اللاجئين السوريين في أوروبا، وانتقالها بهذا الاتساع في القارة الأوروبية، أشعر العالم بأن هناك أزمة في سورية، وكأنهم لم يدركوا ذلك إلا عند وصول الأزمة إلى أراضيهم.

أوروبا الآن تتغير في تعاطيها مع الشأن السوري، فألمانيا سنّت قانونا من قبل بإعادة اللاجئين لأول دولة أوروبية وصلوا إليها، وتسعى الآن لتغييره، بريطانيا تعنتت من قبل -ولا تزال- فلم تستقبل سوى خمسة آلاف فقط لكنها تسعى لضم آلاف أخرى محدودة، لا تزال أوروبا الشرقية -حتى كتابة المقال- تقف بتعنت شديد أمام قبول المقترح الألماني الفرنسي بتوزيع اللاجئين على دول الاتحاد بحصص عادلة، وحتى الدول التي استقبلتهم لا يزال أهل سورية يعانون-بشكل عام- من السلطات هناك.

وفقا لما نشره موقع التقرير نقلا عن مركز تبادل المعلومات فإن المجر -وهي بلد عبور على طريق دول البلقان الغربية- أقامت سورًا بارتفاع 3.5 أمتار، على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي مع صربيا وتفكر في اتخاذ تدابير لمعاقبة عابري الحدود بطريقة غير مشروعة، بالسجن لمدة سنوات، وتنفق بريطانيا، التي قبلت فقط استضافة 1% من اللاجئين السوريين الذين يصلون إلى أوروبا، الملايين؛ من أجل تتريس مدخل النفق المؤدي إلى الاتحاد الأوروبي في مدينة كاليه، حيث يعيش آلاف اللاجئين في حالة من البؤس، وحيث مات 12 منهم بالفعل  هذا العام. كما يواجه المهاجرون الذين يعملون من دون تصريح عقوبات قاسية.

بخلاف ذلك نشر موقع دويتشه فيله الألماني  يوم الجمعة 4 سبتمبر عن بلوغ أعداد الهجمات على مراكز إيواء اللاجئين مئة اعتداء خلال الأشهر القليلة الماضية، وبالقطع ليست كلها لسوريين، كذلك تقف الولايات المتحدة بهدوء شديد في تعاطيها مع الأزمة؛ بسبب عدم بلوغ الأزمة إليها؛ لبعد المسافة وإشكال التضاريس، ولا أدل على ذلك مما ذكره الناطق باسم البيت الأبيض عن استعداد واشنطن لتقديم “استشارات فنية” للاتحاد الأوروبي لحل قضية الهجرة في حين أنه امتنع عن الإجابة عن سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لاستقبال لاجئين في أراضيها، مؤكدا أن الاتحاد الأوروبي يملك قدرات كافية لحل هذه القضية بنفسه، وفقا لما نقله موقع (RT) الروسي.

ما يتم ذكره ليس للتباري في إظهار النقائص، بل هو لإيضاح أن أزمة القيم تمس الجميع، ولا فرق بين الحكومات والشعوب، وربما قدمت تركيا للقضية السورية أفضل ما تم على مستوى العالم كله.

أزمة اللاجئين أثارت كذلك روح الانتقاص الذاتي لدى الأمة الإسلامية خاصة العرب منهم، وهي الحالة التي لا رابط لها سوى بالاستبداد والنكبات التي نعاني منها بعد انقلاب حلم التغيير لكابوس مفزع، صار الكل يتحدث بمصطلح “الغرب الكافر” المصطلح الذي أضحى مبتذلا ويحمل انتقاصا مبالغا فيه للذات، وكأن الغرب ليس جزءا من الأزمة، بل كأنه ليس أصل عقبة التغيير في المنطقة كلها، نعم هناك فارق كبير بين حضارتهم وحالنا، لكن كل القيم المزعومة تصبح على محك الاختبار مع كل أزمة، والواقع أنهم يفشلون دائما، كما أن الواقع أننا لم ننصف سورية ولا السوريين، بل لم ننصف أنفسنا حتى.

الحق أن المنطقة لم تُنكب سوى باستبداد أهلها وحكامها، حتى جرفوا القيم والأخلاق، ولم يفعلوا ذلك إلا بدعم الغرب الكافر بقيمه المدّعاة، وعندما تأتي اختيارات الشعوب على غير وفق مرادهم تأتي مبررات وحجج عدم دعم التطور والتغيير لدول العالم الثالث.

ما يتم تقديمه الآن في أوروبا جيد لا ريب في ذلك، وهو دال على التغيير في الموقف، لكنه ما زال لا يرقى إلى الدور المفترض باعتبار ما فرضوه على أنفسهم من حماية القيم، لا باعتبار ما يفرضه أحد عليهم، فأوروبا حتى الآن لم تحسم موقفها من قضية اللاجئين ولا تزال هناك دول ترفض استقبالهم، “خوفا من أن يصيروا أقلية في بلدانهم” كما صرح رئيس الوزراء المجري، ولا تزال أوروبا تتحدث عن عزمها استقبال 160 ألف لاجئ وهو عدد قليل جدا مقارنة بالأزمة السورية وحجم واقتصاديات الدول الأوروبية.

أخيرا أحصت مفوضية اللاجئين للأمم المتحدة أربعة ملايين لاجئ سوري، اثنان منهم في تركيا وحدها، وما يزيد على مليون ومئة ألف لاجئ في لبنان، وما يقارب ثلاثة أرباع المليون بالأردن، وربع المليون بالعراق، وما يزيد على مئة ألف في مصر، وما يقاربها في السودان، اليوم دخلت أوروبا على تلك الخريطة، واليوم فقط استشعرت واستشعر معها الجميع أن هناك أزمة تحتاج لحل شامل، لا يقتصر على إيواء اللاجئين، بل يشمل الحق في خلع الاستبداد وتقرير المصير وانتزاع الحريات.

العربي الجديد

 

 

 

المهاجرون «فرصة» ألمانيا ومحور خلاف/ فريديريك لوميتر

تبرز زيارة أنغيلا مركل الأربعاء في 26 آب (أغسطس) الى مدينة هايدينو الصغيرة في مقاطعة ساكسه، حيث أدى افتتاح مركز استقبال اللاجئين في 21 و22 آب، إلى تظاهرات عنيفة نظمها النازيون الجدد، مكانة مسألة اللاجئين في الحياة السياسية الألمانية وجدالها الداخلي. وفي 19 آب، أعلن وزير الداخلية توماس دي ميزيير، أن نحو 800 ألف شخص قد يطلبون الاستفادة هذه السنة من حق اللجوء، ويبلغ هؤلاء 4 أضعاف أمثالهم في 2014.

وانتبه الألمان إلى وقع الظاهرة، ورأى 80 في المئة أن اللجوء هو قضية ألمانيا الأولى. وعلى خلاف ما قد تعرب عنه مهاجمة مراكز الإيواء، لا ترى غالبية الألمان (نحو 60 في المئة) ضخامة عدد اللاجئين بعين الإنكار. وهذه الغالبية لا تشكك في قدرة ألمانيا على استقبال الوافدين الجدد. والذين يخالفونها الرأي يبلغون 37 في المئة من المواطنين.

وفي ألمانيا، يشغل الرأي العام الافتقار الى اليد العاملة الضرورية فوق ما تشغله البطالة الفائضة. ويقر ثلثا الجمهور بحاجة بلدهم الى عمال أجانب يتولون دوام ازدهاره. ويسر أحد كبار موظفي وزارة الخارجية بأن الهجرة الى ألمانيا قد تطرح قضية لوجستية كبيـــرة، ولكنها لم تعد مشكلة سياسية قياساً على ما كانت عليه قبل 20 عاماً، ولا تثير اليوم الاشتباكات العنيفة التي أثارتها يومذاك. وفي غضون العقدين الماضيين، تنبهت البلاد الى مدى اعتماد اقتصادها على المهاجرين، والى تغلغلهم في مرافق سكنها وأعمالها. واليوم ألماني واحد من خمسة متحدر من «ماضي هجرة».

ومن علامات الأحوال الجديدة، أن الحزب الاشتراكي- الديموقراطي استدرج في 2014 الحزب الديموقراطي المسيحي البافاري إلى الموافقة على منح أولاد الأجانب المولودين بألمانيا الجنسية المزدوجة، على أن يكونوا قضوا بها 8 سنوات على الأقل. وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2014، بينما كان نيكولا ساركوزي يهاجم «المهاجرين الذين يتهددون نمط حياتنا»، جمعت أنغيلا مركل الناشطين المتحدرين من الهجرة في حزبها، وقالت لهم إن ألمانيا تأمل في أن تكون «بلد الاندماج القياسي»، وأن اندماج المهاجرين فرصة وحظ يعودان على ألمانيا وعلى المهاجرين بالمنفعة.

وتدور المناقشات والمطارحات على معالجة ألمانيا مسألة تعدد الثقافات فيها. وينقسم المجتمع الألماني على الإجابة على سؤال: هل الإسلام جزء من ألمانيا؟ ولا يخفى أن ألمانيا بلد يرأسه قس بروتستانتي، وترأس حكومته أنغيلا مركل: ابنة قس. وبعد تردد طويل، أجابت السيدة مركل بالإيجاب. ولكن حزبها، المسيحي– الديموقراطي، بعيد من الإجماع على جوابها. والفرع البافاري شديد التحفظ. ومن أوساط الفرع البافاري يخرج المنددون بالهجرة واللجوء. ففي حزيران (يونيو)، هاجم هورست سيهوفير، رئيس الاتحاد البافاري المسيحي ووزير بافاريا ورئيسها، «الإفراط في حق اللجوء».

ودمج المهاجرين، شأن السياسة المدرسية واستقبال اللاجئين، ليس من صلاحيات برلين بل تتعهده الدول– المناطق. ومناقشة هذه القضايا يعود الفصل فيها الى مجلس الشيوخ (بونديسرات) وليس إلى البرلمان الوطني (بوندستاغ). والحق أن مناقشات مجلس الشيوخ أقرب الى التورية منها الى إبداء الرأي الصريح. ومشاريع القوانين يقتضي إقرارها، نظراً الى التوازنات السياسية المحلية، موافقة الخضر، وهؤلاء يشتركون في الحكومات المحلية ولكنهم في صفوف المعارضة الاتحادية أو الفيديرالية. والمسألتان اللتان تناقشهما الأحزاب وتتنازع عليهما، هم المساعدة الإضافية التي على برلين تقديمها إلى البلديات لتمكنها من استقبال المهاجرين الذين يفيضون عن التقدير الأول، وتعريف بلدان الاستقبال «الموثوقة»، أو تلك التي لا حق قطعاً لمواطنيها في اللجوء إلى ألمانيا. ولا تثير المسألتان هرجاً أو مرجاً. غير أن الرواج الهائل وغير المتوقع الذي لقيه في 2010 كتاب ثيلو سارازين السجالي «ألمانيا رائحة الى الهاوية»، يدعو الأحزاب في ظل تدفق المهاجرين المسلمين وانبعاث النازيين، إلى الحذر.

* صحافي، مراسل الصحيفة في برلين، عــن «لــومــوند» الفرنســية، 27/8/2015،

إعداد منال نحاس

الحياة

 

 

 

 

هجرة مهندسين وأطباء وتجار وأساتذة قانون… وعيش في العراء/ باتريك بوسون

منذ صيف 1981، لم تطأ قدماي كرواتيا، مسقط رأس والدتي الذي غادرته في 1945. ولم تكن الطريق السريعة بين بلغراد وني، يوماً، مقفرة – في ما خلا في زمن الحرب – على نحو ما هي اليوم. وبدأ صبر مرام المصري (شاعرة سورية تركت اللاذقية قبل عشرين عاماً) ينفد، منذ وصولنا الى فندق بالاس الذي كان المركز الثقافي الفرنسي في عهد ماراكديوجيفيتش، ومقر وزارة الخارجية الفرنسية في حملة القصف في 1999. فهي تتوق الى لقاء مهاجري بلغراد، وكثر منهم سوريون مثلها. وكان الفضول ينخرني لرؤية كيف تستقبل بلغراد مخيمات أسر شرقية، وهي التي لم يسبق أن نام أحدهم في شوارعها في زمن السلم وفي مرحلة أزمة اللاجئين الإنسانية الكبرى من كراجينا في صيف 1995. واليأس هو سلاح المهاجرين الشامل، لا بل النووي. وهم سريعو الحركة، فجعبة أمتعتهم خاوية: فهم لا يملكون شيئاً.

وعلى جانبي المنـــتزه الممـــتد بين محطة الباصات وكلــية الاقتصاد، تجنـــي الأكشاك ثروات. فأصحابها يبيعون المـــهاجرين وحدات الهاتف والشراب الغازي. سألت مديرة كشـــك مــن الأكشاك «إيما برونو راد». العمل كثير؟ وصيغة السؤال الإيجابية هذه أثيرة على قلبي. نظرت إلي نظرة قاســـية، وهــــي نظرة من لم يلقَ حباً دافئاً، ثم ردّت بالإيجاب. وبلغـــراد هي مدينة لم تعرف أزمة لاجئين من قبل. فلا أحد قصــــدها من قبل. وهي المدينة التي حاربت مسلمي البـــوسنة والكوسوفيين طوال عشرة سنوات، وها هي اليوم تغرق بسيل من آلاف اللاجئين المسلمين.

ويبدو أنهم عابرو سبيل ولن يضعوا الرحال فيها. ويكاد سيل تدفّق عابري السبيل لا ينقطع. لذا، لا ينقص عددهم حين يمضي بعضهم في طريقه. وأحوال المهاجرين عسيرة. فلا بيوت خلاء يقضون فيها الحاجة ولا دش مياه. ولا أجرؤ على سؤال عائلة فلسطينية أين تقضي حاجاتها. والوالد هو تاجر قديم استقرّ في سورية قبل أعوام، وهو يروي أنه غادر مع زوجته وأولاده بلغراد الى هنغاريا (المجر) بصحبة مجموعة تشكّلت في أثناء رحلة السفر. والوالدة جميلة وكأنها نجمة سينما، وبناتها الصغيرات نظرن الى مرام نظرات فضول: فهي سورية مثلهنّ في ثوب أحمر أنيق. سألت الفلسطيني كيف يداري وعائلته القيظ حين يشتد، فأشار الى شجرة يفيئون الى خيمة نصبت تحتها. والسوريون الذين قابلناهم سألونا أن نبلّغ العالم أن الأسد يقتل شعبه. وذاع صيت بشار أكثر من والده في القتل. وربما هذا ما يصبو إليه. ووقع نظري على خمسة شباب يجلسون على معقد. وتساءلت عن آخر مرة تسنى فيها للمهاجرين الشباب من غير المتزوجين لقاء امرأة، في وقت تمر شابات صربيات أمامهن بأثواب رقيقة. لم تقع حادثة تحرش واحدة ولا اغتصاب. ولم أصادف بين المهاجرين السوريين غير الأطباء والمهندسين الكيماويين وأساتذة القانون. وكلّ منهم يجيد الإنكليزية على أحسن وجه ويتكلّمها بطلاقة أحسده عليها.

* كاتب، عن «لوبوان» الفرنسية، 10/9/2015، إعداد منال نحاس

 

 

عَدسات مُنهكة/ محمد موسى

سَلبت صُور جثة الطفل السوري أيلان على الشاطئ التركي الكثير من فداحة مشهديات مِحن اللاجئين التي وصلت إلى الاهتمام الإعلامي الأوروبي في الأيام العشرة الأخيرة. وعلى رغم أنّ الصورة ذاتها للطفل متمدداً على بطنه كأنه يقضي قيلولة قصيرة قبل أن ترفعه ذراعا أُمِّه، لم تتحول بَعد إلى أيقونة أزمة اللاجئين المتواصلة، إلا إنها جعلت كلّ ما قبلها وبعدها يُشبه الاجترار الذي لن يصل إلى قساوة، وأيضاً حميمية، مشهد أيلان غافياً على الرمال بانتظار من يوقظه.

مرت بعدَ صورة أيلان صور أخرى لافتة بشراستها ودلالاتها، كتلك للسوري في هنغاريا الذي افترش خط سكة الحديد، ضارباً وجهه بالحجارة، أو التي تظهر آلاف اللاجئين وهم يمشون على طريق سريع للسيارات باتجاه ألمانيا، قاطعين على أقدامهم الخطوة الأخيرة لحياتهم الجديدة، مذكرين بهجرات أسلافهم عبر التاريخ. كلّ هذه الصور لم تجعل العالم يفزع مذهولاً، كما تبدى عندما وصلت صور أيلان إلى شاشاتنا.

الشاشات الأوروبية نفسها أصابها الإنهاك، ولا تعرف أين توجه اهتمامها في هذا المشهد الشاسع الشديد القتامة. فالهزة التي فجرتها صور أيلان مرت الآن، وعلى الإعلام الغربي التعامل مع مرحلة بعد تلك الصور، بخاصة أن عليه أن يتابع هذه الهجرة غير المسبوقة، وما يترتب عليها، وآثارها في مجتمعات أوروبية، كانت قبل أشهر قليلة فقط تخصص كثير من وقتها واهتمامها للإرهاب الآتي من منطقة الشرق الأوسط، عبر الجهاديين الذي قاتلوا في العراق وسورية.

فاجأت سرعة تفاقم أزمة اللاجئين الحالية مُعظم المراقبين الإعلاميين الأوروبيين. لكنّ هناك من يذكر أنّ الأزمة هذه، والتي كانت لسنوات من حصة الدول المحيطة بسورية، انفجرت اليوم ووصل رذاذها إلى سواحل أوروبا وقلبها. الإعلام بمجمله يشبه أداء الحكومات الأوروبية، العاجزة عن التعامل مع كل تفاصيل المحنة، فالقوى الأوروبية اليمينية التي تنادي دائماً بمساعدة من يستحق وقطع الطريق أمام الباحثين عن السعادة، يضيع صوتها اليوم في هذه الفوضى، تماماً كما يضل صوت القوى الليبرالية التي دعت منذ سنوات إلى دور أكبر لأوروبا في مساعدة اللاجئين السوريين في أماكن إقاماتهم الموقتة في لبنان والعراق والأردن وتركيا.

وعلى رغم زخم أو تدفق الصور الإعلامية لأزمة لاجئي الشرق الأوسط التي تصل يومياً إلى الشاشات والصحف الأوروبية، تطل صورة أيلان في شكل دوري في العديد من المنابر الإعلامية المهمة، لتذكر المتابعين بالضحايا السوريين وغيرهم الذين لا يملكون القوة الجسدية لعبور البحار والجبال، في رحلتهم لطلب الأمان. أما وقفة الموظفة التركية المترددة القصيرة بجانب أيلان، وقبل أن ترفعه من الأرض، فهي حال الدول الأوروبية اليوم، الحائرة أمام هذه الأزمة، التي تدحرجت من مكانها الأصلي في الشرق، وعبرت دولاً عدة، قبل أن تصل اليوم إلى قلب أوروبا.

 

 

 

 

أوروبا واللاجئون.. هواجس الاندماج وإشكالات الهوية/ أيمن نبيل

الهوية والثقافة بأوروبا

الدين والعلمانية

اللاجئون والمسألة الثقافية

فجرت مأساة الشعب السوري عشرات الإشكاليات والمسائل الأخلاقية والثقافية والسياسية، ولا تزال مفاعيل الإبادة التي يتعرض لها السوريون تقدح القضايا والتساؤلات، ومنها في الأيام الراهنة قضية اللاجئين التي استعر أوار نقاشها في الآونة الأخيرة، خاصة مع ردود الفعل الأوروبية الرسمية على موضوع استقبالهم.

وسنتناول في هذا المقال جانبا متعينا وهو المسألة الثقافية التي تنطوي عليها أزمة اللاجئين، أي موضوع هوية المجتمعات الأوروبية وموضوع البعد الديني في المركب الهوياتي الأوروبي.

الهوية والثقافة بأوروبا

فقد نقلت صحيفة واشنطن بوست عن مسؤول سلوفاكي قوله إن بلاده ستستقبل عددا محدودا من اللاجئين السوريين بشرط أن يكونوا “مسيحيين”. وقد مثل هذا التصريح صدمة لبعض المراقبين والمثقفين العرب، وفرصة للبعض لكي يؤكد تنميطاته غير التاريخية للمجتمعات الأوروبية.

وتصلح هذه الحادثة ونقد نموذج “الأوروبي” في وعي بعض المثقفين العرب كمدخل لتكثيف نقاش نقدي حول موضوع الهوية الأوروبية ومركب الدين فيها وعلاقتها بمسألة اللاجئين.

هناك تصور مكرس أن الهوية الأوروبية قد أنجزت تشكيل ذاتها، وقد اتضح أن هذا أمر غير صحيح ابتداء، فعمليات إنتاج الهوية مستمرة ولا تعرف الاكتمال، ويكمن “عتو” ومتانة تمثل الذات في مرونة ومقدرة الثقافة والوعي الجمعي على استيعاب المتغيرات المستجدة واحتوائها في عمليات إنتاج الهوية الوطنية.

من جانب آخر، ليس من السليم التعميم وطرح عبارات توصيفية تشمل جغرافيات مثل الهوية الغربية، أو الهوية الأوروبية، فهناك تمايزات مهمة بين أميركا الشمالية وأوروبا في السياق التاريخي لتشكل مفهوم الأمة والدولة الوطنية، كما أن هناك تمايزات بين شرق وجنوب أوروبا من جهة ووسط وغرب أوروبا من جهة أخرى في التاريخ السياسي، تجعل الأوصاف التعميمية غير دقيقة.

في ستينيات القرن العشرين، بدأ مصطلح “التعددية الثقافية” في الظهور، وقد كرسته المفوضية الملكية الكندية وجعلته جزءا من تصورها للمجتمع الكندي ومستقبله. ولكن كان هذا في مجتمع مهاجرين وجيب استيطاني سابق في الأساس، وبالتالي فهو مجتمع لديه الإمكانية لتقبل تصورات مرنة للأمة والهوية. وينطبق ذات الأمر على الولايات المتحدة من منظور تاريخي، مع التذكير بتأثير البعد الديني وأهميته في الخطاب العام وتشكيل الهوية.

في أوروبا الغربية الوضع مختلف، فالمجتمعات الأوروبية في العموم ليست مجتمعات مهاجرين، وفي حالة فرنسا، كانت هناك هجرة أبناء المستعمرات إلى المركز، وهذه الهجرات أجهزت بشكل كبير على أي نموذج عرقي “للفرنسي”. ولكن بسبب تاريخ فرنسا القومي المتشدد في مسألة الهوية الوطنية، فإن الخطاب الرائج في مواجهة مسألة المهاجرين واللاجئين هو خطاب الاندماج لا خطاب التعددية الثقافية.

أما الحالة الألمانية فأكثر تعقيدا، فتاريخها الاستعماري قصير، كما أن مجالها الإمبريالي كان أوروبا ذاتها، ولهذا بقيت ألمانيا إلى حد كبير بعيدة عن تهجين مركبها الاجتماعي من مجتمعات أفريقيا وآسياز وهكذا فإن مسألة الضغط الهوياتي والثقافي الذي يشكله المهاجرون واللاجئون، تشكل تحديا جديدا نسبيا بالنسبة لها، باعتبار أن الهجرات التركية في النصف الثاني من القرن العشرين إلى ألمانيا الغربية هي البداية الفعلية لتاريخ الهجرات في التاريخ الألماني الحديث.

الحالة الأكثر لفتا للنظر في صراحتها ونفورها في التعامل مع مسألة اللاجئين السوريين هي دول أوروبا الشرقية، فتصريحات المسؤول السلوفاكي المشار إليها آنفا -بالمناسبة، يمكن اعتبار تلك التصريحات قسرا وابتزازا دينيا غير مباشر- وشروع المجر في بناء “جدار” لمنع تدفق اللاجئين، وحتى مشهد المصورة المجرية وهي ترفس لاجئين على الحدود الصربية، وهو مشهد رمزي ليست له أي قيمة تعميمية بالطبع.. كل هذه الممارسات تحتاج إلى وقفة.

أوروبا الشرقية ظلت قرابة نصف قرن تحت نفوذ نظام الاتحاد السوفياتي الشمولي، وواحدة من كوارث تلك الحقبة تمثلت في استغلال السوفيات لقضايا التحرر بالعالم الثالث في عمليات الدعاية السياسية أثناء الحرب الباردة، بالإضافة إلى القمع المنظم للمظاهر الدينية المختلفة في مجتمعات كان الدين -ولا يزال- يلعب دورا كبيرا في مجالها العام، بل والحيز الخاص للفرد، بسبب تعثر عمليات التحديث فيها في نهاية القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين.

كانت نتائج هذه الممارسات بعد انهيار المعسكر الشرقي أن عادت الكنيسة إلى أداء دورها الطبيعي المتوافق مع الثقافة الاجتماعية، بالإضافة إلى نفور جمعي شائع من “مظالم” العالم الثالث، وهذه نتيجة طبيعية لابتزاز النظام القمعي المجتمع من خلال قضايا عادلة.

وما يزيد الأمر تعقيدا هو العامل الاقتصادي، فدول أوروبا الشرقية تقع في ذيل قائمة الإنتاج المحلي الإجمالي بالمقارنة مع المتوسط العام للاتحاد الأوروبي، وتترجم ضفيرة العوامل الدينية/الاجتماعية والتاريخ السياسي والاقتصاد إلى صراحة في التعبير عن النفور من اللاجئين وإلى ممارسات فظة تجاههم والتعبير الواضح عن مكانة الدين في مركب الهوية الوطنية والهواجس بشأنها.

الدين والعلمانية

بالإضافة إلى هذا العامل التاريخي الاجتماعي، يتوجب علينا الإشارة إلى “تاريخية” الفكرة العلمانية -بأوضح وأدق تعريفاتها المتعددة- بعيدا عن الاختزالات الخلاصية التي أشاعها كثير من المثقفين والمسيسين في العالم العربي، فالقول إن أوروبا تتبنى العلمانية لا يعني أن مركب الدين منزوع من التصور الكلي للذات الجمعية في مجتمعاتها، بل وفي حالات كثيرة -خاصة في شرق أوروبا- لا تزال الكنيسة تلعب دورا مهما في يوميات المجال العام، ونذكر هنا الكنيسة الكاثوليكية في بولندا ودورها في الانتفاضات الشعبية ضد الحكم الشيوعي في الثمانينيات كمثال.

من جانب آخر، يتوجب علينا وضع “الدين” في سياق سوسيولوجي حتى نتمكن من فهم هواجس وممارسات الحكومات الأوروبية مع اللاجئين بعيدا عن المقابلات الخاطئة مع السياق العربي، فأبحاث علم الاجتماع الديني منذ أربعين عاما وحتى الآن ترجح أن “الإيمان” و”التدين” في ازدياد مطرد في العالم، ولكن الإيمان والتدين هنا يتخذان أشكالا تقليدية وغير تقليدية، ولا تصح مقارنتها مع الحالة العربية لأن سياقها مختلف.

فعلمانية الدولة في أوروبا لا تتناقض مع ازدياد أصحاب “التجارب الدينية”، ولا تزال الثقافات الاجتماعية الغربية تنتج جماعات وجمعيات دينية مسيحية مختلفة ومتنوعة وتجد أتباعا ومريدين، كما أن بعض السوسيولوجيين لاحظوا منذ الثمانينيات أن هناك نمط تدين تشكّل في بعض المجتمعات الأوروبية -والمجتمع الأميركي- يرتكز على اعتبار الدين والمشاركة في النشاطات الدينية المنظمة، مدخلا لولوج المجال العام وفضاء السياسة.. وهذا كله يجعلنا نبتعد عن الاختزال السطحي للعلمانية باعتبارها فكرة تجهز على مركب الدين في تمثل الذات الجمعية.

فالواضح لنا الآن أن الدين باعتباره تراثا وليس بالضرورة باعتباره قائما على الإيمان، يدخل في عمليات بناء النماذج عن الذات وهويتها عند المؤمنين أو الملحدين، فهناك وظائف اجتماعية للدين -أشير إليها منذ أعمال دور كهايم- تتجاوز الفكرة المكرسة عن علاقة الإيمان به، وهناك كذلك وظائف “هوياتية” معقدة له أيضا كما هو واضح.

اللاجئون والمسألة الثقافية

أهم ما أكدته هواجس أوروبا الثقافية من اللاجئين السوريين أن وعي أجهزة الدولة والسياسيين الأوروبيين قاصر بمراحل عن إنتاجات الثقافة الأوروبية/الأميركية، فمفاهيم مثل حق الاختلاف، والتعددية الثقافية، والمدن الكوزموبوليتانية، والهوية الإنسانية، والأمة المواطنية، وحقوق الإنسان وغيرها، مفاهيم مستبطنة فعلا في وعي الساسة، ولكن إلى حدود واضحة و”آمنة” تخص الداخل وأحيانا المحيط الحضاري.

ولكن يظهر القلق وتنبعث مشاكل التراكمات التاريخية عند تجاوز هذه الحدود، ومن هذه الزاوية يصبح قلق الأوروبيين الهوياتي مفهوما وليس محض مبالغات، ولكن ينبغي السؤال هنا عن مدى التغيرات الهوياتية التي تحدثها موجات اللاجئين في المجتمعات الأوروبية المضيفة.

ابتداء، لا يمكن أن تحدث موجات اللاجئين السوريين هزات هوياتية كبرى خلال جيل واحد، ولكن يتركز “التأثير الآني” للاجئين -قبل استقرارهم النهائي وإنتاج جيل جديد مولود في البلد المضيف- في طريقة الحياة اليومية لا في هوية المجتمع، وهنا علينا التذكير دوما بأن اللاجئين السوريين عينة اجتماعية عشوائية وليسوا نخبة ثقافية قررت الهجرة جماعيا! وبالتالي فهي عينة من مجتمع عالمثالثي هاربة من الإبادة، وستحمل معها كثيرا من مشاكل السيكولوجيا الجمعية وكثيرا من محمولاتها الثقافية، ولن ترميها في البحر لمجرد استقبال الأوروبيين لها.

ولأن المجتمعات الأوروبية ليست مجتمعات مهاجرين تاريخيا، فإن التكتلات السكانية في الأحياء تعني فعليا “غيتو” من نوع ما داخل المجتمع يرمز إلى “التمايز” الذي لم تتقبله المجتمعات الأوروبية بشكل كامل، وتفضل بدلا عنه الاندماج، وهذه عملية معقدة تحتاج إلى تعديل في سياسات الدولة تجاه توزيع اللاجئين وتشجيع اندماجهم.

هذا مع العلم بأن التجربة التاريخية القصيرة في أوروبا أثبتت أن عمليات الدمج المثالي الذي تحلم به أوروبا لا تحدث غالبا، وأحيانا لا تنجح مطلقا، وتبقى مجموعات سكانية تتحدث اللغة وتدخل وتستفيد من مؤسسات الصهر الاجتماعي (مدارس، جامعات)، ولكنها رغم ذلك تبقى متشبثة بتراثها الأصلي.

وتعاني هذه الجماعات نتيجة ذلك من اضطرابات حادة في الهوية -وهنا تقع المسؤولية على المهاجرين لا على الدولة المضيفة فقط- على عكس مجتمع مثل المجتمع الأميركي الذي يتقبل ظواهر كهذه إلى حدود معينة لأسباب اجتماعية وتاريخية.

مستقبل مسألة الهوية الثقافية واللاجئين يرتكز على أمرين هما: مستقبل تعامل أميركا وأوروبا الغربية مع الحرب في سوريا، وسياسات الدول المضيفة وتصوراتها عن التوجهات المثلى بين الاندماج والتعددية الثقافية، وهي سياسات وتوجهات ستلقحها التجربة التاريخية والتوتر بين قطبي المشهد الحاضر: قطب ضرورات النظام والأشياء التي لا مناص منها، فالاقتصاد الرأسمالي وأسواق العمل والعولمة وثنائية المركز والأطراف تفرض على الدول الكبرى استقبال الهجرات الطوعية والقسرية، وقطب التراكم التاريخي وتمثلات الذات الجمعية.

استقبلت ألمانيا أثناء حرب البلقان قرابة 400 ألف لاجئ، ولكن بمجرد إعلان ألمانيا كلا من مقدونيا والبوسنة والهرسك وصربيا “أوطانا آمنة”، كان لديها أساس أخلاقي قامت عليه تشريعات، لتعليق عشرات آلاف طلبات اللجوء من البلقان.

وعلينا ألا ننسى في خضم هذا النقاش العالمي المحموم حول مسألة اللاجئين السوريين بتشابكاتها المختلفة، أن الإشكال يتمثل في أن النظام السوري يشن إبادة جماعية على السوريين، وبالتالي فالواجب لحل جزء كبير من المسألة الراهنة ومنع تفاقماتها، إرساء مرحلة انتقالية وذهاب بشار الأسد وإيقاف الحرب، وليس اختزال المأساة في إيواء اللاجئين.

الجزيرة نت

 

 

 

 

الصحافة الأوروبية تغطي أزمة اللجوء: الاقتصاد والسياسة أولاً/ وليد بركسية

لا تنطلق الصحافة الأوروبية في تغطيتها لأزمة اللاجئين من زاوية إنسانية. تبدو تغطيتها أكثر براغماتية بتركيزها على الجوانب السياسية – الاقتصادية للأزمة، وانعكاساتها على المجتمعات المحلية بالدرجة الأولى، وبمستويات مختلفة من دولة إلى أخرى.

في ألمانيا التي استقبلت أكبر عدد من اللاجئين في أوروبا (800 ألف)، تركز التغطية على إزاحة ثقل النازية الطويل عن الصورة النمطية لألمانيا. فخصصت الصحف الكبرى حملات مكثفة لإبراز الجانب الإنساني المشرق في ألمانيا الجديدة التي ترحب بالاندماج وتنبذ أشكال العنصرية العرقية – الدينية، وهو ما يبرز بوضوح في تغطية صحيفة “بيلد” واسعة الانتشار بعنوان “نحن نساعد”، كما أنه نتيجة طبيعية للموافقة الشعبية الألمانية تجاه القرارات الحكومية بخصوص الأزمة. (ديرشبيغل، ميونيخ آي).

التعاطف الإنساني، يبرز صحافياً في ألمانيا أكثر من الدول الأخرى. فالتركيز على حياة اللاجئين في سوريا ومؤهلاتهم البشرية وشرح الظروف الحياتية الحالية لهم، والمخاطر التي يتعرضون لها (ديرشبيغل)، وهو انعكاس تفرضه طبيعة الخطاب السياسي العاطفي الذي تقوده المستشارة أنجيلا ميركل، بشكل يذكر بنوعية الخطاب نفسه منذ مطلع الألفية تجاه الأعراق الجديدة في المجتمع الألماني ودمجها في منتخب البلاد لكرة القدم على سبيل المثال.

كما أن ألمانيا باحتضانها اللاجئين من الشرق الأوسط وسوريا تحديداً تحاول إيجاد حلول آمنة لمشاكل محتملة في الاقتصاد الألماني في الفترة المقبلة وبالتحديد نقص الأيدي العاملة – الحرفية (ديرشبيغل)

من الناحية الاجتماعية، لا يمكن التهرّب من الحديث عن الإسلاموفوبيا في المجتمعات الغربية. إلى أي مدى يمكن أن تتغير ألمانيا تحت وطأة المهاجرين الجدد إليها والذين يشكل فيهم المسلمون أغلبية واضحة؟ هي النقاط التي يركز عليها خطاب اليمين المتطرف في البلاد والمعادي للهجرة خوفاً على “أوروبية وغربية البلاد”، لكن الصحافة تحارب هذا التيار الفكري، وتروّج لعصر الاندماج الجديد، خصوصاً وأن المهاجرين من سوريا تحديداً يتمتعون بميل نسبي للإسلام المعتدل واحترام شعائر الآخرين وينبذون السلفية، ويبدون ميلاً للاندماج دون مشاكل مقارنة مع مهاجرين من أماكن أخرى.. كما أن وجود السوريين لم يزد من حجم الإسلام في البلاد، لأن معدّل المسلمين ارتفع مع الجالية التركية الضخمة في البلاد وبالتالي لن يحدث تغييراً حقيقياً في المجتمع الألماني حالياً (ديرشبيغل، ميونيخ آي).

بولندا التي رفضت خطة الاتحاد الأوروبي لاستقبال اللاجئين، تمر بسنة انتخابات مفصلية، ما يجعل الأمور صعبة نسبياً أمام الترويج للحس الإنساني بخصوص اللاجئين من سوريا وغيرها (نيوز بولند إكسبرس). فالأولوية في الخطاب السياسي ثم الإعلامي، هي للمواطن المحلي قبل الأجانب، وتحديداً من الناحية الاقتصادية (وارسو فويس)، وهو أمر مستهجن في دولة عانت بشكل خاص من النازية الألمانية ثم الشيوعية طوال القرن العشرين تقريباً، بشكل يعاكس الحالة الألمانية تماماً.

محدودية الجدل السياسي حول الأزمة جعلت الحديث عنها يقتصر على التغطيات الإخبارية لتصريحات المسؤولين الحكوميين فقط، وتحديداً في الصحافة البولندية الناطقة بالانكليزية. فيما كان الجدل غير الرسمي عبر السوشيال يضجّ بالعنصرية، اجتذب حدث أعداداً كبيرة من البولنديين، ليشهد أكبر مستوى للخوف من اللاجئين على مستوى القارة الأوروبية كافة (نيوز بولند إكسبرس، وارسو فويس)، حتى أن حجم التغطيات المحدود جعل مقالات الرأي محدودة ومقتبسة في الأغلب من الصحف العالمية مثل “نيويورك تايمز”.

من جهتها أقرت بريطانيا خطة جديدة لاستقبال اللاجئين بمعدل 20 ألف سوري خلال 4 سنوات بالتنسيق مع الأمم المتحدة، بعدما اكتفت الجزر البريطانية باستقبال 500 لاجئ سوري فقط منذ 2011، ومع وصول أو مسلم لزعامة حزب العمال، ازداد الخلاف السياسي في البلاد تجاه موضوع اللاجئين الذي يبدو فيه الاستثمار مثالياً لتقويض سلطة حزب المحافظين الحاكم بعد الانتخابات البرلمانية في أيار الماضي ومساءلته حول الإنفاق الحكومي (إندبندنت)، كما انه بشكل عام قاعدة للحديث عن إخفاقات حزب المحافظين الحاكم حالياً. فكان التشكيك بمدى جدية خطة رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون بخصوص اللاجئين حاضراً وهي خطة ستختفي قريباً عن الأجندة السياسية البريطانية بفعل ضغط قضايا أخرى أكثر إلحاحاً على الصعيد المحلي (غارديان).

أحزاب اليمين المتطرف هي التي تعادي اللجوء السوري في بريطانيا خوفاً من أسلمة البلاد والإرهاب والخطر الأتي من هذه التحركات البشرية والقرارات السياسية غير المتوازنة،، فيما تعاني الجزر البريطانية من تخوف شعبي غير مبرر من الغرباء (غارديان) رغم انخفاض عدد اللاجئين في بريطانيا بمعدل 76،439 شخصاً منذ 2011، علماً أن 1% فقط من السوريين وصلوا إلى بريطانيا من مجمل عدد السوريين الهاربين إلى أوروبا. وتأتي كل تلك المخاوف نتيجة الضغط الإعلامي العنصري من صحف اليمين ضد اللاجئين (دايلي ميل،..) حتى أن إحدى الكاتبات العنصريات كانت متخوفة في مقالتها من أن مخيمات اللجوء لا تحتوي أسواراً لمنع اللاجئين من التسرب نحو المدن (أوبسيرفر).

المسيرة الضخمة المرحّبة باللاجئين السوريين وسط لندن أخيراً أتت بعد حشد سياسي – إعلامي مشترك، لكن خطة رئيس الوزراء كاميرون تبدو مخيبة للآمال على غرار الخطط الأميركية في ذات السياق، فلطالما كانت السياسة البريطانية تشابه نظيرتها الأميركية أكثر من الالتزام بخط الاتحاد الأوروبي، لتبدو بريطانيا عضواً منفصلاً – متصلاً بالاتحاد في كثير من القضايا والتي لن تكون قضية اللجوء آخرها بكل تأكيد (حملة اندبندنت مرحباً باللاجئين، تايمز).

أنسنة اللاجئين وإبرازهم بصورة بشرية لا وحشية هي أحد الحلول التي يحاول فيها البريطانيون إظهارها للمجتمعات المحلية الأكثر تحفظاً – عنصرية، فهم مجرد أشخاص عاديين اضطروا لترك بلادهم بسبب الموت والحروب ولا يمكن لومهم على أملهم بالبحث عن حياة أفضل خارج بلادهم، حتى لو لم يكونوا من الفئات الأكثر تضرراً في سوريا، وهو نوع من الضغط الإعلامي على الحكومة المحافظة للتحلي بمزيد من المسؤولية الإنسانية (تايمز، إندبندنت).

ألمانيا هي نموذج للأخرين من الناحية الإنسانية والاقتصادية (غارديان)، ويتم استخدام النموذج الألماني لحض الناس على التخلي عن أفكارهم المسبقة وتحديداً فيما يتعلق بالإسلاموفوبيا والخوف من تمدد الإسلام الراديكالي في أوروبا عطفاً على محاولة الأحزاب السلفية في ألمانيا مثلاً اجتذاب اللاجئين “المسلمين” نحوها، وهو الأمر الذي لم ينتشر إلى الحد الذي يمكن أن يوصف بالظاهرة الخطيرة (تيليغراف)، كما أن النموذج الألماني بات يهاجم من اليمين باعتباره خطراً، فعنونت “دايلي ميل” عن ألمانيا أنها “أخذت منا اليهود لتعطينا عرباً”.

المدن

 

 

 

الإقامة في خيم «أهون الشريَن» لسوريين لاجئين في الأردن/ عمّان – ماهر الشوابكة

دفع وقف برنامج الغذاء العالمي مساعداته للاجئين السوريين في الأردن، بأسر كثيرة منهم إلى تكرار تجربة اللجوء المريرة مرة أخرى، بعد ترك منازلهم التي يستأجرونها بما فيها من أثاث في المدن والقرى الأردنية، والانتقال إلى السكن في خيام بالأرياف، حاملين معهم فقط ما خف وزنه وغلا ثمنه.

«لجوء جديد، ثقيل على النفس تجبــرهم عليه هـــذه المرة المعادلات والصراعات الدولية، تحــت ذرائع واهية ومكشوفة»، يول اللاجئ أبو بسام، الذي غادر المنزل الذي يستأجره في أحد أحياء مدينة إربد (80 كلم شمال عمّان)، التي تأخذ نصيب الأسد من موجات اللجـــوء السوري بسبب قربها من الحــــدود، وهو لا يحمل معه غير بعض النقود وأوراقه الثبوتية وأوانٍ منزلية تحتاجها أسرته لتبقى على قيد الحياة.

وكان برنامج الغذاء العالمي قطع مساعداته أخيراً عن 260 ألف لاجئ، بحجة العجز المالي الذي تعاني منه موازنته هذا العام.

ووفــق أبو بسام فإن السكن في خيمــــة على رغم قساوته على عائلته التــــي كانت تسكن «فيلا» في مدينة درعا، يؤمّن للنازح الذي يســكن خارج المخيمات المخصصة للاجئين السوريين، حرية التنقّل حيث يكون عمل رب الأسرة، لا سيما في الأرياف حيث يعمل اللاجئون في مجال الزراعة، فضلاً عن توفير الإيجار الشهري للمنزل، وتوفير فرصة عمل أخرى هي مهمة الحراسة الليلية للحقل الزراعي في مقابل راتب إضافي.

ويقول اللاجئ أبو أحمد أنه بات يتنقل بخيمته في محافظة المفرق (شمال شرقي عمّان)، حيث يمكن ان يجد عملاً في إحدى المزارع وبما يمكنه من تأمين نفقات الحياة الضرورية لأفراد أسرته، لافتاً إلى أنه يعاني من صعوبات جمة نتيجة قرارات برنامج الغذاء العالمي التي قضت بتقليص قيمة الدعم أو وقفه.

ويشير في المقابل الى صعوبة الحياة في الخيمة التي لا تقيه حر الشمس حالياً، معبّراً عن مخاوفه مما سيتعرّض وأسرته له في فصل الشتاء القاسي عموماً في الأردن.

يقطـــن اللاجـــئ السوري الخمسيني أبو سمـــير في خيمـــة بالقرب من المزرعة التي يعمل فيها حيث يجمع ثمار البندورة، ويكشف أن خفض برنامج الغذاء مساعداته التي كانت تؤمّن القوت اليومي لأسرته المكوّنة من 8 أفراد، دفعته إلى البحث سراً عن عمل.

ويلفت إلى أنـــه اضــــطر إلى ترك بيته الذي استأجره في إربد لبعده عن مكان العمل الذي وجده في إحدى مزارع قرى المحافظة. وبات يواجه معاناة حياتية حقيقية مع اضطراره للعيش في خيمة.

وكان أبو سمير يتسلّم شهرياً 35 دولاراً مـــن البرنامـــج عن كل فرد من أفراد أسرته. وشكل توقفه «ضربة قاصمة».

وتوضح الناطقة باسم برنامج الغذاء العالمي شذى المغربي، أن دراسة رصـــد الأمن الغذائي للاجئين السورييـــن التـــي نفذهـــا البرنامج نهاية حزيران (يونيــو) الماضي كشفت أن 85 في المئة من الأسر السورية غير آمنة غذائياً أو معرّضة لانعدام الأمن الغذائي مقارنة بـ 48 في المئة كانت معرّضة للمصير عينه في العام الماضي.

كما بيّنت المغربــي أن الدراسة أظهرت أن 69 فـــي المئة من الأسر السورية خارج مخيمــات اللجوء في الأردن تعيش تحت خط الفقر، فضلاً عن اضطرار 90 في المئة منها إلى تطبيق إستراتيجيات بديلة بهدف التأقلم مع نقص التمويل وخفض قيمة الدعم، كاللجوء إلى تقليص عدد الوجبات الغذائية اليومية والتوجّه نحو الوجبات الأقل كلفة، ودفع الأطفال إلى سوق العمل.

وأشارت المغربي إلى أن فئات من اللاجئين ستضطر للعودة إلى بلادها على رغم الظـــروف الأمنـية السائدة هناك، في حال توقّف دعم البرنامج لها نظراً إلى عدم قدرتها على تلبية المتطلبات المعيشية.

 

 

 

 

مراسلو «لوموند» المحليون: مهاجرون سوريون وعراقيون وأفغان على طرق اليونان وصقلية ومقدونيا وهنغاريا

في تونس واليونان وهنغاريا ومقدونيا، وفي صقلية وفانتيميليا وكاليه وميونيخ ومدريد وإسطنبول ومرسيليا وليون وباريس، على طول الطرق أو في محطات القطارات، على شاطئ البحر أو تحت جسر، في مراكز الإيواء أو في مكاتب الاستقبال، في مواجهة قوات الشرطة أو مع المتطوعين، مع أنغيلا مركل أو في بيوت الضيافة، تعقب المراسلون أحوال المهاجرين الى أوروبا يوم العاشر من أيلول (سبتمبر).

وربما ينبغي ابتداء التعقب بعيداً من صور الاحتفال والترحيب في ميونيخ أو برلين، ومن اعلان النيات الطيبة والتعبئة العامة والمؤاخاة الظاهرة. وأحد الأمكنة البعيدة المقبرة البلدية في كاتان، بصقلية، على سبيل التذكير بأن 3 آلاف شخص قضوا هذا العام غرقاً في البحر المتوسط. ودفن في مقبرة كاتان 17 شخصاً ماتوا غرقاً، وشيّد نصب في وسط قبورهم. وفي رخام النصب حفر بيتان من الشعر: «هنا، هل تكون شمس؟ أم مطر؟». وغير بعيد من النصب سجي 40 جثماناً أمام حفر عارية. «الموتى الجدد؟ لا ندري أين ندفنهم أو نوسع لهم مكاناً»، يقول أليساندرو لازوريتي، حارس المقبرة، شاكياً. وهاهم يَلُوحون في الأفق على شاكلة نقطة برتقالية بعيدة. وتدريجاً، تتحول النقطة خطاً، وينتفخ الخط ويكتنز ويتجسد في أشكال حية، من غير وجوه في وقت أول قبل أن تكتسب الأشكال ملامح إنسانية، وتطلق هتافات:» يونان! يونان! ألمانيا! ألمانيا!». الساعة تشير إلى الواحدة بعد الظهر في ليسبوس، على شاطئ إيفتالو يلوّح متطوعون دنماركيون بقطع قماش ملوّنة، ويدعون مركباً يقل 50 مهاجراً ويقترب من الشاطئ إلى الرسو على مقربة منهم. بعض الشبان الشقر من ذوي البنية الرياضية يرمون بأنفسهم في الماء ويساعدون المهاجرين على النزول من مركبهم، ويتناقلون الأولاد إلى حين بلوغهم اليابسة. تجهش أم بالبكاء وهي توكل طفلها إلى واحد من فريق الإغاثة. روت أنها لا تحسن السباحة، وأنه لم يسبق لها أن شعرت بمثل الخوف الذي انتابها حين سلمت ابنها إلى المسعف. وهي سورية، ودامت الرحلة من تركيا ساعتين، وسددت لقاءها 1200 دولار.

وبينما يوزّع المتطوعون الماء والموز والألبسة الجافة، يحيط رجال بالمركب. وهؤلاء لا يقدّمون العون ولا الإسعافات بل يريدون استعادة المحرك وبيعه، وفي أثناء دقائق قليلة لم يبق من المركب ما يذكر به واستحال أثراً بعد عين. وبلغ عدد المهاجرين السوريين الراسين هذا اليوم على شاطئ بحر إيجه، والآتين من تركيا، 500 مهاجر. ويقدّر مكتب الشرطة في جزيرة ليسبوس عدد المهاجرين المسجلين في اليوم الواحد بألف إلى ألفين. وأمست اليونان، في السنوات العشر الأخيرة أحد أوسع أبواب الدخول إلى أوروبا. وفاقمت الأزمة السورية الأمر في الأشهر الأخيرة. واستقبلت ليسبوس وحدها، وهي تعد 30 ألفاً، 20 ألف سوري وأفغاني وعراقي. وتقول أم ترافقها بنتاها الصغيرتان، في قميصين زهريين وعلى رأسيهما قبعتان مقلوبتان:» غداً؟ أُدخل بنتي إلى المدرسة في ألمانيا، بعيداً من داعش والنقاب والأسد».

وتقود الطريق إلى مقدونيا حيث تنتظر السلطات 23 ألف شخص في الأيام الثلاثة المقبلة. ويسقط المطر على جيفجيليا، أول مدينة مقدونية حدودية، غزيراً. ولا تتخطى الحرارة 18 درجة مئوية. ويرتجف القادمون من اليونان برداً تحت الخيم. وفي خيمة اليونيسيف، يرسم أطفال الانتظار على شاكلة مثلثات سود، وملاجئ مرتجلة يقف أمامها أشخاص كبار وكثير من الأولاد. وتجيز سلطات المدينة المقدونية للقادمين البقاء 3 أيام، عليهم، في أثنائها، الحصول على جواز سفر بالقطار. وتقلع من المحطة 6 قطارات في اليوم، يتسع القطار منها لألف مسافر. ومن جيفجيليا تقصد القطارات تابانوفتشي إلى الشمال، وتجتاز إلى صربيا. والمسافة 171 كلم، وثمن الرحلة 10 يورو. وبعض المسافرين لا يريد الانتظار فيركب سياة تاكسي لقاء 25 يورو، على ما ينبّه إعلان علّق في المخيم تفادياً للاحتيال.

ويمضي الوقت من غير أن تصل القطارات إلى المحطة، ويفرغ صبر المنتظرين. ويشيع خبر إضراب سائقي القطارات، ومع الخبر يشيع الذعر. وتحل الحافلات محل القطارات، بينما تتولى الشرطة ضرب حزام حول المكان لاحتواء الجمهور المتدافع. ويتعالى صراخ الأولاد، ويغمى على امرأة. ويهيب شرطي بالمتدافعين:» اتركوا متسعاً لمرور النساء والأطفال»، من غير جدوى. ويعجز الشرطيون عن ضبط الناس، ويهرب هؤلاء في الحقول المليئة بالقمامة، ويلتفون على الشرطة، ويتابعون طريقهم إلى البلقان أياً كان الثمن. فيقصدون صربيا، ثم هنغاريا فالنمسا. ويأخذ محمد قالي يد ابنه محمود، البالغ 14 سنة، فيضحك محمود، وهو يرتدي معطفاً نسائياً أعطته إياه منظمة غير حكومية، ويقول: «أريد أن أذهب إلى ألمانيا، تعيش مركل!».

وفي بودابست حشد آخر، فهنغاريا هي البوابة الثانية إلى أوروبا. وحال فتحت القطارات أبوابها هجم المهاجرون وتسابقوا على المقاعد والمحال. ويجتمع أوائل بعد الظهر فوق 300 مهاجر أمام شرطيين يحرسون مدخل المحطة. ولم يبلغ المهاجرين المتجمهرين بعد خبرُ تعليق النمسا مواصلاتها مع هنغاريا إلى أجل غير مسمى نتيجة «اختناق» شبكاتها بأمواج المهاجرين الراغبين في السفر إلى ألمانيا. ودعت شركة سكة الحديد الوطنية النمساوية، المتطوعين وشركات النقل بالحافلات إلى الإقلاع عن نقل مسافرين جدد إلى محطات القطارات. ويقترب شاب بيده تذكرة سفر من شرطي، ويسأله: «كيف يبلغ مسافرهنغاري قطاره؟». وعلى المهاجرين الوافدين بلوغ الحدود مشياً على الأقدام. وفي ليلة الأربعاء إلى الخميس اجتاز 3 آلاف الحدود إلى نيكيلسدروف، وبلغ عددهم الذروة، حوالى 1700 شخص، بين منتصف الليل والثالثة صباحاً.

ويلجأ آخرون إلى مخيم أقيم على مدخل مترو الأنفاق حيث يبذل متطوعون جهدهم ليل نهار ليقدموا الطعام والألبسة. وفي الخيمة التي تعلوها بأحرف كبيرة wi-fi (واي فاي) يتزاحم الناس حول المقابس الكهربائية، ويجلس أرضاً جودي، ذو الـ 19 سنة، وينصرف إلى هاتفه. فالشاب السوري يتبادل المحاورة مع أهله المقيمين في سورية، شأنه كل يوم منذ مغادرته حلب متوجهاً إلى ألمانيا. وهو يأمل بمتابعة دراسته الطب هناك، مستعيناً على ذلك بعمل صغير. وأول ما فعله حين وصل إلى بلد من البلدان التي اجتازها هو شراء بطاقة اتصال إلكترونية. «ما عدا هاتفي، يمكنني أن أتخلى عن أشيائي كلها». وليس في جعبته إلا بعض الملابس وجهازه الثمين. وشأن الشبان السوريين عموماً، ألمانيا هي أرض ميعاده التي بلغها في نهاية الأسبوع الماضي 20 ألفاً ووزعوا على أنحاء البلاد على وجه السرعة. وحين زارت مركل، بعد ظهر الخميس هذا (في 10/9/)، مركز استقبال ببرلين حياها المهاجرون تحية ملكة. ويبتسم حنان معتزاً وهو يري من شاء صورة السيلفي التي التقطها لنفسه إلى جانب المستشارة الزائرة.

وحنان واحد من أولئك الذين يدينون لألمانيا بكل ما يملك. وهو كردي قادم من حلب، في الـ 22 من العمر، وترك المدينة قبل 3 أشهر. والتقاه أنطونان سابو، أحد مراسلي «لوموند»، في مخيم على الحدود البلغارية في 2014، أي قبل عام، والعام في هذه الظروف دهر أو بعض دهر. وعاد والتقاه ثانية في ساندسينبين، بالقرن من هامبورغ، في شمال ألمانيا حيث يقيم اليوم. وبعد أسابيع على نزوله المدينة الشمالية، أجرت السلطات مقابلة رسمية معه ومنحته في نهايتها جواز إقامة. وكان حصل على شقة سكن في قرية لوخوو الصغيرة، وعلى مساعدة شهرية قيمتها 359 يورو، وباشر تعلم اللغة الألمانية. ولسان حاله تكلم اللغة هو شرط الاندماج».

ومفتاح سعادته هو جواز سفر مع جواز أقامة طوال 3 سنوات، أعطي له بعد شهرين ونصف الشهر من وصوله. وهو يقيم اليوم في منزل صغير بين مزرعتين، يستأجره من «سوزيالامات»، وكالة الحماية الاجتماعية الألمانية. ومنذ شهر واحد لحق به أخوه وأبوه، بعد 3 أعوام من الفراق. ويقيم في المنزل، إلى الثلاثة، عراقي وسوري. وهو لا يكلمهما، على قوله، «أصدقائي ألمان». ويتجنب حنان الإجابة حين يُسأل عن حلب أو عن مخيمات أوروبا. وبين الحين والآخر يصف حاله هناك بـ «المزرية». وينظر أبوه إلى ما حوله نظرة حزينة. ولا يتكلم الأب الألمانية، ولغته الإنكليزية تقتصر على الأرقام بين 36 و42: وهما قياسا الأحذية النسائية التي كان يرسمها بحلب. ويستعجل حنان الذهاب، ولا يريد الإصغاء إلى والده: «أنا أعمل، أعمل!». وفي جنوب ألمانيا في ميونيخ، يتأمل باسكال بريس، مدير المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين والمكتومين (OFPRA)، مكانة ألمانيا في نفوس المهاجرين الوافدين. وهو قدم إلى ميونيخ التزاماً بتعهد فرنسا رعاية 1000 شخص في حاجة ماسة إليها وقادمين من مناطق نزاع حربي، سورية أو العراق أو أريتريا، ولا شك في حصولهم على حق اللجوء. ويبدو الإرهاق على باسكال بريس. فمنذ 3 أيام يتناوب 10 موظفين في قصر المؤتمرات على فحص أوراق طالبي اللجوء. ويعلن مكبر الصوت بالعربية على طالبي اللجوء أن في وسعهم السفر في الحال إلى فرنسا، فلا يخلف النداء في الحضور، وهم يعدّون بضع عشرات، أثراً ظاهراً. ولم يتجاوز عدد المهاجرين الذين استقلوا الحافلات إلى الأراضي الفرنسية في ميونيخ، الأربعاء في 9/9/، 300 مهاجر من 6200 وصلوا إلى العاصمة البافارية. ويحادث باسكال بريس الوافدين بنفسه، وأسئلتهم واحدة وتتناول المسكن ومعادلة الشهادات وسوق العمل. ويخلص إلى أن «في ذهن المهاجرين الوافدين صورة عن ألمانيا وفردوسها يروّجها المهرّبون، ولا محلّ لفرنسا في توقعاتهم».

* مراسلون، عن «لومـوند» الفرنســية، 12/9/2015، إعداد منال نحاس.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى