صفحات العالم

أكـراد سـوريا …النـهـايـة السـعـيـدة!

 


خليل حرب

بعد عام على سقوط بغداد وتبلور استقلالية اقليم كردستان في شمال العراق، وتحديدا في آذار العام 2003، وقع ما كان الكل يتوقعه، ويخشاه. فبينما كانت الجيوش الاميركية في قلب المنطقة العربية تهدد يمنة وشمالا، كانت مباراة لكرة القدم، رفعت فيها صور لعبدالله اوجلان ومسعود البرزاني، كافية لاشعال شرارة عنف كردي ـ عربي، انتهت بعشرات القتلى والجرحى.

لكن المسألة ليست مباراة رياضية. الخيبات تراشقت اكراد سوريا، كما عوامل التاريخ والجغرافيا والحسابات والمصالح الاقليمية… وسوء التقدير. بالامس القريب، قالوا انهم لا يريدون ان يكونوا وقودا لثورة ستقودهم مجددا الى غياهب المجهول. ملوا تاريخهم الطويل مع هذا المجهول.

صارت فقرة صغيرة بمثابة أمل: «اصدر الرئيس بشار الاسد المرسوم التشريعي رقم (49) القاضي بمنح المسجلين في سجلات اجانب الحسكة، الجنسية العربية السورية».

… وطويت صفحة. كسبت سوريا دعامة جديدة لاستقرارها: الاكراد. شكل من اشكال المساواة. انصاف تأخر كثيرا .. منذ العام 1962 وقضية الممنوعين من الجنسية، تعصف بها التعقيدات… والحرمان.

يقول الاكراد ان 85 الف شخص حرموا في ذلك العام من حق الجنسية، وصار عددهم الان اكثر من 250 الف شخص. لكن القضية تبدو اكثر تعقيدا من ذلك. ففي احصاء العام 1962، هناك ايضا من تفلت، بين الاكراد، من الاحصاء السكاني. البعض كان يريد تجنب الخدمة العسكرية. وهناك من يقول ايضا ان عائلات كردية اضطرت الى النزوح من تركيا والعراق خلال الاربعينات من القرن الماضي، واستقرت في محافظة الحسكة، ولم يكن ممكنا منحها الجنسية. كما ان هناك، في السلطة، من يقول، ان بعض العائلات تمكنت من تسجيل اسمائها في دوائر النفوس السورية، بصورة غير قانونية.

لعل رواية واحدة هي الصحيحة، ولعلها مجتمعة. لكن المؤكد ان الريبة كانت متبادلة.

وظلت شريحة كردية كبيرة من دون هوية. يقول مصدر اعلامي ان «حزب البعث ورث هذه المشكلة، لكن ذلك لا يعفيه من مسؤولية استمرارها طوال نصف قرن».

ويشير المصدر الى ان هذه الفئة من الاكراد تحمل «هوية اجانب الحسكة». هي هوية سورية، لكنها تفتقر الى حقوق الانتخابات والترشح، بينما تتمتع بحقوق المواطنة الاخرى مثل الطبابة والتعليم وغيرها، مضيفا على سبيل توكيد الفكرة انه «اذا كان اللاجئون يتمتعون بحقوق واسعة، فما بالك بالاكراد».

استمر الاحساس بالحرمان قائما، وظلت الدولة تنظر بعين الريبة الى شريحة خرجت او اخرجت، من نظام التجنيس. كان الشك متبادلا. وكان الميل الانفصالي بين مجموعات كردية كبيرة لا يستهان به، كما هو الحال في تركيا والعراق وايران. لكن ذلك لم يمنع انطلاق مفاوضات اولى في بداية عهد الرئيس السابق حافظ الاسد في اطار سعي الاكراد للتأكيد على مواطنيتهم والحصول على هوية كاملة وجواز سفر، والاستفادة بالتالي من حقوق المواطن من الدولة.

خلال الثمانينات، يقول مصدر برلماني، «كانت النزعة الانفصالية على اشدها… والبحث في هوية وتجنيس كان متعذرا». كانت سوريا نفسها تعيش توترا استثنائيا مع جارتيها: العراق وتركيا. ملفات الازمات مع البلدين كانت كبيرة، ولم تكن دمشق في وارد اضافة صاعق تفجير جديد للعلاقات في مسألة بهذه الحساسية لكل من النظامين في بغداد وأنقرة. الخطوة باتجاه حقوق للاكراد، كان يمكن ان تشعل نيران جديدة. في اواخر تسعينات القرن الماضي، كاد وجود عبدالله اوجلان في سوريا، يشعل حربا سورية – تركية. الى هذه الدرجة، كان الملف الكردي ملتهبا.

وفي العام 2001، طرح الرئيس بشار الاسد قضية التجنيس على طاولة البحث. صار هناك اعتراف مبدئي بحق نحو 250 الف شخص بالجنسية. بعدها بعامين، كان غزو العراق. طوي الملف مجددا. وفي العام 2004، كانت مبارة نادي القامشلي ونادي دير الزور التي انتهت احداثها بقتلى وجرحى في اكثر من منطقة. صار الدم مجددا عائقا امام أي ثقة بين الطرفين. لكن ذلك لم يمنع «المؤتمر القطري» في العام 2005 من تبني توصية منح الجنسية وكلفت الحكومة دراسة المشروع. في العام ذاته، كان الرئيس رفيق الحريري يتعرض للاغتيال، وبدأت معها الاتهامات تتوجه الى سوريا التي قالت كثيرا ان مؤامرة كبرى تحاك ضدها. وطوي الملف مجددا.

لا يمكن فصل المرسوم الرئاسي الجديد للاسد امس عن تطورات التظاهرات الاخيرة والتي نأى الاكراد عموما بأنفسهم عنها. خلال الاسابيع الماضية بالكاد سجل تحرك احتجاجي على الارض في مناطق شمال شرق سوريا حيث يتركز وجودهم، خصوصا في الحسكة والقامشلي، ويشكلون ما بين 10 الى 15 في المئة من عدد سكان سوريا.

يقول عضو في مجلس الشعب السوري، ان تحريك الملف بدأ قبل ذلك بكثير. في ايلول العام 2010، كان الاسد قد طلب من الحكومة ايجاد صيغة وآلية قانونية لمنح الجنسية، وعقدت بالفعل لقاءات وحوارات مع وجهاء الاكراد.

ويؤكد مصدر اعلامي آخر انه منذ شهور وهناك تعليمات واضحة يجري العمل وفقها، لتسهيل معاملات الاكراد في دوائر الحكومة والدولة، فيما يقول مصدر سياسي ان الاكراد «تصرفوا بعقلانية خلال عيد النوروز».

ومن جهته، يقول مصدر برلماني انه منذ شباط الماضي، بدأت الامور بالاتجاه نحو اتخاذ القرار الذي صدر بمرسوم رئاسي امس، سبقه لقاء الاسد الثلاثاء الماضي مع «عدد من الفعاليات الاجتماعية في محافظة الحسكة» والتي اعربت بحسب البيان الرسمي عن «ارتياحها لتوجيهات الأسد بمعالجة موضوع إحصاء 1962 قبل الخامس عشر من نيسان الحالي» مؤكدة على «وحدة الشعب السوري بكل أطيافه ووقوفهم ضد أي محاولة للمساس بوحدة البلد وامنه واستقراره».

هل انتهت القضية هنا؟ ربما لا. لم يتضح عدد من سيشملهم مرسوم التجنيس. هناك من يقول مئة الف شخص، وهناك من يقول ان الرقم قد يصل الى 300 الف شخص. هؤلاء مسجلون كـ«أجانب الحسكة». فماذا عن «المكتوم»، أي غير الموجود في السجلات، وفي القيود المدنية اساسا، كما يتساءل ناشط كردي، مرجحا ان يكون عدد «المكتومين» بين الـ300 الف و700 الف شخص.

هل انتهت القضية هنا؟ ربما تكون البداية طالما ان هناك من يقول ان التجنيس يمكن ان يشكل اشارة نهاية لفكرة ان «للاكراد في سوريا قضية كردية» وهو ما كانت سوريا في غنى عنه. هل تكون نهاية سعيدة تتيح لمن كان بلا جنسية، ان يصبح مواطنا كاملا متساويا مع المواطنين وامام القانون؟

مرسوم التجنيس بالامس، طال انتظاره بالنسبة الى كثيرين، وتأخر بالنسبة لآخرين. لكنه في هذه الظروف، يتسم بكثير من الجرأة. خطوة تقول في طياتها ان العروبة قادرة على ان تكون منفتحة… كما يجدر بها ان تكون.

السفير

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى