صفحات العالم

ادعموا الشعب السوري


جيمس زغبي

منذ أشهر والعالم يشاهد تصعيداً للعنف القاتل في سوريا في وقت لجأت فيه حكومة الأسد إلى أساليب القمع الوحشي بشكل متزايد في محاولة لسحق انتفاضة جماعية في البلاد. وإذا كانت الحكومة تقول إنها عرضت على المحتجين سلسلة من مقترحات الإصلاح، فإن قمعها الوحشي والدموي لمظاهرات سلمية عموماً يطرح علامات استفهام بشأن جدية نيتها في تغيير مقاربتها للحكم. ولئن كانت المفاوضات بين النظام والمعارضة بشأن الانتقال إلى الديمقراطية ممكنة ربما في مرحلة ما، فإن تلك اللحظة قد مرت منذ وقت طويل بالنظر إلى قسوة وخشونة سلوك الحكومة. ونتيجة لذلك، زاد المحتجون تصميمهم، وباتوا يطالبون اليوم بإسقاط النظام. وهذا بدوره جلب مزيداً من القمع.

والحال أن صور عشرات ومئات الآلاف من المحتجين وهم يواجهون الدبابات والجنود والقناصة كانت ملهمة. غير أنه بقدر ما أذهلت شجاعة الشعب السوري وقدرته على الصمود العالم، بقدر ما كان العناد المرَضي للنظام محيراً. فعلى رغم أن الطريق الحالي الذي تسير عليه الحكومة مسدود، إلا أنها ترفض بقوة كل الدعوات الموجهة لها لتغيير الاتجاه، بما فيها دعوات صادرة عن دول صديقة سابقاً. وبذلك يمكن القول إن “النظام مقبل على الانتحار”، كما قال محلل يساري لبناني.

ومما يزيد من قلقنا بشأن سوريا حقيقة أنه إذا كان النظام قد فقد كل الشرعية، فإن المعارضة المتشرذمة هي أيضاً ليست قادرة على الحكم وضمان أمن وسلامة الشعب السوري وصيانة حقوقه. ولعل المثير للقلق بشكل خاص هو وضع الأقليات الدينية والإثنية الهشة وأعداد كبيرة من الفلسطينيين والعراقيين الذين لجأوا إلى سوريا. فكثيرون يشعرون بأنهم قد يواجهون الآن خطر سيناريو شبيه بذلك الذي عرفه العراق. وهذا الخوف من مستقبل مجهول هو الورقة الأخيرة التي مازال النظام يستطيع لعبها، ما سمح له بالحفاظ على دعم بعض فئات المجتمع السوري.

غير أن هذا العنف والقمع طال أمدهما وهناك مؤشرات خطيرة على أنه في حال استمرارهما، فإن الوضع قد يفلت ويخرج عن السيطرة أكثر، مع تنامي حالة الفوضى وانعدام القانون، والدعوات إلى الانتقام، والعنف الطائفي. ولئن كان هذا أيضاً شيء يردده النظام كثيراً بهدف التخويف، فما من شك في حقيقة أن الحالة الراهنة إنما تعزى إلى سلوك النظام نفسه: انشغاله بالذات على نحو ينمُّ عن أنانيته، وصمه الآذان عن صرخات شعبه، ووحشيته، وتاريخه بخصوص رفض السماح بتطور أي مؤسسات سياسية مستقلة حقيقية في البلاد.

وفي هذا الأسبوع، اتخذ أوباما خطوة مهمة هي إعلان أن الرئيس الأسد ينبغي عليه أن “يتنحى جانباً” و”يتنحى عن طريق” عملية انتقالية في سوريا، وقد أشفع ذلك بـ”عقوبات غير مسبوقة لتعميق العزلة المالية للنظام”. وبعد ذلك بوقت قصير دُعمت جهوده بخطوات مماثلة من قبل العديد من الحلفاء الأوروبيين.

ولئن كان بعض “الصقور” هنا في واشنطن قد انتقدوا الإدارة لعدم تحركها بشكل أسرع وعدم القيام بأكثر من ذلك، فإنهم خاطئون تماماً. ذلك أن السياسة التي تنتهجها إدارة أوباما مناسبة وصائبة بشكل عام حتى الآن. فأميركا تستطيع زيادة الضغط، وفرض عقوبات، والدفاع عن الحرية والحقوق السياسية، وتنسيق الاستراتيجيات مع الحلفاء؛ ولكن ينبغي ألا نفترض أن أميركا تستطيع لعب دور أكبر عبر التدخل بشكل مباشر. فبعد حربين فاشلتين ومتهورتين في المنطقة، وتاريخ من التجاهل القاسي للحقوق الفلسطينية، مما لاشك فيه أن الولايات المتحدة ليست قادرة على أن تقود المبادرة في الحالة السورية. كما أن معظم السوريين (ومعظم العرب عموماً) سيرفضون دوراً أميركيّاً مثل هذا.

وقد كنت أتمنى لو كان ثمة حل سهل متيسر أو طريق واضح إلى الأمام. ولكن لا شيء من ذلك متاح اليوم. غير أن ما هو واضح بالمقابل هو أن الوضع في سوريا قد وصل إلى مرحلة حيث يمكن ويجب على العالم العربي أن يرد. فمن غير المقبول ألا يقابل الوضع الحالي في سوريا بمحاولة لكبح جماح النظام؛ ومن غير المقبول أن يظل العرب صامتين ويبدوا عاجزين في وقت يتواصل فيه ارتكاب الفظاعات.

وعليه، فيتعين على الجامعة العربية أن تؤكد أن نظام الأسد قد فقد أي شرعية كانت لديه في الماضي داخل العالم العربي وتعلق بسرعة عضويته في المنظمة، بحيث تعلن أن النظام قد خسر الحق في لعب دور في مستقبل سوريا ومستقبل المنطقة. وإذا كانت هذه الخطوة في حد ذاتها لن تضع حدّاً للعنف ولن تمهد الطريق لعملية انتقال السلطة، فإنها ستزيد من عزلة النظام وكشفه. ولأن المعارضة الحالية ليست مستعدة لتسلم المسؤولية عن البلاد، فإن جامعة الدول العربية يمكن أن تنضم إلى تركيا لعقد مؤتمر يجمع مختلف الفرقاء السوريين بهدف المساعدة في إعدادهم لمرحلة انتقالية، حيث يمكنها أن تعرض عليهم توفير الموارد والدعم لهذه العملية الانتقالية. ومن المهم بشكل خاص أثناء التحضير لهذا المؤتمر الحرص على إشراك كل فئات المجتمع السوري، بما يؤدي إلى خلق حوار وطني يضمن للأقليات الدينية والإثنية حقوق أبنائها كمواطنين متساويين في سوريا الغد مؤمنة.

ويخشى البعض أن تشجع خطوات من هذا القبيل إيران على لعب دور أكثر دعماً ونشاطاً في سوريا. ولكن إيران ووكلاءها يقومون منذ الآن بدعم النظام والاستثمار فيه. والواقع أن الشعب السوري هو الذي يفتقر إلى راع إقليمي. ولذلك، فإنه في حاجة إلى دعم قوي ودراماتيكي من أشقائه العرب. وكلما تلقى السوريون الدعم والمساندة التي يستحقونها بسرعة، كلما كان ذلك أحسن!

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى