صفحات الرأي

“الإخوان” وما بعد البنيوية/ ثائر ديب

 

 

يؤسفني، بدايةً، أن تأتي زاويتي هذه في الوقت الذي تتكاثر فيه السكاكين المغروزة في جسد البقرة «الإخوانية» التي يظنّ بعضهم أنّها لم تقع إلا الآن. ويؤسفني أكثر أن تأتي في الوقت الذي راح يتناهشهم من عملوا عندهم بمثابة المطايا السياسية من ليبراليين وسواهم.

لطالما اعتبرتُ تجربة «الإخوان المسلمين» كتنظيم سياسي، لا سيما في مصر، جديرة بالدرس والتأمّل، خصوصاً لجهة جمعها الذي بدا لي ناجحاً بين النخبة والقاعدة الشعبية الواسعة. لكن يبدو أنّ العمل السري وظروف البطش تخفي الكثير من الحقائق وتفسح المجال واسعاً للمبالغات. فما إن بلغ «الإخوان» السلطة حتى بان تهافتهم، في مئات الأمور، لا من خلال شخصية مرسي فحسب، بل من خلال كثير من الكوادر التي استوزروها سواء من بين صفوفهم أم من على جنباتها، حتى انّ تسعة من الوزراء كانوا قد استقالوا عشية انقلاب الجيش.

وفي سوريا، أصدر «الإخوان» في 25 آذار 2012 ما دعوه «عهد وميثاق من جماعة الإخوان المسلمين في سوريا»، تحدثوا فيه عن «دولة العدالة وسيادة القانون، لا مكان فيها للأحقاد، ولا مجال فيها لثأر أو انتقام.. حتى أولئك الذين تلوثت أيديهم بدماء الشعب، من أيّ فئة كانوا، فإنّ من حقهم الحصول على محاكمات عادلة، أمام القضاء النزيه الحرّ المستقل»، ولم يمرّ وقت طويل حتى وجّه أحد قياديّيهم البارز ملهم الدروبي نداءً «إلى الزملاء المعنيين بالعمل الدفاعي ومن له علاقة بالجيش الحرّ، وصلتني اقتراحات عدة ممن أثق بصدقهم وإخلاصهم، لا بد من نقل المعركة لمدن وقرى النصيرية في الساحل السوري. الهجوم خير وسيلة للدفاع».

أمّا بالنسبة لما بعد البنيوية وللبنيوية قبلها – إذ ليست المسافة بينهما بالكبيرة فلسفياً برغم أهميتها – فلطالما لفتني تسامح الأنظمة العربية، لا سيما ذات الطابع الديني، مع البنيوية وما بعدها ذلك التسامح الجمّ الغريب عنها. ولطالما لفتني أيضاً بروز مثقفين «إخوانيين» لم يتركوا ورقة في البنيوية وما بعد البنيوية والتفكيك إلا وقتلوها بحثاً وتمحيصاً ليجمعوا كلّ ذلك إلى افتتان بالمحيسني و «القاعدة» وباعتبار ما تقترفه «داعش» انحرافاً داخل العائلة. فما السرّ وراء ذلك كلّه؟

تركّز البنيوية على البنى، أي على العلاقات بين العناصر والقوانين العامة التي تعمل البنى من خلالها. وهي تعنى بالبنية كما هي في لحظة زمنية محددة لا بتطورها وتغيّرها التاريخيين. لذلك لا مجال في البنيوية للكلام على تغيّر البنى. التغيّر هو شيء ابتُليت به العناصر الفردية فحسب، ولا يمكنه أن يؤثّر على الكلّ إلا بهذه الطريقة غير المباشرة، لأن البنية ككل، وإن اهتزت قليلاً لتغيّر يصيب عناصرها، تعيد تنظيم نفسها كي تكيّف هذه الاضطرابات وتستوعبها، «مثل تعلّم العيش مع ساق خشبية»، كما يقول تيري إيغلتون ساخراً. أمّا ما بعد البنيوية، فمن بين أشياء كثيرة أخرى، حوّلت العالم كلّه إلى نصّ كبير فيه نصوص فرعية لا نهاية لها، وصارت وظيفة الباحثين وسواهم مقتصرة على مَخْض هذه النصوص وتأويلها وإعادة قراءتها من دون أن يكون ثمة مجال للتشكيك في النص ذاته. فهل ثمة ما يريح الآلهة والأنظمة وجميع أشكال السادة أكثر من هذا؟

لم تكن البنيوية ولا ما بعد البنيوية بالبساطة التي عرضناها بالطبع، ومنجزاتهما ومآثرهما أكثر من أن تعدّ شأنها شأن عيوبهما ونواقصهما. فما بالك، إذاً، إذا اجتمعت تلك العيوب والنواقص وحدها لدى «إنتلجنسيي» «الإخوان» و «القاعدة» ومطياتهما السياسية الضالّة؟

السفير

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى