صفحات الثقافة

أما وقد انتهى الكابوس النباتيّ/ مارك ستراند

 

 

 

الملك

 

وقفتُ في منتصف الغرفة وناديت،

“أعرف أنك هنا”،

ثم لمحته في الزاوية،

بدا نحيفا بتاجه

المرصّع بالجواهر

وردائه بحواف الفرو.

“فقدت رغبتي في الحكم”،

قال. “لا أحد في مملكتي

سواك، وجل ما تفعله

هو السؤال عني”،

“ولكن يا صاحب الجلالة _؛

“لا تلعب ‘يا صاحب الجلالة’ معي”،

قال، وأمال رأسه

جانبا وأغلق عينيه.

“ما تراه الآن’ همس،

“هو أقرب الأشياء إلى الحقيقة”

ليدلف في حلمه

كفأرة تختفي

في جحرها.

 

مديح قصير

 

أما وقد انتهى الكابوس النباتيّ وعدنا إلى لحومنا وإلى

سطوة عاداتنا الجميلة والمعتمة، واستطعنا أن نتحدث بهدوء

عن قصة نجاتنا، ليمرّ إذن نسيم المستقبل،

ليعاود المرور على أجسادنا الضّخمة والجائعة.

دعنا نسير إلى المتجر كي نعانق القصاب ونترك عام الجزر

وشهر البصل خلفنا، دعنا نعبد اللّحم المشوي أو المطهي والذي

سيستعيد مكانته في الصدارة المقدسة لمائدة الطعام.

 

حلم السفر

 

ينحدر من الجبل الحصان ذو اللون القشدي، يقطع حقولا مظلمة ويخطو بخفة داخل البيت، ليقف كغيمة صامتا في غرفة المعيشة المشرقة. وفجأة، ودون تحذير، تأخذه بعيدا الذراع الرمادية للريح. “أحببت ذلك الحصان”، فكر الشاعر. بوسعي الهيام بأي شيء، ولكنني أحببت ذلك الحصان. كان بإمكاني اصطحابه إلى البحر، البحر الحزين المجعد، ومن يدري ما كنت سأفعله هناك – أحيل الريح إلى كرة زجاجية، أجعل النجوم ترتجف تحت ضوء الشمس.

 

كعكة

 

يذهب الرجل إلى مدينة مجاورة ليجلب كعكة كان قد اشتراها.

في طريقه إلى هناك، يضيع في غابات كثيفة

لتبقى الكعكة دون أن يطلبها أحد.

يظهرالرجل بعد سنين على الساحل، محدّقا في البحر.

“أقف الآن على الساحل”، يفكر، “وقد ضعت في خواطري”. يبقى ساكنا.

مظلما يصير البحر الهائج، أمواجه تتلوى وتتحطم. “سأغادر قريبا”، يضيف.

“سأذهب قريبا إلى مدينة مجاورة من أجل الكعكة، سأخترق غابات مديدة ومخادعة،

وفي البعيد سيصير البحر الهادر معتما، والأمواج – يمكنني رؤيتها الآن – ستتلوى وتتحطم”.

شارع في نهاية العالم

 

“ألم نمر بهذا الشارع من قبل؟ أعتقد

ذلك؛ أظنهم يعبّدونه كل بضع سنين، ولكنه

يعاود الظهور بغربانه وأغصانه الميتة،

بأرصفته المحطمة، بطوابير البشر يغادرون مشهدا

يناله الخواء حال خروجهم.

وماذا عن المدينة المسيجة بسنونواتها المحلقة

والشمس تغرب خلفها، ألم نر ذلك من قبل؟

وماذا عن السفينة التي ستبحر إلى جزيرة

قوس قزح معتم، وماذا عن زهور منتصف الليل، والمرشد

السياحي الملتحي والذي يشير إلينا بالصعود؟”.

“نعم، عزيزتي، قد رأينا ذلك أيضا،

ولكن عليك الآن أن تمسكي بذراعي

وأن تطبقي عينيك”.

 

مقطوعة موسيقية حالمة للشاعر الذي أحب القمر

تعبت من القمر، تعبت من سحنته الذاهلة، من تحديقته الجليدية الزرقاء، من رواحه ومجيئه، من تجميعه للعشاق والمتوحدين تحت أجنحته اللامرئية عاجزا عن التفريق بينهم. تعبت من أشياء كثيرة كانت تثير دهشتي، تعبت من رؤية ظلال السحابة تعبر فوق الأعشاب المشمسة، من مراقبة البجعات رائحات غاديات فوق البحيرة، تعبت من الحملقة في الظلام، متأملا العثور على صورة لم تولد بعد.

ألا فلتدخل البساطةُ العين، بساطة كمائدة خالية، كمائدة لم تصر مائدة بعد.

رسالة من تيغوسيغالبا

عزيزتي هنرياتا، ولأنك تفضلت بالسؤال عن سبب توقفي عن الكتابة، سأجيبك بأحسن ما يكون. في سالف الأيام، كانت أفكاري تتوهج كشرر متطاير في الظلمة شبه التامة لعقلي فأقوم بتدوينها، لتشرق صفحة بعد أخرى عن ضوء حسبته ضوئي. كنت أجلس إلى منضدتي مندهشا لما قد حدث. وحتى عندما كنت أشهد تلاشي الأضواء، وأفكاري تخبو وتصير أنصابا لا معنى لها في غروب ما كان وعدا كبيرا، فقد بقيت مدهوشا. وعندما يختفي الضوء، نهاية لا مفر منها، كنت مستعدا للبدء ثانية، مستعدا للجلوس لساعات في الظلمة منتظرا شرارة واحدة، رغم يقيني بأنها لن تضيء أبدا. ما لم أكن أعرفه في ذلك الوقت، لكنني أدركه الآن تماما، هو أن ذلك الشرر كان يخزن في طياته الرغبة في التحرر من ثقل السطوع. لهذا توقفت عن الكتابة، ولهذا صارت الظلمة حريتي وسعادتي.

المترجم: ترجمة: صادق زورة

ضفة ثالثة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى